Monday 2 March 2015

تدبر آية من القرآن العظيم - من الحزب 26 - الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة



 


الكلمة الطيبة كالشجرة القوية الراسخة، والكلمة الخبيثة لا قرار لها :

امتن الله على عباده بنعمة ميزهم به عن غيرهم عن سائر المخلوقات، وهي نعمة التخاطب بالكلمة المفهومة ، وأمرهم بحسن انتقائها واستخدامها قال سبحانه :{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً} ( الإسراء ـ 53) وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب:70-71)
-وجعلها الله سبحانه ضابط الحسنات والسيئات إلى جانب الفعل والإرادة وجعل عليها رقيبا {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ( ق 18) ليميز بها المصلح من المفسد .
-وجعل سبحانه النطق بالكلمة الطيبة وتحريرها من علامة رضوانه وامتن بها على عباده المؤمنين بقوله سبحانه : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَ‌اطِ الْحَمِيدِ } ( الحج 24)
وقد ضرب الله لنا في سورة إبراهيم  مثلا مباركاً ، فيه تشبيهين عظيمين  أحدهما يرغِّب بالقول النافع ، والكلمة الطيبة، والآخر ينفر من الخبيث من القول ، قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ‌ كَيْفَ ضَرَ‌بَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَ‌ةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْ‌عُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ۗ وَيَضْرِ‌بُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُ‌ونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَ‌ةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْ‌ضِ مَا لَهَا مِن قَرَ‌ارٍ‌ *  يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَ‌ةِ ۖ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ} (إبراهيم 24 -27 )

