من سورة إبراهيم– الكلمة الخبيثة من الشخص الخبيث كشجرة اجتثت من
فوق الأرض
ومثل
اليوم هو مثل مقابل للمثل السابق ، وذلك بأن الله تعالى لا يأتي على ذكر حال
المؤمن إلا ويردف بحال الكافر ، ولا يضرب مثلا للمؤمنين إلا أتبعه بمثل لحال
الكافرين ، ليتيبين الفرق ، ويعظم في القلوب الرغبة في السمو بسبب المغايره ، فلا يعرف الشيء إلا بضده .
يقول
عز من قائل :ـ
(
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ
مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) ﴿٢٦
إبراهيم ﴾
تفسير المثل :ـ
قوله
تعالى:ـ { ومثل كلمة خبيثة
كشجرة خبيثة} هذا
مثل كفر الكافر لا أصل له ولا ثبات، مشبه بشجرة الحنظل ، روي هذا في حديث موقوف
على أنس ، أن الشجرة الخبيثة هي الحنظلة، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وقوله: { اجتثت} أي استؤصلت { من فوق الأرض ما لها من قرار} أي لا أصل لها ولا
ثبات، كذلك الكفر لا أصل له ولا فرع، ولا يصعد للكافر عمل ولا يتقبل منه شيء.
فالكلمة
الخبيثة هي كلمة الكفر. وقيل : الكافر نفسه. والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل كما في
حديث أنس قَالَ: { وَمَثَل
كَلِمَة خَبِيثَة كَشَجَرَةٍ خَبِيثَة } الْآيَة ،
قَالَ : تِلْكُمْ الْحَنْظَل
، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الرِّيَاح كَيْفَ تَصْفِقهَا يَمِينًا وَشِمَالًا ؟ (
خلاصة حكم المحدث: ظاهره
الصحة ولكن رواه جمع موقوفا على أنس ) ، وقد رآى آخرون أن هذه الشجرة لم تخلق على
الأرض ، فالله تعالى لم يخلق الخبيث ، فكل ما خلق على الأرض طيب ، وإن كان له ضرر
من ناحية ، فله نفع من نواحي أخرى [
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله : ولقائل أنْ يقول: ما دام الحق سبحانه قد قال إن
هناك شجرةً خبيثة؛ فلا بُدَّ أن تُوجَد تلك الشجرة، وأقول: إن كُلَّ ما يضرُّ
الإنسان في وقت ما هو خبيث لهذا الضرر ، وقد يكون له نفع ليشيء ما ، أو وقت ما غير
ذلك ]
ما المشبه به هنا ؟
كما اختلف المفسرون في من المشبه بالشجرة الطيبة، كذلك
الحال هنا ، فقد ورت فيه أقوال في معاني الشجرة الخبيثة ، كلها ترجع إلى تدور حول
معنى واحد ، ولعل أعدلها قول أن: الكلمة
الخبيثة كلمة الكفر، والشجرة الخبيثة هو الكافر
نفسه، وما روي عن أنس قوله أن الشجرة الخبيثة هي الحنظل، فهذا تشبيه للكافر بشجرة
الحنظل، كما شبه رسول الله المؤمن
بالنخلة- كما مر معنا في المثل السايق-
ضَرَبَ
اللَّه مَثَل الشَّجَرَة الْخَبِيثَة كَمَثَلِ الْكَافِر ، لَا يُقْبَل عَمَله
وَلَا يَصْعَد إِلَى اللَّه ، فَلَيْسَ
لَهُ أَصْل ثَابِت فِي الْأَرْض وَلَا فَرْع فِي السَّمَاء ولا ذِكر له في الملأ الأعلى، لَيْسَ لَهُ عَمَل صَالِح
فِي الدُّنْيَا ، فلا يصعد له عمل إلى السماء فيذكر به.
ولما
سُئل أنس رضي الله عنه : فَأَيْنَ تَكُون
أَعْمَالهمْ ؟ قَالَ : يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ عَلَى ظُهُورهمْ.
العبرة من هذا المثل :ـ
-لا
يغتر مسلم بحال الكافر ، ولا قوله ، فما هو إلا إمهال له من ربه ، فلا هو له أصل
يستند إليه في اعتقاده ، ولا مرتكز ، وكما قال المولي عز وجل :(
وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ
وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) ﴿٢٨
النجم﴾
وعمله
تابع لقوله في الخيبة والإحباط.
