Monday 27 January 2020

تفسير وربط للآيات – وبيان المتشابهات- سورة نوح -ج1 : اعبدوا الله واتقوه يغفر لكم من ذنوبكم


  


 سورة نوح -ج1 : اعبدوا الله واتقوه يغفر لكم من ذنوبكم

سبب تسمية السورة:

الطوفان التي أغرق الله بها المكذبين من قومه، ولهذا سميت " سورة نوح "، وفي السورة بيان لسنة الله تعالى في الأمم التي انحرفت عن دعوة الله، وبيان لعاقبة المرسلين، وعاقبة المجرمين في شتى العصور والأزمان .

التعريف بالسورة :

1- مكية .
2-من المفصل ، وآياتها 28 .
3-ترتيبها الحادية والسبعون في المصحف. وبالنزول فقد نزلت بعد النحل .
4- بدأت بأسلوب توكيد – جملة خبرية" إِنَّا أَرْسَلْنَا " .

محور مواضيع السورة :

تعنى السورة بأصول العقيدة، وتثبيت قواعد الإيمان، وقد تناولت السورة تفصيلا قصة شيخ الأنبياء نوح، من بدء دعوته حتى نهاية حادثة الطوفان التي أغرق الله بها المكذبين من قومه، ولهذا سميت "سورة نوح "، وفي السورة بيان لسنة الله تعالى في الأمم التي انحرفت عن دعوة الله، وبيان لعاقبة المرسلين ، وعاقبة المجرمين في شتى العصور والأزمان .

تفسير السورة
قال تعالى: {نَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١﴾ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿٢﴾ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿٣﴾ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّـهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٤﴾

قوله تعالى: {إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ} نبي الله نوح  عليه السلام  فكان أول رسول أرسل، رواه قتادة عن ابن عباس عن النبي قال: ( أول رسول أرسل نوح وأرسل إلى جميع أهل الأرض ) ، وفي حديث الشفاعة يقول: " اذهبوا إلى نوحٍ فيأتونَ نوحًا فيقولونَ : يا نوحُ أنتَ أوَّلُ الرسُلِ إلى أهلِ الأرضِ وسَمَّاكَ اللهُ عبدًا شكورًا إشفعْ لنا إلى ربِّكَ" ( صحيح ابن حبان) ، فلذلك لما كفروا أغرق الله أهل الأرض جميعا.
وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السلام. قال وهب: كلهم مؤمنون. قيل بينه وبين آدم عشرة قرون، جاء في حديث أبي أمامة أنَّ رجُلًا قال : يا رسولَ اللهِ أنبيٌّ كان آدَمُ ؟ قال : ( نَعم مُكَلَّمٌ ) قال : فكم كان بيْنَه وبيْنَ نوحٍ ؟ قال : ( عشَرةُ قُرونٍ ). ( رواه ابن حبان في صحيحه)، والعشرة قرون هي بعد وفاة آدم إلى أن ولد نوح عليهما السلام.

أرسل نوح إلى قومه وهو ابن خمسين سنة. وقال ابن عباس: ابن أربعين سنة، ولبث فيهم 950 عاما يدعوهم لعبادة الله، ومع ذلك قال تعالى: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } (هود ٤٠)
{أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ} أي بأن أنذر قومك؛ هي « أَنْ » بمعنى المفسرة فلا يكون لها موضع من الإعراب؛ لأن في الإرسال معنى الأمر، فلا حاجة إلى إضمار الباء،  وقراءة عبدالله {أَنذِرْ قَوْمَكَ} بغير « أَنْ ». بمعنى قلنا له أنذر قومك.
{مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النار في الآخرة. وقال الكلبي: هو ما نزل عليهم من الطوفان. وقيل: أي أنذرهم العذاب الأليم على الجملة إن لم يؤمنوا. فكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم مجيبا؛ وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول (رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ.) .

{أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} أي: اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه { وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به وأنهاكم عنه.
{ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} أي:إذا فعلتم ما آمرتكم به وصدقتم ما أرسلت به إليكم، غفر الله لكم ذنوبكم، { يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} جزم ( يَغْفِرْ ) بجواب الأمر. و ( مِّن )، لا يصح اعتبارها زائدة؛ لأن ( مِّن )لا تزاد في الواجب، والقول بزيادتها في الإثبات قليل.
وإنما هي هنا للتبعيض، وهو بعض الذنوب، وقيل فيها أنه يغفر:
1-وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين، فإن الله لا يغفر من حقوق الناس أبداً، إلا أن يرد إليه مظلمته، أو يتحلل ممن أساء إليه.
2-وقيل: المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها، وأيضا إلا ما كان من حقوق الناس.
1-  أي يغفر لكم الذنوب العظام التي وعدكم على ارتكابكم إياها الانتقام.
وقيل : هي لبيان الجنس. قال الطبري: وفيه بُعد، إذ لم يتقدم جنس يليق به.

