Tuesday 26 July 2016

الأمثال في القرآن -7 - المثل الخامس- من سورة البقرة - الواعظ عند المعاندين من الكفار كمن ينادي من لا يسمع





 



المثل الخامس– من سورة البقرة –الواعظ عند المعاندين من الكفار كمن ينادي من لا يسمع:

وقبل أن نبدأ بشرح المثل ، والفوائد منه ، نذكر المناسبة والسياق الذي أورد الله تعالى به هذا المثل، فالآيات قبله هي ما أباح الله تعالى للناس من المأكل من الطيبات، وحرم من الخبيث، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ*وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) ( البقرة 168- 171)
قال السعدي رحمه الله: هذا خطاب للناس كلهم, مؤمنهم وكافرهم، امتن الله عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض، من حبوب, وثمار, وفواكه, وحيوانات, حالة كونها ( حَلَالًا ) أي: محللا لكم تناوله، ليس بغصب ولا سرقة, ولا خاصلاً عليه بمعاملة محرمة أو على وجه محرم، أو معينا على محرم.
( طَيِّبًا ) أي: ليس بخبيث، كالميتة والدم، ولحم الخنزير، والخبائث كلها، ففي هذه الآية دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة، أكلا وانتفاعا، وأن المحرم نوعان: إما محرم لذاته، وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب، وإما محرم لما عرض له،  وهو المحرم لتعلق حق الله، أو حق عباده به، وهو ضد الحلال، فالذي أحل الله أكله هو : الحلال الطيب.
وفي الآية أمر بالأكل وهذا دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب، يأثم تاركه لظاهر الأمر، ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به - إذ هو عين صلاحهم - نهاهم عن اتباع ( خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) أي: طرقه التي يأمر بها، وهي جميع المعاصي من كفر, وفسوق، وظلم، ويدخل في ذلك تما حرموا على أنفسهم من بعض الأنعام منها السوائب، والحام، والوصيلة، ونحو ذلك، ويدخل فيه أيضا تناول المأكولات المحرمة لعينها كالخنزير، ثم قال عن الشيطان: ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) أي: ظاهر العداوة, فلا يريد بأمركم إلا غشكم, وأن تكونوا من أصحاب السعير، فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين - بعداوته الداعية للحذر منه، ثم لم يكتف بذلك،حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر به الشيطان وأنه أقبح الأشياء، وأعظمها مفسدة فقال: ( إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ ) 

في اللغة:
سمي السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عواقبه. وهو مصدر ساءه يسوءه سوءا ومساءة إذا أحزنه. وسؤته فسيء إذا أحزنته فحزن، قال اللّه تعالى: « سيئت وجوه الذين كفروا » [ الملك: 27 ] 

والفحشاء : أصله قبح المنظر ثم استعملت اللفظة فيما يقبح من المعاني. والشرع هو الذي يحسن ويقبح، فكل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء. وقال مقاتل: إن كل ما في القرآن من ذكر الفحشاء فإنه الزنى، إلا قوله: ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) [ البقرة: 268 ] فإنه منع الزكاة.
وقد قيل: السوء ما لا حد فيه، والفحشاء ما فيه حد.
قوله تعالى: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) قال الطبري: يريد ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوها مما جعلوه شرعا. ( وأن تقولوا ) في موضع خفض عطفا على قوله تعالى: ( بالسوء والفحشاء )
ثم بين الله تعالى حال الكفار والمعاندين إذا دعوا إلى نبذ عادات درجوا عليها ليس لهم عليها من دليل( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )
قوله تعالى: « وإذا قيل لهم » يعني كفار العرب. ابن عباس: نزلت في اليهود. الطبري: الضمير في « لهم » عائد على الناس من قوله تعالى: « يا أيها الناس كلوا » وقوله: « اتبعوا ما أنزل الله » أي بالقبول والعمل. ( قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ) ألفينا: وجدنا، أي أنهم عاندوا وأصروا فقالوا حسبنا ويكفينا أن نتبع ما وجدنا عليه آباءنا نقتدي بهم ونفعله.
فعاب الله تعالى عليهم هذا القول، ويقررهم : « أولو كان آباؤهم » الألف للاستفهام، وفتحت الواو لأنها واو عطف، عطفت جملة كلام على جملة، لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا: نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون، فقرروا على التزامهم هذا، إذ هي حال آبائهم.



