Saturday 10 December 2022

تفسير سورة البقرة ح23 وما كان الله ليضيع إيمانكم

  
    

 تفسير سورة البقرة- ح ٢٣

(‏ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ

الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚقُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) 

وكان رجال ماتوا، أو  قتلوا قبل تُحَوَّلَ القبلة قِبَلَ البَيْتِ

 لَمْ نَدْرِ ما نَقُولُ فيهم، فأنزل الله:

 (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)

 

مواضيع هذا الجزء:

- موضوع ربع الحزب الثالث كله في تحويل القبلة من بيت المقدس في بلاد الشام، إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة.

- التحول كان بعد ستة عشر شهرا من الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة.

-في هذا الموضع يفضح الله تعالى السفهاء من اليهود في المدينة والمشركين من الناس الذين يتقولون على الله وعلى رسوله، بأنه غير القبلة ليخالفهم.

-الله سبحانه وتعالى رؤوف بعباده لا يضيع عملا يعمله المسلم.

التفسير:

قوله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)  (١٤٢)

سيقول السفهاء من الناس أعلم الله تعالى أنهم سيقولون في تحويل المؤمنين من الشام إلى الكعبة ما ولاهم عنها، ولنحلل هذه العبارة من قول البارئ عز وجل:

1-قوله: سيقول: جعل المستقبل موضع الماضي، دلالة على استدامة ذلك وأنهم يستمرون على ذلك القول .

2-وخص بقوله: من الناس لأن السفه يكون في جمادات وحيوانات. والمراد من السفهاء جميع من قال: ما ولاهم .

من هو السفيه في اللغة:

والسفهاء جمع، واحده سفيه ، وهو الخفيف العقل، من يقال: ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج ، والجمع للنساء سفائه .

والسفيه: البهات الكذاب المتعمد قول خلاف ما يعلم . وقال قطرب : الظلوم الجهول

3-والمراد بالسفهاء هنا اليهود الذين بالمدينة ، قاله مجاهد .وقيل هو قول كفار قريش لما أنكروا تحويل القبلة،  قالوا : قد اشتاق محمد إلى مولده وعن قريب يرجع إلى دينكم.

 وقالت اليهود: قد التبس عليه أمره وتحير . وقال المنافقون: ما ولاهم عن قبلتهم، واستهزءوا بالمسلمين . وولاهم يعني عدلهم وصرفهم .

قصة تحويل القبلة:

-  عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لمَّا قدِمَ رسولُ اللَّهِ ﷺ المدينةَ صلَّى نحوَ بيتِ المقدسِ ستَّةَ أو سبعةَ عشرَ شَهرًا ، وَكانَ رسولُ اللَّهِ ﷺ يحبُّ أن يوجِّهَ إلى الكعبةِ فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) فوجَّهَ نحوَ الكعبةِ ، وَكانَ يحبُّ ذلِكَ، فصلَّى رجلٌ معَهُ العصرَ قال : ثمَّ مرَّ على قومٍ منَ الأنصارِ ، وَهم رُكوعٌ في صلاةِ العصرِ نحوَ بيتِ المقدسِ فقالَ : هوَ يَشْهدُ أنَّهُ صلَّى معَ رسولِ اللَّهِ ﷺ وأنَّهُ قد وجَّهَ إلى الكعبةِ ، قالَ : فانحرَفوا وَهم رُكوعٌ ) (صحيح الترمذي)

-وعنه أيضا قال : (بيْنَا النَّاسُ بقُبَاءٍ في صَلَاةِ الصُّبْحِ، إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قدْ أُنْزِلَ عليه اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وقدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إلى الكَعْبَةِ." (البخاري)

- وفي البخاري أيضا: عن البراء: (كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكَانَتِ اليَهُودُ قدْ أعْجَبَهُمْ إذْ كانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا ولَّى وجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أنْكَرُوا ذلكَ)

-وفي رواية أخرى عن البراء بن عازب قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى إلى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى، أوْ صَلَّاهَا، صَلَاةَ العَصْرِ وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ صَلَّى معهُ فَمَرَّ علَى أهْلِ المَسْجِدِ وهُمْ رَاكِعُونَ، قالَ: أشْهَدُ باللَّهِ، لقَدْ صَلَّيْتُ مع النبيِّﷺَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكانَ الذي مَاتَ علَى القِبْلَةِ قَبْلَ أنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ البَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ ما نَقُولُ فيهم، فأنْزَلَ اللَّهُ: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ إنَّ اللَّهَ بالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) وفي رواية مالك  كانت صلاة الصبح . وقيل : نزل ذلك على النبي ﷺ في مسجد بني سلمة وهو في صلاة الظهر بعد ركعتين منها فتحول في الصلاة، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين .

وقيل كانت صلاة الظهر فأقبل عبَّاد بن بشر بن قيظي فقال : إن رسول الله ﷺ قد استقبل القبلة - أو قال : البيت الحرام - فتحول الرجال مكان النساء ، وتحول النساء مكان الرجال . وقيل:غير ذلك ، والأشهر أنها كانت صلاة العصر. والله أعلم .

-والأشهر أن وقت تحويل القبلة بعد قدومهﷺ المدينة بستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، كما في البخاري . وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن تحويلها كان قبل غزوة بدر بشهرين . وذلك في رجب من سنة اثنتين. وذلك أن قدومه المدينة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول .

- وقد كان رسول الله ﷺ أُمِر وهو في مكة قبل الهجرة باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره اللّه بالتوجه إلى بيت المقدس،  قاله ابن عباس والجمهور. والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه ﷺ المدينة واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهراً، وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يُوَجَّه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم عليه السلام، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق، فخطب رسول اللّه ﷺ الناس فأعلمهم بذلك، وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر كما تقدم في الصحيحين.

- وذكر غير واحد من المفسِّرين أن تحويل القبلة نزل على رسول اللّه ﷺوقد صلى ركعتين من الظهر وذلك في مسجد بني سلمة: فسمي مسجد القبلتين وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه قال: (بيْنَا النَّاسُ بقُبَاءٍ في صَلَاةِ الصُّبْحِ، إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قدْ أُنْزِلَ عليه اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وقدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إلى الكَعْبَةِ.) (أخرجه الشيخان)

-مسجد القبلتين: مسجد بني سلمة: بني هذا المسجد في عهد رسول الله ﷺ في العام الثاني للهجرة النبوية، بناه بنو سواد بن غنم بن كعب، إلى الجنوب الغربي من بئر رومة قرب وادي العقيق وفوق رابية مرتفعة قليلا، ويبعد عن المسجد النبوي (خمسة كيلومترات) شمال غرب، وللمسجد أهمية خاصة: فهومسجد القبلتين، لأن الصحابة صلوا فيه صلاة واحدة إلى قبلتين، بعد أن نزلت آية تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام ، فأرسل رسول الله أحد الصحابة ليبلغ المسلمين في أطراف المدينة، وجاء الصحابي والناس يصلون فأخبرهم الخبر، فتحولوا وهم في صلاتهم إلى القبلة الجديدة، كما يسمى المسجد بمسجد بني سلمة لوقوعه في قرية بني سلمة وهم بطن من الخزرج من الأزد.

-وقول السفهاء هذا ما هو إلا  بسبب حسدهم للمسلمين أن هداهم لها ، قال رسول الله ﷺ: "إنَّهم لا يَحسُدونا على شيءٍ كما يَحسُدونا على يومِ الجمُعةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى القِبلةِ التي هَدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى قولِنا خلفَ الإمامِ: آمينَ." (صححه شعيب الأرناوؤط من حديث عائشة رضي الله عنها)

-وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: " نَحْنُ الآخِرُونَ الأوَّلُونَ يَومَ القِيامَةِ، ونَحْنُ أوَّلُ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ، بَيْدَ أنَّهُمْ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِنا، وأُوتِيناهُ مِن بَعْدِهِمْ، فاخْتَلَفُوا، فَهَدانا اللَّهُ لِما اخْتَلَفُوا فيه مِنَ الحَقِّ، فَهذا يَوْمُهُمُ الذي اخْتَلَفُوا فِيهِ، هَدانا اللَّهُ له، قالَ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، فالْيَومَ لَنا، وغَدًا لِلْيَهُودِ، وبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصارَى." (مسلم)

-في هذه الآية دليل واضح على أن في أحكام الله تعالى وكتابه ناسخا ومنسوخا، وأجمعت عليه الأمة إلا من شذ ، كما تقدم . وأجمع العلماء على أن القبلة أول ما نسخ من القرآن .