 {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: يمد في أعماركم ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تنـزجروا عما نهاكم عنه، أوقعه بكم. ومعناه أن الله تعالى كان قضى قبل خلقهم أنهم إن آمنوا بارك في أعمارهم، وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب.
وقال مقاتل: يؤخركم إلى منتهى آجالكم في عافية؛ فلا يعاقبكم بالقحط وغيره. فالمعنى على هذا يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم.
وعلى القول الأول {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} عند الله. {إِنَّ أَجَلَ اللَّـهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ }،أي إذا جاء الموت لا يؤخر بعذاب كان أو بغير عذاب.
وقد يستدل بهذه الآية من يقول: إن الطاعة والبر وصلة الرحم، يزاد بها في العمر حقيقة؛ كما ورد به الحديث عن أم سلمة: " صنائِعُ المعروفِ تَقِي مصارعَ السُّوءِ، و الصدَقةُ خِفْيًا تُطفِيءُ غضبَ الرَّبِّ ، و صِلةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمرِ، و كلُّ معروفٍ صدقةٌ، و أهلُ المعروفِ في الدُّنيا هُم أهلُ المعروفِ في الآخِرةِ " .( قال الألباني عنه : حسن لغيره)
وقوله: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: بادروا بالطاعة قبل حلول النقمة، فإنه إذا أمر [ الله ] تعالى بكون ذلك لا يرد ولا يمانع، فإنه العظيم الذي قهر كل شيء، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات.  وقوله: { ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }،(لو )بمعنى [إن] أي إن كنتم تعلمون، ومعناه لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل الله إذا جاءكم لم يؤخر.

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿٥﴾ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴿٦﴾ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴿٧﴾ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴿٩﴾ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾
يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح، عليه السلام، أنه اشتكى إلى ربه، عز وجل، ما لقي من قومه، وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاما، وما بين لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم، فقال: { رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا } أي:لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار، امتثالا لأمرك وابتغاء لطاعتك، { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا } و كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فَروا منه وحَادُوا عنه، {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} فكانوا يسدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه. كما أخبر تعالى عن كفار قريش: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت٢٦]
وقوله: { َاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ } قال ابن عباس: جعلوا ثيابهم على رءوسهم لئلا يسمعوا كلامه. فاستغشاء الثياب إذا زيادة في سد الآذان حتى لا يسمعوا، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت، قال ابن جريج، عن ابن عباس: تنكروا له لئلا يعرفهم، أو ليعرِّفوه إعراضهم عنه، وقيل : هو كناية عن العداوة. يقال: لبس لي فلان ثياب العداوة.
{وَأَصَرُّوا } أي: استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع، {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} أي:واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له. لأنهم قالوا {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} [الشعراء 111]، وقوله عنهم: {استكبارا} هي للتفخيم.
ما زلنا مع سيدنا نوح عليه السلام في شكواه في قومه يبثها لربه جل وعلا، ويظهر لربه عذره، وهو أعلم به، يقول لم أدع مجالًا لدعوتهم ولا طريقة إلا سلكتها:
قال {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا } قال: لم أتوقف عن دعوتهم ليلا، أو نهارا.
{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا } أي: جهرة بين الناس.
{ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} أي:كلاما ظاهرا بصوت عال، {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } أي: فيما بيني وبين بعضهم/ كل آخذه على انفراد لعله يعي، وتكون الدعوة أنجع فيهم.
بلاغة اللفظ:
بيَّن سيدنا نوح عليه السلام طريقته في الدعوة، وما كان منه من سلوك مسلك التنويع في دعوته ففيها مما لو كان قابلت قلوبًا تفتحت للحق لقبلته وعقلته، فهو قد جهر بالدعوة لكل الناس، اي أعلن في المحافل الكبيرة حيث يسمعه عدد كبير من الناس، {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا }، رفع صوته بالدعوة حتى لم يدع أحدًا إلا أسمعه، ويقول وتارة رفعت صوتي {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ}، وأخرى أدعو بعضهم سرًا بيني وبينه لما في هذه الطريقة من الخصوصية والمودة، {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا }، ولكن كل ذلك وبالرغم منه لم يؤمن معه إلا قليل: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} ( هود 44 )
ومن سيرة نبينا محمد نرى أنه بدأ بالدعوة سرًا، وخص فيها وبدأ بالأقربين إليه، آل بيته زوجته وبناته، ومولاه زيد بن الحارثة، وابن عمه علي بن أبي طالب الذي كان في رعايته، يتربى في بيته، ثم المقربين من أصحابه، أبا بكر، وعثمان، وغيرهم، فكان يسرُ للمقربين من أهله وأصدقائه، ويدعو من يتوسم منهم القبول، وذلك ليبنى لبنة قوية متماسكة، ما زالت بعيدة عن معوقات ممن سيكون أعداء ومحاربين من المعارضين لهم، فكان كما شاء، فكانوا هم القوة الدافعة التي سيعتمد عليها في بناء المجتمع الإيماني القوي المدافع عن الدعوة في صبرٍ لا يعرف الوهن.
وكون النبي بدأ الدعوة سرًا لمدة ثلاث سنوات، فهو قد أبقى العلاقة بين المسلمين وغيرهم علاقة مسالمة، لا عداء فيها، ولا حروب، تتيح للمسلمين الاستعداد بالقوة للفترة القادمة التي سيبدأ الكفار برسم خطط التخلص بالقوة العسكرية على الفئة المؤمنة.
ثم أُمر بالجهر بالدعوة، فبدأ بدعوة الناس كافة على جبل الصفا، وأعلن يرفع صوته حتى يسمعه كل من تجمع، وهكذا نتعلم من أساليب والدعوة، وما يصلح لك حال.
لنا عودة مع نبي الله نوح عليه السلام وأساليبه في الدعوة إلى الله.

