Wednesday 21 February 2018

الأمثال في القرآن –المثل الثامن عشر- سورة إبراهيم– الكلمة الخبيثة من الشخص الخبيث كشجرة اجتثت من فوق الأرض



 


من سورة إبراهيم–  الكلمة الخبيثة من الشخص الخبيث كشجرة اجتثت من فوق الأرض


ومثل اليوم هو مثل مقابل للمثل السابق ، وذلك بأن الله تعالى لا يأتي على ذكر حال المؤمن إلا ويردف بحال الكافر ، ولا يضرب مثلا للمؤمنين إلا أتبعه بمثل لحال الكافرين ، ليتيبين الفرق ، ويعظم في القلوب  الرغبة في السمو  بسبب المغايره ، فلا يعرف الشيء إلا بضده .
يقول عز من قائل :ـ
( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَ‌ةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْ‌ضِ مَا لَهَا مِن قَرَ‌ارٍ‌   ) ﴿٢٦ إبراهيم ﴾
تفسير المثل :ـ
قوله تعالى:ـ {  ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة}  هذا مثل كفر الكافر لا أصل له ولا ثبات، مشبه بشجرة الحنظل ، روي هذا في حديث موقوف على أنس ، أن الشجرة الخبيثة هي الحنظلة، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وقوله: { اجتثت} أي استؤصلت { من فوق الأرض ما لها من قرار}  أي لا أصل لها ولا ثبات، كذلك الكفر لا أصل له ولا فرع، ولا يصعد للكافر عمل ولا يتقبل منه شيء.
فالكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر. وقيل : الكافر نفسه. والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل كما في حديث أنس قَالَ: {  وَمَثَل كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَةٍ خَبِيثَة } الْآيَة ،  قَالَ : تِلْكُمْ الْحَنْظَل ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الرِّيَاح كَيْفَ تَصْفِقهَا يَمِينًا وَشِمَالًا ؟ ( خلاصة حكم المحدث: ظاهره الصحة ولكن رواه جمع موقوفا على أنس ) ، وقد رآى آخرون أن هذه الشجرة لم تخلق على الأرض ، فالله تعالى لم يخلق الخبيث ، فكل ما خلق على الأرض طيب ، وإن كان له ضرر من ناحية ، فله نفع من نواحي أخرى [ يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله : ولقائل أنْ يقول: ما دام الحق سبحانه قد قال إن هناك شجرةً خبيثة؛ فلا بُدَّ أن تُوجَد تلك الشجرة، وأقول: إن كُلَّ ما يضرُّ الإنسان في وقت ما هو خبيث لهذا الضرر ، وقد يكون له نفع ليشيء ما ، أو وقت ما غير ذلك ]

ما المشبه به هنا ؟

كما اختلف المفسرون في من المشبه بالشجرة الطيبة، كذلك الحال هنا ، فقد ورت فيه أقوال في معاني الشجرة الخبيثة ، كلها ترجع إلى تدور حول معنى واحد ، ولعل أعدلها  قول أن: الكلمة الخبيثة كلمة الكفر،  والشجرة الخبيثة هو الكافر نفسه، وما روي عن أنس قوله أن الشجرة الخبيثة هي الحنظل، فهذا تشبيه للكافر بشجرة الحنظل، كما شبه رسول الله  المؤمن بالنخلة- كما مر معنا في المثل السايق-
ضَرَبَ اللَّه مَثَل الشَّجَرَة الْخَبِيثَة كَمَثَلِ الْكَافِر ، لَا يُقْبَل عَمَله وَلَا يَصْعَد إِلَى اللَّه ، فَلَيْسَ لَهُ أَصْل ثَابِت فِي الْأَرْض وَلَا فَرْع فِي السَّمَاء ولا ذِكر  له في الملأ الأعلى، لَيْسَ لَهُ عَمَل صَالِح فِي الدُّنْيَا ، فلا يصعد له عمل إلى السماء فيذكر به.
ولما سُئل أنس رضي الله عنه  : فَأَيْنَ تَكُون أَعْمَالهمْ ؟ قَالَ : يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ عَلَى ظُهُورهمْ.

