Friday, 20 January 2023

قراءة أحاديث من رياض الصالحين ح9 السكينة والضيافة

     

قراءة أحاديث من كتاب رياض الصالحين-ح 9

٩٢- باب الوقار والسكينة

٩٣- باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم بالسكينة والوقار

 94- باب إكرام الضيف

 

٩٢- باب الوقار والسكينة

قال الله تعالى‏:‏ ‏{وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }‏ ‏‏‏(‏الفرقان‏‏٦٣‏)‏‏‏‏.‏

أي يمشون بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار، كقوله تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ﴿لقمان١٨﴾ الآية. وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعاً ورياء، فقد كان سيد ولد آدم محمد إذا مشى كأنما ينحطُّ من صَبَب وكأنما الأرض تطوى له، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع، حتى روي عن عمر أنه رأى شاباً يمشي رويداً قال: ما بالك! أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة، وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار، كما قال رسول اللّه : (إذا أتيْتُم الصَّلاةَ فلا تَأْتوها وأنتم تَسْعَوْن، وَأْتُوها وعليكم السَّكِينَةُ، فما أدرَكْتُم فصَلُّوا، وما فاتَكُم فاقْضُوا " أو قال: (فأتموا) ( ورد اللفظين في صحيح ابن ماجة، وصحيح النسائي)

703 - عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏" ما رَأَيْتُ النبيَّ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا، حتَّى أرَى منه لَهَوَاتِهِ، إنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ." ‏ (‏متفق عليه‏)‏‏‏ ‏.‏

وهذا كِنايةٌ عن أنَّ ضَحِكَ رسولِ اللهِ لم يكُنْ بالضَّحِكِ الشَّديدِ، واللَّهَاةُ: اللَّحْمَةُ المُتعلِّقةُ في أعلى الحَلْقِ، "إنَّما كان يَبتسِمُ"، أي: كان يَكْتفي النَّبيُّ عِند ضَحِكِهِ بالتَّبسُّمِ، وهذا من باب الوقار ، لأن شدة الضحك تذهب اهيبة والوقار عن الشخص.

٩٣باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار:

قال الله تعالى‏:‏ {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}‏ ‏‏‏(‏الحج‏ ‏٣٢‏)‏‏.‏

704 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏ إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فلا تَأْتُوها تَسْعَوْنَ، وأْتُوها تَمْشُونَ وعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وما فاتَكُمْ فأتِمُّوا." ‏ (‏متفق عليه‏)‏‏ زاد مسلم في رواية له‏:‏ ‏"‏فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة‏"‏‏.‏

705 - أنَّهُ دَفَعَ مع النبيِّ يَومَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النبيُّ َ ورَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وضَرْبًا وصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فأشَارَ بسَوْطِهِ إليهِم، وقالَ: " أيُّها النَّاسُ، علَيْكُم بالسَّكِينَةِ؛ فإنَّ البِرَّ ليسَ بالإِيضَاعِ". ‏ (‏رواه البخاري، وروى مسلم بعضه‏).‏

كان الناسَ يسيرون خلف رسول الله ، بعد غروب شمس يوم عرفة متوجهين معه إلى المزدلفة، وكانت أصواتهم تتعالى، يصيحون بالإبل لتسرع في المسير، ويضربونها، فأشارر لهم رسول الله بسوطه الذي بيده لينهاهم عن  الحرص على السرعة في السير (الإبضاع)، وأرشدهم إلى أنه ليس من البر التسارع وإرهاق الدابة، وحتى لا ينتهي بهم الأمر إلى المسارعة بينهم والتسابق للوصول، وليس هذا هو الهدف هنا، وبين لهم أن  البر والفضل في  الرفق والسكينة عند المناسك.

94- باب إكرام الضيف

قال الله تعالى‏:‏ {‏ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *‏ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ *‏ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * ‏ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ }‏ ‏‏‏(‏الذاريات‏:‏٢٤-٢٧‏)‏‏‏

وسيدنا إبراهيم عليه السلام أول من ضيف الضيف، وكان شديد الحرص على أن لا يأكل إلا أن يبحث عن شخص أو أشخاص يأكلون معه، وقد قص علينا ربنا أنه لما جاءت الملائكة في صور رجال ليبشروه بإسحاق عليه السلام، ويخبروه بما أمر الله من خسف قرية القوم الذين كانوا يعملون الخبائث، فوصف الله ضيافته لهم مرتين ، قال سبحانه: (فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ )﴿الذاريات٢٦﴾‏، هذه صفة العجل أنه سمين، ليشبع ، وقال تعالى: (...قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) ﴿هود ٦٩﴾‏فأخبر أنه مطهي بأشهي الطرق.

وقال تعالى‏:‏ ( وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)  ( هود ٧٨)‏‏ ‏‏

ومن إكرام الضيف  حمايته أن لا يؤذي، فهذا كان هم لوط عليه السلام، فطلبمن أهل قريته أن لا يؤذوه في ضيفه، فجعل إذى الضيف إيذاء له.

706- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيﷺ قال‏:‏ ‏"‏ مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ"  ‏‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏‏.‏

707 - وعن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه قال‏:‏  سَمِعَتْ أُذُنايَ، وأَبْصَرَتْ عَيْنايَ، حِينَ تَكَلَّمَ رَسولُ اللهِ ، فقالَ:" مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائِزَتَهُ، قالوا: وما جائِزَتُهُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: يَوْمُهُ ولَيْلَتُهُ، والضِّيافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، فَما كانَ وراءَ ذلكَ فَهو صَدَقَةٌ عليه. وَقالَ: مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيَصْمُتْ. ‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏ ‏ ‏.‏

وفي ‏‏‏(‏رواية لمسلم‏)‏‏‏‏:‏ ولا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أنْ يُقِيمَ عِنْدَ أخِيهِ حتَّى يُؤْثِمَهُ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وكيفَ يُؤْثِمُهُ؟ قالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ ولا شيءَ له يَقْرِيهِ بهِ. وفي روايةٍ: ولا يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أنْ يُقِيمَ عِنْدَ أخِيهِ حتَّى يُؤْثِمَهُ‏"‏‏.

حق الضيف على المضيف أن يكرمه، قال رسول الله : (فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائِزَتَهُ) فسأل الصحابة، وما جائزته؟ قال ﷺ: يعني يكرمه ويضيفه يوم وليلة، هذه الجائزة، ولكن حق الضيف ثلاثة أيام يضيفه ويكرمة بما عنده من الطعام، ولا يتكلف زيادة عن عادته في أكل أهل بيته، وذلك حرصا على أن لا يمل المضيف من الضيف أنه تكلف له ما يرهقه، وبعد انقضاء الثاثة أيام يكون قد انقطع حق الضيف شرعا، ولكن إن زاد فذلك فضل من المضيف فهي منه صدقة لضيفه، ولا يقيم الضيف عند المضيف زيادة حتى (يؤثمه) معناه: لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد الثلاث حتى يوقعه في الإثم؛ لأنه قد يغتابه لطول مقامه، أو يعرض له بما يؤذيه، أو يظن به مالا يجوز، وهذا كله محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث من غير استدعاء من المضيف، فإن كان المضيف هو يسأله البقاء ، فلا إثم، والله أعلم

No comments:

Post a Comment