Thursday 24 December 2020

الطهارة ج٣ – تتمة الأعيان النجسة - نجاسة الكلب والخنزير والدم والقيح والكحول

  


الفقه الميسر- كتاب الطهارة – الأعيان النجسة؛ تتمة

4- لعاب الكلب وجميع جسم الخنزير: قال رسول اللهﷺ: " طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ" [رواه مسلم]. [ولغ: شرب]ـ

والمالكية يرون طهارة لعاب الكلب، وأن غسل الإناء من لعابه هو من قذارته لأن الكلب يتعرق من لسانه، وأن فيه مادة لزجة لا تذهب بالغسل العادي- وعلميا وجد في لعابة جراثيم - لذلك أمر رسول الله  بالمغالات في تنظيفه.

 ولكن يبقى اقتناء الكلاب في البيوت محرم، ففي ذلك حديث صحيح : فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ قال: (مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أوْ صَيْدٍ ، أوْ زَرْعٍ، انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ) رواه مسلم.

النجاسة ليست في ذات الكلب بل في ريقه حين يشرب من إناء، فمن لمس كلباً أو لمسه كلب فإنه لا يجب عليه تطهير نفسه،

وقيس عليه الخنزير لأنه أسوأ حالاً منه ولقوله ﷺ: ( إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَام ) ( البخاري ومسلم ) ـ

وقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} (الأنعام ١٤٥). والرِّجسُ: بمعنى النَّجِس

أن الخنزير يحرم أكله، أما طهارته فالجمهور على أنه نجس، والبعض قال إنه طاهر كالحمار والذئب يحرم أكلهما ومع ذلك طاهران .

وكل حيوان لم يذبح ذبحا شرعيا أو كان مما يحرم أكله حتى لو كان طاهرا حال حياته كالحمار فإنه يعتبر "ميتة" ولحم الميتة مع حرمة أكله نجس، والنجاسة تشمل الجلد والشعر وكل ما يتصل به، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ عند الجمهور، إلا جلد الكلب والخنزير فلا يطهره الدباغ، ومثله الفراء والشعر، ومذهب داود الظاهرى وأبى يوسف أن الدباغ يطهر كل جلود الميتة حتى الكلب والخنزير، لأن الأحاديث الواردة فى ذلك (من هذه الأحاديث ما رواه مسلم " أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طهُر" والمعنى: أنَّ كلَّ جِلْدٍ يَصِحُّ استِخدامُه بَعدَ الدِّباغِ؛ لأنَّه أصبَحَ طاهرًا، إلَّا ما ورَدَ النَّصُّ بتَحريمِه، كالخِنزيرِ والكلْبِ.أو يكون المقصودُ: أنَّ الدِّباغَ يُطهِّرُ جِلدَ المأكولِ؛ لِمَا في الصَّحيحَينِ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ "وجَد شاةً ميِّتةً، أُعطِيتْها مولاةٌ لمَيمونةَ مِن الصَّدقةِ، فقال النبيُّ : هلا انتفعتُم بجِلدِها؟ قالوا: إنَّها ميتةٌ: قال: إنَّما حُرِّمَ أكلُها"؛ فيُفهمُ منه: أنَّ الدِّباغَ يُطهِّرُ جِلدَ المأكولِ لحَمُه.

وعليه فلا يجوز استعمال جلد الخنزير وشعره فى ملابس أو أحذية أو غيرهما على رأى جمهور العلماء .

هذا هو حكم شعر الخنزير إذا أخذ بعد موته، أما إذا أخذ حال حياته فإن حكمه كحكم ميتته، وميتته نجسة فشعره بالتالى نجس،

وقد يُقرأ فى بعض الكتب أن شعر الخنزير يجوز الانتفاع به فى خرازة النعال، لما روى أن رجلا سأل النبى عن ذلك فقال لا بأس ، كما رواه ابن خويز منداد، فكانت الخرازة به موجودة فى عهد النبى وبعده ، ولم يعلم أنه أنكرها ولا أحد من الأئمة بعده .

لكن جواز خرازة النعال بشعر الخنزير لا ينفى نجاسته، ولذلك لا يجوز المسح على النعل المخروز به ولا الصلاة فيه ، وإن أجاز بعضهم ذلك فهو عند الضرورة .

