Tuesday 13 December 2022

السرية النبوية الشريفة غزوة خيبر أبطالها علي والزبير

      

غزوة خبير- دُكت حصونها

وشردت سكانها

أبطالها: علي، والزبير وباقي الصحابة

رضي الله عنهم

 

الأسباب التي أدت إلى الغزوة:

خيانات خيبر المستمرة والعداء المستفز والسعي لإشعال الحروب والنيران حول المسلمين والحرص على إيقاد نار جديدة كلما انطفأت أو خبت نار، حتى حاولوا قتل النبي ﷺ، كل هذا كان يحتم الثأر وإيقافهم عن شرهم بعد الانتهاء من قريش والهدنة معها كقوة أكبر كانت تشغل المسلمين.

فأهل خيبر هم الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا في الاتصالات بالمنافقين ـ الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي ـ وبغطفان وأعراب البادية، واستعدادهم الدائم لقتال المسلمين، فألقوا المسلمين في أتون محن متلاحقة. ثم أخذوا في الاتصالات بالمنافقين ـ الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي ـ وبغطفان وأعراب البادية ـ الجناح الثالث من الأحزاب ـ وكانوا هم أنفسهم يتهيأون للقتال، فألقوا المسلمين بإجراءاتهم هذه في محن متواصلة، حتى وضعوا خطة لاغتيال النبي ﷺ، وإزاء ذلك اضطر المسلمون إلى بعوث متواصلة، وإلى الفتك برأس هؤلاء المتآمرين، مثل سلام بن أبي الحُقَيْق، وأسِير بن زارم، ولكن الواجب على المسلمين إزاء هؤلاء اليهود كان أكبر من ذلك، وإنما أبطأوا في القيام بهذا الواجب؛ لأن قوة أكبر وأقوي وألد وأعند منهم؛ وهي قريش ـ كانت مجابهة للمسلمين، فلما انتهت هذه المجابهة صفا الجو لمحاسبة هؤلاء المجرمين، واقترب لهم يوم الحساب‏.‏ قال المباركفوري في الرحيق المختوم: غزوة خيبر ووادي القُري (‏في المحرم سنة 7 هـ‏)‏ كانت خيبر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ثمانين ميلا من المدينة في جهة الشمال، وهي الآن قرية في مناخها بعض الوخامة‏.‏

الغزوة:

وفي المحرم سنة سبع من الهجرة خرج رسول اللهﷺ إلى خيبر ، وجاء من تخلف عن الحديبية ليؤذن له فنادى في الناس أن لا يخرجوا معه إلا رغبة في الجهاد، أما الغنيمة فلا يعطى لهم منه شيء. فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري .

ثم سلك الجادة المعروفة الموصلة إلى خيبر، حتى إذا كان في منتصف الطريق تقريباً اختار طريقاً آخر يوصله إلى خيبر، حتى إذا كان في منتصف الطريق تقريباً اختار طريقاً آخر يوصله إلى خيبر من جهة الشام، ليحول بينهم وبين فرارهم إلى الشام .

وبات الليلة الأخيرة قريباً من خيبر، ولم تشعر به اليهود، فلما أصبح صلى الفجر بغلس، ثم ركب هو والمسلمون متجهين إلى مساكن خيبر، أما اليهود فقد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ليعلموا في أرضهم وهم لا يعلمون، فلما رأوا الجيش رجعوا هاربين يقولون: محمد ، والله محمد والخميس. فقال النبيﷺ: " الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " .

وخيبر على بعد 171 كيلومتراً شمالي المدينة وكانت مساكنها منقسمة إلى ثلاثة أشطر : النطاة، والكتيبة، والشق .

 فالنطاة ثلاثة حصون : حصن ناعم ، وحصن الصعب بن معاذ، وحصن قلعة الزبير . والشق حصنان: حصن أبي ، وحصن النزار .

والكتيبة ثلاثة حصون : حصن القموص، وحصن الوطيح، وحصن السلالم .

وكانت في خيبر حصون وقلاع أخرى صغيرة لم تكن تبلغ مبلغ هذه الحصون في القوة والمناعة .

 

فتح النطاة :

عسكر رسول الله ﷺ شرقي حصون النطاة بعيداً عن مدى النبل، وبدأ القتال بفرض الحصار على حصن ناعم، وكان حصناً منيعاً، رفيعاً صعب المرتقى وكان خط الدفاع الأول لليهود ، وفيه بطلهم مرحب الذي كان يعد بألف رجل، فوقعت المراماة بين الفريقين أياماً. ثم بشرهم رسول الله ﷺ بالفتح . قال : " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فبات المهاجرون والأنصار كلهم يتمنى أن يعطاها، فلما أصبح قال : أين علي؟ قالوا: هو يشتكي عينيه، فأرسل إليه فأتى به، فبصق في عينيه، ودعا له، فبرئ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم.

