Monday, 7 December 2015

تفسير مختصر وربط للآيات وبيان المتشابهات سورة الواقعة ج 4



 

سورة الواقعة ج 4
 الجزء الأخير من سورة الواقعة يؤكد لنا على عظمة القرآن الكريم ، ,أنه سبحانه حفظه منذ الأزل في كتاب مكنون في اللوح المحفوظ ، ومنه سنستنتج أحكام قراءة القرآن ومسه للمحدث ، ثم يصور ربنا أحوال الناس ساعة القيامة الصغرى لكل منهم، وذلك أن هذه الآيات تصور اختلاف أحوال الناس عند الوفاة على حسب اختلاف أعمالهم ومعتقدهم وما ماتوا عليه - بالرغم من أن حديث :" إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته" ( حديث موضوع ) إلا أن معناه جاء في الصحيح-

قوله تعالى { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } فلا : ليست لا زائدة بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسماً به على منفي،  بل أقسم بمواقع النجوم، ودليل أنه قسم قوله بعدها { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } ويكون جواب القسم: { إِنَّهُ لَقُرْ‌آنٌ كَرِ‌يمٌ }، وقال آخرون: تقدير الكلام: لا أقسم بمواقع النجوم، ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم.
اختلف المفسرون بمقصود قوله: { بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } على قولين ، فقال ابن عباس: يعني نجوم القرآن، فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً في السنين بعد،  وعن قتادة قال : أي مواقع النجوم  التي في السما، أو منازلها، وعن الحسن: أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة، وقوله { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به،{  إِنَّهُ لَقُرْ‌آنٌ كَرِ‌يمٌ } أي إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } أي معَظَّم في كتاب محفوظ موقر، والمقصود به  الكتاب الذي في السماء، { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُ‌ونَ } يعني الملائكة، وقال ابن جرير، عن قتادة  { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُ‌ونَ } قال: لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس، وقال أبو العالية:  ليس أنتم أصحاب الذنوب، وقال ابن زيد: زعمت كفّار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر اللّه تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون.
في اللغة : الفرق بين المطهرين والمتطهرين:
المتطهرين: جاءت بمعنى الذن يتطهرون من اي حدث وذلك قبل أداء النسك سواء كان صلاة أو طوافا.
قال تعالى {ان الله يحب التوبين ويحب المتطهرين } البقرة 222
المطَّهرين: بتشديد حرف الطاء وهم الذين يسرعون في التطهر لانهم يحبون أن يتطَهروا أي يحبون أن يكونوا دائما على طهارة وقد تم حذف حرف ت الأوسط من الكلمة والحذف هنا يدل على السرعة.قال الزمخشري: (فالمطَّهِّرون والمتطهِّرون كلمتان تنحدران من نفس الأصل، ولكن الفرق في أنَّ المطَّهِّرين أبلغ، وتدلُّ على المبالغة والمداومة على الطهارة، في حين أنَّ التَّطهرَ يكونُ في أوقات معينة، فيكون قبل بعض العبادات؛ كالصَّلاة والطواف مثلاً، وهو إما بالوضوء أو بالغسل، : قال الزمخشري: (ومن المجاز: تَطهَّر من الإثم: تنزَّه منه، وطهَّرهُ الله، وهو طاهرُ الثياب: نزه من مدانس الأخلاق، والتوبة طهور للمذنب)
قال تعالى { فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطَّهرين } التوبة 108
المطهَّرون : يتشديد حرف ه الهاء: وهم الذين طهرهم الله ايتداءً ودائما ولا يصيبهم أي حدث،  ولا يكون إلا ملكا من الملائكة أو روحا طاهرة، وكذلك مثلها الصحف المطهرة
هل يجوز مس المصحف للمحدث –سواء حدثا أصغر أو اكبر؟ آراء الفقهاء:
