Thursday, 9 May 2024

تفسير سورة الإسراء ح5 الأمر بإحسان القول والحرص على التوحيد

     

 

 

تابع: تفسير سورة الإسراء-ح5

‏﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٥٢﴾‏

(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ)؛ الدعاء: النداء إلى المحشر بكلام تسمعه الخلائق، يدعوهم الله تعالى فيه بالخروج. وقيل: بالصيحة التي يسمعونها؛ فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة. قال:" إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يومَ القيامَةِ بأسمائِكُمْ، وأسماءِ آبائِكم، فأحسِنُوا أسماءَكم " (ضعفه الألباني)

فتستجيبون بحمده أي باستحقاقه الحمد على الإحياء. وقال أبو سهل: أي والحمد لله، كما قال :فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست، ولا من غدرة أتقنع

يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده فيقومون يقولون سبحانك اللهم وبحمدك. قال : فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد ويختم به. وتخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون سبحانك وبحمدك؛ ولكن لا ينفعهم اعتراف ذلك اليوم .

{وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} يعني بين النفختين؛  وذلك أن العذاب يُكفُّ- يتوقف- عن المعذبين بين النفختين، وذلك أربعون عاما فينامون، فذلك قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَـٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} ﴿يس ٥٢﴾،‏ فيكون خاصا للكفار. وقال مجاهد: للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور قاموا مذعورين. وقال قتادة : المعنى أن الدنيا تحاقرت في أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة . الحسن: وتظنون إن لبثتم إلا قليلا في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة.

﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴿٥٣﴾

يأمر تعالى رسوله أن يأمر عباد الله المؤمنين أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة فإنه إذ لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم وأخرج الكلام إلى الفعال ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة فإن الشيطان عدو لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم فعداوته ظاهرة بينة ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة فإن الشيطان ينزغ في يده أي فربما أصابه بها.

وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال:

{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ} وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما.

والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره. وقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.

فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم – أي يفسد بينهم، بتحوير الكلام عن مرادة فيفسد بينهم-فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }﴿فاطر  ٦﴾، ولذلك نهى رسول الله:"لا يُشِيرُ أحَدُكُمْ إلى أخِيهِ بالسِّلاحِ، فإنَّه لا يَدْرِي أحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطانَ يَنْزِعُ في يَدِهِ فَيَقَعُ في حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ." (رواه مسلم)

وقال : " المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا." ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. "بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ." ( رواه مسلم)

وأما من وعى فإنه وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم.

 ‏﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿٥٤﴾‏

{ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ } من أنفسكم فلذلك لا يريد لكم إلا ما هو الخير ولا يأمركم إلا بما فيه مصلحة لكم وقد تريدون شيئا والخير في عكسه.

{إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم، أو يمتكم على الشرك فيعذبكم، يوفق من شاء لأسباب الرحمة ويخذل من شاء فيضل عنها فيستحق العذاب.{ َمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } تدبر أمرهم وتقوم بمجازاتهم وإنما الله هو الوكيل وأنت مبلغ هاد إلى صراط مستقيم. وأيضا وما وكلناك في منعهم من الكفر ولا جعلنا إليك إيمانهم.

﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿٥٥﴾

أعاد بعد أن قال: ربكم أعلم بكم ليبين أنه خالقهم وأنه جعلهم مختلفين في أخلاقهم وصورهم وأحوالهم ومالهم ألا يعلم من خلق .

وكذا النبيون فضل بعضهم على بعض عن علم منه بحالهم. والتفضيل بين الأنبياء ثابت بنصوص الشرع في القرآن والسنة، وفي هذه الآية، والإيمانُ بتفاضل الرسل يعني الإقرارَ والتصديق الجازم بأن الأنبياء والرسل ليسوا على درجة واحدة؛ فلقد فضل الله تعالى بعض النبين على بعض. من    ذلك: اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وكلَّم موسى تكليماً، وجعل الله عيسى كَمَثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن، فيكون، وهو عبد الله ورسوله، من كلمة الله وروحه، وآتى سليمان مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زبوراً... وغفر لمحمد ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وكلمه من فوق سبع سموات، واتخذه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا- والخلة هي كمال المحبة- قال : " لو كُنْتُ متَّخِذًا خليلًا لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا ولكنَّه أخي وصاحبي وقد اتَّخَذ اللهُ صاحبَكم خليلًا" (مسلم)

وأصل النبوة لا تفاضل فيه، وأن الأنبياء إنما يتفاضلون في هذه الأمور الزائدة، ومن هذا الباب كونه اتخذ إبراهيم خليلاً أي أنه سبحانه خصه بذلك، ولا يعني هذا تفضيله المطلق على سائر الأنبياء، فإن أفضل الأنبياء على الإطلاق هو نبينا محمد .

وفضل الله الرسل على الأنبياء، وفضل بعضهم على بعض، فقال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ [البقرة ٢٥٣].

