Tuesday, 21 July 2020

قراءة أحاديث من رياض الصالحين –ج باب فضل الوالي العادل


من أحاديث رياض الصالحين: باب ٧٩ – العدل فرض وليس هبة ومن الوالي أشد

 ٧٩ - باب الوالى العادل

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} ‏(‏النحل‏:‏ 90‏)، قال الإمام السعدي في الآية : فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة، من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كل وال ما عليه تحت ولايته سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الخليفة، ونواب القاضي.

والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه، ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك فلا تبخس لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحب وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم، وغير ذلك من أنواع النفع حتى إنه يدخل فيه الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره.

وقال تعالى‏:‏ {وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } ﴿٩ الحجرات﴾ .‏ أي: العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات، التي تولوها، حتى إنه، قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله، وعياله، في أدائه حقوقهم، وفي الحديث الصحيح: « إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما ولوا.» ( مسلم)

659-وعن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبى قال‏:‏ “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. ‏(‏‏ ‏متفق عليه‏‏‏)‏

660-وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله :‏ ‏"‏إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما ولوا.ا‏"‏ ‏ (‏رواه مسلم ‏)‏‏‏‏.‏

أنَّ العادِلِينَ في حُكمِهم وخِلافَتِهم في أَهلِيهم وفِيمَن ولَّاهم اللهُ عليه؛ عند الله، مُقرَّبون إليه ومُكرَّمون لَدَيْهِ؛ مُرتَفِعون على مَنابِرَ (وهي الأماكِن العالِيَةُ الغالِيَةُ) مِن نُورٍ، أي: خُلِقَتْ مِن نُورٍ؛ عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وكِلْتَا يَدَيْهِ سُبحانَه يَمِينٌ. فهذا بين فضلُ العَدْلِ في الأهلِ، وكذلك في الأولاد، وكذلك أيضًا في كلِّ مَن ولَّاك الله عليه.

661-وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏ خِيارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ، وتُصَلُّونَ عليهم ويُصَلُّونَ علَيْكُم، وشِرارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعَنُونَهُمْ ويَلْعَنُونَكُمْ، قالوا: قُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، أفَلا نُنابِذُهُمْ عِنْدَ ذلكَ؟ قالَ: لا، ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، ‏‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏‏‏.‏ وزاد: " وإذا رَأَيْتُمْ مِن وُلاتِكُمْ شيئًا تَكْرَهُونَهُ، فاكْرَهُوا عَمَلَهُ، ولا تَنْزِعُوا يَدًا مِن طاعَةٍ. (مسلم)

خِيَارَ أَئِمَّة المسلِمين (يعني وُلاةَ الأمور)، سواءٌ كان الإمامَ الكبيرَ في البلدِ وهو السُّلطانُ الأعلَى، أو كان مَن دُونَه؛ الَّذِينَ تُحِبُّونَهم ويُحِبُّونَكم، أي: الَّذِينَ عَدَلوا في الحُكم فتَنعَقِد بينكم وبينهم مودَّةٌ ومَحبَّةٌ؛ وتُصلُّون عليهم ويُصَلُّون عليكم، والصَّلاة هنا بمعنى الدُّعاءِ، أي: تَدْعُونَ لهم ويدعون لكم؛ وشِرارُ أَئِمَّتِكم الَّذِينَ تُبغِضُونَهم ويُبغِضُونَكم، وتَلْعَنُونَهم ويَلْعَنُونَكم، أي: تَدْعُونَ عليهم ويَدْعُون عليكم. ونَهى النبيُّ ﷺ عن مُنابَذَتِهم، أي: عَزْلِهم وطَرْحِ عَهْدِهم ومُحارَبَتِهم؛ ما أقاموا الصلاةَ، لأنها علامةُ اجتِماعِ الكلمةِ في الأُمَّةِ؛ ألَا مَن وَلِيَ عليه وَالٍ، أي: أُمِّرَ عليه وَالٍ؛ فرَآهُ (أي: المُوَلَّى عليه هذا الوَالِي) يأتي شيئًا مِن مَعْصِيَةِ الله، فَلْيَكْرَهْ ما يأتي مِن مَعْصِيَةِ الله، أي: فَلْيُنْكِرْه (إنِ استَطاعَ بلِسانِه، فإن لم يَستَطِعْ فبِقَلْبِه)؛ ولا يَنْزِعَنَّ يدًا مِن طاعةٍ، أي: بالخَلْعِ والخُروجِ عليه.

662-وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ”‏.‏ ‏‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏‏‏.‏  وأهلُ الجنَّةِ ثلاثةٌ، أي: ثلاثةُ أجناسٍ مِنَ الأشخاصِ، الأوَّلُ: ذو سلطانٍ، أي: حَكَمٌ مُقسِطٌ، أي: عادلٌ، مُتصدِّقٌ، أي: مُحسِنٌ إلى النَّاسِ، مُوفَّقٌ، أي: الَّذي هُيِّئَ له أسبابُ الخيرِ، وفُتحَ له أبوابُ البِرِّ.

والثَّاني: رجلٌ رَحيمٌ، أي: على الصَّغيرِ والكبيرِ رقيقُ القلبِ لكلِّ ذي قُربى خُصوصًا. ومُسلمٍ، أي: لكلِّ مُسلِمٍ عمومًا.

والثَّالثُ: عَفيفٌ، أي: مُجتَنِبٌ عمَّا لا يَحلُّ، مُتعفِّفٌ، أي: عَنِ السُّؤالِ، مُتوكِّلٌ على الملِكِ المتعالِ في أمْرِه، ذُو عِيالٍ، أي: لا يحمِلُه حُبُّ العيالِ ولا خوفُ رزقِهم على ترْكِ التَّوكُّلِ بِارتكابِ سُؤالِ الخلْقِ، وتحصيلِ المالِ الحرامِ والاشتغالِ بهم عَنِ العلمِ والعملِ مِمَّا يجبُ عليه، ويُحتملُ أنَّه أشارَ بِالعَفيفِ إلى ما في نَفْسِه مِنَ القوَّةِ المانعةِ عَنِ الفواحشِ، وبِالمتعفِّفِ إلى إبرازِ ذلك بِالفعلِ واستعمالِ تلكَ القوَّةِ؛ لإظهارِ العفَّةِ عَن نفسِه،

No comments:

Post a Comment