Monday 21 December 2020

تفسير سورة النازعات ج ٣ والأخير - ليس لمخلوق أن يعرف متى الساعة علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو

 


تفسير سورة النازعات -ج ٣ والأخير- ليس مخلوق يعرف متى الساعة، علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو.

 

التفسير:

 

قوله تعالى {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ} أي الداهية العظمى، وهي النفخة الثانية، التي يكون معها البعث، وقال ابن عباس أنها القيامة؛ سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء، فتعم ما سواها لعظم هولها؛ أي تقلبه.

الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع، قال القرطبي: وإنما أخذت فيما أحسب من قولهم : طم الفرس طميما إذا استفرغ جهده في الجري، وطم الماء إذا ملأ النهر كله.

وقال غيره : هي مأخوذة من طم السيل الركية أي دفنها، والطم : الدفن والعلو.

قال سفيان : هي الساعة التي يسلم فيها أهل النار إلى الزبانية. أي الداهية التي طمت وعظمت.

من أسماء يوم القيامة التي ذكرت في القرآن :

يوم القيامة أشهرها- اليوم الآخر – الساعة – البعث – يوم الفصل – يوم الدين – يوم الحساب - يوم الجمع-  الآزفة - الغاشية – القارعة – الحاقة – الطامة – الصاخة – اليوم الموعود – يوم الوعيد – يوم التناد – يوم التلاق – التغابن – الخلود .

{ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ} أي يوم يتذكر ابن آدم جميع عمله، خيره وشره كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ} ( الفجر٢٣)، أي لا فائدة ترجى لهذه الذكرى.

{ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ } أي ظهرت. {لِمَن يَرَىٰ} قال ابن عباس : يكشف عنها فيراها تتلظى كل ذي بصر. وقيل : المراد الكافر لأنه الذي يرى النار بما فيها من أصناف العذاب. وقيل : يراها المؤمن ليعرف قدر النعمة ويصلي الكافر بالنار. وجواب {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ } محذوف أي إذا جاءت الطامة دخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة.

وقوله : ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ﴾  أي تجاوز الحد في العصيان، وتمرد وعتا، ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ ، أي قدم الحياة الدنيا على أمر دينه وأُخراه، وقيل؛ إن الله جل ثناؤه قال لا يؤثر عبد لي دنياه على آخرته، إلا بثثت عليه همومه وضيعته، ثم لا أبالي في أيها هلك .

﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾ أي فإن مصيره إلى الجحيم وإن مطْعمه من الزقوم ومشربه من الحميم، و {الْمَأْوَىٰ} مبدلة عن مأواه. والألف واللام بدل من الهاء.

وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ﴾ أي خاف القيام بين يدي اللّه عزَّ وجلَّ، وخاف حكم اللّه فيه، ونهى نفسه عن هواها، وردها إلى طاعة مولاها.

  قال عبدالله بن مسعود : أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق فنعوذ بالله من ذلك الزمان. [ سبحان الله هل رأى زماننا؟]

 ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾  أي الجنة هي منزله.( نسألك ربنا أن نكون من أهلها)

  قيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وذلك أنه كان له غلام يأتيه بطعام، وكان يسأله من أين أتيت بهذا؟ فأتاه يوما بطعام فلم يسأل وأكله، فقال له غلامه : لم لا تسألني اليوم؟ فقال : نسيت، فمن أين لك هذا الطعام. فقال: تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطونيه. فتقايأه أبو بكر من ساعته وقال: يا رب ما بقي في العروق فأنت حبسته

وقيل: الآيتان نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه عامر بن عمير؛ فروى الضحاك عن ابن عباس قال: أما من طغى فهو أخ لمصعب بن عمير اسمه عامر أُسر يوم بدر، فأخذته الأنصار فقالوا : من أنت؟ قال : أنا أخو مصعب بن عمير، فلم يشدوه في الوثاق، وأكرموه وبيتوه عندهم، فلما أصبحوا حدثوا مصعب بن عمير حديثه؛ فقال : ما هو لي بأخ، شدوا أسيركم، فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا. فأوثقوه،  فقال عامر لمصعب: أهذه وصاتك بأخيك؟! قال مصعب: "إن هذا الأنصاري هو أخي دونك"، حتى بعثت أمه في فدائه.

