Wednesday 6 April 2016

الأمثال في القرآن -5 - المثل الثالث -من سورة البقرة- مثل البعوضة

 


  



الأمثال في القرآن 5
المثل الثالث – من سورة البقرة – مثل البعوضة:



الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئًا ما، قلَّ أو كثر، ولو كان تمثيلا بأصغر شيء، كالبعوضة والذباب ونحو ذلك، مما ضربه الله مثلا لِعَجْز كل ما يُعْبَد من دون الله. فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه، وأما الكفار فَيَسْخرون ويقولون: ما مراد الله مِن ضَرْب المثل بهذه الحشرات الحقيرة؟  ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار، وتمييز المؤمن من الكافر؛ لذلك يصرف الله بهذا المثل أناسًا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه، ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية. والله تعالى لا يظلم أحدًا؛ لأنه لا يَصْرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ﴾ ( 26 )
تفسير الآية :
في سبب نزول هذه الآية : عن ابن عباس قال: لما ذكر الله آلهة المشركين فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ) ( الحج 73 )،  وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت ، في قوله سبحانه وتعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ) ( العنكبوت 43)  قالوا: أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد، أي شيء يصنع؟ فأنزل الله الآية. وقال الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل، ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله الآية.
وقوله : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي ) وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح، والملامة،  وهذا محال على الله تعالى.فيصير إلى تأويل الإستحياء بـما جاء في معنى الحديث: في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت أم سليم إلى النبي فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق. المعنى لا يأمر بالحياء في قول ما هو حق، ولا يمتنع من ذكره.
وقال سعيد، عن قتادة:أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا ما، قل أو كثر، وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة:ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنـزل الله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا )

قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال: هذا مثل ضربه الله للدنيا أن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا سمنت ماتت وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب لهم هذا المثل في القرآن إذا امتلئوا من الدنيا ريا أخذهم الله عند ذلك ثم تلا :( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء )
 
حقائق علمية عن البعوضة:

ينتمى البعوض إلى رتبة الحشرات ذات ست أجنحة، التى تشتمل على 3000 نوع من البعوض. ينقل البعوض العديد من الأمراض الخطيرة للإنسان. حيث تقوم بعوضة الأنوفيلس بنقل مرض الملاريا للإنسان فى مناطق كثيرة من العالم وخاصة فى إفريقيا،  و حمى غرب النيل ، والتهاب الدماغ ، والحمى الصفراء وغيرها الكثير .
تتضمن  دورة حياة البعوض أربعة أطوار : البيضة ، اليرقة ، العذراء والحشرة الكاملة.
تلعب الأنثى الدور الرئيسى فى نقل المرض للإنسان والحيوان .
ترتبط البعوضة مع كثير من الكائنات  الأكبر أو الصغر منها بعلاقات متميزة  أهلتها للتواجد على الأرض منذ اكثر من 150 مليون سنة .

ممبزاتها الخَلقية:
لها مائة عين في رأسها،  ولها في فمها 48 سناً
لها ثلالثة قلوب في جوفها بكل اقسامها
لها 6 سكاكين في خرطومها لكل واحدة وظيفتها
لها ثلالثة اجنحة في كل طرف.
مزودة بجهاز حراري يعمل بنظام اشعة مثل نظام الاشعة تحت الحمراء وظيفته: يعكس لها لون الجلد البشري في الظلمة إلى لون بنفسجي حتى تراه
مزودة بجهاز تخدير موضعي يساعدها على غرز إبرتها دون ان يحس الإنسان وما يحس به كالقرصة هو نتيجة مص الدم.
مزودة بجهاز لتمييع الدم حتى يسري في خرطومها الدقيق جدأً.
مزودة بجهاز تحليل دم فهي لا تستسيغ كل الدماء.
مزودة بجهاز للشم تستطيع من خلاله شم را ئحة عرق الإنسان من مسافة 60 متراً.
واغرب ما في هذا كله ان العلم الحديث اكتشف أن فوق ظهر البعوضة تعيش حشرة صغيرة جداً لا ترى الا بالعين المجهرية  


 


وجه الإعجاز فى (بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا)

في البحث عن المعنى اللغوي لعبارة (فَمَا فَوْقَهَا): ففي كتب التفسير ، قالوا : قوله تعالى(فَمَا فَوْقَهَا)  فيه قولان:
أحدهما فما دونها في صغر الحجم والحقارة ، ففي معنى الحقارة: كما إذا وصف لك رجل باللؤم والشح فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك - يعني فيما وصفت – وفي الحديث: "  لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء "  أي لحقارتها عند الله تعالى.
وفي معنى الصغر :قال الكسائي: وهذا كقولك في الكلام: أتراه قصيرا؟ فيقول القائل: أو فوق ذلك، أي هو أقصر مما ترى .

