Thursday 5 March 2015

تدبر آية من القرآن العظيم – الحزب 26 – ألا بذكر الله تظمئن القلوب

 


  


 ذكر الله سبحانه طمأنينة القلوب وشفاؤها

سبحانه وتعالى رب القلوب وهو الأعلم بها، يعلم ما يجمعها وما يشتتها ، وما يوهنها ويقويها، وما يضيقها وما يشرحها، هو سبحانه الذي جعل اسمه وذكره شفاءها ودواءها ، جعل ذكره سبحانه جنته في أرضه ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .

قال تعالى :( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)( الرعد 28)  
 ذكره عز وجل هو شفاء للقلوب من أمراضها وأسقامها، مما يتعبها ويشقيها، بل إن بذكره تعالى ينجلي الخوف والفزع ، والهم والغم والحزن ، بذكره تنزاح جبال الكرب والغم والأسى .
وبقدر إكثار العبد لذكر ربه ينشرح صدره ، وتنبسط أساريره بالرضا ، ففي ذكره جل في علاه معاني التوكل عليه، والثقة به، وحسن الظن به والأنس به والسعادة والرضى بقضائه وقدره، والامن والسرور بما حكم .
وإذا ذكر عز وجل ودُعي فهو قريب، مجيب إذا سئل، سميع إذا نُودي، فاضرع واخضع له واخشع ، وردد ذكره بقلبك ولسانك ولا تفتر ، فإنه لا يمل من بذل جزيل الثواب حتى تملوا ، ردد جميع  أسمائه العلى ، وصفاته الحسنى موحدا له مثنيا عليه ،ممجدا له ،مستغفرا ثم داعيا  فتجد الأمن والأمان والسرور والنور والحبور والطمأنينة والسكينة ، والرضى وسعادة في القلب ، مهما كان حال الظاهر ، من مرض أو شدة .
ولا عجب أن يحصل كل هذا لمن ذكر ربه، ولكن العجب لمن يغفل عن ذكر خالقه، كيف يعيش، وعلى من توكله، وبمن أنسه؟

 منزلة الذكر:
ذِكر الله عز وجل من أيسر العبادات وأسهلها وأجلِّها وأفضلها، فحركة اللسان أخف حركات الجوارح، وقد رتب الله عليه من الفضل والعطاء ما لم يرتب على غيره من الأعمال.
وحاجة القلب للذكر أعظم من حاجة البدن للطعام، وضرر المعاصي للقلب أشد من ضرر السموم للبدن.
لهذا ما فرض الله عز وجل على عباده من فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العذر، إلا الذكر فإنه لأهميته لم يجعل الله له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله.
فلعظيم منافع الذكر أمرنا الله عز وجل بذكره في جميع الأوقات والأحوال بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا  * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }  (الأحزاب:41- 42).
وقول الحق سبحانه: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (الأحزاب: 35)
وقوله: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } ( آل عمران: 190-191)
صفة ذكر النبي :
أكمل الخلق ذكراً لله عز وجل هو النبي ، كان يذكر الله في كل أحيانه، وعلى جميع أحواله، فكلامه كله في ذكر الله وما والاه، وكان إخباره عن ربه في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ذكراً منه لربه، وكذلك حمده وتسبيحه وتمجيده له، وثناؤه عليه، ذكراً منه لربه،وكان سؤاله لله، ودعاؤه إياه في كل حال ذكراً منه لربه.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:" كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أحْيَانِهِ " أخرجه مسلم.
فوائد ذكر الله عز وجل:
قد ذكر الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه القيم (الوابل الصيب) للذكر أكثر من سبعين فائدة، نذكر بعضها هنا للإختصار :

- منها أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ، ويرضى الرحمن عز وجل ، ويزيل الهم والغم والحزن ، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط .

- ومنها : أنه يقوي القلب والبدن ، وينور الوجه والقلب ويجلب الرزق .

- ومنها : أنه يورث المراقبة حتى يدخل العبد في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ، ويورثه الإنابة والقرب ، فعلى قدر ذكر العبد لربه يكون قربه منه ، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه .

-ومنها : أنه سبب  لذكر الله عز وجل للعبد الذاكر ، قال تعالى : ( فاذكروني أذكركم)(البقرة/152) ، وفي الحديث القدسي : " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " .البخاري

-ومنها : أنه حياة القلب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الذكر للقلب كالماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء .

-ومنها : أنه يحيي قلب صاحبه، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي: " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت"

-ومنها : أنه يحط الخطايا ويذهبها ، فإنه من أعظم الحسنات والحسنات يذهبن السيئات.
قال ـ : " من قال في يوم وليلة سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ، وإن كانت مثل زبد البحر" (رواه البخاري ومسلم) .

-ومنها أنه سبب لنزول الرحمة والسكينة كما قال: " وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده "(رواه مسلم والترمذي)
 
-ومنها : أنه سبب لانشغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل ، فمن عَوَّد لسانه ذكر الله صانه عن الباطل واللغو ، ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش ولا حول ولا قوة إلا بالله .

-ومنها : أنه غراس الجنة كما في حديث جابر عن النبي: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة"

-ومنها : أن العطاء والفضل الذي ترتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله قال : "من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه" (رواه البخاري ومسلم).

- ومنها : أن دوام ذكر الرب تعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده ، فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى : {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} (الحشر/19) .
وإذا نسى العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت.

 
-ومنها : أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته كما في حديث معاوية رضي الله عنه  ، إن رسول الله خرج على حلقة من أصحابه فقال : "ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ علينا بك ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة" (رواه مسلم)    .

-ومنها : أن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله عز وجل قال تعالى : { وأقم الصلاة لذكري} (طه/14) ، أي لإقامة ذكري ، وقال شيخ الإسلام في قوله تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}(العنكبوت/45) الصحيح أن معنى الآية أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان وأحدهما أعظم من الآخر ، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولما فيها من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر .

-ومنها : أن إدامته خير من بعض الطاعات المندوبات ، وقد جاء ذلك صريحـًا في حديث أبي هريرة : "أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله فقالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلي والنعيم المقيم ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضل أموالهم يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ، فقال:  ألا أعلمكم شيئـًا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا أحد يكون أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة" ( رواه البخاري)
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : " لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله عز وجل " .

-ومنها : أن الذكر يعطي الذاكر قوة في قلبه وفي بدنه حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه ، وقد علم النبي ابنته فاطمة وعليـًا رضي الله عنهما ـ أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثـًا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثـًا وثلاثين ، ويكبرا ثلاثـًا وثلاثين لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة فعلمها ذلك ، وقال : " إنه خير لكما من خادم" (رواه البخاري ومسلم) ، فقيل إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه تغنيه عن خادم .
- ومنها : أن كثرة الذكر أمان من النفاق ، فإن المنافقين قليلوا الذكر لله عز وجل،  قال الله تعالى في المنافقين : (ولا يذكرون الله إلا قليلاً)(النساء/142) .

صفة الذكر ومراتبه:
ذكر الله تعالى ثلاث درجات:
الأولى: ذكر الله بالقلب واللسان، وهذه أعلى الدرجات.
الثانية: ذكر الله بالقلب فقط، وهي الدرجة الثانية.
الثالثة: ذكر الله باللسان فقط، وهي الدرجة الثالثة.
والأصل في الذكر والدعاء هو الإسرار، والجهر في الذكر والدعاء استثناء لا يكون إلا بما ورد به الشرع .
قال الله تعالى: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} ( الأعراف:205).
وقال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }  (الأعراف:55) 

.اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

No comments:

Post a Comment