Tuesday 20 February 2018

الأمثال في القرآن –المثل السابع عشر- سورة إبراهيم– المؤمن الثابت في عقيدته كشجرة ثابتة وارفة مثمرة معطاء




 


 سورة إبراهيم–  المؤمن الثابت في عقيدته كشجرة ثابتة وارفة مثمرة معطاء   

مثل اليوم مثل تصويري جميل ، تتخيل وأنت تقرأؤه أنك أمام لوحة تعبيريه رائعة ، تقف تحلل المنظر لتعرف قصد مبدعه فيه ! ما هذه الشجرة الجميلة الطويله التي تمتد بطول المنظر ، تربط بين أسفله وأعلاه ؟ رائعة وارفة مباركة مثمرة مغدقة خيراً على ما حولها، ثابتة البيان قوية؟
تعالوا لنتبين ما هي هذه الشجرة؟ ولم هي بهذه القوة والثبات....
يقول العليم الخبير بخلقه:ـ
( أَلَمْ تَرَ‌ كَيْفَ ضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَ‌ةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْ‌عُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَ‌بِّهَا ۗ وَيَضْرِ‌بُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُ‌ونَ )

 ﴿سورة إبراهيم 24-25 

التفسير:ـ

قَوْله : {  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة }  
 يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك فَتَعْلَم كَيْفَ مَثَّلَ اللَّه مَثَلًا وَشَبَّهَ شَبَهًا كَلِمَة طَيِّبَة ، وَيَعْنِي بِالطَّيِّبَةِ : الْإِيمَان بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة الثَّمَرَة , وَلم يذِكْر الثَّمَرَة مكتفيا بذكر قوة وثبات الشجرة التي تحملها.
وَقَوْله : { أَصْلهَا ثَابِت وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء }  يَقُول عَزَّ ذِكْره : أَصْل هَذِهِ الشَّجَرَة ثَابِت فِي الْأَرْض , وَفَرْعهَا  مُرْتَفِع عالياً نَحْو السَّمَاء .
وَقَوْله : { تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا }  يَقُول: تُطْعِم مِنْ ثَمَرهَا ، {  كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا }
ويقول جل وعلا: {وَيَضْرِب اللَّه الْأَمْثَال لِلنَّاسِ }  أي: وَيُمَثِّل اللَّه الْأَمْثَال لِلنَّاسِ وَيُشَبِّه لَهُمْ الْأَشْيَاء، للتقريب من الأفهام ما خفيً عنها ، و {  لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }  يَقُول : لِيَتَذَكَّرُوا حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ , فَيَعْتَبِرُوا بِهَا وَيَتَّعِظُوا ، فَيَنْزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِهِ إِلَى الْإِيمَان به ، والعمل الصالح ليفلحوا.

ما هو المشبه في هذا المثل ؟ إختلاف المفسرين فيه:

 وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي المقصود بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَة:
 فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا : إِيمَان الْمُؤْمِن : عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : {  كَلِمَة طَيِّبَة }  شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، {  كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة}  وَهُوَ الْمُؤْمِن , {  أَصْلهَا ثَابِت }  يَقُول : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ثَابِت فِي قَلْب الْمُؤْمِن،  {  وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء }  يَقُول : يُرْفَع بِهَا عَمَل الْمُؤْمِن إِلَى السَّمَاء.
 قول آخر قريب من الاول :  عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس  {  كَلِمَة طَيِّبَة }  قَالَ : هَذَا مَثَل الْإِيمَان , فَالْإِيمَان : الشَّجَرَة الطَّيِّبَة ، وَأَصْله الثَّابِت الَّذِي لَا يَزُول : الْإِخْلَاص لِلَّهِ ، وَفَرْعه فِي السَّمَاء ، فَرْعه : خَشْيَة اللَّه
 وقول ثالث لمُجَاهِد قال: {  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة }  قَالَ : الشجرة الطيب هي النخلة.
وَقَالَ آخَرُونَ : الْكَلِمَة الطَّيِّبَة أَصْلهَا ثَابِت فِي ذَات أَصْل فِي الْقَلْب {  وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء }  تَعْرُج فَلَا تُحْجَب حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى اللَّه.
وَقَالَ آخَرُونَ : منهم عبد الله بن عباس:  بَلْ عُنِيَ بِهَا الْمُؤْمِن نَفْسه .
 فعَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : {  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة أَصْلهَا ثَابِت وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا }  ، يَعْنِي بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَة : الْمُؤْمِن , وَيَعْنِي بِالْأَصْلِ الثَّابِت فِي الْأَرْض ، وَبِالْفَرْعِ فِي السَّمَاء : يَكُون الْمُؤْمِن يَعْمَل فِي الْأَرْض ،  وَيَتَكَلَّم فَيَبْلُغ عَمَله وَقَوْله السَّمَاء وَهُوَ فِي الْأَرْض .
عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله : {  ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة }  قَالَ : ذَلِكَ مَثَل الْمُؤْمِن، لَا يَزَال يَخْرُج مِنْهُ كَلَام طَيِّب وَعَمَل صَالِح يَصْعَد إِلَى الله.
وخلاصة القول في المثل :

