Tuesday 14 April 2015

أدعية عظيمة - اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد

 

  
  
 
 
 
 
روى النسائي في سننه في حديث صحيح عن رسول الله من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله :
 " يا شدَّادُ بنُ أوسٍ ! إذا رأيتَ النَّاسَ قد اكتنزوا الذَّهبَ والفضَّةَ؛ فاكنِز هؤلاء الكلماتِ: اللَّهمَّ ! إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ ، والعزيمةَ على الرُّشدِ ، وأسألُك موجِباتِ رحمتِك ، وعزائمَ مغفرتِك ، وأسألُك شُكرَ نعمتِك ، وحُسنَ عبادتِك ، وأسألُك قلبًا سليمًا ، ولسانًا صادقًا ، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ ، وأستغفرُك لما تعلَمُ ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ"
" صححه الألباني في  السلسلة الصحيحة " وغيره وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث أن النبي كان يقول هذا الدعاء في صلاته.

الشرح:
 دعوات  رسول الله ، هي دعوات عظيمة جامعة ما أحوجنا إلى العناية بهاوحفظها، والمحافظة ذكرها، والعناية والتأمل في معانيها ودلالاتها إنها دعوات جامعة للخير كله ، خير الدنيا وخير الآخرة، إنها دعوات من جوامع الكلم الشريف، وجوامع الخير.
والدّعاء عنوان الفلاح ومفتاح كل خير في الدنيا والآخرة. 

فقوله: ( إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ : الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ....)
هو من كلام النبي ،  يدل على هذه الكلمات كنز للمسلم يجب أن يحرص عليه أكثر من حرصه على كنز الذهب والفضة.  

وقوله في هذا الدعاء: "اللَّهمَّ ! إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمر" فالمراد بالأمر الأمر الديني الشرعي، فيسأل الله  تعالى الثبات عليه بتحصيل أسبابها، فمنها معرفة الهدف بدليله ، وذلك عن يقين وحسن قبول، وانقياد ومحبة، وصبر وخشية الله وخوف منه، ونحو ذلك؛ فإن الطباع البشرية تصرف القلب عن الثبات في الأمر الشرعي الديني، فيخالفه هواه، فيسأل الله تعالى:أن أثبت على دين الله وأن أستقيم على طاعة الله وأن لا أنحرف ذات اليمين وذات الشمال، ومثله دعائه :" يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ وقد جاء في حديث قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : "يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ".
 فما أحوجنا إلى الإكثار من هذا الدعاء أن يثبتنا الله على الأمر، والمراد بالأمر أي دين الله جل وعلا الذي شرعه لعباده وأمرهم به.
ومن أعظم أسباب الثبات، محبة الهدى والرغبة فيه، وطلبه بجهده ودعائه.

وقوله : " والعزيمةَ على الرُّشدِ " الرشد : هو كل خير وفلاح في الدنيا والآخرة، أي أن يعرف ما يصلحه، في معاشه ومعاده وأن يعزم العمل به ، ويعَقْدَ الْقَلْب على إِمضَاء الْأَمْر، وسلوك طريقه؛ ولكن الناس اختلفوا في هذا كما اختلفوا فيما قبله،فمنهم من يعرف رشده ومنهم من لا يعرفه، والذي يعرفه قد يعزم عليه وقد لا يعزم، فحصل التفاوت؛  فالخير لا يحصل إلا بطلب وعمل، واستعانة بالله على ذلك، وافتقار إليه، وإنابة إليه، وتوكل عليه ؛ ومن ضيَّع أسباب الثبات ضاع،
 فما أحوج كل واحد منا أن يسأل الله جل وعلا العزيمة على الرشد أي أنك إذا بلغك الخير وعلمت به أن تعزم عليه وأن تحرص على فعله وأن تفعله لتكون من أهله.