في التقليد : 

 قال العلماء: وقوة ألفاظ هذه الآية تفرض إبطال التقليد، ونظيرها: « وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا » [ المائدة: 104 ] الآية. وهذه الآية والتي قبلها مرتبطة بما قبلهما، وذلك أن اللّه سبحانه أخبر عن جهال العرب فيما حرَّموا على أنفسهم متبعين لآرائهم السفيهة البحيرة والسائبة والوصيلة، فاحتجوا بأنه أمر وجدوا عليه آباءهم فاتبعوهم في ذلك، وتركوا ما أنزل اللّه على رسوله وأمر به في دينه، فالضمير في « لهم » عائد عليهم في الآيتين جميعا.
فتعلق قوم بهذه الآية في ذم التقليد لذم اللّه تعالى الكفار باتباعهم لآبائهم في الباطل، واقتدائهم بهم في الكفر والمعصية. وهذا في الباطل صحيح، أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين، وعصمة من عصم المسلمين يلجأ إليها الجاهل المقصر عن درك النظر. واختلف العلماء في جوازه في مسائل الأصول – العقيدة- على ما يأتي، وأما جوازه في مسائل الفروع – الأحكام الفقهية- فصحيح.
التقليد عند العلماء حقيقته قبول قول بلا حجة: وعلى هذا فمن قبل قول أي من الفقهاء بدون النظر إلى حجته عن النبي يكون مقلدا، وأما من نظر فيها فلا يكون مقلدا. وقيل: هو اعتقاد صحة فتيا من لا يعلم صحة قوله.

التقليد في اللغة : 

التقليد في اللغة هو جعل القلادة في العنق، والقلادة مايحيط بالعنق مأخوذ من قلادة البعير، فإن العرب تقول: قلدت البعير إذا جعلت في عنقه حبلا يقاد به، فكأن المقلد يجعل أمره كله لمن يقوده حيث شاء، وهو أمر مستقبح.  ومنه تقليد الولاة: هو جعل الولايات قلائد في أعناقهم لكونها أمانات في أعناقهم.
(المفردات للراغب الأصفهاني صـ 411).
التقليد في الاصطلاح: تدور تعريفات العلماء للتقليد حول معنى واحد وهو: قبول قول الغير من غير حجة أو من غير معرفة دليله، والمقلَّد قد يكون مستفتياً أو مفتياً،وأما المستفتي المقلِّد: فهو المستفتي  أو العاميّ الذي يقبل قول المفتي في مسألته من غير أن يعلم حجة المفتي أو دليله على فتواه.
وسُمي هذا تقليداً، استعارة من المعنى اللغوي، كأن المستفتي المقلِّد جعل هذا الحكم كالقلادة في عنق المفتي، أي كأنه طوَّق المفتي مافي هذا الحكم من تبعه وإثم إن كان قد غشه وجعل ذلك في عنق المفتي، ومن هنا نشأ الخلاف بين أهل العلم في جواز التقليد، لأنه في حقيقته اعتقاد وعمل بغير علم.


الفرق بين التقليد والإتباع:

قال أبو عبدالله بن خويز منداد التقليد معناه في الشرع: الرجوع إلي قول لاحجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة.
والاتباع: ماثبت عليه حجة. وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعت قوله من غير أن يوجد دليل على قوله فأنت مُقلّده، والتقليد في دين الله غير صحيح.
وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه. والاتباع في الدين مسوّغ والتقليد ممنوع)(جامع بيان العلم)
وقال الشوكاني رحمه الله : "التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة، فيخرج  منه العمل بقول رسول الله ، والعمل بالإجماع، ورجوع العامي إلى المفتي، ورجوع القاضي إلى شهادة العدول. فإنه قد قامت الحجة في ذلك.
الحُجَّة: هي ما يحتج به المرء على صحة قوله ومذهبه.
والحجة في الشريعة : هى الأدلة الشرعية، والمتفق عليه منها أربعة: الكتاب والسنة والإجماع المعتبر والقياس الصحيح. والأصل في الأدلة: الكتاب والسنة ثم إنهما قد دلاّ على حُجّية الإجماع والقياس. قال تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردّوه إلى الله والرسول) النساء 59. أي إلى الكتاب وإلى السنة بعد وفاة الرسول بالإجماع.

التقليد ليس علما:

إذا كان التقليد هو (قبول قول بلا حجة) فهو ليس علما، لأن العلم هو ماثبت بالحجة، قال تعالى (إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله مالا تعلمون) يونس 68، فدلت الآية على أن من تكلم بسلطانٍ فقد تكلم بعلم وأن من تكلم بغير سلطان فقد قال بغير علم، والسلطان: الحجة .