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} فمصعب بن عمير، وقى رسول الله ﷺ بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه، حتى نفذت المشاقص في جوفه. وهي السهام، فلما رأه رسول الله ﷺ متشحطا في دمه قال : (عند الله أحتسبك) وقال لأصحابه : (لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعليه من ذهب)( لم أجده في السير)  وقيل : إن مصعب بن عمير قتل أخاه عامرا يوم بدر.

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} قال ابن عباس : سأل مشركو مكة رسول الله ﷺ متى تكون الساعة استهزاء، فأنزل الله عز وجل الآية. ومعنى {مُرْسَاهَا} أي قيامها. قال الفراء: رسوها قيامها كرسو السفينة. وقال أبو عبيدة : أي منتهاها، ومرسى السفينة حيث تنتهي أو تصل.

 {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق، بل مردها ومرجعها إلى اللّه عزَّ وجلَّ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ( الأعراف)، ولهذا لما سأل جبريل رسول اللّه ﷺ عن وقت الساعة؟ قال: (ما المسئولُ عنها بأعلمَ منَ السَّائل)( صحيح ابن ماجة)

 وما من فائدة تجنى لا للنبي ﷺ ولا للناس في معرفة وقت مجيئها. قال عروة بن الزبير  لم يزل النبي ﷺ يُسأل عن الساعة، حتى نزلت هذه الآية {إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا}، أي مردها ومرجعها إلى اللّه عزَّ وجلَّ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين

 

حكمة الله من اخفاء الله تعالى وقت قيام الساعة:


قد أخفى الله عز وجل وقت قيام الساعة؛ ليتميز المحسن من المسيء، وليكون العبد دومًا على حذر من أمرها، ويجهتد في فعل الصالحات، ويحرص على مزيد القرب من الله عز وجل، قال سبحانه في محكم كتابه: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه 15] .

وأرشد رسول الله أصحابه إلى ألا يكون جل اهتمامهم السؤال عن الساعة متى تقوم، ولكن العمل لذلك اليوم، وفي الحديث  ما يدل على ذلك، عن أنس بن مالك: (أنَّ أَعْرَابِيًّا، قالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ له رَسُولُ اللهِ ﷺ: ما أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قالَ: أَنْتَ مع مَن أَحْبَبْتَ.) (رواه مسلم)

وأرشد الله تعالى نبيه إلى أن يرد علمها إلى الله وأخبره أنها قريبة بقوله تعال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا } (الأحزاب ٦٣)، وقال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} (القمر ١)، وقال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } (الأنبياء ١)، وقال تعالى: {أَتَىٰ أَمْرُ اللَّـهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ} (النحل ١).

وفي السنة النبوية وردت أحاديث كثيرة تتحدث عن الساعة وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما النبي ﷺفي مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله ﷺ يحدث فقال بعض القوم: سمع فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال: “أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله قال: “قالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قالَ: كيفَ إضَاعَتُهَا؟ قالَ: إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ." (البخاري)

علامات الساعة:

 

ومن رحمة الله تعالى بخلقه أنه جعل لهم علامات تدل على قرب قيام الساعة حتى يكون ذلك باعثاً لهم على العمل الصالح وتقوى الله واجتناب محارمه.

 وكلما رأوا علامة من علاماتها قد تحققت ازداد خوفهم من الساعة وأهوالها وازداد يقينهم بقربها فيزداد استعدادهم لذلك بالعمل الصالح قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ}  (محمد ١٨) أي جاءت علاماتها.

قال العلائي : "مقصود هذه الأخبار الحث على البداءة بالأعمال قبل حلول الآجال واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات"

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاغتنام الأوقات في طاعته .

وعلامات الساعة:

 منها صغرى: وهي العلامات التي تدلّ على وقوع القيامة إلّا أنّها تسبقها بزمنٍ طويلٍ لتصبح ممّا يعتاد الناس وقوعه، ويألفوه.

 والعلامات الكبرى : وهي التي تدل على وشك قيام الساعة.

