Tuesday 16 January 2024

السيرة النبوية الشريفة خطبة الوداع ح2

   

حجة الـوداع

ح 2 -خطبة الوداع

للتذكير:

أعمال الحج المفروضة للمتمتع متسلسلة:

الإحرام

-طواف حول الكعبة

-سَعي بين الصفا والمروة.

وبعد ذلك يتحلّل من عمرته بعد ذلك بقص شعر رأسه- وليحل له كل ما كان حراما.

ويُحرم للحَجّ، ويأتي بأعمال الحجّ وأركانه كالمُفرد، وهي:

 الإحرام، من منى .

والوقوف بعرفة

 وطواف الإفاضة

والسَّعي بين الصفا والمروة

 ولا بُدّ من الإتيان بهذه الأركان على الترتيب؛ لأنّ الترتيب شرطٌ لصحّة الحَجّ.

 

المحرمات على المحرم بالحج:
أما ما يشترك فيه الرجل والمرأة من المحرمات فهو:

1-   إزالة شعر الرأس بحلق أو غيره لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ} (البقرة الآية ١٩٦)، وألحق به جمهور أهل العلم شعر سائر البدن، وتلزمه الفدية إن تعمد أخذ شيءٍ من شعره حال إحرامه، أما لو سقط الشعر بغير اختياره فلا حرج عليه.

ويجوز له إزالة شعره إن كان يتأذى ببقائه مع وجوب الفدية، لقوله جل وعلا: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ } (البقرة الآية ١٩٦)

2-    تقليم الأظافر قياساً على حلق الشعر، قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الأخذ من أظافره"، ولا فرق في ذلك بين أظافر اليدين أو الرجلين، لكن لو انكسر ظفره وتأذى به، فلا حرج أن يقص القدر المؤذي منه، ولا فدية عليه.

3-   استعمال الطيب في الثوب أو البدن: لحديث النبي ﷺ في المُحْرِم: (لا يلبس ثوباً مسه ورسٌ ولا زعفران ).

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله ﷺ: " لا يلْبَسُ المحْرِمُ القمِيصَ، ولا العِمامةَ، ولا السَّراويلَ، ولا البُرْنُسَ، ولا ثوبًا مَسَّهُ ورْسٌ-الكركم- ولا زعْفرانُ، ولا الخُفَّيْنِ، إلَّا أنْ لا يجِدَ نعلَيْنِ، فلْيلْبَسْ الخُفَّيْنِ، ولْيقْطَعْها حتى يَكونا أسفلَ من الكعْبيْنِ" ( صححه الألباني-صحيح الجامع(

والمقصود به ابتداء استعمال الطيب بعد الإحرام، وأما الطيب الذي تطيب به على بدنه قبل إحرامه وبقي أثره عليه فلا يضره بقاؤه، لقول عائشة رضي الله عنها:" كَأنَّما أَنْظُرُ إلى وَبِيصِ الطِّيبِ في مَفَارِقِ رَسولِ اللهِ ﷺ وهُوَ مُحْرِم" متفق عليه.

4-    عقد النكاح لقوله ﷺ : (لا يَنْكِحُ المحرم ولا يُنْكَح ولا يخطب) رواه مسلم، فلا يجوز للمُحرِم أن يتزوج ولا أن يعقدَ النكاح لغيره، ولا أن يخطب حتى يحل من إحرامه.

5-    المباشرة بشهوة بتقبيل أو لمس أو نحوه [ويُقصد بالمباشرة هنا: مماسة بشرة الرجل بشرة المرأة من غير حائل بشهوة] لقوله جل وعلا: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ( البقرة ١٩٧)، ويدخل في الرفث مقدمات الجماع من تقبيل ولمس وما أشبه ذلك.

6-   الجماع لقوله تعالى: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ( البقرة ١٩٧)، والرفث هو : الجماع ومقدماته، وهو أعظم المحظورات وأشدها تأثيراً على الإحرام، لأنه المحظور الوحيد الذي يفسد الحج به، وأما ما يترتب عليه فهو مفصل في أحكام الفدية.