العبرة من هذا المثل :ـ

-لا يغتر مسلم بحال الكافر ، ولا قوله ، فما هو إلا إمهال له من ربه ، فلا هو له أصل يستند إليه في اعتقاده ، ولا مرتكز ، وكما قال المولي عز وجل :( وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا  ) ﴿٢٨  النجم﴾
وعمله تابع لقوله في الخيبة والإحباط.
-ومما جاء في الكلمة الخبيثة :
قَالَ قَتَادَة : إِنَّ رَجُلًا لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْعِلْم , فَقَالَ : مَا تَقُول فِي الْكَلِمَة الْخَبِيثَة ؟ فَقَالَ : مَا أَعْلَم لَهَا فِي الْأَرْض مُسْتَقَرًّا وَلَا فِي السَّمَاء مَصْعَدًا إِلَّا أَنْ تَلْزَم عُنُق صَاحِبهَا , حَتَّى يُوَافِي بِهَا يَوْم الْقِيَامَة .
عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : أَنَّ رَجُلًا خَالَجَتْ الرِّيح رِدَاءَهُ فَلَعَنَهَا ،  فَقَالَ رَسُول اللَّه : (  لَا تَلْعَنهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَة ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتْ اللَّعْنَة عَلَى صَاحِبهَا ) ( صحيح أبي داوود )
- المسلم يتجنب الكلام البذيء ، فلا يتكلم إلا بالخير ، أو يصمت ،وكذلك وجه خاتم الرسل أمته فقال : (ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ . ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ  ) ( السلسلة الصحيحة- وقال عنه :صحيح على شرط الشيخان)،  
الطَّعَّانِ: الذي الَّذي يقَعُ في النَّاسِ ويَعيبُهم ويقَعُ في أعْراضِهم ويَغتابُهم.
 اللَّعَّانِ  : الذي يُكثِرَ لعْنَ النَّاسِ وسَبَّهم، والدُّعاءَ عليهم بالطَّرْدِ مِن رحْمةِ اللهِ.
الفاحشِ: الذي لا يكونُ مِن أخْلاقِه أنْ يكونَ ذا قُبْحٍ في فعْلِه وقوْلِه، أو لا يكونُ شتَّامًا للنَّاسِ.
البذيءِ :  وهوالسَّليطِ الَّذي لا حَياءَ له، أو فاحِشِ القوْلِ وبذِيءِ اللِّسانِ،
وهذه مَعانٍ متقارِبَةٌ تشمَلُ السُّوءَ في القوْلِ والفعْلِ، وهو ما ينبَغي أنْ يبتعِدَ عنه المؤمِنُ الحقُّ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على حِفْظِ الجوارِحِ وصوْنِها عن المَساوئِ، خاصَّةً اللِّسانَ.
وكان هو قدوتهم في ذلك لم يعرف عنه أن تكلم بالخبيث من القول ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَال:ـ  ( لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ  سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ : " مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ  ")  [  أخرجه البخاري ]  .
أما الكفار ، فأخلاقهم السباب فيما بينهم والكلام القبيح فيما بينهم في الدنيا وهو خلقهم يوم القيامة ، قال الله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ‌ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ‌ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِ‌ينَ) ﴿٢٥ العنكبوت )
وقد ورد في السنة المطهرة تغليظ التنفير من التحدث بالكلام البذيء ، وليس أشد تنفيراً منه أن يعلم المتحدث به أن الله يبغضه إذا فعل،  ففي سنن الترمذي عن أبي الدرداء: أن النبي قال: " ما مِن شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حَسنٍ ، وإنَّ اللَّهَ ليبغَضُ الفاحشَ البذيءَ." (  أخرجه أبو داوود ، والترمذي ، وأحمد وصححه الألباني )
فإنَّ اللهَ تعالى لَيبْغضُ ذا الفُحْشِ في فِعْلِه وفي قوله،  البذيءَ في كلامه ، فهو  يُرسِلُ لِسانَه بما لا يَنْبغي، ويحتقرِ الغيرِ. مما يكره  سماعه.
قال في سبل السلام: البغض ضد المحبة وبغض الله عبده به إنزال العقوبة به وعدم إكرامه إياه، والبذيء فعيل من البذاء وهو الكلام القبيح الذي ليس من صفات المؤمن كما دل عليه الحديث .

اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والنفاق ، ومن سوء الأخلاق

No comments:

Post a Comment