وهذا المثل القرآني  هو مثل مركب – كما سنبين - جاء عقيب مثل ضربه سبحانه لبيان حال أعمال الكفار، وهو قوله تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف }ـ إبراهيم:18، فذكر تعالى مثل أعمال الكفار، وأنها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، ثم أعقب ذلك ذكر مثل أقوال المؤمنين، وأحوالهم .
ووجه هذا المثل أنه سبحانه شبه الكلمة الطيبة -وهي كلمة لا إله إلا الله وما يتبعها من كلام طيب - بالشجرة الطيبة، ذات الجذور الثابتة والراسخة في الأرض، والأغصان العالية التي تكاد تطال عنان السماء، لا تنال منها الرياح العاتية، ولا تعصف بها العواصف الهوجاء، فهي تنبت من البذور الصالحة، وتعيش في الأرض الصالحة، وتجود بخيرها في كل حين، ثم تعلو من فوقها بالظلال الوارفة، وبالثمار الطيبة التي يستطيبها الناس ولا يشبعون منها، فكذلك الكلمة الطيبة تملأ النفس بالصدق والإيمان، وتدخل إلى القلب من غير استئذان، فتعمل به ما تعمل .
-وجه الشبة بين الكلمة الطيبة والشجرة الطيبة:
وتشبيه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع،  وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة.
وقد روى الطبري عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: {كلمة طيبة }، قال: هذا مثل الإيمان، فالإيمان الشجرة الطيبة، وأصله الثابت الذي لا يزول الإخلاص لله، وفرعه في السماء، فرعه خشية الله .
وركب ضمن هذا المثل مثل آخر هو أن :ـ هذه الشجرة أيضاً مثلها كالمؤمن، فهو ثابت في إيمانه، سامٍ في تطلعاته وتوجهاته، نافع في كل عمل يقوم به، مِعطاء على كل حال، لا يهتدي البخل إلى نفسه طريقاً، فهو خير كله، وبركة كله، ونفع كله .
وفي تشبيه المؤمن بالشجرة صح الحديث عن رسول الله ، عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : صَحِبْت اِبْن عُمَر إِلَى الْمَدِينَة , فَلَمْ أَسْمَعهُ يُحَدِّث عَنْ رَسُول اللَّه إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا ،  قَالَ : كُنَّا عِنْد النَّبِيّ ، فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ [  الجمار هي : قلب النخل – أو طلع النخل ، وهو مادة سليوليزية بيضاء تقشر وتؤكل ] فَقَالَ : " أَخبِروني بِشجرَةٍ، مَثَلُها مَثَلُ المُسلِمِ، تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بإِذنِ رَبِّها، لا تَحُتُّ وَرقَها، فَوقعَ في نَفسي النَّخلَةُ، فَكرِهتُ أنْ أَتكلَّمَ، وثَمَّ أبو بكرٍ وعُمرُ رَضي اللهُ عنهُما، فلمَّا لَم يَتكلَّما، قال: هيَ النَّخلةُ، فلمَّا خَرَجتُ مَع أَبي قُلتُ: يا أَبتِ، وَقعَ في نَفسي النَّخلةُ، قال: ما مَنعَك أنْ تَقولَها؟ لو كُنتَ قُلتَها كان أَحبَّ إليَّ مِن كذا وَكذا! قال: ما مَنعَني إلَّا لم أَرَك وَلا أَبا بكرٍ تَكلَّمْتُما، فَكَرِهتُ." [الأدب المفرد للبخاري]
وعلى هذا يكون المقصود بالمثل تشبيه المؤمن، وقوله الطيب، وعمله الصالح، بالشجرة المعطاء، لا يزال يُرفع له عمل صالح في كل حين ووقت، وفي كل صباح ومساء. والله أعلم
من العبر من هذا المثل :ـ

إنك أيها المسلم المؤمن بربه، الثابت في عقيدته ، لا يزال يرفع لك عمل بالليل والنهار ، فانظر ما تود أن يرفع لك، وبم ستعرف في الملأ الأعلى.

اللهم إنا نسألك الثبات على الحق ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك ، اللهم لا تُنسنا ذكرك
 
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب  

No comments:

Post a Comment