تعريف الاتباع

أنه اتباع القول الذي شهد الدليل بصحته، فيكون المتبع عاملا بعلم وعلى بصيرة بصحة مايعمل به ويكون متبعاً للدليل الشرعي.
قال تعالى (اتبعوا ماأنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء) الأعراف 3.
وقال تعالى (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) الأنعام 155.
وقال تعالى (قل إنما اتبع مايوحى إلي من ربي) الأعراف 203.
فالعمل بالوحي من الكتاب والسنة هو الاتباع كما دلت عليه هذه الآيات.
قال ابن عبدالبر (الاتباع: هو أن تتبع القائل على مابان لك من فضل قوله وصحة مذهبه. والتقليد: أن تقول بقوله وأنت لاتعرفه ولا وجه القول ولا معناه) (جامع بيان العلم).

التقليد ليس طريقا للعلم ولا موصلا له، لا في الأصول ولا في الفروع، وهو قول جمهور العقلاء والعلماء، ولا يؤخذ بما يحكى عن جهال الحشوية والثعلبية من أنه طريق إلى معرفة الحق، وأن ذلك هو الواجب، وأن النظر والبحث حرام، والاحتجاج عليهم في كتب الأصول.
أما العامِّي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، فعليه أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه، لقوله تعالى: « فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون » [ النحل 43 ] ، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس.
 وعلى العالِم أيضا فرض أن يقلد عالما مثله في نازلة خفي عليه فيها وجه الدليل والنظر، وأراد أن يجدد الفكر فيها والنظر حتى يقف على المطلوب، فضاق الوقت عن ذلك، وخاف على العبادة أن تفوت، أو على الحكم أن يذهب، سواء كان ذلك المجتهد الآخر صحابيا أو غيره، وإليه ذهب القاضي أبو بكر وجماعة من المحققين 


آية المثل:

قال تعالى: ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) الآية: 171
قال ابن كثير : ثم ضرب لهم تعالى مثلا كما قال تعالى: ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ) [ النحل:60 ] فقال: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) أي:فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا نعق بها راعيها، أي: صاح بها ودعاها إلى ما يرشدها، لا تفقه ما يقول ولا تفهمه، بل إنما تسمع صوته فقط.
وقيل:إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئًا، اختاره ابن جرير، والأول أولى؛ لأن الأصنام لا تسمع شيئًا ولا تعقله ولا تبصره، ولا بطش لها ولا حياة فيها . وقوله: ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) أي:صُمٌّ عن سماع الحق، بُكْمٌ لا يتفوهون به، عُمْيٌ عن رؤية طريقه ومسلكه ( فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) أي:لا يعقلون شيئًا ولا يفهمونه، كما قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ الأنعام:39 ]
عن ابن عباس قوله: " ومثل الذين كفروا كمثل الذي يَنعِق بما لا يَسمع إلا دعاءً ونداءً"، كمثل البعير والحمار والشاة، إن قلت لبعضها " كُلْ" - لا يعلم ما تقول، غير أنه يسمع صوتك. وكذلك الكافر، إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وَعظته، لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك.
وقال أيضاً: مثل الدابة تنادى فتسمعُ ولا تعقل ما يقال لها. كذلك الكافر، يسمع الصوت ولا يعقل 


ومثل هنا بمعنى الصفه والشان.

 واصل المثل بمعنى المثل النظير والشبيه- كما قدمنا في بداية السلسلة- ثم اطلق على القول السائر المعروف بين الناس، لمماثله مضربه وهو الذي يضرب فيه لمورده وهو الذي ورد فيه اولا ولا يكون الا فيما فيه غرابه ثم استعير للصفه أو الحال او القصه اذا كان لها شان عجيب وفيها غرابه. 

في اللغة 

وينعق من النعيق وهو الصياح،  يقال: نعق الراعي بالغنم ينعق نعقا ونعاقا ونعقانا صاح بها وزجرها.
والدعاء والنداء: قيل النداء للبعيد، والدعاء للقريب، ولذلك قيل للأذان بالصلاة نداءً،  لأنه للأباعد. وقد تُضم النون في النداء والأصل الكسر.  وقيل هما بمعنى واحد؛ أى أن ثانيهما( نداءً )  تاكيد للأول ( دعاءً )
  والظاهر أن المراد بهما نوعان من الأصوات؛  وأولهما وهو الدعاء معناه الصياح بالبهائم لتأتى،  وثانيهما وهو النداء معناه الصياح بها لتذهب.