ومن العلامات الصغرى : جاء في الأحاديث النبوية وصف كثير منها:

-  ذهاب الصالحين قال رسول اللهﷺ: (لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يأخُذَ اللهُ شريطتَه من أهلِ الأرضِ فيبقى فيها عَجاجةٌ لا يعرِفونَ معروفًا ولا يُنكِرونَ مُنكرًا). ( سمند أحمد -اسناده صحيح).

-وارتفاع الأسافل، فيكون أمر الناس بيد السفهاء والأراذل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ: (إنَّها ستَأتي على الناسِ سُنونٌ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ ويؤتَمَنُ فيها الخائِنُ ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ قيل وما الرُّوَيبِضَةُ قال السَّفِيهُ يتكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ).( السلسلة الصحيحة للألباني، من مسند الإمام أحمد)

-وظهور الكاسيات العاريات، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله ﷺيقول: (سيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي رِجالٌ يَركَبون على سُرُوجٍ كأَشباهِ الرِّحالِ، يَنزِلون على أبوابِ المساجدِ، نِساؤُهُم كاسِياتٌ عارياتٌ، على رُؤُوسِهِنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ العِجافِ، الْعَنوهُنَّ؛ فإنَّهُنَّ مَلعوناتٌ، لو كانتْ وراءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لخَدَمَهُنَّ نِساؤُكُم، كما خَدَمَكُم نِساءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم.)  أي كاسية جسدها، ولكنها تشد خمارها وتضيق ثيابها حتى تظهر تفاصيل جسمها أو تكشف بعض جسدها.

-ضياع الأمانة من علامات الساعة: قال  : ( (فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قالَ: كيفَ إضَاعَتُهَا؟ قالَ: إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) ( البخاري)

-صدق رؤيا المؤمن من أشراط الساعة أيضاً صدق رؤيا المؤمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيا المُسْلِمِ تَكْذِبُ، وأَصْدَقُكُمْ رُؤْيا أصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، ورُؤْيا المُسْلِمِ جُزْءٌ مِن خَمْسٍ وأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، والرُّؤْيا ثَلاثَةٌ: فَرُؤْيا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، ورُؤْيا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطانِ، ورُؤْيا ممَّا يُحَدِّثُ المَرْءُ نَفْسَهُ، فإنْ رَأَى أحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، ولا يُحَدِّثْ بها النَّاسَ قالَ: وأُحِبُّ القيدَ في النومِ، وأكرَه الغُلَّ، القيدُ : ثباتٌ في الدينِ،  فَلا أدْرِي هو في الحَديثِ أمْ قالَهُ ابنُ سِيرِينَ.) . (البخاري ومسلم)

وكثرة الكذب وعدم التثبت في نقل الأخبار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأحادِيثِ بما لَمْ تَسْمَعُوا أنتُمْ، ولا آباؤُكُمْ، فإيَّاكُمْ وإيَّاهُمْ، لا يُضِلُّونَكُمْ، ولا يَفْتِنُونَكُمْ). ( مسلم)  

-وكثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق قال رسول الله ﷺ : (إنَّ بين يديِ الساعةِ تسليمَ الخاصةِ و فشوَ التجارةِ حتى تُعينَ المرأةُ زوجَها على التجارةِ _ و قطعَ الأرحامِ و شهادةَ الزُّورِ وكتمانَ شهادةِ الحقِّ و ظهورَ القلمِ) ( صحيح الأدب المفرد- البخاري)

-  كثرة الفتن قال ﷺ: (تكونُ بينَ يديِ الساعَةِ فِتَنٌ كقِطَعِ الليلِ المظلِمِ، يُصْبِحُ الرجلُ فيها مؤمنًا، ويُمْسِي كافِرًا، ويُمْسِي مؤمنًا، ويُصْبِحُ كافِرًا، يبيعُ أقوامٌ دينَهم بِعرَضٍ مِنَ الدنيا).

