Thursday 12 March 2015

شرح احاديث نبوية شريفة - حديث قدسي - أنا أغنى الشركاء عن الشرك

  


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله : قال الله تبارك وتعالى : ( أناْ أغْنى الشُّرَكاءِ عَنْ الشِّرْكْ ، مَنْ عَمِلْ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْري تَرَكْتُه وشِرْكِهِ ) رواه مسلم
 وفي رواية ابن ماجه ( فأنا منه بريء وهو للذي أشرك )  


معنى الحديث :
 
أنا غني عن أن يشاركني غيري ، فمن عمل عملاً لي ولغيري لم أقبله منه ، بل أتركه لذلك الغير 
 .
الترهيب من الرياء: 

جاءت نصوص الكتاب والسنة بالترهيب من أن يقصد الإنسان بعبادته غير الله ، وعدَّت ذلك من عظائم الذنوب بل من الشرك بالله ، لأنه ضد الإخلاص الذي أمر به المؤمن ، قال سبحانه : { وَمَا أُمِرُ‌وا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ  مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة: 5)، والمرائي في الحقيقة جعل العبادات مطية لتحصيل أغراض نفسه الدنيئة ، واستعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله ،وهو الحصول على مكاسب دنيوية ، فاستهانة بمقام الألوهية ، ووضع للأمور في غير مواضعها.
وقد توعد الله صنفاً من الناس يراؤون في صلاتهم بالويل والهلاك فقا :{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *  الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَ‌اءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون: 4-7) ، وبين سبحانه أن الذي جعل مراءاة الناس بالأعمال من أخص صفات أهل النفاق فقال سبحانه : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَ‌اءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُ‌ونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا } (النساء 142) ، وبين النبي في أحاديث كثيرة خطورة الرياء على دين العبد وعاقبة المرائين ، ومنها حديث الباب ، وحديث الثلاثة الذين هم أول من يقضى عليهم يوم القيامة وهم شهيد ، وعالم ، ومنفق ، وغيرها من الأحاديث  
 
تعريف الرياء: 

عرف العلماء الرياء بأنه: " أن يقوم العبد بالعبادة - التي يتقرب بها إلى الله - لا يريد بها وجه الله عز وجل وحده بل يريد بها عرضاً دنيوياً أياً كان هذا العرض " ، وفرقوا بين الرياء والسمعة بأن الرياء هو العمل لرؤية الناس ، وأما السمعة فالعمل لأجل سماعهم ، فالرياء يتعلق بحاسة البصر ، والسمعة بحاسة السمع ، وفي الحديث ( من سمَّع سمَّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به ) رواه البخاري   . 

دواعي الرياء :  
أخبر الرسول أنه يخاف على أمته من الشرك الخفي أكثر مما يخاف عليهم من المسيح الدجال ، فقال : (خرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ ونحنُ نتذاكَرُ المسيحَ الدَّجَّالَ، فقالَ: ألا أخبرُكُم بما هوَ أخوَفُ عليكُم عندي منَ المسيحِ الدَّجَّالِ ؟ قالَ: قُلنا: بلَى، فقالَ: الشِّركُ الخفيُّ، أن يقومَ الرَّجلُ يصلِّي، فيزيِّنُ صلاتَهُ، لما يرَى مِن نظرِ رجلٍ)  رواه ابن ماجه بإسناد صحيح ، وما ذاك إلا لأن الداعي إلى الرياء قوي في النفوس ، ومغروس في الفطر وهو ثلاثة أشياء : " حب المحمدة ، وخوف المذمة ، والطمع فيما في أيدي الناس
حكم العمل المراءى به : 

