سورة ق -ج1
سورة ( ق) سورة مكية إلا الآية 38 في المدينة. نزلت بعد سورة المرسلات ، بدأت السورة بأسلوب قسم "ق والقران المجيد "
سورة " ق " فقد ورد بشأنها عدة أحاديث ، منها :
-عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ : " مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ ، فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ ( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) ، وَ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر)" ، روه مسلم .
- عَنْ أم هشام بِنْتٍ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ : "مَا حَفِظْتُ ق، إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ" ، قَالَتْ: "وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَاحِدًا " . رواه مسلم
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء سَبَب اِخْتِيَار ( ق ) أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الْبَعْث وَالْمَوْت وَالْمَوَاعِظ الشَّدِيدَة وَالزَّوَاجِر الْأَكِيدَة ، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب قِرَاءَة ( ق ) أَوْ بَعْضهَا فِي كُلّ خُطْبَة " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" كَانَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ فِي الْمَجَامِعِ الْكِبَارِ ، كَالْعِيدِ وَالْجُمَعِ ، لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْمَعَادِ وَالْقِيَامِ وَالْحِسَابِ ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ والثواب والعقاب والترغيب والترهيب " انتهى من "تفسير ابن كثير"
-عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ : " مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ ، فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِـ ( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) ، وَ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَر)" ، روه مسلم .
- عَنْ أم هشام بِنْتٍ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ : "مَا حَفِظْتُ ق، إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ" ، قَالَتْ: "وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَاحِدًا " . رواه مسلم
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء سَبَب اِخْتِيَار ( ق ) أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الْبَعْث وَالْمَوْت وَالْمَوَاعِظ الشَّدِيدَة وَالزَّوَاجِر الْأَكِيدَة ، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب قِرَاءَة ( ق ) أَوْ بَعْضهَا فِي كُلّ خُطْبَة " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" كَانَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ فِي الْمَجَامِعِ الْكِبَارِ ، كَالْعِيدِ وَالْجُمَعِ ، لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْمَعَادِ وَالْقِيَامِ وَالْحِسَابِ ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ والثواب والعقاب والترغيب والترهيب " انتهى من "تفسير ابن كثير"
-عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ( أُعْطِيتُ مَكَانَ
التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ
مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ ) رواه الإمام أحمد صححه الألباني في الصحيحة
وسورة " ق " أول المفصل كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره .
وسورة " ق " أول المفصل كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره .
-عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : "
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـــ
" ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ " وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا " .رواه
مسلم
وفي رواية له : " كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ " ق وَالْقُرْآنِ " وَنَحْوِهَا " .
وفي رواية له : " كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ " ق وَالْقُرْآنِ " وَنَحْوِهَا " .
تفسير السورة :
بدأت السورة بحرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل بعض السور: { ق } ، كقوله تعالى: { ص - ن – والم} ، وقد
بينا بعض ما قيل في نفسيرها، وليس فيها عن رسول الله ﷺ شيء ، فالله أعلم بمراده ، وقوله
تعالى: { وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ
} ، وهذا فسم ، يقسم الله
تعالى بالقرآن المجيد أي الكريم الرفيع القدر، العظيم الذي { لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ
خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ
مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ( سورة فصلت 42)، ولكن
ما هو المقسم عليه ؟
ما هو جواب القسم ؟
يلاحظ هنا أن جواب القسم غير صريح ،
فقد قيل فيه هو { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم} على
إرادة اللام؛ أي لقد علمنا. وقيل : هو { إن
في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } وهو اختيار الترمذي ، وقيل جوابه { ما يلفظ من قول} ، وقال
أهل الكوفة : جواب هذا القسم { بل عجبوا} . وقال الأخفش : جوابه محذوف كأنه قال { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } لتبعثن؛ فالجواب هو مضمون الكلام بعد القسم وهو إثبات النبوة
وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه يدل على هذا الرأي قوله تعالى: { أئذا متنا وكنا ترابا }
وكون جواب القسم غير صريح كثير في أقسام القرآن كما في قوله: { ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق} ( ص 1 )، وهكذا قال
ههنا { ق ۚ وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم
مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } أي
تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر، كقوله جلَّ جلاله: { أكان للناس عجباً أن
أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس}(
يونس2) أي وليس هذا بعجيب، فإن اللّه يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.
وفي اللغة :
والعجيب الأمر الذي يتعجب منه ، ولا يكون إلا من
شيء غير معتاد، والنفس لا تهتدي إلى سببه، ولا إلى علَّته ،وكذلك العُجاب بالضم،
والعجَّاب بالتشديد أكثر منه، وكذلك الأعجوبة.