-ودلت أيضا على جواز نسخ السنة بالقرآن ، وذلك أن النبيﷺ صلى نحو بيت المقدس، وليس في ذلك قرآن، فلم يكن الحكم إلا من جهة السنة ثم نسخ ذلك بالقرآن، وعلى هذا يكون : "كنت عليها " بمعنى أنت عليها .

أنواع النسخ:

 - نسخ القرآن بالقرآن:  قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)  (البقرة٢٣٤)  نسخت قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ). (البقرة ٢٤٠).

-نسخ السنة بالقرآن : التوجه إلى بيت المقدس، فإنه ثبت بالسنة ونسخ بقول الله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.)  (البقرة١٤٤).

 -نسخ الكتاب بالسنة: نسخ آية: عشر رضعات، نسخت تلاوة وحكما بالسنة فقد روى مسلم في صحيحه وغيره من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:  (كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ)

مع أن جمهور أهل العلم يمنعون نسخ المتواتر بغير المتواتر.

- وفيها دليل على جواز القطع بخبر الواحد وهو هنا وكان هذا الرجل الذي أخبر الناس بتحويل القبلة هو: عبَّاد بن بشر الأنصاري، وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من الشريعة عندهم، ثم إن أهل مسجد بني سلمة لما أتاهم الآتي وأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام قبلوا قوله واستداروا نحو الكعبة، فتركوا المتواتر بخبر الواحد وهو مظنون .

- عبَّاد بن بشر الأنصاري،صحابي أسلم على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه قبل هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة، وشهد عبَّاد مع الرسول الغزوات كلها وكان فدائيًا مغوارًا شجاعًا فكتب الله له الشهادة في معركة اليمامة في عهد سيدنا أبو بكر الصديق وكان عمره خمسة وأربعين سنة.

-قوله تعالى : (قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) هنا إقامه الحجة على من اعترض، أي له ملك المشارق والمغارب وما بينهما ، فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء ، قوله تعالى : يهدي من يشاء إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم ، والله تعالى أعلم . والصراط الطريق . والمستقيم : الذي لا اعوجاج فيه.

وقوله تعالى: ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (١٤٣)

يقول تعالى إنما حولناكم على قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأُمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل.

والوسطُ ههنا: الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها.

 وكان رسول اللّه ﷺ وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً، ومنه الصلاة الوسطى وهي العصر، وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا ، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم . والوسط: العدل ، قال أوسطهم أي أعدلهم وخيرهم . وقال زهير :

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

 ولما جعل اللّه هذه الأمة وسطاً خصَّها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج وأوضح المذاهب كما قال تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). ﴿٧٨الحج﴾

‏عن أبي سعيد قال: قال رسول اللّه ﷺ : "يُدْعَى نُوحٌ يَومَ القِيامَةِ، فيَقولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ يا رَبِّ، فيَقولُ: هلْ بَلَّغْتَ؟ فيَقولُ: نَعَمْ، فيُقالُ لِأُمَّتِهِ: هلْ بَلَّغَكُمْ؟ فيَقولونَ: ما أتانا مِن نَذِيرٍ، فيَقولُ: مَن يَشْهَدُ لَكَ؟ فيَقولُ: مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أنَّه قدْ بَلَّغَ: (وَيَكونَ الرَّسُولُ علَيْكُم شَهِيدًا)،  فَذلكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَكَذلكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ علَى النَّاسِ ويَكونَ الرَّسُولُ علَيْكُم شَهِيدًا) والوَسَطُ: العَدْلُ. " (رواه البخاري)

