Wednesday 9 March 2022

تفسير وقراءة سورة عبس ج1 أن جاءه الأعمى

    
        

تفسير الآيات :

وهي مكية

عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ﴿١﴾‏ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ﴿٢﴾‏ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ﴿٣﴾‏ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ﴿٤﴾‏ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ﴿٥﴾‏ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ﴿٦﴾‏ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ﴿٧﴾‏ وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ﴿٨﴾‏ وَهُوَ يَخْشَىٰ﴿٩﴾‏ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ﴿١٠﴾‏

وسبب نزول هذه الآيات الكريمات:

 أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي ﷺ ليتعلم منه.

أن رسول الله ﷺكان يوما يخاطبُ بعض عظماء قريش؛ عتبةَ بن ربيعة، وأبا جهل بنَ هشام، والعباس بن عبد المطلب- وكان يتصدى لهم كثيرا، ويحرص عليهم أن يؤمنوا- فأقبل إليه رجل أعمى- يقال له عبد الله بن أم مكتوم- وقد طَمع النبي ﷺ في إسلام عظماء قريش، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابنُ أم مكتوم- وكان ممن أسلم قديما- فجعل يسأل رسول الله ﷺ عن شيء ، يقول : ارشدني، علمني، ويلح عليه، وودَّ النبي ﷺ أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعا ورغبة في هدايته. وعَبَس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنـزل الله عز وجل: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ؟ أي:يحصل له زكاة وطهارة في نفسه. ( أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) أي:يحصل له اتعاظ وانـزجار عن المحارم ، ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) أي:أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي، ( وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى ) ؟ أي:ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة. ( وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى ) أي:يقصدك ويؤمك ليهتدى بما تقول له، ( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي:تتشاغل. ومن هاهنا أمر الله عز وجل رسوله ﷺ ألا يخص بالإنذار أحدًا، بل يساوى فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصغار والكبار. ثم الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. ثم ذكر الفائدة في الإقبال عليه، فقال: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ ) أي: الأعمى ( يَزَّكَّى ) أي: يتطهر عن الأخلاق الرذيلة، ويتصف بالأخلاق الجميلة؟

( أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) أي: يتذكر ما ينفعه، فيعمل بتلك الذكرى.

وهذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه مفتقرا لذلك منك، هو الأليق الواجب، وأما تصديك وتعرضك للغني المستغني الذي لا يسأل ولا يستفتي لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه، فإنه لا ينبغي لك، فإنه ليس عليك أن لا يزكى، فلو لم يتزك، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر.

فدل هذا على القاعدة المشهورة، أنه: « لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة » وأنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه أزيد من غيره.

No comments:

Post a Comment