واختلف الفقهاء في مس المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم. أن في الكتابِ الذي كتبهُ رسولُ اللهِ وسلم لعَمْرو بن حزمٍ: " أن لا يمسّ القرآنَ إلا طاهرُ" ( وهو حديث مرسل، ولكن تلقاه بعض العلماء بالقبول)
 وهو مذهب جماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي. واختلفت الرواية عن أبي حنيفة، فروي عنه أنه يمسه المحدث، وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر. وقال مالك : لا يحمله غير طاهر بملاقة ولا على وسادة. وقال أبو حنيفة : لا بأس بذلك. ولم يمنع من حمله بعلاقة أو مسه بحائل.
وقد روي عن الحكم وحماد أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا، واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي إلى قيصر، وهو موضع ضرورة فلا حجة فيه( وفي هذا الإستنتاج نظر) وفي مس الصبيان إياه على وجهين: أحدهما المنع اعتبارا بالبالغ. والثاني الجواز، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن، لأن تعلمه حال الصغر، ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة، لأن النية لا تصح منه، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة كاملة جاز أن يحمله محدثا.
والقول الفصل :
إن جواز مس المصحف بدون طهارة له دليلان،الأول: هو بطلان استدلال من استدل بالآية في سورة الواقعة على عدم الجواز،  قال ابن عباس : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : المقصود به الكتاب الذي في السماء، وقال مرة : يعني الملائكة، وكذا ورد عن ابن مسعود حيث قال: هو الذكر الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة.
قال قتادة : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس ، وقال أبو العالية { لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } قال : ليس أنتم . أنتم أصحاب الذنوب .
قال الإمام مالك : هذه الآية هي بمنـزلة هذه الآية التي في عبس وتولى؛ قول الله تبارك وتعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}( عبس11-16)
ثانيها :وكذلك لأن (وقت نزول القرآن) في زمن النبي لم يوجد كتاب مكنون- اي مصحف محفوظ كحاله اليوم ، حتى يقول أحد إنه هو الذي لا يمسه إلا المطهرون؛ بل كان كما قال الله تعالى { بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الذَّينَ أُوتُوا الْعِلْمِ}.
مسالة قراءة الجنب والحائض للقرآن :
ينبغي التفريق بين مس المصحف ، وبين قراءة القرآن ، فالكلام السابق في مس المصحف ، وما يلي في القراءة ولو من غير المصحف.
ومما استدلوا به أيضا حديث علي رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله توضأ ، ثم قرأ شيئا من القرآن ، ثم قال : " هكذا لمن ليس بجُـنب ، فأما الجنب فلا ولا آية " رواه الإمام أحمد ،وضعفه الألباني في الإرواء.
إذا ليس هناك حديث صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن ، سواء كان حدثا أكبر أو أصغر .
ثم إن البراءة الأصلية تقتضي عدم منع الجنب أو الحائض من مس المصحف أو من قراءة القرآن ، إذ الأصل عدم التكليف .
وهذه المسألة مما تعمّ به البلوى ،وهي الجنابة والحيض ، ومع ذلك لم يرد حديث واحد صحيح في منع الجنب أو الحائض في قراءة القرآن .
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - :
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَـقـُـل ، أو من إبطـال مـا قـد شرعـه لعباده بلا حُجـة . اهـ .وهذا كلام نفيس
ومذهب جماعة من السلف جواز قراءة الجُنب للقرآن ، إذ أن الجنابة والحيض مما تعمّ به البلوى ، ومع ذلك لم يرِد النهي عن القراءة في هذه الأحوال ، فعُلِم أنه مما عُفيَ عنه ، وبقي على أصله من عدم تأثيم قارئ القرآن في هذه الأحوال .