ثم قال عزَّ وجلَّ مخبراً فيم تعجبهم وأنه
في المعاد واستبعادهم لوقوعه { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } أي
يقولون أئذا متنا وبليت الأجساد ،وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً، كيف يمكن
الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب؟ { ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } أي بعيد الوقوع، والرجع الرد أي هو رد بعيد أي محال. وفيه إضمار آخر؛ أي
وقالوا أنبعث إذا متنا. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانية رجوعهم بعد
البلة للحساب، قال اللّه تعالى راداً عليهم { قد
علمنا ما تنقص الأرض منهم} أي ما
تأكل من أجسادهم بما فيها لحومهم وأشعارهم وعظامهم في البلى، نعلم ذلك ولا يخفى
علينا أين تفرقت الأبدان، وأين ذهبت وإلى أين صارت ، وفي الصحيح قوله ﷺ : "كل
ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب" . وثبت أن الأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم؛ حرم الله على
الأرض أن تأكل أجسادهم، { وعندنا كتاب حفيظ} أي حافظ
لذلك، أي بعدتهم وأسمائهم فهو فعيل بمعنى فاعل. وقيل : اللوح المحفوظ أي محفوظ من
الشياطين أو محفوظ فيه كل شي، وقيل أي: وعندنا كتاب حفيظ لأعمال بني آدم لنحاسبهم عليها. ؛ ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم
واستبعادهم ما ليس ببعيد، فقال: { بَلْ كَذَّبُوا
بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أي وهذا
حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل، و(المريج) المختلف
المضطرب أي مختلط. يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن ، وقال أبو هريرة : فاسد، ومنه مرجت أمانات الناس أي فسدت؛ ومرج الدين والأمر اختلط .
ثم يقول تعالى منبهاً للعباد على
قدرته العظيمة، التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه { أَفَلَمْ يَنظُرُوا
إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا } ؟ أي بالمصابيح، { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } ، يعني من شقوق، وقيل: فتوق، وقال غيره: صدوع، والمعنى متقارب،
كقوله تبارك وتعالى: {ا لَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي
خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ } ( الملك 3 )،وقوله تبارك وتعالى: { وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } أي وسعناها وفرشناها { وَأَلْقَيْنَا
فِيهَا رَوَاسِيَ } وهي
الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب، فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع
جوانبها، { وَأَنبَتْنَا
فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي من جميع الزروع
والثمار والنبات والأنواع، {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ﴿الذاريات: 49﴾ وقوله { بَهِيجٍ } أي حسن
المنظر، { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ
لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي
مشاهدة خلق السماوات والأرض وما جعل اللّه فيهما من الآيات العظيمة { تَبْصِرَة } ودلالة وذكرى لكل { عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي
خاضع خائف وجل، رجَّاع إلى اللّه عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى: { وَنَزَّلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا } مباركاً: أي نافعاً مستمر نفعه وكثير { فَأَنبَتْنَا
بِهِ جَنَّاتٍ } أي حدائق من بساتين ونحوها { وَحَبَّ الْحَصِيدِ } وهو الزرع الذي يراد لحبه وادخاره، هو كل حب يحصد ويقتات ويدخر{ والنخل باسقات} أي
طوالاً شاهقات، { لها
طلع نضيد} الكفري ما دام في أكمامه ومعناه منضود بعضه على بعض؛ فإذا خرج من
أكمامه فليس بنضيد، { رزقاً للعباد} أي
للخلق، { وأحيينا به بلدة
ميتاً} وهي الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت
وأنبتت من كل زوج بهيج، من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعدما
كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك
يحيي اللّه الموتى، وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس، أعظم مما أنكره الجاحدون
للبعث.
متشابه:
لاحظي في الآية الثانية قوله تعالى : { بَلْ عَجِبُوا أَن
جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ..}
بينما في سورة ( ص) قوله تعالى : { وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ...}
، ولضبتها يقال : سورة (ق ) جاء بالفاء وهي قريبة القاف – اسم السورة-
ومثلها في
قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى
السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ ....} ، بخلاف ورودها في مواضع أخري( أولم ) كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي
مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ
اللَّـهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ
عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ
بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ....} ( الأعراف 185)
ورد هنا قوله تعالى
: { وَأَنبَتْنَا
فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } ، وهي مثل قوله تعالى في
سورة الحج: {
وتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا
عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } ( الحج 5 )
-الفرق بين ( أنزلنا ) و ( نزَّلنا
)
يلاحظ هنا في هذه السورة قول ربنا { وَنَزَّلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ
} ( ق : 9) ، بينما في مواضع أخري (
أنزلنا ) مثل قوله : { وأنزلنا من السماء
ماء طهورا} ( الفرقان48)، فما
الفرق في المعنى؟
وقوله "وَنَزَّلْنَا " المقصود به عمليّة إنزال الماء والكيفيّة التي تحصل بها حيث دلّ التعبير على تكرار الإنزال إنزالا بعد إنزال--لا على مجرد حصوله مرّة واحدة--بل على استمراره على فترات متقطّعة ، فقد وردت كلمة ( نزَّلنا ) ، بالتشديد أو التضعيف، وهذا الصيغة تدل على المبالغة في الفعل، وتدل على كثرة النزول.