وكان اليهود قد نقلوا نساءهم وذراريهم إلى حصن الشق ليلاً ، وقرروا البروز للقتال في ذلك الصباح ، فلما ذهب إليهم علي رضي الله عنه وجدهم متجهزين للقتال، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورفضوا، ودعا مرحب إلى المبارزة، وهو يخطر بسيفه ويقول :

قد علمت خيبر أني مرحب          شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فبرز له عامر  بن الأكوع ، وهو يقول :

قد علمت خيبر أني عامر        شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر ليتناول بسيفه ساق اليهودي، وكان سيفه قصيراً ، فلما يصل إليه، بل رجع إلى عامر فأصاب ركبته، فمات بسببه فيما بعد ، فقال النبي ﷺ فيه : ‏(‏إن له لأجرين ـ وجمع بين إصبعيه ـ إنه لجَاهِدٌ مُجَاهِد، قَلَّ عربي مَشَي بها مِثْلَه‏)‏‏.‏

أما مرحب فبرز له علي رضي الله عنه وهو يرتجز :

أنا الذي سمتني أمي حيدره            كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره

فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه‏.‏ ولما دنا علي رضي الله عنه من حصونهم اطلع يهودي من رأس الحصن، وقال‏:‏ من أنت‏؟‏ فقال‏:‏ أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي‏:‏ علوتم وما أنزل على موسى‏.‏

وقد غنم المسلمون من حصن ناعم كثيراً من الطعام والتمر والسلاح.

 [معنى البيت الشعر:  انا الذي سمتني أمي حيدرة: يقول رضي الله عنه أنا الذي سمتني الأسد .

كليث غابات كريه المنظرة: كأسد الغابات الذي يظهر  بصورة كريهة لما افترس من فرائس وهو دلالة على شدة القتل وكثرتها للأعداء 

 اكيلهم بالسيف كيل السندرة: يقول رضي الله عنه أنه من شدة ما يقتل من الأعداء بسيفه فإنه كالهم كيلة واحد كما يكيل السندرة السكراب،  والسندرة مكيال كبير تكال به الأجسام الكبيرة لغايات إتلافها وتحويله]

ثم خرج ياسر أخو مرحب، وهو يقول‏:‏ من يبارز‏؟‏ فبرز إليه الزبير بن العوام، ابن صفية عمة رسول الله ﷺ، فقالت صفية أمه‏:‏ يا رسول الله، يقتل ابني، قال‏:‏ ‏(‏بل ابنك يقتله‏)‏، فقتله الزبير‏.‏ وألحقه بأخيه.

 ثم دار القتال المرير، قتل فيه عدد من سراة اليهود، وانهارت معنوياتهم، فانكشفوا عن مواقفهم، وتبعهم المسلمون حتى دخلوا الحصن بالقوة، وانهزم اليهود إلى الحصن الذي يليه، وهو حصن الصعب

ثم حاصر المسلمون حصن الصعب تحت قيادة الحباب بن المنذر ، ودام الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث دعا رسول الله ﷺ بالفتح والغنيمة ، ثم ندب المسلمين بالهجوم فهاجموا بشدة، ووقع البراز والقتال، ودارت معركة عنيفة انتهت بهزيمة اليهود، وافتتح المسلمون الحصن قبل أن تغرب الشمس، فوجدوا فيه غنائم كثيرة من الطعام، وكان أكثر الحصون طعاماً وودكاً، وأعظمها غناء للمسلمين، وكان المسلمون قبل ذلك في مجاعة شديدة حتى ذبح ناس الحمر الأهلية لطعامهم، فنهى رسول الله ﷺ عن لحومها ، وأمر بالقدور فأكفئت، وهي منصوبة على النيران تطبخ فيها تلك اللحوم.

ولاذ اليهود بقلعة الزبير وتحصنوا فيها، وهي ثالث الحصون وآخرها في شطر النطاة ، أما المسلمين ففرضوا عليهم الحصار، وفي اليوم الرابع دل يهودي على جداول ماء كان يستقي منها اليهود فقطعها المسلمون عنهم، فخرجوا وقاتلوا قتالاً شديداً ، ثم انهزموا إلى شطر الشق وتحصنوا بحصن أبى .

 

فتح الشق :

وتبعهم المسلمون حتى حاصروهم في حصن أبي من حصن الشق، فخرجوا مستعدين لأشد القتال، وبرز أحد أبطالهم يطلب المبارزة فقتل، ثم برز آخر فقتل ، قتله أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري ، فلما قتله أسرع إلى اقتحام القلعة ، واقتحم معه المسلمون ، فجرى القتال داخل القلعة ساعة ، ثم فر اليهود إلى الحصن الثاني : حصن النزار ، وهو آخر الحصنين في هذا الشطر ، وغنم المسلمون في حصن أبي أثاثاً كثيراً ومتاعاً وغنماً وطعاماً.      ثم تقدموا وحاصروا حصن النزار ، وكان على رأس جبل لا سبيل إليه، وقد تمنع أهله أشد التمنع ، وكانوا على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحامه، ولذلك أقاموا فيه مع الذراري والنساء،  وقاموا أشد المقاومة، رمياً بالنبل والحجارة  فنصب المسلمون المنجنيق ، فوقع في قلوبهم الرعب، وهربوا إلى شطر الكتيبة دون أن يعانوا شدة تذكر ، ووجد المسلمون غنائم فيها أواني من نحاس وفخار ، فقال ﷺ:  اغسلوها واطبخوا فيها .