ومضات:
- اكتشف باحثون أن الكلمة الطيبة تؤثر على دماغ الإنسان وتحدث نفس الأثر الذي تحدثه المكافأة المالية التي يحصل عليها الإنسان بعد بذله لمجهود ما. وربما نتذكر قول الحق تبارك وتعالى عندما أكد لنا أهمية الكلمة الطيبة والقول المعروف وأنه خير من إنسان يعطي المال لفقير ثم يؤذيه بالكلام فيشعره بفقره وحاجته، يقول تعالى: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263]
- ومن المشاهد أن صاحب الذوق السليم ينتقي من الكلمات أطيبها وأحلاها، فإذا اقترن ذوقه الرفيع وارتقى بالإيمان وتهذب صار يختار من الكلام أحلاه وأغلاه وأعظمه فائدة له ولغيره، ولا يدع لسانه مطيَّة للشيطان يحرِّكه لينطق بما يرضيه في بثِّ الفتن والأحقاد بين قلوب المؤمنين، ليحيل ودَّهم عداوة، ووحدتهم وتعاضدهم فرقة وضعفاً.
فنور الهدى والإيمان في قلب المؤمن يجعل كلامه يجري على لسانه من رضوان الله هداية للناس ، وقربا له من ربه. كما جاء في
حديث أبي هريرة المتفق عليه: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم".
من آثار الكلمة الطيبة:
- أنها تؤلف القلوب وتصلح النفوس وتذهب الحزن وتزيل الغضب وتشعر بالرضا والسعادة لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة " تبسمك في وجه أخيك صدقة " ( صحيح ابن حبان)  فتنشر الألفة والمودة في المجتمع وتعمق أواصر الوحدة بين الناس.
-الكلمة الطيبة مفتاح الدعوة إلى الله ، وإلى ما يعزز التوحيد وينافي البدع والمنكرات والشهوات والشبهات { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ}  ( فصلت33) فتغرس الخلق والأدب ، وتنبه الغافل ، وتنهى السالك في طرق الغواية بلا هدى ، فتثمر ثمارا طيبة في عباد الله، وتفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر، نتائجها مفيدة، وغاياتها بناءة سامية.
- الكلمة الطيبة صدقة تثري المال، وتنمي الرزق، وتصل الرحم، وتنسيء في الأجل، وتدخل الجنة فقد تكون تسبيحة أو ذكرا أو دعاء أو صلاة ..
- الكلمة الطيبة سمة المؤمنين الصادقين والدعاة وشعارهم { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللهٌ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} ( الفتح26) .
-الكلمة الطيبة انصياع تعبدي من قبل المسلم لأمر ربه، وامتثالا لقوله تعالى: { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة: 83) وقوله : { وَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } (النساء: 5). وقال سبحانه أيضا {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} (الإسراء: 28)
تفسير الآيات:
إن الله جلت قدرته شبه الكلمة الطيبة وهي كلمة التي تخرج من منبع الإيمان  الثابت في قلب المؤمن ، والتي يُرفع بها عمل المؤمن إلى السماء كما قال: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } ( فاطر 10)وتنال بركته وثوابه في كل وقت.
 فالمؤمن كلما قال لا إله إلا الله صعدت إلى السماء وجاءت بركتها وخيرها
شبهه بالشجرة الطيبة المثمرة الجميلة المنظر الشذّية الرائحة جذورها ضاربة في الأرض، وتعلوا أغصانها إلى السماء، وهي ذات ثمر في كل حين، ذاك أن الهداية إذا حلت قلبا فاضت منه على غيره، وملأت قلوبا كثيرة، فكأنها شجرة أثمرت كل حين، لأن ثمراتها دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وكل قلب يتلّقى عما يشاكله، ويأخذ منه بسرعة أشد من سرعة إيقاد النار في الهشيم، أو سريان الكهرباء في المعادن، أو الضوء في الأثير.
وقد روى عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة هي قول « لا إله إلا الله » وأن الشجرة الطيبة: هي " النخلة "
وعن ابن عمر قال : « كنا عند رسول الله فقال: أخبروني عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها لا صيفا ولا شتاء وتؤتى أكلها كل حين بإذن ربها. قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبابكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله : النخلة. فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، قال ما منعك أن تتكلم؟ قلت لم أركم تتكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا، قال عمر: لأن تكون قلتها أحبّ إلي من كذا وكذا » رواه البخاري.
ثم نبه سبحانه إلى عظم هذا المثل ليكون ذلك داعية تدبره ومعرفة المراد منه فقال:{ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}
فائدة ضرب المثل في القرآن
 أي إن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير للناس، لأن أنس النفوس بها أكثر، فهي تخرج المعنى من خفي إلى جلي، ومما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع، وبها يطبق المعقول على المحسوس فيحصل العلم التام بالشيء الممثل له.
ثم ضرب الله تعالى مثلا آخر ، مقابلا للمثل الأول، فقال سبحانه: { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ}  أي ومثل كلمة الكفر وماشاكلها مثل شجرة خبيثة كالحنظل ونحوه مما ليس له أصل ثابت في الأرض، بل جذورها لا تتجاوز سطح الأرض، يسهل أن تقتلع من فوق الأرض، لأن جذورها قريبة من السطح، أو لا جذور لها في الأرض، فكما أن هذه  الشجرة لا ثبات لها ولا دوام، فكذلك الباطل لا يدوم ولا يثبت، بل هو زائل ذاهب، وثمره مرٌّ كريه كالحنظل.