- ذهاب الصالحين، يقبضهم الله، قال ﷺ : (لا تقومُ الساعَةُ حتى يأْخُذَ اللهُ , عزَّ وجلَّ , شَريطتَهُ منْ أهلِ الأرضِ فيَبقَى عَجاجٌ لا يَعرِفونَ مَعروفًا ولا يُنكِرونَ مُنكرًا) ( مسند أحمد -إسناده إسناد الصحيحين)

(حال الناس عند وقوعها) ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُما بيْنَهُما، فلا يَتَبايَعانِهِ ولا يَطْوِيانِهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بلَبَنِ لِقْحَتِهِ فلا يَطْعَمُهُ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وهو يُلِيطُ حَوْضَهُ فلا يَسْقِي فِيهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إلى فيه فلا يَطْعَمُها.)

 

ومن علامات الساعة الكبرى:

 

ويدل على ذلك ما رواه مسلم،  أن النبي ﷺ قال : ( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا : طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، أَوْ الدُّخَانَ ، أَوْ الدَّجَّالَ ، أَوْ الدَّابَّةَ ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ ، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ) ( رواه مسلم )

 

أي : سابقوا ست آيات دالة على وجود القيامة، وسارعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها وحلولها ؛ فإن العمل بعد وقوعها وحلولها لا يقبل، ولا يعتبر .

وقوله ﷺ: ( أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ ) وفي رواية بالتصغير (خُوَيْصة أحدكم)

وهو ما يخص الإنسان دون غيره، وأراد به الموت، الذي يخصه، ويمنعه من العمل، إن لم يبادر به قبله. و "أَمْرَ الْعَامَّةِ" المراد به القيامة .

قال القاضي : "أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات؛ فإنها إذا نزلت أدهشت ، وأشغلت عن الأعمال، أو سد عليهم باب التوبة، وقبول العمل"

ومن العلامات التي لم تذكر في هذا الحديث:

- ظهور المهدي ، قال ﷺ: (لا تنقضي الأيامُ ولا يَذهبُ الدهرُ حتى يملكَ العربَ رجلٌ مِنْ أهلِ بيتي يواطئُ اسمُه اسمي) ( مسند الإمام أحمد- إسناده صحيح)

-خروج المسيح الدجال: وصفه النبي ﷺ بقوله: (الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ العَيْنِ مَكْتُوبٌ بيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، ثُمَّ تَهَجَّاها (ك ف ر)  يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ) ( مسلم)

وقال ﷺ: (ما بيْنَ خَلْقِ آدَمَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ) ( مسلم)

- نزول المسيح عيسى بن مريم:  قال رسول الله : (وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا) ( البخاري)

وهو أيضا من يقضي على المسيخ الدجال. قال ﷺ: ( فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ ص ﷺ فأمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ( المسيخ الدجال)، ذابَ كما يَذُوبُ المِلْحُ في الماءِ، فلوْ تَرَكَهُ لانْذابَ حتَّى يَهْلِكَ، ولَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بيَدِهِ، فيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ.) ( مسلم)

- خروج يأجوج ومأجوج : قال ﷺ: (تُفتَحُ يأجوجُ ومأجوجُ فيَخرجونَ كما قالَ اللَّهُ تعالى ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) فيعُمُّونَ الأرضَ وينحازُ منهمُ المسلمونَ حتَّى تصيرَ بقيَّةُ المسلِمينَ في مدائنِهِم وحصونِهِم ويضمُّونَ إليهم مواشيَهُم حتَّى أنَّهم ليَمرُّونَ بالنَّهرِ فيَشربونَهُ حتَّى ما يذَرونَ فيهِ شيئًا فيمرُّ آخرُهُم علَى أثرِهِم فيقولُ قائلُهُم لقد كانَ بِهَذا المَكانِ مرَّةً ماءٌ ويَظهرونَ علَى الأرضِ فيقولُ قائلُهُم هؤلاءِ أهْلُ الأرضِ قد فرَغنا منهُم ولنُنازِلَنَّ أهْلَ السَّماءِ حتَّى إنَّ أحدَهُم ليَهُزُّ حربتَهُ إلى السَّماءِ فترجِعُ مخضَّبةً بالدَّمِ فيقولونَ قد قتَلنا أهْلَ السَّماءِ فبينَما هم كذلِكَ إذ بعَثَ اللَّهُ دوابَّ كنغَفِ الجرادِ فتأخُذُ بأعناقِهِم فيَموتونَ موتَ الجرادِ) ( صحيح ابن ماجة)

-  الخسوف الثلاث ، والنار التي تحشر الناس، وهذه آخر علامات الساعة، وهي نار عظيمة تخرج من اليمن تُخرج الناس إلى محشرهم في الشام، ويدل عليها ما جاء في الحديث الشامل:

كانَ النبيُّ ﷺ في غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ منه، فَاطَّلَعَ إلَيْنَا، فَقالَ: ما تَذْكُرُونَ؟ قُلْنَا: السَّاعَةَ، قالَ:( إنَّ السَّاعَةَ لا تَكُونُ حتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ في جَزِيرَةِ العَرَبِ وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأرْضِ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِهَا، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِن قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ.) (مسلم)

عودة للتفسير:

{ فيم أنت من ذكراها} روى الزهري عن عروة بن الزبير قال : لم يزل النبي ﷺ يسأل عن الساعة حتى نزلت { فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} أي منتهى علمها؛ فكأنه عليه السلام لما أكثروا عليه سأل الله أن يعرفه ذلك، فقيل له : لا تسأل، فلست في شيء من ذلك. ويجوز أن يكون إنكارا على المشركين في مسألتهم له؛ أي فيم أنت من ذلك حتى يسألونك بيانه، ولست ممن يعلمه. والذكرى بمعنى الذكر.

قوله تعالى {إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} أي منتهى علمها، فلا يوجد عند غيره علم الساعة؛ وهو كقوله تعالى { قل إنما علمها عند ربي} [الأعراف١٨٧] ، {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} أي مخوف؛ وخص الإنذار بمن يخشى، لأنهم المنتفعون به، وإن كان منذرا لكل مكلف؛ وهو كقوله تعالى {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب} [يس ١١].

 

 كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴿٤٦﴾ يعني الكفار يرون الساعة { لم يلبثوا} أي في دنياهم، { إلا عشية} أي قدر عشية { أو ضحاها} أي أو قدر الضحا الذي يلي تلك العشية، والمراد تقليل مدة الدنيا، كما قال تعالى { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ} [الأحقاف ٣٥]. وروى الضحاك عن ابن عباس : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا يوما واحدا. وقيل { لَمْ يَلْبَثُوا} في قبورهم {إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} ، وذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول.

العشية في معنى آخر النهار، والغداة في معنى أول النهار؛ حتى كأنها عندهم كانت عشية من يوم أو ضحى من يوم، قال ابن عباس: أما عشية فما بين الظهر إلى غروب الشمس، {أو ضحاها} ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار، وقال قتادة: وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة. 

والله أولى وأعلم.

 الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، تم تفسير سورة النازعات

 

متشابهات السورة : قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} وفي عبس: (جَاءَتِ الصَّاخَّةُ)؟.

أنه لما ذكر في هذه السورة أهوال يوم القيامة {يوم ترجف الراجفة (6) تَتْبَعُهَا الرادفة (7)} الآيات، ثم خبر فرعون وأخذه نكال الآخرة والأولى، ناسب تعظيم أمر الساعة وجعلها الطامة أى التي تطم على ما قبلها من الشدائد والأهوال المذكورة.

وأما آية عبس: فتقدمها {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)} إلى قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)}، فناسب ذلك ذكر الصيحة الناشرة للموتى من القبور وهي {الصاخة} ومعناه: الصيحة الشديدة التي توقظ النيام لشدة وقعها في الآذان. اهـ.

وسميت القيامة طامة، لأنها تكبس كل شىء وتكسره. وسميت الصاخة - والصاخة: الصوت الشديد - لأن من شدة صوتها يحيا الناس؛ كما ينتبه النائم (من الصوت) الشديد. وخصت النازعات بالطامة: لأن الطم قبل الصخ، والفزع قبل الصوت، فكانت هى السابقة، وخصت (عبس) بالصاخة؛ لأنها بعدها. وهى اللاحقة.

No comments:

Post a Comment