أمّا قوله { وأنزلنا من السماء ماء طهورا} ( الفرقان48)
فهو دال على معنى العطاء والإنعام والتفضل مرة واحدة ، ففي سورة الفرقان امتن الله على المسلمين بإنزال المطر عليهم في غزوة بدر ليتطهروا به، ويثبت به أقدامهم . وهذه الصيغة: أنزل،الفعل متعد بالهمزة، تقول قرأت الكتاب، إذا فعلته أنت، وتقول: أقرأته الكتاب، إذا جعلت غيرك يقرأه، فالتعدية بالهمزة تعني جعله ينزل، وليس فيه معنى المبالغة أو التكثير، ومثله قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد} (الحديد 25) وقوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً} (الأعراف 26) إذ قال إنه تم إنزال الحديد ، وأن إنزاله ليس مستمراً،وقال إنه تم إنزال اللباس على بني آدم نعمة وفضلا ومِنَّة منه سبحانه.وليس مستمراً
وقوله "وَنَزَّلْنَا " المقصود به عمليّة إنزال الماء والكيفيّة التي تحصل بها حيث دلّ التعبير على تكرار الإنزال إنزالا بعد إنزال--لا على مجرد حصوله مرّة واحدة--بل على استمراره على فترات متقطّعة ، فقد وردت كلمة ( نزَّلنا ) ، بالتشديد أو التضعيف، وهذا الصيغة تدل على المبالغة في الفعل، وتدل على كثرة النزول.
أمّا قوله { وأنزلنا من السماء ماء طهورا} ( الفرقان48)
فهو دال على معنى العطاء والإنعام والتفضل مرة واحدة ، ففي سورة الفرقان امتن الله على المسلمين بإنزال المطر عليهم في غزوة بدر ليتطهروا به، ويثبت به أقدامهم . وهذه الصيغة: أنزل،الفعل متعد بالهمزة، تقول قرأت الكتاب، إذا فعلته أنت، وتقول: أقرأته الكتاب، إذا جعلت غيرك يقرأه، فالتعدية بالهمزة تعني جعله ينزل، وليس فيه معنى المبالغة أو التكثير، ومثله قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد} (الحديد 25) وقوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً} (الأعراف 26) إذ قال إنه تم إنزال الحديد ، وأن إنزاله ليس مستمراً،وقال إنه تم إنزال اللباس على بني آدم نعمة وفضلا ومِنَّة منه سبحانه.وليس مستمراً
عودة للتفسير :
قوله تعالى : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ
قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ }
يقول تعالى متهدداً لكفار قريش، بما
أحله بأشباههم ونظرائهم من المكذبين قبلهم من النقمات والعذاب الأليم كقوم نوح،
وما عذبهم اللّه تعالى به من الغرق العام لجميع أهل الأرض، أما { وَأَصْحَابُ الرَّسِّ } والرس في كلام العرب البئر التي تكون غير مطوية، والجمع رساس،قال
ابن عباس : سألت كعبا عن أصحاب الرس قال : صاحب " يس " الذي قال { يا قوم اتبعوا المرسلين} ( يس 20 )، قتله قومه ورسوه في بئر لهم يقال لها الرس طرحوه فيها ، { وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ } وَأَصْحَابُ
الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } قوم لوط هم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم، وكيف خسف اللّه
تعالى بهم الأرض، وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة، بكفرهم وطغيانهم ومخالفتهم الحق { وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ } وهم قوم شعيب عليه
الصلاة والسلام { وَقَوْمُ تُبَّعٍ } وهو
اليماني، تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشِّحر وحضرموت. وإن ملك اليمن وحدها لم يقل
له تبع ،والظاهر من الآيات : أن الله سبحانه إنما أراد واحدا من هؤلاء، وكانت
العرب تعرفه بهذا الاسم أشد من معرفة غيره؛ ولذلك قال رسول الله ﷺ
" لا تسبُّوا تُبَّعًا فإنه كان قد أسلمَ" ( الجامع الصغير؛ حسن)هذا يدلك على أنه كان واحدا بعينه؛ وهو كما
قيل أبو كرب الذي كسا البيت بعد ما أراد غزوه، وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها،
ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد. وقال شعرا أودعه عند أهلها؛
فكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر ﷺ فأدوه إليه. ثم قال تعالى : { كُلٌّ كَذَّبَ
الرُّسُلَ } أي كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسولهم، ومن كذب رسولاً
فإنما كذب جميع الرسل كقوله جلَّ وعلا: { كذبت قوم نوح المرسلين} ، { فَحَقَّ وَعِيدِ } أي فحق عليهم ما أوعدهم اللّه تعالى على التكذيب من العذاب
والنكال، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك،
وقوله تعالى: { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ
الْأَوَّلِ } أي
أفأعجزنا ابتداء الخلق حتى هم في شك من الإعادة؟ { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ
مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ،
والمعنى أن ابتداء الخلق لم يعجزنا، والإعادة أسهل منه، وكل عند الله الخالق سهل،
كما قال عزَّ وجلَّ: { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}( الروم 27)، وقال: { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم} ( يس 79) وقد جاء في الصحيح قوله ﷺ: (يقول اللهُ تعالى يؤذيني ابن آدم يقول لن يعيدني كما بدأني
وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته)
يتبع في الجزء الثاني
No comments:
Post a Comment