 فتح الكتيبة :

وتقدم المسلمون إلى حصن القموص، أول حصون الكتيبة، فحاصروه أربعة عشر يوماً أو عشرين يوماً .

ثم يقال : إن اليهود طلبوا الأمان .

ويقال  : إن المسلمين فتحوا الحصن عنوة، وفر اليهود إلى الحصنين الباقيين: الوطيح والسلالم ، فلما سار إليهما المسلمون ليحاصروهما طلب اليهود الأمان على أن يخرجوا من خيبر وأراضيها بنسائهم وذراريهم ، فعاهدهم على ذلك ، وسمح لهم بأن يأخذوا من الأموال ما حملت ركابهم، إلا الصفراء والبيضاء – أي الذهب والفضة – والكراع والحلقة – أي الخيل والسلاح ، وتبرؤ منهم الذمة إن كتموا شيئاً ، ثم سلموا الحصون الثلاثة أو الحصنين ، فغنم المسلمون مائة درع ، وأربعمائة سيف ، وألف رمح ، وخمسمائة قوس عربية ، وصحفاً من التوراة أعطوها لمن طلبها .

وغدر بالعهد كنانة بن أبي الحقيق وأخوه ،  فغيبا كثيراً من الذهب والفضة والجواهر ، فبرئت منهما الذمة ، وقتلاً لغدرتهما ، وكانت صفية بنت حيي بن أخطب تحت كنانة ، فجعلت في السبى .

قتلى الفريقين :     

وبلغ عدد القتلى من اليهود ثلاثة وتسعين قتيلاً ، أما المسلمون فقيل : 15 ، وقيل : 16 ،
وقيل : 18

قدوم مهاجري الحبشة وأبي هريرة وأبان بن سعيد : 

ولما رجع مهاجرو الحبشة مع عمرو بن أمية الضمري ، حامل كتاب رسول الله ﷺ إلى النجاشي ، اتجه طائفة منهم على خيبر ، وهو ستة عشر رجلاً فيهم جعفر بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري  رضي الله عنهم أجمعين  فوافوا رسول الله ﷺ حين فتح خيبر، وقبل أن يقسمها ، فقبل ﷺ جعفراً وقال :" والله ما أدري بأيهما أفرح ؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر "، ولما قسم خيبر أعطاهم من الغنيمة ، وأما بقية مهاجري الحبشة فذهبوا مع نسائهم وذراريهم إلى المدينة رأساً .

ووافاه أيضاً بخيبر بعد أن تم الفتح أبو هريرة رضي الله عنه، وكان قد جاء إلى المدينة بعد خروجه رضي الله عنه إلى خيبر ، فأسلم ، ثم استأذن وخرج إلى خيبر ، فأعطاه رسول اللهﷺ من غنيمة خيبر .

ووافاه بعد الفتح أيضاً أبان بن سعيد ، وكان قد خرج بسرية إلى نجد ، فلما قضى مهمته جاء إلى خيبر ، ولم يعط له ولأصحابه من غنيمة خيبر .

قسمة خيبر

ولما حصل اليهود على الأمان جاءوا باقتراح جديد قبل أن يتم جلاؤهم . قالوا : يا محمد ! دعنا في هذه الأرض ، نصلحها ونقوم عليها ، فنحن أعلم بها منكم ، وتعطينا نصف ما يخرج منها من الثمر والزرع ، فرضي بذلك على أن يجليهم منها متى شاء . فبقوا على ذلك حتى أجلاهم عمرو بن الخطاب رضي الله عنه حين سلكوا طريق الشر والخبث .    

وقسم رسول الله ﷺ خيبر على ستة وثلاثين سهماً ، وكل سهم مجموع مائة سهم ، فعزل منها النصف ، وهو ثمانية عشر سهماً لنوائب المسلمين،  وقسم النصف الباقي ، وهو أيضاً ثمانية عشر سهماً ، على الغزاة ، فأعطى للراجل سهماً ، وللفارس ثلاثة أسهم ، سهماً له وسهمين لفرسه ، وكان الفوارس مائتين ، فصارت لهم ستة أسهم ، والرجالة ألفاً ومائتين فصار لهم اثنا عشر سهماً .

وكانت خيبر غنيمة بالتمر والطعام، قالت عائشة رضي الله عنها : لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر ورد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من النخيل بعدما رجعوا من خيبر إلى المدينة .

 

No comments:

Post a Comment