Friday 7 October 2016

شرح حديث نبوي شريف: اللهم لك الحمد على سارق وزانية وغني - وفضل الصدقة على ذوي الأرحام ولو كانوا عصاة











أحاديث نبوية شريفة: اللهم لك الحمد على زانية – وفضل الصدقة على ذوي الأرحام ولو كانوا عصاه.

جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أَنَّ النّبِىّ قَالَ : ( قَالَ رَجُلٌ : لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِى يَدِ سَارِقٍ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ ، تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ،  لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ ، تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ ، لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِى يَدَيْ غَنِىٍّ ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِىٍّ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ ، وَعَلَى زَانِيَةٍ ، وَعَلَى غَنِىٍّ ، فَأُتِىَ ، فَقِيلَ لَهُ : أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا ، وَأَمَّا الْغَنِىُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ )

مفردات الحديث:
 وقوله: " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ" جاء في : شرح مشكاة المصابيح
أي " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ ( على تصدقي ) عَلَى زَانِيَةٍ "  حيث كان بإرادتك  ربي لا بإرادتي،  هذا هو ترجيح ابن حجر.

شرح الحديث، وفوائد تؤخذ منه:

ولعل الرجل لم يرَ أعماله إلا في صورة الهباء الذي تذروه الرياح فهو قد اعتقد أنه لم يضع صدقته في محلها ، ولن تقبل منه ، ولكن رحمة الله واسعة وفضله أكبر، فجاءته الرؤيا تحيّي موقفه وتشيد بإخلاصه، وتبشّره بقبول صدقاته الثلاثة، رؤيا لا تقف عند الأبعاد المألوفة لمواقف الحياة وسننها، ولكنها تكشف عن البُعد المخبوء للحكمة الإلهيّة : ( أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا ، وَأَمَّا الْغَنِىُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ )

وقفات مع القصة

في الحديث بيان الارتباط الوثيق بين العمل والنيّة، وأن قبول الأعمال عند الله يكون على قدر ما تحقّق فيها من التجرّد من أسباب الرياء، وتمام الإخلاص بالعمل، وقد أكّد النبي ذلك بقوله : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه .

ومن الآثار الحميدة للإخلاص في الصدقة – والتي أشار إليها الحديث -، أن صاحبها قد ينتفع بأعمال أناسٍ لم يكن له قصد مباشر في توجيه الخير لهم ، بل كان هو مجرّد سبب ساقه الله إليهم، فتغيّرت أحوالهم به، فالسارق والزانية والغنيّ – كما في القصة -، قد ينصلح حالهم وتحسن فعالهم، فينال المتصدّق بسببهم أجراً عظيماً .
ويؤخذ من هذا الحديث أيضا:
 أن هذا المتصدق  تصدق على زانية وسارق وغني وليسوا من ذوي رحمه، وحصل له من أجر توبتهم عن الشر، وانصلاح حالهم ما بشره الله به ، فكيف إذا كانوا من أهل رحمه ، والصدقة لذوي الأرحام أجرها مضاعف عن الصدقة لغيرهم  كما ورد عن  رسول الله  في حديث امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقد سألت النبي    عن الصدقة على الأقارب فقال رسول الله  : «نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة» ( أخرجه الشيخان البخاري ومسلم)

صلة الرحم مطلوبة ولو كانت غير مسلمة:

والإسلام أمر بصلة الرحم ولو كانت غير مسلمة ، بحيث لا تتعارض مع الإسلام وأحكامه، أو مصالح المسلمين، فقد تكون من أسباب الهدايه لهذا الموصول, وقد بين لنا سيد الأنبياء والمرسلين، إمام الواصلين محمد ذلك وضرب لنا أروع الأمثلة فعن عمرو بن العاص رضي لله عنه قال: سمعت النبي جهارا غير سر يقول: «إن آل أبي ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين» وزاد عنبسة بن عبد الواحد...: «ولكن لهم رحم أبلها ببلالها» ( البخاري) . يعني أصلها بصلتها.

فقوله: «أبلها ببلالها» البل الندى والبلل والبلة الندوة يقال بل رحمه يبلها بلا وبلالا وصلها، قال ابن الأثير: وهم يطلقون النداوة على الصلة كما يطلقون اليبس على القطيعة لأنهم لما رأوا بعض الأشياء يتصل ويختلط بالنداوة ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس استعاروا البل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة .
وهذا الحديث يؤكد رسول الله على أنه لا يزال واصلا لرحمه لن يقطعهم ولو لم يسلموا ، وهذا الحديث أصل في وجوب صلة الأرحام من الكفار – إذا لم تتعارض مع مصالح المسلمين -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما أنزلت هذه الآية: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214] دعا رسول الله قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال: «يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها" ( مسلم)
ومن أهمية وعظم أمر صلة الأرحام فقد كان من أول ما دعا إليه سيد البشرية محمد بعد التوحيد أن دعا إلى صلة الأرحام وعدم قطعها لأن في ذلك محافظة وتقوية لروابط المجتمع ، ويدل على هذا ما ورد في حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه الطويل قال دخلت على النبي بمكة يعني في أول النبوة فقلت له: ما أنت؟ قال: نبي, فقلت: وما نبي؟ قال: «أرسلني الله تعالى, فقلت: بأي شيء أرسلك, قال:"  أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء" ( مسلم )

فضل الصدقة على الأرحام:

فالصدقة على المسكين تحسب بصدقة، أما الصدقة على الأقارب وذي الرحم فهي صلة وصدقه فعن سلمان بن عامررضي الله عنه: يبلغ به النبي قال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فإن لم يجد تمرا فالماء فإنه طهور، وقال الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة» ( أخرجه الترمذي – وصححه الألباني )

وقد سألت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- عن صلة أمها المشركة قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله فاستفتيت رسول الله قلت إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: «نعم صلي أمك» (الشيخان بخاري ومسلم).
وصلة الرحم من أهم أعمال القلوب التي ينبغي للمسلم الاهتمام والعناية بها لمن أراد الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وصلة الرحم من أعمال القلوب التي تزيد الإيمان في القلب ، وتعمره به وتحثه على عمل الصالحات فالحرص  كل الحرص على صلة رحمك تكن من الفائزين في الدنيا والآخرة.

والله نسأل أن يجعلنا من الواصلين، وأن يلهمنا الرشد والصواب والتوفيق والسداد أنه على ما يشاء قدير، والحمد لله رب العالمين

No comments:

Post a Comment