قال الطبري في تفسير الآية: "هؤلاء رسلي فضلت بعضهم على بعض، فكلَّمت بعضهم، والذي كلمته منهم موسى  عليه السلام، ومحمد ورفعت بعضهم درجات على بعض بالكرامة، ورِفعة المنزلة«

وأفضلهم أولو العزم، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد.

وقوله: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}: وهو كتاب ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد. أي كما آتينا داود الزبور فلا تنكروا أن يؤتى محمد القرآن. وهو في محاجة اليهود .

‏ ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴿٥٦﴾‏

يقول تعالى: {قُلْ} للمشركين بالله الذين اتخذوا من دونه أندادا يعبدونهم كما يعبدون الله ويدعونهم كما يدعونه ملزما لهم بتصحيح ما زعموه واعتقدوه إن كانوا صادقين:

{ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ } آلهة من دون الله فانظروا هل ينفعونكم أو يدفعون عنكم الضر، فإنهم لا {يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ} من مرض أو فقر أو شدة ونحو ذلك فلا يدفعونه بالكلية، {وَلَا} يملكون أيضا تحويله من شخص إلى آخر من شدة إلى ما دونها.

فإذا كانوا بهذه الصفة فلأي شيء تدعونهم من دون الله؟ فإنهم لا كمال لهم ولا فعال نافعة، فاتخاذهم آلهة نقص في الدين والعقل وسفه في الرأي.

ومن العجب أن السفه عند الاعتياد والممارسة وتلقيه عن الآباء الضالين بالقبول يراه صاحبه هو الرأي: السديد والعقل المفيد.

ويرى إخلاص الدين لله الواحد الأحد الكامل المنعم بجميع النعم الظاهرة والباطنة هو السفه والأمر المتعجب منه كما قال المشركون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ﴿ص  ٥﴾

﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ ﴿٥٧﴾‏

ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} من الأنبياء والصالحين والملائكة {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} أي: يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته، ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب.

{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} أي: هو الذي ينبغي شدة الحذر منه والتوقي من أسبابه.

وهذه الأمور الثلاثة التي هي من أصل التوحيد:الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده هي الأصل والمادة في كل خير.فمن تمت له تمت له أموره وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور.

وعلامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها، وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب.

 ﴿وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿٥٨﴾‏

هذا إخبار من الله عز وجل بأنه قد حتم وقضى بما قد كتبه عنده في اللوح المحفوظ أنه ما من قرية -أي: ما من قرية -من القرى المكذبة للرسل- إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذبهم (عَذَابًا شَدِيدًا ۚ) إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، كما قال عن الأمم الماضين (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ۖ) [هود ١٠١]، وقال تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴿٨﴾‏ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴿٩﴾) [الطلاق]، كتاب كتبه الله وقضاء أبرمه، لا بد من وقوعه، فليبادر المكذبون بالإنابة إلى الله وتصديق رسله قبل أن تتم عليهم كلمة العذاب، ويحق عليهم القول.

﴿وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴿٥٩﴾‏

عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي الجبال عنهم- يريدون أن تكون أرضهم سهول يزرعونها ويأكلون منها- فقيل له إن شئت أن نستأني بهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم قال لا بل استأن بهم ،فأنزل الله: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) (رواه النسائي) فيذكر تعالى رحمته بعدم إنزاله الآيات التي يقترح بها المكذبون، وأنه ما منعه أن يرسلها- وهو سهل عليه سبحانه يسير - إلا خوفا من تكذيبهم لها، فإذا كذبوا بها عاجلهم العقاب وحل بهم من غير تأخير كما فعل بالأولين الذين كذبوا بها. قال الله تعالى في المائدة : (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿المائدة ١١٥﴾‏، وقال تعالى عن ثمود حين سألوا آية ناقة تخرج من صخرة عينوها فدعا صالح ربه فأخرج له منها ناقة على ما سألوا (فَظَلَمُوا بِهَا ۚ )؛ أي كفروا بمن خلقها وكذبوا رسوله ومنعوها شربها وعقروا الناقة، فأمهلهم الله (فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) ﴿ هود٦٥﴾‏، ثم فأبادهم الله عن آخرهم وانتقم منهم

وهؤلاء كذلك لو جاءتهم الآيات الكبار لم يؤمنوا، فإنه ما منعهم من الإيمان خفاء ما جاء به الرسول واشتباهه هل هو حق أو باطل؟ فإنه قد جاء من البراهين الكثيرة ما دل على صحة ما جاء به الموجب لهداية من طلب الهداية فغيرها مثلها فلا بد أن يسلكوا بها ما سلكوا بغيرها فترك إنزالها والحالة هذه خير لهم وأنفع.

وقوله: { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } أي: لم يكن القصد بها أن تكون داعية وموجبة للإيمان الذي لا يحصل إلا بها، بل المقصود منها التخويف والترهيب ليرتدعوا عن ما هم عليه. وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم كما أخبرهم رسول الله أنه رأى الجنة والنار ورأى شجرة الزقوم فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل لعنه الله : "بقوله هاتوا لنا تمرا وزبدا وجعل يأكل هذا بهذا ويقول تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا"

No comments:

Post a Comment