-وعن أبي سعيد الخدري قال: قال قال رسول اللّه ﷺ :( يَجِيءُ النبيُّ يومَ القيامةِ ومعه الرجلُ ، والنبيُّ ومعه الرجلانِ ، والنبيُّ ومعه الثلاثةُ ، وأكثرُ من ذلك ، فيُقالُ له : هل بَلَّغْتَ قومَك ؟ فيقولُ : نعم ، فيُدْعَى قومُه ، فيُقالُ لهم : هل بَلَّغَكم هذا ؟ فيقولونَ : لا ، فيُقالُ له : مَن يَشْهَدُ لك ؟ فيقولُ : مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ ، فيُدْعَى مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ فيُقالُ لهم : هل بَلَّغَ هذا قومَه ؟ فيقولونَ : نعم ، فيُقالُ : وما عِلْمُكُم بذلك ؟ فيقولونَ : جاءنا نبيُّنا ، فأَخْبَرَنا أنَّ الرُّسُلَ قد بَلَّغُوا فصَدَّقْناه ، فذلك قولُه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (رواه أحمد – وصححه الألباني في الصحيحة)

وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)، يقول تعالى إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولاً إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه، أي مرتداً عن دينه (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً) أي هذه الفعلة وهي صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس، إلا على الذين هدى اللّه قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك،

بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا، كما يحصل للذين آمنوا إيقانٌ وتصديق، كما قال اللّه تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿١٢٤﴾‏ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) ﴿التوبة١٢٥﴾‏،  

وقال تعالى: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) ﴿٤٤فصلت﴾

 ولهذا كان -من ثبت على تصديق الرسول ﷺ واتباعه في ذلك، وتوجه حيث أمره اللّه من غير شك ولا ريب- من سادات الصحابة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين. عن ابن عمر قال: (بيْنَا النَّاسُ في الصُّبْحِ بقُبَاءٍ، إذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقالَ: أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، فَأُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، واسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ فَتَوَجَّهُوا إلى الكَعْبَةِ وكانَ وجْهُ النَّاسِ إلى الشَّأْمِ.) (رواه البخاري ومسلم) وفي رواية أنهم كانوا ركوعاً فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع" ، وهذا يدل على كمال طاعتهم للّه ولرسوله وانقيادهم لأوامر اللّه عزّ وجلّ رضي اللّه عنهم أجمعين.

 وقوله: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ)  أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك، ما كان يضيع ثوابها عند اللّه، وفي الصحيح عن البراء قال: " لما وُجِّهَ النبيُّ ﷺإلى الكعبةِ قالوا : كيف بمن مات من إخوانِنا وهم يصلون نحوَ بيتِ المقدسِ ؟ فأنزل اللهُ جلَّ وعلا: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ)  (رواه الترمذي عن ابن عباس وصححه).

 وقال ابن إسحاق عن ابن عباس:  (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ) أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأُخرى، أي ليعطيكم أجرهما جميعاً

وقوله: (إنَّ اللَّهَ بالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) ، الرأفة أشد ، وأكثر من الرحمة

ورأفة الله تعالى بعباده يبينها ما جاء في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " قَدِمَ علَى النَّبيِّ ﷺ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبيُّ ﷺ: "أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى ألَّا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا."

وقوله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤)

ومعنى (تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) : تحول وجهك إلى السماء ، قاله الطبري .أي: تقلب عينيك في النظر إلى السماء،  وخص السماء بالذكر إذ هي مختصة بتعظيم ما أضيف إليها ويعود منها:  كالمطر والرحمة والوحي . ومعنى:  ترضاها: أي تحبها . قال السدي : كان ﷺ إذا صلى نحو بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ، وكان يحب أن يصلي إلى قبل الكعبة فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ)

(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ) فول أمر وجهك شطر أي ناحية المسجد الحرام يعني الكعبة، وقال ابن عمر: حيال الميزاب من الكعبة ، والميزاب: هو قبلة المدينة وأهل الشام ، وهناك قبلة أهل الأندلس .

وقد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: " البَيْتُ قِبلةٌ لِأهلِ المَسجدِ، والمَسجِدُ قِبلةٌ لِأهلِ الحَرمِ، والحَرَمُ قِبلةٌ لِأهلِ الأرضِ في مَشارِقِها وَمَغارِبِها مِن أُمَّتي" (السلسلة الضعيفة- الألباني)

(..شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ) شطر المسجد الحرام،  الشطر له معاني: قد يكون الناحية والجهة ، كما في هذه الآية ، فهو ظرف مكان ، كما تقول : تلقاءه وجهته .