وقوله  :" وأسألُك موجِباتِ رحمتِك "  أي أسبابها ،جمع موجبة وهي الكلمة الموجبة لقائلها الجنة ، يعني الأفعال والأقوال والصفات التي تحصل رحمتك بسببها .
وقوله : " وعزائمَ مغفرتِك "  قال السيوطي: أي موجباتها -جمع عزيمة - وقال الطيبي :أي أعمالاً تتعزم وتتأكد بها مغفرتك  

وقوله : "وأسألك شكر نعمتك" أَيْ التَّوفيق لشكر إنْعَامك، وشكر النعمة من أعظم المنن وأكبر العطايا أن يوزعك الله جل وعلا شكر النعمة ، وشكرها قائم على أركان؛ فالقلب يشكر الله بالاعتراف بالنعمة، واللسان يشكر الله بالتحدث بها والثناء على الله وحمده بما هو أهله، والجوارح تشكر الله باستعمال النعم في طاعة الله جل وعلا.

وقوله: "وحسن عبادتك" أَيْ إِيقَاعها عَلَى الْوجه الحسن الْمرضِي ، وحسن العبادة مطلب عظيم ومقصد جليل بل الله جل وعلا لا يقبل العبادة إلا إذا كانت متصفة بهذا ولهذا قال جل وعلا: ﴿ليَبلُوَكُم أيُّكُم أحسنُ عملاً﴾ [الملك: ٢] والعمل لا يكون حسنا إلا بأمرين: بإخلاصه لله وبالمتابعة فيه لرسول الله . فشمل قولك: "حسن عبادتك" الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول .

وقوله في هذا الدعاء: "وأسألك قلبا سليما" أي قلبا نقيا زكيا مطهَّرا، مطهرا من الشرك والنفاق والغل والحسد ومن كل أمراض القلوب وأسقامها وإذا زكى القلبُ وطاب صلحت الجوارح وحسنت وقد جاء في دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال: ﴿يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ [الشعراء ٨٨– ٨٩] أي سليم من الشرك والنفاق، وسلِيم من الرياء وغير ذلك، وسلِيم من أمراض القلوب وأسقامها وهي كثيرة ومتنوعة وعديدة، وإذا سلم القلب تبعته الجوارح في السلامة وفي هذا يقول : " ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ . ألا وهِيَ القَلبُ".(رواه مسلم)
وقوله: "ولسانا صادقا" أي يحافظ الصدق ويتحراه في أقواله وأحاديثه، وإذا كان اللسان صادق اللهجة فإن الجوارح كلها تتبعه على الاستقامة يدل لذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي أنه قال: " إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ اللَّسانَ فتقولُ : اتَّقِ اللهَ فينا ، فإنَّما نحن بك ، فإن استقمتَ استقمنا ، وإن اعوججتَ اعوججنا".( الترمذي وهو حديث حسن)
وقوله في هذا الدعاء: " وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ ، وأستغفرُك لما تعلَمُ ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ " هو من جوامع الدعاء وكوامله  حيث سأل في هذه الجملة الخير كله ظاهره وباطنه سره وعلنه ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة، فإن قوله: " وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ " يجمع الخير كله في الدنيا والآخرة. وقوله : " وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ " من كوامل التعوذ وجوامعه فإنك في هذه الجملة تعوذت من كل شر وكل بلاء وضر، فإن قوله: " وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ " يجمع التعوذ كله.

وقوله في خاتمة هذا الدعاء : " وأستغفرُك لما تعلَمُ " فيه إقرار العبد بذنوبه وخطاياه وكثرتها وتعددها وأن منها ذنوبا كثيرة لا يعلمها نسيها العبد ولكن أحصاه الله ونسوه، فما أجمل أن يقول المستغفر في استغفاره: " وأستغفرُك لما تعلَمُ " لأن علم الله عز وجل محيط بالسرائر والمعلنات، وبالخفيات والظاهرات، بالذنوب المتقدمة والمتأخرة محيط بكل شيء فهو جل وعلا علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولذا ختم النبي هذا الدعاء متوسلا إلى الله بقوله: " إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ " أي أحاط علمك بكل غائبة عنا، أما في حق الله جل وعلا فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية لا تخفى عليه خافية. 

اللهم إنّا نسْألك من خيْرِ ما سألك عبدك وحبيبك محمد ، ونعوذ بِك من شرِّ ما استعاذ منه عبدك وحبيبك محمد ، اللهم  إِنّا نسْألك رِضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنّار .

No comments:

Post a Comment