Thursday 1 July 2021

تفسير سورة الفجر ج1 ذو الحجر العاقل يدله عقله على ربه

  
 
 

تفسير سورة الفجر ج ١- تفسير للآيات وبيان المتشابهات

ذو الحجر العاقل يدله عقله على ربه

 

 

 

التعريف بالسورة :

-  سورة الفجر مكية ، من جزء عم – من المفصل – عدد آياتها ثلاثون آية - ترتيبها بالمصحف التاسعة والثمانون -نزلت بعد سورة الليل -

- بدأت السورة بأسلوب القسم { وَٱلْفَجْرِ ﴿١﴾‏ فيها خمسة أقسام في أربع آيات- لم يرد فيها لفظ الجلالة في السورة .

 

محور مواضيع السورة :

يدور محور مواضيع السورة على ثلاث مواضيع رئيسية:

تبدأ بالقسم على أن الله سيحاسب كل من طغى، وذكر  قصص بعض الأمم المكذبة لرسل الله وذكر  عاقبتهم، ثم تؤكد السورة على حقيقة هذه الدنيا وأنها دار ابتلاء، يبتلى فيها الإنسان بالخير ، كما يبتلى بالشر، وهذا الإبتلاء والتمحيص هو إعداد للدار الآخرة التي تبدأ بنزع الروح من الجسد ؛ فمن غره ابتلاؤه ، فأساء العمل، فيتمنى العود للحياة، وأما من ثبت وتمسك فبيشر بالخير ويطمئن، بل ويتعجل للقاء ربه.

1- تبدأ السورة بالقسم على المعاد للعباد، وأن المكذبين العاندين سيعذبون بالآخرة ، ويذكْرنا  ربنا بقِصصِ بَعْضِ الأُمَمِ المُكَذِّبِينَ لِرُسُلِ الَّلهِ ؛ كَقَوْمِ عَاد ، وَثَمُود ، وَقَومِ فرعَوْن ، وبيان مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ العذَاب وَالدمار بسببِ طغيَانِهِم ، ويستدل بها على أنه سبحانه سيعذبهم في الآخرة ؛ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبـُّكَ بِعَادٍ} .الآيات

2- بيان سنّةِ الَّلهِ تَعَالى في ابْتِلاَء العِباد في هَذِهِ الحياة بالخيْرِ وَالشّرّ ، وَالغنى وَالفقْرِ ، وَطَبِيعَةِ الإِنسَانِ في حبـِّه الشدِيد لِلْمَالِ {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابـْتَلاَهُ رَبـُّهُ} . الآيات

3- الآخِرَة وَأَهوَالهَا وَشدَائِدهَا، وَانْقِسَامُ النَّاسِ يوْم القِيَامَة إلى سعَدَاء وَأَشْقِيَاء ، وَبَيَانُ مَئَالِ النَّفْسِ الشِّرِّيـرَةِ ، وَالنَّفْسِ الكَرِيمَةِ الخَيـِّرَةِ {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكَّـاً دَكَّـاً وَجَاءَ رَبـُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّـاً صَفَّـاً وَجِيْءَ يَوْمَئِذٍ بجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنـَّى لـَهُ الذِّكْرَى} إلى نِهَايَةِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ.

وخلاصة هدف السورة: ضرب العبر والأمثال بأحوال من سبق من الأمم، لبيان أنهم ابتلوا كما تبتلون بالخير والشر، ثم ستعودون كما عادوا إلى الخالق محملين بأعباء أعمالكم . اللهم أحسن عملنا.

مميزات السورة:

- ذكر اسم ( إرم ) على اختلاف في المقصود منه. سيأتي

- استخدام ( الحجر ) للعقل.

- ذكر صفات الأقوام الذين يكثر ذكرهم في القرآن: {إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ﴿٧﴾‏ ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَٰدِ ﴿٨﴾‏ وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُوا۟ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ ﴿٩﴾‏ وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلْأَوْتَادِ ﴿١٠﴾‏

- ذكر الميراث باسم ( تراث) ، وأصلها (الوراث)، وتختص هذه السورة ببيان شنيع فعل من يجحف في الميراث.

-ذكر صفوف الملائكة يوم القيامة؛  {وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}

- بيان أن الحياة الحقة هي الحياة الآخرة؛ { يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى }

- ذكر النفس المطمئنة؛ {يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ}

تفسير السورة :

 

قوله تعالى: {وَٱلْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ *وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ*هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}

أما الفجر فمعروف، وهو: الصبح. وقيل: المراد به فجر يوم النحر خاصة، وهو خاتمة الليالي العشر. وقيل: المراد بذلك الصلاة التي تقام عنده.