5ـ الدم السائل ومنه القيح: قال تعالى: (إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا) (الأنعام ١٤٥).  فكون الدم رجسا: أي نجسا.

والْقَيْحُ : هو السائل اللزج الأصفر الذي يخرج من الجرح ونحوه لفساد فيه. وَالصَّدِيدُ : هو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم قبل أن يغلظ ويصير قيحاً . " الموسوعة الفقهية "

فالصديد يكون في الجرح قبل القيح .

وحكم القيح والصديد : هو حكم الدم، عند جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم من حيث النجاسة والعفو عن يسيره ؛ لأن القيح والصديد في أصله دمٌ ، استحال إلى نتنٍ وفساد ، فإذا كان الدم نجساً، فالقيح أولى. ويعفى عن القليل منه.

الدم لم يختلف الناس فيه ، والقيح قد اُختلف فيه.

ويستثنى من نجاسة الدم:

أولا : الكبد والطحال للحديث السابق

ثانيا : دم الآدمي ما لم يخرج من السبيلين، لأن ميتة الآدمي طاهرة، فيكون دمه طاهر كحيوان البحر، ومن باب أولى دم الشهيد – فقد دفن النبي ﷺ شهداء أحد بجراحاتهم ودمائهم –

فدم وقيح الجروح ولو كان كثيراً من الآدمي ليس بنجس، شريطة أن يكون من الإنسان نفسه، وأن لا يكون بفعله وتعمده، وأن لا يجاوز محله المعتاد وصوله إليه

ثالثا :  المسك ووعائه ( وهو دم متجمد يتجمع في كيس يسمى فأرة المسك في ذكر غزال المسك وهو أجود أنواع المسك، او عند سرة أثنى الغزال)ـ

رابعا: والدم الباقي في اللحم والعروق بعد الذكاة الشرعية

ما يبقى في العروق بعد الذبح وقد يظهر أثره في الإناء عند الطبخ.

وقال شيخ الإسلام –رحمه الله-:

(وقد ثبت أنهم كانوا يضعون اللحم بالقدر فيبقى الدم في الماء خطوطًا، وهذا لا أعلم بين العلماء خلافًا في العفو عنه، وأنه لا ينجس باتفاقهم)

وقال أبو حيان –رحمه الله-:

(وأجمعوا على جواز أكل الدم المتحلل بالعروق)

وذلك لما ذكر أثر عائشة الدال على الاستثناء بلفظ:

"كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكره"، فهذا يدل على إن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع، وكذلك الكبد والطحال مجمع عليه.

6ـ الخمر وكل مانع مسكر[ وقد اختلف في نجاستها، مع الإتفاق على حرمة شربها وتعاطيها، والذين قالوا بنجاستها يستدلون بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}( المائدة ٩٠) فوصفها بالرجس:أي نجس، وقال رسول الله : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ خَمْرٍ حَرامٌ.) ( رواه مسلم )ـ          

 [والراجح الأصح: أن الخمر ليس بنجس، لعدم الدليل على نجاسته (ابن عثيمين)

ودليل الذين قالوا بطهارة الخمر طهارة حسيّة، أي أن الخمر نجس نجاسة معنوية لا حسية

قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة المائدة ذلك الرجس بقوله: { إنما الخمرُ والمَيْسِر والأَنْصابُ والأَزلام رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}  فهو رجس عملي وليس رجساً عينياً ذاتياً، بدليل :

إنه من المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام نجاستها معنوية وليست حسية، فقرن هذه الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصف واحد دليل على أنها أن تتفق فيه، فإذا كانت الثلاثة نجاستها نجاسة معنوية، فكذلك الخمر نجاسته معنوية لأنه من عمل الشيطان
وقالوا أيضاً: إنه ثبت أنه لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم ولا يجوز
وقالوا أيضاً: إن الرسول ، لما حرمت الخمر، لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها من لحوم الحمر الأهلية حين حرمت

فالحاصل أن الأصح أنها غير نجسة بعينها ، ويمكن استخدامه لتطهير الجروح والأدوات وغيرها ، ولكنها محرم شربها  بدون أي شك في ذلك ، ولا خلاف


No comments:

Post a Comment