7-    قتل صيد البر المأكول لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ } (المائدة الآية ٩٦). فلا يجوز للمحرم اصطياد شيء من حيوانات البر ولا قتلُه ولا الإعانة على ذلك بدلالة أو إشارة أو مناولة أو نحو ذلك، كما يحرم عليه أن يأكل من الصيد إذا صاده غير المحرم لأجله، وأما إذا لم يصده لأجله فلا حرج عليه في الأكل منه-ويجوز له الصيد من البحر، وأن يأكله-

وأما المحظورات التي يختص بها الرجال دون النساء فهي:

1- لبس المخيط، والمقصود به ما يلبس ويفصَّل على هيئة الأعضاء، سواء كان شاملاً للجسم كله كالبرنس والقميص، أو لجزء منه كالسراويل والخفاف والجوارب، ولا يقصد به ما فيه خيط، ويجوز للمحرم شد وسطه بحبل وحزام ونحوه ، كما أن له أن يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين.

2- تغطية الرأس بملاصق فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه بما يلاصقه كالطاقية، والغترة، والعِمامة ونحو ذلك، أما إذا كان الغطاء غير ملاصق للرأس كالشمسية مثلاً، أو الخيمة فلا حرج فيه، كما لا يجوز للمحرم أن يغطي وجهه لقوله ﷺ في الذي قتلته ناقته في الحج : (كفِّنوهُ ولا تُغَطُّوا رأسَهُ ولا تُمِسُّوهُ طِيبًا...) (وفي روايةٍ ): (ولا تُغَطُّوا وجهَهُ) رواه مسلم وغيره.

 أما المرأة فعليها أن تغطي رأسها، ولها أن تلبس في الإحرام ما شاءت من الثياب من غير تبرج ولا زينة، ولكنها لا تنتقب ولا تلبس القفازين، ولها أن تُغطي وجهها إذا مر الرجال قريباً منها، فتسدل الخمار على وجهها.

جميع المحظورات السابقة لا يجوز فعلها عمداً من غير عذر، ومن ارتكب شيئاً منها عامداً من غير عذر فعليه الفدية مع الإثم، وأما من احتاج لفعل شيء منها لعذر يبيحُ له ذلك، فعليه ما يترتب على فعل المحظور من غير إثم، ومن فعل شيئاً منها ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً فلا شيء عليه على الصحيح.

تابع:حج النبيﷺ:

ثم توجهﷺ يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة إلى منى، وأحرم للحج كل من كان قد حل، فصلى بمنى خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وصلى الرباعية منها ركعتين قصراً ، ثم أجاز من منى بعدما طلعت الشمس حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، فلما زالت الشمس ركب القصواء وأتى وادي عرنة وقد اجتمع الناس حوله فقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وتشهد، وأوصى بتقوى الله.

خطبة الوداع:

 ثم قال فيما قال: " أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا:

 أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هذا.

في رواية: (أي يوم أحرم،  أي يوم أحرم ، أي يوم أحرم؟ ) قال فقال الناس يوم الحج الأكبر يا رسول الله، وقيل: يقصدون أنه هو يوم عرفة( أي 9 من ذي الحجة) وقيل يوم النحر( 10 من ذي الحجة)

 قال: ( أَلا لا يَجني جانٍ إلَّا على نفسِهِ وَ ألا لا يجني جانٍ على ولدِهِ ولا مولودٌ على والدِهِ ، ألا إن المسلم أخو المسلم فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه)

( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) أي تَعرضها بغير حق أو إذن، ( عليكم حرام ) أي محرم ليس لبعضكم أن يتعرض لبعض فيريق دمه أو يسلب ماله، أو ينال من عرضه (كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا.) يعني تعرض بعضكم دماء بعض وأمواله وأعراضه في غير هذه الأيام كحرمة التعرض لها في هذا اليوم (في بَلَدِكُمْ هذا.) أي مكة أو الحرم المحترم (في شَهْرِكُمْ هَذَا) أي ذي الحجة ( ألا لا يجني جان إلا على نفسه) أنَّ كلَّ إنسانٍ يَحمِلُ أوزارَ نفْسِه وجِنايتِها في الدُّنيا والآخرةِ، ولا يحمِلُها عنه غيرُه، ولا يرجِعُ وَبالُ جِنايتِه من الإثمِ أو القصاصِ إلَّا على نفْسِه، وهذا كما قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام ١٦٤ وإنَّما خَصَّ الولَدَ والوالدَ؛ لأنَّهما أقرَبُ الأقاربِ، فإذا لم يُؤاخَذْ بفِعْلِه، فغيرُهما أولى. "ألَا إنَّ المُسلِمَ أخو المُسلِمِ"، أي: أخوهُ في الدِّينِ؛ "فليس يحِلُّ لمُسلِمٍ من أخيه شَيءٌ إلَّا ما أحَلَّ من نفْسِه"، أي: لا يُباحُ لأحدٍ ممَّا يخُصُّ أخاهُ المُسلِمَ شَيءٌ إلَّا ما أباحَه له أخوهُ من نفْسِه.

وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ، وَلَكِنْ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ، لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ، قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لَا رِبَا، وَإِنَّ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ.

(وَإِنَّ كُلَّ رِبًا في الجاهلية مَوْضُوعٌ- عنكم كله) أي كالشيء الموضوع تحت القدم، وهو مجاز عن إبطاله، فهو باطلٌ ومُهْدَرٌ، ولا يُؤخَذُ به، "لكم رُؤوسُ أموالِكم"، أي: لكم أنْ تأخُذوا أُصولَ أموالِكم فقطْ دونَ الزِّيادةِ عليها، "لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمون"، أي: لا تأْخُذون باطلًا لا يحِلُّ لكم، ولا تُنْقَصونَ من أموالِكم، ( لكم رؤوس ) أي أصول ( أموالكم لا تظلمون ) بزيادة ( ولا يظلمون ) بنقص.

وفي رواية: (وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله) . وفي حديث جابر عند مسلم : (وربا الجاهلية موضوع وأول ما أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله) .

وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.

فقوله: " إنَّ كلَّ دمٍ كان في الجاهليَّةٍ موضوعٌ"، أي: متروكٌ ومُهدرٌ، ولا قِصاصَ فيه، ولا دِيةَ، ولا كفَّارةَ، "وأوَّلُ دَمٍ أضَعُ من دَمِ الجاهليَّةِ دَمُ الحارثِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ كان مُسترضَعًا في بني ليثٍ"، أي: كانْتَ له مُرْضِعةٌ تُرضِعُه في بَني ليثٍ "فقتلَتْه هُذيلٌ"، وكانَ طِفلًا صَغيرًا يَحبُو بيْنَ البُيوتِ، فأصابَه حَجَرٌ فماتَ، والمعنى: أنَّ النَّبيَّ بدأ بنِفَسْهِ فوضَعَ وترَكَ ما يخُصُّ أهْلَه وعَشيرتَه من الدِّماءِ؛ فأهدَر الدَّمَ المستحَقَّ للحارثِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ، وهُو ابِن عَمِّه؛ لِيعلَمَ النَّاسُ أنه لا رُخْصَة لأحدٍ في إعَادةِ أَوْتارِ الجاهليةِ، ونسَبَ النبيُّ الدَّمَ إلى الحارثِ؛ لأنَّه جَدُّ الطِّفلِ القَتيلِ الَّذي هو ابنُ رَبيعةَ بْنِ الحارثِ بن عبدِ المطَّلبِ، والدَّمُ قد يُنسَبُ لأوليائِه من الآباءِ والأجْدادِ.

 أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ.

 أَيُّهَا النَّاسُ: {إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادَةٌ فِي الكُفرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ }(التوبة٣٧)، وقال: وَيُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَ {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا} (التوبة ٣٦)، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ، وَرَجَبُ مُضَر، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ؛ الأشهر الحرم هي:[ رجب – ذي القعدة-ذي الحجة–محرم]-قيل أن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك-

No comments:

Post a Comment