Saturday, 18 July 2020

أحاديث نبوية شريفة وشرحها- حديث قدسي- فضل المتحابون المتباذلون المتناصحون المتزاورون في الله



 

حديث نبوي شريف: فيما يريه عن ربه في فضل المتحابون في الله

 

عن أبي مسلم الخولاني قال: دَخَلتُ مسجدَ حِمصَ، فإذا فيه حَلْقةٌ فيها اثنانِ وثَلاثونَ رَجُلًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ، قال: وفيهم شابٌّ أكحَلُ بَرَّاقُ الثَّنايا مُحتَبٍ، فإذا اختلَفوا في شيءٍ سَأَلوه فأخبَرَهم فانتَهَوا إلى خَبَرِه، قال: قُلْتُ: مَن هذا؟ قالوا: هذا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، قال: فقُمْتُ إلى الصَّلاةِ، قال: فأرَدتُ أنْ ألقى بعضَهم، فلمْ أقدِرْ على أحدٍ منهم انصَرَفوا، فلمَّا كان الغَدُ دَخَلتُ، فإذا مُعاذٌ يُصلِّي إلى ساريةٍ، قال: فصَلَّيتُ عندَه، فلمَّا انصرَفَ جَلَستُ بيْني وبيْنَه السَّاريةُ، ثُمَّ احتبَيتُ، فلَبِثتُ ساعةً لا أُكلِّمُه ولا يُكلِّمُني، قال: ثُمَّ قُلْتُ: واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ لغيرِ دُنْيا أرجوها أُصيبُها منك ولا قَرابةٍ بيْني وبيْنَك، قال: فلأيِّ شيءٍ؟ قال: قُلْتُ: للهِ تَبارَكَ وتَعالى، قال: فنَثَرَ حُبوَتي، ثُمَّ قال: فأبشِرْ إنْ كنتَ صادقًا؛ فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ يقولُ: "المُتحابُّونَ في اللهِ في ظِلِّ العَرشِ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه، يَغبِطُهم بمَكانِهم النَّبيُّونَ والشُّهَداءُ"

 قال: ثُمَّ خَرَجتُ فألقى عُبادةَ بنَ الصَّامتِ، قال: فحَدَّثتُه بالذي حَدَّثَني مُعاذٌ، فقال عُبادةُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ يَروي عن ربِّه تَبارَكَ وتَعالى، أنَّه قال: "حَقَّتْ مَحبَّتي على المُتحابِّينَ فيَّ -يَعني نَفْسَه- وحَقَّتْ مَحبَّتي للمُتناصِحينَ فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتزاوِرينَ فيَّ، وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتباذِلينَ فيَّ، على مَنابرَ مِن نورٍ يَغبِطُهم بمَكانِهم النَّبيُّونَ والصِّدِّيقونَ."  ( صحيح أبي داوود)

عن أبي مسلم الخولاني ، قال: قُلتُ لِمُعاذِ بنِ جَبَلٍ: واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ لِغَيرِ دُنيا أرْجو أنْ أُصيبَها مِنكَ، ولا قَرابةَ بيْني وبيْنَك، قال: فلأيِّ شَيءٍ؟ قُلتُ: للهِ"، فقال: سمعت رسول الله يقول: "المُتَحابُّونَ في اللهِ في ظِلِّ العرشِ يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ، يَغْبِطُهُمْ بِمَكَانِهِمْ النبيُّونَ والشُّهَدَاءُ " قال : ولَقِيتُ عُبادَةَ بنَ الصَّامِتِ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ معاذٍ ، فقال : "سَمِعْتُ رسولَ اللهِ يقولُ عن رَبِّهِ تباركَ وتعالى : "حقَّتْ مَحَبَّتِي على المُتَحابِّينَ فِيَّ ، وحقَّتْ مَحَبَّتِي على المُتَناصِحينَ فِيَّ ، وحقَّتْ مَحَبَّتِي على المتباذلِينَ فِيَّ ، وهُمْ على مَنابِرَ من نُورٍ ، يَغْبِطُهُمْ النبيُّونَ والشهداءُ والصِّدِّيقُونَ" (صحيح الترغيب والترهيب- الألباني)

شرح الحديث:

أنَّ هذه المحبَّةَ محبَّةُ قُلوبٍ خالِصةٍ لا تَتعلَّقُ بأيِّ شَيءٍ من أُمورِ الدُّنيا التي يَتَقارَبُ النَّاسُ من أجْلِها "قالَ: فجَذَب حَبْوتي"، وهي مَوضِعُ مَعقِدِ الثِّيابِ من وَسَطِ الجَسَدِ "ثُمَّ قالَ: أبْشِرْ إنْ كُنتَ صادِقًا، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ ، يقولُ: "المُتَحابُّونَ في اللهِ" وهُم الَّذين كانتْ قُلوبُهم مُجتمِعةً على المَحبَّةِ في ذاتِ اللهِ تَعالى، وكان سبَبُ حُبِّهم هو إجْلالُ اللهِ وتَعْظيمُه، فلا يُحِبُّون إلَّا ما يُحِبُّه اللهُ، "في ظِلِّ العَرشِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ"، فيُوقِفُهم اللهُ تَحتَ عَرشِهِ ويَستَظِلُّونَ به من حَرِّ المَوقِفِ يَومَ القيامةِ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي تَدْنو فيه الشَّمسُ مِن رُؤوسِ العِبادِ، ويَشتَدُّ عليهم حَرُّها، "يَغبِطُهُم بمَكانِهِم النَّبيُّونَ والشُّهَداءُ"، والغِبْطةُ هي أنْ يتَمنَّى الإنسانُ نِعْمةً على ألَّا تَزولَ عن صاحِبِها، وقيَل: هي الاستِحْسانُ، والمَعْنى: أنَّ الأنبياءَ والشُّهَداءَ يَستحسِنونَ أحْوالَ هؤلاءِ المُتَحابِّينَ لِقُرْبِهم من اللهِ تَعالى.