{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾

مازلنا مع نبي الله نوح عليه السلام، حيث اشتكى إلى ربه عزَّ وجلَّ، ما لقي من تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاماً، من قومه من الصد والعناد والاستكبار عن قبول الحق، وما بيّن لقومه ووضّح لهم في دعوته لهم، فقد رغبهم بالاستغفار بأن عدد لهم فضائل يكرم الله عباده المستغفرين بها، وهنا نلاحظ أن نوحا بدأ قومه بالترغيب، ثم ثنى بالترهيب، رغبهم بالاستغفار لما له من فضائل يحبون لو أنها تكون لهم.
 قال تعالى حاكيا عن نوح عليه السلام:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} أي: ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب، فإنه من تاب إليه ، تاب عليه، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك، وقوله {كَانَ غَفَّارًا } أي إنه لم يزل كذلك غفارًا لمن أناب إليه سبحانه وتعالى، ومع مغفرته لذنوب من استغفر فإن الكريم يكرمه على الاستغفار بتبديل سيئاته حسنات، قال فيها: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) أي: متواصلة الأمطار. وقال ابن عباس: أي يتبع بعضه بعضا.
قال قتادة: لما كذبوا نوحا زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة؛ فهلكت مواشيهم وزروعهم، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به. فقال {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}، علم نبي الله نوحٍ عليه السلام  أنهم أهل حرص على الدنيا فقال : هلموا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة. وقوله تعالى: { وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا } أي إذا تبتم إلى اللّه وأطعتموه، كثّر الرزق عليكم وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأمدّكم { بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} أي أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها. وهذا كله هو مقام الدعوة بالترغيب
قرأ عمر بم الخطاب هذه الآية في صلاة الاستسقاء:
ولأجل هذا الفضل الموعود، تستحب قراءة هذه الآيات في صلاة الاستسقاء.
 وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: أنه صعد المنبر ليستسقي، فلم يزد على الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار. ومنها هذه الآية (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ) ثم قال:لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي استنـزل بها المطر.
وقال الأوزاعي: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التوبة 91 ] وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللهم اغفر لنا وأرحمنا واسقنا! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.

فضائل الاستغفار:

وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر. ادع الله أن يرزقني ولدا؛ فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه؛ فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) ( نوح 10-12)
وقوله: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) أي:إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وَأَدَرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي:أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.
سيد الاستغفار:
في صحيح البخاري، عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ قال: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ. مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

يتبع بإذن الله


No comments:

Post a Comment