عودة للتفسير
 
قوله تعالى:{ أَفَبِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ} يعني القرآن أنتم مكذبون، فالمدهن الذي ظاهره خلاف باطنه، كأنه شبه بالدهن في سهولة ظاهر. ونظير هذه الآية قوله تعالى: { ودوا لو تدهن فيدهنون} (القلم 9)، والمدهن المنافق أو الكافر الذي يلين جانبه ليخفي كفره، والإدهان والمداهنة التكذيب والكفر النفاق، وأصله اللين، وأن يُسِر خلاف ما يظهر، وداهنت بمعنى :واريت وأدهنت بمعنى غششت. وقوله تعالى {وَتَجْعَلُونَ رِ‌زْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أي تجعلون شكركم التكذيب. ويصلح أن يوضع اسم الرزق مكان شكره، لأن شكر الرزق يقتضي الزيادة فيه فيكون الشكر رزقا على هذا المعنى. فقيل { وَتَجْعَلُونَ رِ‌زْقَكُمْ } أي شكر رزقكم الذي لو وجد منكم لعاد رزقا لكم { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }  بالرزق، ففي الآية بيان أن ما أصاب العباد من خير فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسباب، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة، أو صبر إن كان مكروها تعبدا له وتذللا.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : مطر الناس على عهد النبي فقال النبي : " أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، قال : فنزلت هذه الآية { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ......حتى بلغ...: وَتَجْعَلُونَ رِ‌زْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } .
 كان أبو هريرة يقول إذا أصبح وقد مطر : مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}( فاطر 2) قال أبو عمر:وهذا عندي نحو قول وسول الله : "مطرنا بفضل الله ورحمته".
وقوله تعالى: { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} أي فهلا إذا بلغت النفس أو الروح الحلقوم. ولم يتقدم لها ذكر، لأن المعنى معروف،{ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُ‌ونَ } وأنتم تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء. و المعنى فهلا إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده، مع حرصكم على امتداد عمره، وحبكم لبقائه.
{ وَنَحْنُ أَقْرَ‌بُ إِلَيْهِ مِنكُمْ }  أي بالقدرة والعلم والرؤية ، قال عامر بن عبد القيس: ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إلى منه. وقيل أراد ورسلنا وهم الملائكة الذين يتولون قبضه { وَلَـٰكِن لَّا تُبْصِرُ‌ونَ }  أي لا ترونهم. قوله تعالى: { فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ‌ مَدِينِينَ } أي فهلا إن كنتم غير محاسبين ولا مجزيين بأعمالكم، ومنه قوله تعالى {أإنا لمدينون} (الصافات 53) أي مجزيون محاسبون. وفي الحديث الصحيح: "الكيّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" (رواه أحمد والترمذي وابن ماجة " أي حاسب نفسه، وعن عمر رضي اللّه عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)، قال القرطبي: { غَيْرَ‌ مَدِينِينَ } أي غير مملوكين ولا مقهورين. قال الفراء وغيره : دنته ملكته، ودانه أي أذله واستعبده، يقال: دنته فدان.
في اللغة:
دان الرجل إذا أطاع، ودان إذا عصى
ودان إذا عز، ودان إذا ذل،
ودان إذا قهر، فهو من الأضداد.
{ تَرْ‌جِعُونَهَا }  ترجعون الروح إلى الجسد، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي ولن ترجعوها فبطل زعمكم أنكم غير مملوكين ولا محاسبين.
ثم يأت بعدها هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم: إما أن يكون من المقربين، أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى، الجاهلين بأمر اللّه، ولهذا قال تعالى: { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّ‌بِينَ } أي المحتضر { مِنَ الْمُقَرَّ‌بِينَ } وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات، وهم السابقون،  { فَرَ‌وْحٌ وَرَ‌يْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ }  وقراءة العامة { فَرَ‌وْحٌ }  بفتح الراء ومعناه عند ابن عباس وغيره : فراحة من الدنيا. قال الحسن : الروح الرحمة،  لأنها كالحياة للمرحوم، وقال  الضحاك : الروح: الاستراحة، { وَرَ‌يْحَانٌ } قال مجاهد: أي رزق. قال مقاتل : هو الرزق بلغة حمير، يقال: خرجت أطلب ريحان الله أي رزقه، وقيل: هو الريحان المعروف الذي يشم. قاله الحسن وقتادة أيضا: هذا عند الموت، وقيل: هذا عند قبض روحه يتلقى بضبائر الريحان، قيل: لا يفارق أحد روحه من المقربين في الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان فيشمهما ثم يقبض روحه فيهما، وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة، فإن مات مقرباً حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة والفرح والسرور والرزق الحسن { وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } هو ألا يحجب فيها عن الله عز وجل. قال محمد بن كعب: لا يموت أحد من الناس حتى يعلم أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار،
قوله تعالى:{ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } أي إن كان هذا المتوفى من أصحاب اليمين فيقال له : لست ترى منهم إلا ما تحب من السلامة فلا تهتم لهم، فإنهم يسلمون من عذاب الله، وقيل : المعنى سلام لك منهم، أي أنت سالم من الاغتمام لهم، والمعنى واحد. وقيل : معناه سلمت أيها العبد مما تكره فإنك من أصحاب اليمين، فحذف إنك. وقيل : إنه يحيا بالسلام إكراما، فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل : أحدها عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت، قاله الضحاك. وقال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام، الثاني عند مساءلته في القبر يسلم عليه منكر ونكير. الثالث عند بعثه في القيامة تسلم عليه الملائكة قبل وصوله إليها. قلت : وقد يحتمل أن تسلم عليه في المواطن الثلاثة ويكون ذلك إكراما بعد إكرام. والله أعلم.، قوله تعالى {  وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ}  من المكذبين بالبعث { الضَّالِّينَ } عن الهدى وطريق الحق { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } أي فلهم رزق أو ضيافتهم من حميم، { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } إدخال في النار. وقيل : إقامة في الجحيم ومقاساة لأنواع عذابها، يقال : أصلاه النار وصلاه، أي جعله يصلاها،{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } أي هذا الذي قصصناه محض اليقين وخالصه. وجاز إضافة الحق إلى اليقين وهما واحد لاختلاف لفظهما. وهو كقولك عين اليقين ومحض اليقين، فهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه عند الكوفيين. وقيل : هو توكيد. وقال قتادة في هذه الآية : إن الله ليس بتارك أحدا من الناس حتى يقفه على اليقين من هذا القرآن، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة، وأما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه اليقين. { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَ‌بِّكَ الْعَظِيمِ } أي نزه الله تعالى عن السوء. والباء زائدة أي سبح اسم ربك، والاسم هو المسمى، أي سبح ونزه ربك العظيم ،وقيل { فَسَبِّحْ } أي فصل بذكر ربك وبأمره. وقيل : فاذكر اسم ربك العظيم وسبحه. وعن عقبة بن عامر قال : لما نزلت { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَ‌بِّكَ الْعَظِيمِ } قال النبي : "اجعلوها في ركوعكم"  ولما نزلت { سبح اسم ربك الأعلى} (الأعلى 1) قال النبي : "اجعلوها في سجودكم" أخرجه أبو داود"  والله أعلم
 
تم بحمد الله ومنته الذي بنعمته تتم الصالحات.

No comments:

Post a Comment