وقيل:المراد به جميع النهار. هذه الأقوال معتبرة

{وَلَيَالٍ عَشْرٍ } والليالي العشر:المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله غير واحد من السلف والخلف. وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس مرفوعا: " ما العملُ في أيَّامٍ أفضلُ منه في عشْرِ ذي الحجَّةِ ، قالوا : يا رسولَ اللهِ ! ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ ، إلَّا رجلٌ خرج بنفسِه ومالِه في سبيلِ اللهِ ، ثمَّ لم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ"

وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر ابن جرير، وعن ابن عباس: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ } قال:هو العشر الأول من رمضان.

والأصح القول الأول؛ قال الإمام أحمد: عن جابر بن عبد الله، عن النبي ﷺ قال: " العَشْرُ عَشْرُ الأضحى، والوَتْرُ يومُ عرفةَ، والشَّفْعُ يومُ النَّحْرِ " ( ضعيف).

وقوله: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } قد تقدم في هذا الحديث أن الوتر يوم عرفة، لكونه التاسع، وأن الشفع يوم النحر لكونه العاشر.

قول ثان:وقال ابن أبي حاتم: عن واصل ابن السائب قال:سألت عطاء عن قوله: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } قلتُ:صلاتنا وترنا هذا؟ قال: لا ولكن الشفع يوم عرفة، والوتر ليلة الأضحى.

قول ثالث: عن ابن عباس: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قال:الله وتر واحد، وأنتم شفع؛ ذكر وأنثى.

وفي الصحيحين من رواية أبي هُرَيرة، عن رسول الله ﷺ: " إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ" وفي زيادة : "إنَّه وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْر " .

 ويقال:الشفع صلاة الغداة، والوتر:صلاة المغرب.

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد قوله: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } كل شيء خلقه الله شفع، السماء والأرض، والبر والبحر، والجن والإنس، والشمس والقمر، ونحو هذا. وهذا ما ذكروه هو من قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ( الذاريات٤٩) أي:لتعلموا أن خالق الأزواج واحد، وقال تعالى: {سُبْحَٰنَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْأَزْوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ } (يس ٣٦)‏

قول خامس: عن الحسن: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } هو العدد، منه شفع ومنه وتر.

قول سادس:  عن عمران بن حصين:أن رسول الله ﷺ سُئِل عن الشفع والوتر، فقال: " هي الصلاُة بعضُها شفعٌ، وبعضُها وترٌ" .(ضعيف الترمذي)

وقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } عن ابن عباس: أي إذا ذهب

وقال مجاهد، وأبو العالية، وقتادة، ومالك، عن زيد بن أسلم وابن زيد: إذا سار.

ويحتمل أن يكون المراد إذا سار، أي: أقبل. وقد يقال: إن هذا أنسب؛ لأنه في مقابلة قوله: {وَالْفَجْرِ } فإن الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل، فإذا حمل قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } على إقباله كان قَسَمًا بإقبال الليل وإدبار النهار، وبالعكس، كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ* وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} {التكوير١٧-١٨} .

قال الأخفش: الليل لا يَسْرِي وإنما يَسْرَى فيه؛ فهو مصروف عن صفة السريان، وكل ما صرفته عن جهته بخسته من إعرابه؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا } (مريم٢٨)، لم يقل بغية، لأنه صرفها عن كونها باغية.

وقوله: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي:لذي عقل ولب وحجا [ ودين ]

وإنما سمي العقل حجْرًا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال، وأصل الحجر: المنع. وقال الفراء: العرب تقول: إنه لذو حجر: إذا كان قاهرا لنفسه، ضابطا لها، ومنه سمي الحَجَر، لامتناعه بصلابته،  ومنه حجر الحاكم على فلان، أي منعه وضبطه عن التصرف؛ ولذلك سميت الحجرة حجرة، لامتناع ما فيها بها.

ومنه حِجْرُ البيت لأنه يمنع الطائف من اللصوق بجداره الشامي،  منها قوله تعالى:{يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا }{الفرقان٢٢}، يوم يرون الملائكة عند الإحتضار لا لتبشرهم – كما يتوقعون- بالجنة، بل لتقول لهم : إن الجنة حجر عليكم ، ممنوعة عليهم.كل هذا من قبيل واحد، ومعنى متقارب.

وهذا القسم بخمس؛ هي أوقات العبادة، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرب بها إليه عباده المتقون المطيعون له، الخائفون منه، المتواضعون لديه، الخاشعون لوجهه الكريم، وإن اختلف الأقوال في التعيين.

وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم، وأما جواب محذوف، وهو ليعذبن؛ يدل عليه قوله تعالى: {‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} إلى قوله تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴿١٣﴾‏ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴿١٤﴾

قال مقاتل: {هل} هنا في موضع إن؛ تقديره : إن في ذلك قسما لذي حجر. فـ { هل} على هذا، في موضع جواب القسم. وقيل: هي من الاستفهام الذي معناه التقرير؛ كقولك : ألم أنعم عليك؛ إذا كنت قد أنعمت.

وقيل : المراد بذلك التأكيد لما أقسم به وأقسم عليه. والمعنى: بل إن ذلك مقنع لذي حجر. والجواب على هذا: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ}.

ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله، جاحدين لكتبه. فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم، وجعلهم أحاديث وعبَرا، فقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ } وهؤلاء عاد الأولى، وهم أولاد عاد بن إرم بن عَوص بن سام بن نوح، قاله ابن إسحاق وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودًا، عليه السلام، فكذبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم، وأهلكهم بريح صرصر عاتية؛ {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} (الحاقة٧-٨) وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون.

فقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} عطف بيان؛ زيادة تعريف بهم.

وقوله: ( ذَاتِ الْعِمَادِ ) لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشِّعر التي ترفع بالأعمدة الشداد، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا، ولهذا ذكَّرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم، فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [ الأعراف:69 ] . وقال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [ فصلت:15 ] ، وقال هاهنا: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} أي: القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم، لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم.

قال مجاهد: إرم: أمة قديمة، يعني: عادا الأولى، والسُّدِّيُّ: إن إرم بيت مملكة عاد، وهذا قول حسن جيد قوي.

وقال مجاهد، وقتادة، والكلبي في قوله: {ذَاتِ الْعِمَادِ} كانوا أهل عمود لا يقيمون.

وقال العوفي، عن ابن عباس:إنما قيل لهم: {ذَاتِ الْعِمَادِ} لطولهم.

وقوله: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} أعاد ابن زيد الضميرَ على العماد؛ لارتفاعها، أي لم يخلق مثل عمادهم، وقال:بنوا عُمُدا بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد.

وأما قتادة وابن جرير فأعاد الضمير على القبيلة، أي:لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد، يعني في زمانهم. وهذا القول هو الصواب، وقول ابن زيد ومن ذهب مذهبه ضعيف؛ لأنه لو كان أراد ذلك لقال: التي لم يعمل مثلها في البلاد، وإنما قال: {لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ }

 

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا معاوية بن صالح، عمن حدثه، عن المقدام، عن النبي ﷺ: " أنَّهُ ذكر إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ فقال كان الرجلُ منهم يأتي إلى الصخرةِ فيحملُها على كاهلِه فيُلقيِها على أيِّ حيٍّ أرادَ فيهلكَهم" (إسناده فيه مقال)

أخبار لا تصح:

قال ابن كثير: ومن زعم أن المراد بقوله: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} مدينة إما دمشق، كما روي عن سعيد بن المسيب وعكرمة، أو اسكندرية كما رُوي عن القُرَظي أو غيرهما، ففيه نظر، فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} إن جعل ذلك بدلا أو عطف بيان، فإنه لا يتسق الكلام حينئذ. ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يُرَد، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم.

والمراد من السياق إنما هو الإخبار عن القبيلة، ولهذا قال بعده: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ } يعني:يقطعون الصخر بالوادي. قال ابن عباس:ينحتونها ويخرقونها. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد. ومنه يقال: « مجتابي النمار » . إذا خرقوها، واجتاب الثوب: إذا فتحه. ومنه الجيب أيضا. وقال الله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ }[ الشعراء 149 ] .

وقوله: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ } قال العوفي، عن ابن عباس: الأوتاد؛ الجنود الذين يشدون له أمره.

والأولى ما ذكر بأن ن فرعون كان يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حَديد يعلقهم بها. وكذا قال مجاهد:كان يوتد الناس بالأوتاد. وقال السدي:كان يربط الرجل، كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فتشدخه .

وقال ثابت البناني، عن أبي رافع: قيل لفرعون {ذِي الأوْتَادِ } ؛ لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت.

وقوله: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ } أي:تمردوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس، ( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) أي:أنـزل عليهم رجزا من السماء، وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين.

 

وقوله: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) قال ابن عباس:يسمع ويرى. يعني:يرصد خلقه فيما يعملون، ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والآخرى، وسيعرض الخلائق كلهم عليه، فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلا بما يستحقه. وهو المنـزه عن الظلم والجور.

يتبع إن شاء الله

 

No comments:

Post a Comment