وتطبيق ذلك على البعوضة:
إن السبب فى قدرة البعوضة على نقل الأمراض  تكمن فى سر( فَمَا فَوْقَهَا) أى ما أصغر منها من كائنات، وهى البكتريا التى تعيش فى معدة البعوضة. إن هذه البكتريا  تدافع عن البعوضة ضد المسببات المرضية المختلفة التى تدخل مع وجبة الدم التى تأخذها من إنسان أو حيوان مصاب بالمرض. تحاول البكتريا  قتل المسببات المرضية ولكن إذا نجحت تلك المسببات فى القضاء على البكتريا المتعايشة مع البعوضة أو إضعافها، فإن تلك المسببات تتكاثر فى العدد وتسبب الأمراض . ولعل نتائج البحث قد كشفت عن بعض السر المعجز فى التعبير القرآنى ( فَمَا فَوْقَهَا) إن هذه الكائنات تحمى البعوضة والشئ المعجز أنها تحمى الإنسان أيضاً عن طريق قتل المسببات المرضية التى تنتقل إليه إذا تغذت على البعوضة على دمه .
وثانيهما: فإن قوله : ( فَمَا فَوْقَهَا) قد يدل على ما فوق جسم البعوضة، فلقد  وجدت  كائنات دقيقة اصغر من البعوضة تعيش فوق جسمها  من الخارج، تفترس البعوضة وتقتلها مثل: الحلم  والفطريات وحشرات غيرها.
ومما ورد أيضا في معاني ( فَمَا فَوْقَهَا) بأنه ما أكبر منها فى الحجم،كما قال قتادة وابن جريج: المعنى- أي لعبارة ( فَمَا فَوْقَهَا) - في الكبر، أي : فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة ، فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" ، فأخبر أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة كما لا يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت
 فإننا سنجد أن البعوضة ترتبط بعلاقات معقدة مع الكائنات الأكبر منها وخاصة الإنسان والحيوان، أيضاً نجد أن البعوضة ترتبط مع معظم أفراد المملكة الحيوانية بعلاقات كثيرة.  مثل الاسماك , الزواحف , البرمائيات و الثدييات.
 فلقد وجد أن البعوضة تصيب الإنسان والحيوان بالعديد من الأمراض. ولكن كل المسببات المرضية التى تسبب هذه الأمراض تقع تحت التفسير الأول لمعنى بعوضة ( فَمَا فَوْقَهَا) أى الكائنات الأصغر منها والتى سبق ذكرها. ولقد عبر القرآن الكريم عن كل تلك العلاقات سواء التى بين الكائنات الأكبر من البعوضة أو الكائنات الأصغر منها (المسببات المرضية) فى تعبير معجز: ( فَمَا فَوْقَهَا)

فوائد وعبر :
(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)
الفاسقون : هم أهل الكفر أو النفاق ، فسقوا فأضلهم اللّه على فسقهم. ويزيد ضلالة إلى ضلالتهم، لتكذيبهم بما قد علموه حقاً يقيناً من المثل الذي ضربه اللّه.

والفاسقُ في اللغة:
هو الخارج عن الطاعة. تقول العرب: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، ولهذا يقال للفأرة (فويسقة) لخروجها عن جحرها للفساد. وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغرابُ والحدأةُ والعقرب والفأرة والكلب العقور)  فالفاسق يشمل الكافر والمنافق، ولكن فسق الكافر أشد وأفحش، والمراد به من الآية الفاسقُ الكافر والله أعلم، بدليل أنه وصفهم بقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) ، وهذه الصفات صفات الكفار المباينة لصفات المؤمنين.

 ما هو العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه؟  

قيل: هو وصية اللّه إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله، ونقضُهم ذلك هو تركهم العمل به.
وقيل: بل عنى بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق، وعهدُه جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة على ربوبيته، وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثله، الشاهد لهم على صدقهم. ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق، وقد ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد بما يجدونه عندهم في كتبهم وهو أمر وصّاهم به ووثَّقه عليهم، وهو معنى قوله تعالى: ( وإذ أخَذَ اللهُ ميثاقَ النَّبيّتَ لَما ءاتَيْتُكُم من كِتابٍ وحِكْمه ثمَّ جاءَكُم رَسولٌ مصدق لما معكم لتؤمنٌنَّ بِهِ ولَتَنْصُرُنَّهُ) [ آل عمران 81]، إذ أخذ الميثاق عليهم من الكتب المنزلة عليهم ، لذلك قال لبني إسرائيل : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [ البقرة 40]  
وقال آخرون: العهد الذي ذكر تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصف في قوله: ( وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا ) [ الأعراف 172 ]  ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به ، وكفرهم بربهم .
وقال السدي في تفسيره بإسناده قوله تعالى:( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) قال: ما عهد إليهم من القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه.

-  في معنى قوله:ـ ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) :

 قيل: المراد به صلة الأرحام والقرابات ، وهذا الأوضح ، كقوله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم) [ محمد 22] . وقيل: المراد أعم من ذلك، فكل ما أمر الله بوصله وفعله فقطعوه وتركوه هم محاسبون عليه ومؤاخذون به .
- وقوله تعالى : (أولئك هم الخاسرون) خسارتهم الكبرى هي في الآخرة، وهذا كما قال تعالى: ( أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ الرعد 25 ] والخاسرون جمع خاسر وهم المنقصون أنفسهم حظهم من رحمة الله  بمعصيتهم إياه سبحانه وتعالى،  كما يخسر الرجل في تجارته، بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، وكذلك المنافق والكافر خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته.

اللهم إنا نرجوا رحمتك ، ونخشى عذابك ، فارحمنا رحمة واسعة لا نشقي بها أبدا


1 comment: