Monday 28 December 2020

أدعية عظيمة- دعاء شامل وافي لخيري الدنيا والآخرة- رب أعنّي ولا تعن علي

  


 


أدعية عظيمة- دعاء شامل وافي لخيري الدنيا والآخرة- رب أعنّي ولا تعن علي

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانَ رسول الله يقولُ في دعائِهِ: " ربِّ أعنِّي ولا تُعِنْ عليَّ، وانصُرني ولا تنصُرْ عليَّ، وامكُر لي ولا تَمكُر عليَّ، واهدِني ويسِّرِ الهدى لي، وانصُرني على من بغَى عليَّ، ربِّ اجعَلني لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مُطيعًا، إليكَ مُخبتًا، إليكَ أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل تَوبَتي، واغسِل حَوبَتي، وأجِب دعوَتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لساني، وثبِّت حجَّتي واسلُلْ سَخيمةَ قلبي" ( رواه ابن ماجه وصححه الألباني)

شرح الحديث وفوائد منه:

الدُّعاءُ والتَّذلُّلُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بكلِّ ما يَليقُ بذاتِه مِن مَفاتيحِ تَفْريجِ الكُروبِ، وفيه يُظهِرُ العبدُ تَضرُّعَه وانقيادَه للهِ سبحانه؛ لعِلْمِه بأنَّه سبحانه هو القادرُ على إجابةِ دُعائِه.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ ﷺكان يسأل الله  في دُعائِه: العونَ، والتَّوفيقَ لطاعتِه، وعبادتِه على الوجهِ الأكملِ الَّذي يُرْضيه عنه، ويطلُبُ مِنه العونَ على جميعِ الأمورِ الدِّينيَّةِ والدُّنيَويَّةِ والأُخرَويَّةِ، وفي مُقابلةِ الأعداءِ ، يسأله العون: " أَعِنِّي" أن أمِدَّني بمَعونتِك وتوفيقِك في كل أموري، فهو لم يخصص العون بشيء.

"ولا تُعِنْ علَيَّ": ولا تَجعَلْ عونَك لِمَن يريد أن يؤذيني، ولا لمن يمنَعُني عن طاعتِك مِن النَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ، ومِن شَياطينِ الإنسِ والجِنِّ.

"وانصُرْني"، وهذا طلَبٌ للنُّصْرةِ في كلِّ الأحوالِ، وقيل: مَعْناه: انصُرْني على نَفْسي الأمَّارةِ بالسُّوءِ؛ فإنَّها أَعْدى أعدائي، كما قال سبحانَه: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} (يوسف٥٣)، ولا مانِعَ مِن إرادةِ الجَميعِ، سأل ﷺ ربه أن ينصره على نفسه.

"ولا تَنصُرْ علَيَّ" أيْ: ولا تَجعَلْني مَغلوبًا، ينتصر عليَّ عدوي وعدوك، ولا تُسلِّطْ علَيَّ أحَدًا مِن خَلقِك، ولا تَنصُرِ النَّفسَ الأمَّارَةَ بالسُّوءِ علَيَّ، فأتَّبِعَ الهَوى وأترُكَ الهُدى.

"وامْكُرْ لي"، والْمَكْرُ هو الخِداعُ، وهو مِن اللهِ إيقاعُ بَلائِه بأعدائِه مِن حيثُ لا يَشعُرون في مقابلة مكرهم، وهو صِفةُ كَمالٍ في حَقِّه تعالى، وهو الكيد،  كما قال سبحانه: {كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ) (يوسف ٧٦ ) أي: أنزِلْ مَكْرَك بمَن أراد بي شَرًّا وسوءًا، وارزُقْني الحيلةَ السَّليمةَ، والطَّريقةَ الْمُثْلى في دَفْعِ كَيْدِ عدوِّي، فأَسْلَمَ مِن كَيدِهم وشَرِّهم.

"ولا تَمكُرْ علَيَّ" أي: ولا تَهْدِ عدُوِّي إلى طريقِ دَفْعِه إيَّاي عن نفسِه، ولا تُعامِلْني بسُوءِ نيَّتي، فأغتَرَّ وأتجاوَزَ الحَدَّ مِن حيثُ لا أشعُرُ فأَهلِكَ، والمكرُ مِن صفاتِ اللهِ تعالى الفِعليَّةِ المقيَّدةِ الَّتي تقَعُ بمَشيئتِه، فلا تُطلَقُ على اللهِ تعالى إلَّا في سبيلِ المقابَلةِ والجزاءِ لِمَن يَمكُرُ به تعالى وبأوليائِه.

"واهْدِني" أي: أرشِدْني ووَفِّقْني بالهدايةِ مِن عندِك، ولا أَزيغَ عنها حتَّى ألْقاك. "ويَسِّرِ الهُدى لي" أي: سَهِّل لي اتِّباعَ الهدايةِ، وسُلوكَ طَريقِها، وهَيِّئْ لي أسبابَ الخيرِ، حتَّى لا أستَثقِلَ الطَّاعةَ، ولا أنشَغِلَ عن العبادةِ.

والتسير لليسرى هو  تيسير العبد لكل خصلة تؤدي إلى تيسير العبد لعبادة ربه، فالعبد لا يمكن أن يؤدي طاعة إلا إذا يسرها الله عليه، والعبد لا يمكن ان يمسك عن معصيةٍ إلا إذا بغضها الله فيها وأعانه على تركها ويسر له عدم إرتكابها بأن خمد شهوته التي تطلع وتؤزه على فعلها وغير ذلك.

"وقوله ﷺ: "وانصُرْني على مَن بَغى علَيَّ"، أي: وانصُرْني على مَن ظلَمَني وتَعدَّى علَيَّ, وهذا تخصيصٌ بعدَ العُمومِ في قولِه أوَّلًا: "وانصُرْني ولا تَنصُرْ علَيَّ".

ثُمَّ قال ﷺ: "ربِّ اجعَلْني لك شَكَّارًا"، أي: كثيرَ الشُّكرِ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وفي القولِ والعمَلِ، وفي السِّرِّ، وفي العلَنِ.

 وفي تقديمِ الجارِّ والمجرورِ: "لك" دَلالةٌ على الاختِصاصِ، أي: أخصُّك بالشّكر؛ لأنَّك خالِق النِّعَم، ومُعْطيها، كما قال تعالى في سورة الفاتحة: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }( الفاتحة٥)، إياك نعبد ولا نعبد سواك ربن. وهنا قد رسول الله ﷺ ربهَ التَّوفيقَ إلى الشُّكرِ؛ لأنَّ به تَدُوم النِّعم. قال تعالى: { لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ} (إبراهيم ٧ )

"لك ذَكَّارًا"، أي: كثيرَ الذِّكرِ لك في كلِّ الأوقات والأحوال، وفي سُؤاله تعالى التَّوفيق إلى الذِّكر؛ لأنَّه هو أفضل الأعمال، وأيسرها، ولكن يحتاج المسلم لخالقه أن ييسرها له، ويذكره بها.  "لك رَهَّابًا"، أي: خائِفًا منك وجلًا في كلِّ أحوالي، والرجاء والخوف من الله هما ركنان من أركان الإيمان، يكونان للمؤمن في حياته جناحان يسير بهما إلى ربه.

  "لك مُطيعًا"، وفي روايةٍ: "لك مِطْواعًا"، أي: كثيرَ الطَّوْعِ، وهو الانقيادُ والامتِثال والطَّاعة لأوامِرِك، والبعد عن نواهيك.

"لك مُخبِتًا"، أي: كثيرَ الإخباتِ، الخشوع و التواضع ،وعلامَتُه: أن يَذِلَّ القلبُ بينَ يدَيِ اللهِ تعالى إجلالًا وتذَلُّلًا، أي: لك خاشِعًا متواضِعًا خاضِعًا. والمخبتين: المطمئنين إلى الله، الخائفين منه.

"إليك أوَّاهًا مُنيبًا"، والأوَّاهُ هو: كثيرُ التَّضرُّعِ والدُّعاءِ والبُكاءِ للهِ عزَّ وجلَّ، والمنيبُ كثيرُ الرُّجوع إلى اللهِ مِن الذُّنوبِ والخَطايا. قال تعالى:{ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} ( سورة ص٢٤ )

"رَبِّ تقَبَّلْ توبَتي"، أي: اجعَلْها خالصة لوجهك، صَحيحةً بشَرائِطِها وآدابِها، وتَقبَّلْها منِّي.

"واغسِلْ حَوبَتي"، أيِ: امْسَحْ ذَنبي وإثمي، وذَكَر الغَسْلَ لِيُفيدَ إزالتَه بالكُلِّيَّةِ. "وأجِبْ دَعْوتي"، أي: استَجِبْ كلَّ دُعائي. "وثَبِّتْ حُجَّتي"، أي: ثبِّتْ حُجَجي وبَراهيني في الدُّنيا على أعدائِك بالحجَّةِ الدَّامِغةِ، والدَّعوةِ، والأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المنكَرِ بالأدلَّةِ البيِّناتِ السَّاطعةِ، وثبِّتْ قَولي في الآخرةِعند سُؤال الملَكَينِ في القَبْر، والحُججُ هي البيِّنات والدَّلائل.

ثم خَتم دُعاءَه بقولِه: "واهْدِ قَلْبي"، أي: أرشِدْه ووفِّقْه إلى مَعرِفتِك، ومعرفةِ الحقِّ والهُدى والصِّراطِ المستقيم، "وسَدِّدْ لِساني"، أي: صَوِّبْ لِساني؛ فلا يَنطِقَ إلَّا بالحقِّ، ولا يَقولَ إلَّا الصِّدْقَ. "اسْلُلْ سَخيمةَ قَلْبي"، أي: أخرِج مِن قَلْبي: الحقْدَ والغلَّ والحسدَ والغِشَّ،  وكم نحتاج إلى هذا الدعاء!

فهذا الدُّعاء جمع كل ما فيه أسبابُ الصَّلاح والسَّعادة في الدنيا والآخرة.

No comments:

Post a Comment