وما أقوى الحق وأثبته، وأكثر نفعه للناس، فهو ثابت الدعائم متين الأركان، وما كل حين كالنخل.
والخلاصة - إن أرباب النفوس العالية الراقية ، إيمانهم في قلوبهم ثابت ، وأنفسهم تتطلع في السماء، هؤلاء هم أصحاب الكلمة الطيبة،  والكلام فنٌّ وأدب وذوق، ومن لا يتقن هذا الفن يضيِّع الكثير من الفوائد والمغانم، فكم من كلمة خبيثة لا يأبه العبد بها، تودي به إلى الذُّل والتهلكة، وكم من كلمة طيِّبة قرَّبت بين المتباعدين، وأصلحت ما بين المتخاصمين، وجمعت شمل المتدابرين، فأورثت صاحبها عزَّاً وحمداً بين الناس لا يُمحى على مرِّ الأيام؛ لذلك أمر الله عباده بأن يجمِّلوا ألسنتهم بالكلام الحسن، وضرب لهم مثلاً حيَّاً يصوِّر فيه قوة أثرالكلمة الطيِّبة.
ثم بين الله تعالى كرامته لعباده المؤمنين فقال: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ}  أي يثبتهم بالقول الحق الباقى الراسخ عبر الأزمان، في الحياة الدنيا يثبتهم عند الفتن ، وبعد الموت في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة، يثبتهم عند السؤال فلا يتلعثمون ولا يضطربون ، وفى مواقف القيامة لا تدهشهم الأهوال.
أخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب أنه قال في الآية: " التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا له: من ربك؟ قال ربى الله، وقالا: وما دينك؟ قال ديني الإسلام، وقالا وما نبيك؟ قال نبي محمد ." و روى البخاري، عن براء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله قال: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: { يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}  ) "ورواه مسلم)
وعن عثمان بن عفان قال « كان رسول الله إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: « استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل » أخرجه أبو داود.
وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره وفى جوابه لهم، وفى عذاب القبر وفتنته
وبعد أن وصف الكلمة الخبيثة في الآية المتقدمة بين حال أصحابها بقوله:
{ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}  أي  الذين ظلموا أنفسهم بعدم استجابتهم للحق واستكبارهم عن طريقه، فيخلق فيهم الضلال عن الحق بسبب بعدهم ومعاصيهم وميلهم مع شهوات النفوس وتدسيتها بصنوف الشرور والمعاصي، سنة الله في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما « إن الكافر إذا حضره الموت تنزل عليه الملائكة عليهم السلام يضربون وجهه ودبره، فإذا دخل قبره أقعد فقيل له من ربك؟ لم يرجع إليهم شيئا وأنساه الله تعالى ذكر ذلك، وإذا قيل له من الرسول الذي بعث إليك؟ لم يهتد له ولم يرجع إليه شيئا"  فذلك قوله تعالى : { وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ } .
{ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ}  أي وبيده تعالى الهداية والإضلال بحسب ما تقتضيه سننه العامة التي سنها في عباده، بحسب استعداد النفوس وقبولها لكل منهما، فلا تنكروا قدرته على اهتداء من كان ضالا ولا ضلال من كان منكم مهتديا، فإن بيده تصريف خلقه، وتقليب قلوبهم، يفعل فيهم ما يشاء.
فائدة : الإيمان يزيد وينقص
ومثلما أن الشجرة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها فإذا قطع عنها السقي أوشك أن تيبس فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح ومداومة الذكر ، والتفكر في نعم الله ، وفي خلقه، وإلا أوشك أن تيبس وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله: " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا  الله أن يجدد الإيمان في قلوبك" ( صحيح الجامع للألباني )، وكما قال تعالى:{ {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ‌ عِندَ رَ‌بِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ‌ مَّرَ‌دًّا } ( مريم 76)
 وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه بالسقاية والعناية،أوشك أن يهلك ومن هنا تظهر شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به  من الأذكار عامة ، العبادات على تعاقب الأوقات، ففيها تتجلى عظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده أن أمرهم منها هو سقاء لغراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم .
فكما  أن الغرس والزرع النافع قد أجرى الله  سبحانه العادة أنه لا بد أن يخالطه دغل ونبت غريب ليس من جنسه فإن تعاهده صاحبه ونقاه وقلعه كمل الغرس والزرع واستوى وتم نباته وكان أوفر لثمرته وأطيب وأزكى.
 وإن تركه  أوشك أن يغلب على الغرس والزرع ويكون الحكم له أو يضعف الأصل ويجعل الثمرة ذميمة ناقصة بحسب كثرته وقلته ومن لم يكن له فقه نفس في هذا ومعرفة به فإنه يفوته ربح كثير وهو لا يشعر
فالمؤمن دائما سعيه في شيئين سقي هذه الشجرة وتنقية ما حولها فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حولها من الخبث فتكمل وتتم
والله المستعان وعليه التكلان


No comments:

Post a Comment