العمل لغير الله على أقسام كما ذكر ذلك الإمام ابن رجب الحنبلي :
 -فإما أن يكون الرياء في أصل العبادة كأن يؤدي الإنسان العبادة بحيث يريد بها غير الله ، أو يريد بها الله عز وجل مع غيره من المخلوقين ، فلا شك في أن العمل يبطل حينئذ ، وصاحبه آثم معرض للعقوبة ، وهو الذي جاءت فيه النصوص الصحيحة الصريحة ومنها حديث الباب .
 -وإما أن لا يكون الرياء في أصل العبادة بل في وصفها كمن يريد بصلاته الله عز وجل ، فيدخل فيها وهو يريد أن يقَصِّر القراءة فيها والركوع والسجود ، فيعرض له خاطر بإطالة الركوع والسجود لما يرى من نظر الناس ورؤيتهم له ، فأصل العمل هنا كان لله ثم طرأت عليه نية الرياء بعد ذلك ، فهذا إن كان خاطراً ودفعه فإنه لا يضره ، وأما إن استرسل معه ، فقد اختلفت السلف هل يحبط به عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ؟ و رجح الإمام أحمد وغيره أن عمله لا يبطل بذلك ، وأنه يجازى بنيته الأولى ، إلا أنه ثوابه على عمله هذا لا يكون تاماً ، بل ينقص بسبب ريائه ، ولا يبعد أن يكون على خطر عظيم .
-وأما إذا عمل العمل لله خالصاً، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين ، ففرح بذلك واستبشر ، فإن ذلك لا يضره ، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي   أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير ، ويحمده الناس عليه؟ فقال: "  تلك عاجل بشرى المؤمن "  رواه مسلم

ترك العمل خوف الرياء: 

وقد يعالج البعض الخطأ فيقع في خطأ مثله أو أشد منه ، فإذا أراد أن يقوم بطاعة أو أي عمل من أعمال الخير وعرض له عارض الرياء ، خشي من هذا الخاطر ، فيترك العمل خوف الرياء ، وهذا في الحقيقة هرب من شر ليقع فيما هو مثله أو أشد ، وقد نبه العلماء على هذا المزلق الخطير وحذروا منه فقال الفضيل بن عياض: " ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما " .
علاج الرياء
الاستعانة بالله والتعوذ الدائم به وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله   ذات يوم فقال : (يا أيُّها النَّاسُ اتَّقوا هذا الشِّركَ ، فإنَّهُ أخفَى من دَبيبِ النَّملِ"  فقالَ لَهُ من شاءَ اللَّهُ أن يقولَ : وكيفَ نتَّقيهِ وَهوَ أخفَى من دبيبِ النَّملِ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : " قولوا اللَّهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ من أن نُشْرِكَ بِكَ شيئًا نعلمُهُ ، ونستَغفرُكَ لما لا نعلمُهُ" صحيح الترغيب  .
- ومن طرق علاج الرياء أن ينظر المرء إلى عواقب الرياء في الدنيا والآخرة ، فيحرص على إخفاء العبادة وإسرارها ما استطاع ، وأن يكون له خبيئة من عمل صالح لا يطلع عليه أحد إلا ربه جل وعلا.

مظاهر الرياء: 

تتنوع صور الرياء ومظاهره على حسب الأعمال والعبادات التي يتقرب بها المرء ، فقد يرائي الإنسان مثلاً بإظهار بعض الأمور التي تدل على مبالغته واجتهاده في العبادة ، فربما راءى بإظهار النحول والاصفرار وذبول الشفتين ليستدل بذلك على الصيام ، وقد يحرص مثلاً على إبراز أثر السجود في جبهته ، وقد يكون الرياء بالنطق واللسان ، فيتعمد إظهار العلم والحفظ وإقامة الحجة عند المجادلة والخصام ليعرف الناس مدى علمه وقوة حجته ، أو يجهر بذكره لله عز وجل ليعرف الناس أنه ذاكر ، وقد يرائي بعمله كأن يطول في الصلاة ، ويزيد في الركوع و السجود إلى غير ذلك مما لا يقع تحت حصر ، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " وأما الشرك فى الإرادات والنيات فذلك البحر الذى لا ساحل له وقل من ينجو منه" .


اللهم إنَّا نعوذ بك أنْ نشركَ بِكَ ما نَعلَم ، ونَسْتَغْفِرُك رَبي مِما لا نَعْلَم



No comments:

Post a Comment