قال أبو مُسلِمٍ الخَوْلانيُّ: "ولَقيتُ عُبادةَ بنَ الصَّامِتِ، فحَدَّثتُهُ بحَديثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ، فقالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ يقولُ عن ربهِ تَبارَكَ وتَعالى: "حقَّتْ مَحبَّتي على المُتَحابِّينَ فيَّ"، وهُم قَومٌ تَحابُّوا بنُورِ اللهِ من غَيرِ أرحامٍ، ولا أنْسابٍ.

ويشعر بحلاوة الإيمان، من انتقى من الأصحاب من أهل الإيمان والتقوى، من يدلونه على الخير، فيحبهم لأجل الخير الذي هم عليه،  ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي قال: ( ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ.)

 والمرء يفضل على صاحبه بمقدار ما يكنه له من المحبة والمودة والإخاء، قال : (ما تحابَّ اثنانِ في اللهِ تعالى إلَّا كانَ أفضلُهما أشدَّهما حبًّا لصاحبِهِ) (رواه ابن حبان وصححه الألباني -صحيح الجامع)

كيف يكون الحب في الله:

الحبّ في الله يعني أن يحبّ المسلم ما يحبّه طاعةً لله تعالى؛ فيحبّ الآخر لأنّه رأى فيه من الخير والتقوى والإيمان ما يحبه الله عزّ وجلّ، ويكون هذا الشخص ممن يدله ويحثه على فعل الخير، وإن رأى من مسلم معصية أو ذنباً كره هذه المعصية فيه، ويكره المسلم الآثام والمعاصي والشرّ  كل ذلك من أجل الله تعالى.

 فالمعيار الذي يتّبعه المسلم في الحبّ والبغض هو مرضاة الله تعالى؛ كمن يحب معلّمه لأنّه باب تحصيل العلم والمعرفة لديه، فيكون السبيل والطريق إلى تحقيق مرضاة الله تعالى ثمّ حسن الجزاء في الآخرة، ومن الممكن أن تجتمع في الشخص المعصية والخير، فيحب المسلم منه الخير، ويُبغض الشرّ فيه لأنّه معصية لله تعالى، ويحاول أن ينصحه بتركها بالحسنى، والقدوة الحسنة.

"وحقَّتْ مَحبَّتي على المُتَناصِحينَ فيَّ"، فيَبذُلُ بَعضُهُم لِبَعضٍ النَّصيحةَ الخالِصةَ الصَّادِقةَ، ومِن ذلك التنبيهُ على فِعلِ المأموراتِ، والحث على فعل المستحبات، ويكون هو القدوة لذلك، وترْكِ ما نهى الله عنه مَحبَّةً في اللهِ.

"وحَقَّتْ مَحبَّتي على المُتزاوِرينَ فيَّ"، أن المسلم الذي يزور أخاه في الله سُبحانه، فإن الله يحبُّه سواء كان هذا الأخ أخًا في النسب أو أخًا في الله، ويزوره لا لمصلحة في الدنيا؛ إنما يَصِلُ رحمه، ويزوره ابتغاء مرضات الله عز وجل، وحبًّا في الله وتعالى.

عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله : " أَيُّ عبدٍ زار أخاه في اللهِ تعالى ، نُودِيَ : أن طِبْتَ وطابت لك الجنةُ ، ويقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ : عَبْدِي زار فِيَّ ، عَلَيَّ قِرَاهُ ، ولن أَرْضَى لِعَبْدِي بقِرًى دون الجنةِ" ( ضعيف الجامع)

وزاد الأجر إذا كانت زيارة المسلم لأخيه عيادة له في مرضه، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ:  "إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، مَشَى فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ. " ( رواه الإمام أحمد في مسنده).

"وحقَّتْ مَحبَّتي على المُتَباذِلينَ فيَّ" الَّذين يُنفِقونَ أمْوالَهم في طاعةِ اللهِ سُبْحانَهُ، وكما أمَرَهُم اللهُ، ويُنفِقونَها عن مَحَبَّةٍ للهِ ورضًا بأوامِرِهِ، فيحسنون بها إلى خلق الله، ولا يبخلون، كما أعطاهم الله يعطون خلق الله شكرا له.

 "وهُم على مَنابِرَ من نُورٍ" والمِنبَرُ هو ما يُجلَسُ عليه في المَحافلِ، وهذه المَنابِرُ يَومَ القيامةِ تكونُ مِن نورٍ، فتكونُ في أجملِ صورةٍ، وأحسَنِ مَنظَرٍ وأَبْهاه، "يَغبِطُهُم النَّبيُّونَ، والشُّهَداءُ والصِّدِّيقونَ"، وهذا يدُل على عَظيمِ مَكانِهِم، ورِفْعةِ مَنزِلَتهم بحيث يَتمنَّاها أعظَمُ النَّاسِ أجْرًا من النَّبيِّينَ والشُّهَداءِ والصِّدِّيقينَ.

وفي الحَديثِ: حَثٌّ على التَّحابِّ في اللهِ، ومِن أجْلِهِ لا مِن أجْلِ أغْراضٍ دُنيويَّةٍ زائلةٍ.

وفيه: أنَّ التناصُحَ بيْنَ المسلِمينَ يُورِثُ مَحبَّةَ اللهِ .

 

No comments:

Post a Comment