وشَطْر الشيء: نصفه ، ومنه الحديث: "الطهور شطر الإيمان" .

ويكون من الأضداد، يقال: شطر إلى كذا إذا أقبل نحوه ، وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه

 أما الشاطر من الرجال: فلأنه قد أخذ في نحو غير الاستواء، أي أبعد عن الحق، وهو الذي أعيا أهله خبثا، وقد شطر وشُطر ( بالضم ) شطارة فيهما ، وسئل بعضهم عن الشاطر ، فقال: هو من أخذ في البعد عما نهى الله عنه .

هل الفرض على المصلي البعيد أن يتجه إلى عين الكعبة، أم الجهة منها: منهم من قال يجب استقبال العين، ومنهم من قال بالجهة ، وهو الصحيح لثلاثة أوجه : الأول : أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف . الثاني : أنه المأمور به في القرآن، لقوله تعالى: (وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ) يعني من الأرض من شرق أو غرب فولوا وجوهكم شطره . الثالث : أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت، فيكون المتأخر منهم ليس  متوجها إلى عين البيت.

قوله تعالى: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) يريد اليهود والنصارى ليعلمون أنه الحق من ربهم يعني تحويل القبلة من بيت المقدس،  فإن قيل : كيف يعلمون ذلك وليس من دينهم ولا في كتابهم؟ قيل: أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا ﷺ نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به .

قوله تعالى: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) ، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي "تعملون"  بالتاء على مخاطبة أهل الكتاب، أو أمة محمد ﷺ. وعلى الوجهين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد ولا يغفل عنها ، وضمنه الوعيد . وقرأ الباقون بالياء من تحت .

وقوله تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ)  (١٤٥)

قوله تعالى : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك لأنهم كفروا وقد تبين لهم الحق، وليس تنفعهم الآيات، أي العلامات .

وجمع قِبْلة في التكسير: قِبَل،  وفي التسليم -الجمع السالم-: قِبَلات .

ويجوز أن تبدل من الكسرة فتحة ، فتقول قَبلات .

يخبر تعالى عن كفر اليهود وعنادهم، ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن رسول ﷺ، وأنه لو أقام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٩٦﴾‏ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) ﴿٩٧يونس﴾‏، ولهذا قال ههنا: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ)

وقوله عز وجل: (وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ)  إخبار عن شدة متابعة الرسول ﷺ لما أمره اللّه تعالى به، وأنه كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم، فهو أيضاً مستمسك بأمر اللّه وطاعته واتباع مرضاته.
 وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله، ولا كونه متوجهاً إلى بيت المقدس لكونها قبلة اليهود، وإنما ذلك عن أمر اللّه تعالى.

 ثم حذَّر تعالى عن مخالفة الحق الذي يعلمه العالم إلى الهوى، فإن العالم الحجة عليه أقوم من غيره. ولهذا قال مخاطباً للرسولﷺ والمراد به الأمة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) . قوله تعالى : وما أنت بتابع قبلتهم لفظ خبر ويتضمن الأمر ، أي فلا تركن إلى شيء من ذلك ثم أخبر تعالى أن اليهود ليست متبعة قبلة النصارى ولا النصارى متبعة قبلة اليهود، فهذا إعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم .

قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ)، الخطاب للنبي ﷺ، والمراد أمته ممن يجوز أن يتبع هواه فيصير باتباعه ظالما ، وليس يجوز أن يفعل النبي ﷺ ما يكون به ظالما ، فهو محمول على إرادة أمته، لعصمة النبي ﷺوقطعنا أن ذلك لا يكون منه، وخوطب النبي ﷺ تعظيما للأمر ولأنه المنزل عليه . والأهواء : جمع هوى،

وهوَى الشَّخصُ :مال وحنَّ ، الهَوَى :ميلُ النَّفس إِلى الشهوة.

فحذر سبحانه من الميل إلى شهوات النفس، وترك طاعته، وطاعة نبيه فيما يأمر ففيها السلامة والفوز.

والله أولى وأعلم

 

No comments:

Post a Comment