ما هو المشبه والمبشه به في الآية ؟

 قال الامام الرازي ما ملخصه:  وللعلماء من أهل التاويل في هذه الآيه طريقان أحدهما: تصحيح المعنى بالإضمار في الآيه ، والثاني:  إجراء الآيه على ظاهرها من غير إضمار.
 أما الذين اضمروا فذكروا وجوها يتم بها المعنى:
 الأول كأنه قال ومثل من يدعو الذين كفروا الى الحق كمثل الذي ينعق فصار الناعق الذي هو الراعي بمنزله الداعي الى الحق وهو الرسول وسائر الدعاه الى الحق،  وصار الكفار بمنزله الغنم المنعوق بها، ووجه الشبه أن البهيمه تسمع الصوت ولا تفهم المراد وهؤلاء الكفار كانوا يسمعون صوت الرسول والفاظه وما كانوا ينتفعون بها وبمعانيها .
الثاني ومثل الذين كفروا في دعائهم الهتهم من الأوثان كمثل الناعق في دعائه ما لا يسمع كالغنم وما يجرى مجراها من البهائم فشبه الأصنام في أنها لا تفهم بالبهائم فاذا كان ولا شك إن من دعا بهيمه عُدَّ جاهلا ، فمن دعا حجرا أولى بالذم.
والفرق بين هذا القول والذي قبله أن ها هنا المحذوف هو المدعو،  وفي القول الذي قبله المحذوف هو الداعي.
 أما إجراء الآيه على ظاهرها من غير إضمار: فتقديره ومثل الذين كفروا في قلة عقولهم في عبادتهم لهذه الأوثان، كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم،  فكما إنه يُحكم على ذلك الراعي بقلة العقل، فكذا هاهنا .
وقال البغوي: معنى الآيه ومثل الذين كفروا في دعاء الأوثان كمثل الذي يصيح في جوف الجبال فيسمع صوتا يقال له الصدى لا يفهم منه شيئا فمعنى الآيه كمثل الذي ينعق بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاء ونداء صم،  تقول العرب لمن لا يسمع ولا يعقل كانه أصم أبكم عن الخير، ولا يقولون عنه: أعمي عن الهدى لا يبصرونه .
 ثم قال رحمه الله : وهذا المثل يزيد السامع معرفه باحوال الكفار،  ويحقر الى الكافر نفسه إذا سمع ذلك فيكون كسرا لقلبه وتضييقا لصدره حيث صيره كالبهيمه،  فيكون في ذلك نهايه الزجر والردع لمن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقه في التقليد،  وقوله تعالى صم بكم عمي زياده في تبكيتهم وتقريعهم،  أى هم صم عن استماع دعوه الحق،  بُكم عن إجابه الداعي إليها،  عُمىٌ عن آيات صدقها وصحتها،  فهم لإِعراضِهم عن الهادي لهم الى ما ينفعهم وينجيهم من العذاب صاروا بمنزله من فقد حواسه فاصبح لا يسمع ولا ينطق ولا يبصر ، وقوله تعالى : " فهم لا يعقلون"  وارد مورد النتيجه بعد البرهان بجانب كونه توبيخا لهم لانهم بفقدهم أهم طرق الإدراك وهما السمع والبصر وأهم وسيله للثقافه، وهي استطلاع الحقائق من طريق المحاوره والتكلم، صاروا بعد كل ذلك بمنزله من فقد عقله الإكتسابى فأصبح لا يفقه شيئا لأن العقل الذي يكتسب به الإنسان المعارف والحقائق يستعين استعانه كبرى بهذه الحواس الثلاث.
وبعد هذا البيان البليغ لحال الذين يتخذون من دون الله أندادا ولحال الكافرين المقلدين لآبائهم في الضلال بدون تدبر أو تعقل بعد كل ذلك وجهت السوره الكريمه نداء الى المومنين بينت لهم فيه وفيما سياتى بعده من آيات كثيرا من التشريعات والاآداب والأحكام التي هم في حاجه اليها .

فوائد من المثل:
من لطائف القشيري في الآية:
-عدموا سمع الفهم والقبول، فلم ينفعهم سمع الظاهر، فنزلوا منزلة البهائم في الخلوِّ عن التحصيل، ومَنْ رضي أن يكون كالبهيمة لم يقع عليه كثير قيمة. اهـ.
- السمع والبصر والفؤاد هي أدوات تحقيق كمال العقلي , قال تعلى : (صُمّ بُكمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون )

- ذم الله تعالى المقلدين لغيرهم من الآباء وغيرهم من الناس بغير حجة ولا دليل على صحة فعلهم أشد الذم ، فجعلهم كالأنعام لا تعي ما تسمع ، وما ذلك ليردهم عن التقليد بغير علم ولا حجة، ولينتبه المسلم من أين يأتي علوم دينه ، ومصادر أفعاله، فلا يأخذها إلا عن صاحب علم بالكتاب والسنة ، وأصول الإستنباط.
 

   
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
 

No comments:

Post a Comment