-ومما جاء في الكلمة الخبيثة
:
قَالَ
قَتَادَة : إِنَّ رَجُلًا لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْعِلْم , فَقَالَ : مَا
تَقُول فِي الْكَلِمَة الْخَبِيثَة ؟ فَقَالَ : مَا أَعْلَم لَهَا فِي الْأَرْض
مُسْتَقَرًّا وَلَا فِي السَّمَاء مَصْعَدًا إِلَّا أَنْ تَلْزَم عُنُق صَاحِبهَا , حَتَّى يُوَافِي
بِهَا يَوْم الْقِيَامَة .
عَنْ
قَتَادَة , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : أَنَّ رَجُلًا خَالَجَتْ الرِّيح رِدَاءَهُ فَلَعَنَهَا ، فَقَالَ
رَسُول اللَّه ﷺ:
( لَا تَلْعَنهَا
فَإِنَّهَا مَأْمُورَة ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ
رَجَعَتْ اللَّعْنَة عَلَى صَاحِبهَا ) (
صحيح أبي داوود )
-
المسلم يتجنب الكلام البذيء ، فلا يتكلم إلا بالخير ، أو يصمت ،وكذلك وجه خاتم الرسل
ﷺ
أمته فقال : (ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا
باللَّعَّانِ . ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ ) (
السلسلة الصحيحة- وقال عنه :صحيح على شرط الشيخان)،
الطَّعَّانِ: الذي الَّذي يقَعُ في النَّاسِ
ويَعيبُهم ويقَعُ في أعْراضِهم ويَغتابُهم.
اللَّعَّانِ : الذي يُكثِرَ لعْنَ النَّاسِ
وسَبَّهم، والدُّعاءَ عليهم بالطَّرْدِ مِن رحْمةِ اللهِ.
الفاحشِ: الذي لا يكونُ مِن أخْلاقِه أنْ
يكونَ ذا قُبْحٍ في فعْلِه وقوْلِه، أو لا يكونُ شتَّامًا للنَّاسِ.
البذيءِ : وهوالسَّليطِ الَّذي لا حَياءَ له،
أو فاحِشِ القوْلِ وبذِيءِ اللِّسانِ،
وهذه مَعانٍ متقارِبَةٌ تشمَلُ
السُّوءَ في القوْلِ والفعْلِ، وهو ما ينبَغي أنْ يبتعِدَ عنه المؤمِنُ الحقُّ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على حِفْظِ
الجوارِحِ وصوْنِها عن المَساوئِ، خاصَّةً اللِّسانَ.
وكان
هو قدوتهم في ذلك لم يعرف عنه ﷺ أن تكلم بالخبيث من القول ، فعن
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَال:ـ (
لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا
، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ : " مَا لَهُ تَرِبَ
جَبِينُهُ ") [ أخرجه البخاري ] .
أما الكفار ، فأخلاقهم السباب فيما بينهم والكلام القبيح فيما بينهم في الدنيا وهو خلقهم يوم القيامة ، قال الله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ) ﴿٢٥ العنكبوت )
أما الكفار ، فأخلاقهم السباب فيما بينهم والكلام القبيح فيما بينهم في الدنيا وهو خلقهم يوم القيامة ، قال الله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ) ﴿٢٥ العنكبوت )
وقد ورد في السنة المطهرة تغليظ
التنفير من التحدث بالكلام البذيء ، وليس أشد تنفيراً منه أن يعلم المتحدث به أن
الله يبغضه إذا فعل، ففي سنن الترمذي عن
أبي الدرداء: أن النبي ﷺ قال: " ما مِن شيءٌ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ
القيامةِ من خُلقٍ حَسنٍ ، وإنَّ اللَّهَ ليبغَضُ الفاحشَ البذيءَ." ( أخرجه أبو داوود ، والترمذي ، وأحمد وصححه
الألباني )
فإنَّ اللهَ تعالى لَيبْغضُ ذا
الفُحْشِ في فِعْلِه وفي قوله، البذيءَ في
كلامه ، فهو يُرسِلُ لِسانَه بما لا
يَنْبغي، ويحتقرِ الغيرِ. مما يكره سماعه.
قال في سبل السلام: البغض ضد
المحبة وبغض الله عبده به إنزال العقوبة به وعدم إكرامه إياه، والبذيء فعيل من
البذاء وهو الكلام القبيح الذي ليس من صفات المؤمن كما دل عليه الحديث .
اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والنفاق ، ومن سوء الأخلاق
No comments:
Post a Comment