سورة الواقعة ج 4
الجزء الأخير من سورة الواقعة يؤكد لنا على عظمة القرآن الكريم ، ,أنه سبحانه حفظه منذ الأزل في كتاب مكنون في اللوح المحفوظ ، ومنه سنستنتج أحكام قراءة القرآن ومسه للمحدث ، ثم يصور ربنا أحوال الناس ساعة القيامة الصغرى لكل منهم، وذلك أن هذه الآيات تصور اختلاف أحوال الناس عند الوفاة على حسب اختلاف أعمالهم ومعتقدهم وما ماتوا عليه - بالرغم من أن حديث :" إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته" ( حديث موضوع ) إلا أن معناه جاء في الصحيح-
قوله تعالى { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } فلا : ليست لا زائدة بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسماً به على منفي، بل أقسم بمواقع النجوم، ودليل أنه قسم قوله بعدها { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } ويكون جواب القسم: { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }، وقال آخرون: تقدير الكلام: لا أقسم بمواقع النجوم، ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم.
اختلف المفسرون بمقصود قوله: { بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } على قولين ، فقال ابن عباس: يعني نجوم القرآن، فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً في السنين بعد، وعن قتادة قال : أي مواقع النجوم التي في السما، أو منازلها، وعن الحسن: أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة، وقوله { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به،{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } أي إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } أي معَظَّم في كتاب محفوظ موقر، والمقصود به الكتاب الذي في السماء، { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } يعني الملائكة، وقال ابن جرير، عن قتادة { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } قال: لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس، وقال أبو العالية: ليس أنتم أصحاب الذنوب، وقال ابن زيد: زعمت كفّار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر اللّه تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون.
في اللغة : الفرق بين المطهرين والمتطهرين:
المتطهرين:
جاءت بمعنى الذن يتطهرون من اي حدث وذلك قبل أداء النسك سواء كان صلاة أو طوافا.
قال تعالى {ان الله يحب التوبين ويحب المتطهرين } البقرة
222
المطَّهرين: بتشديد حرف الطاء وهم الذين يسرعون في
التطهر لانهم يحبون أن يتطَهروا أي يحبون أن يكونوا دائما على طهارة وقد تم حذف
حرف ت الأوسط من الكلمة والحذف هنا يدل على السرعة.قال الزمخشري: (فالمطَّهِّرون
والمتطهِّرون كلمتان تنحدران من نفس الأصل، ولكن الفرق في أنَّ المطَّهِّرين أبلغ،
وتدلُّ على المبالغة والمداومة على الطهارة، في حين أنَّ التَّطهرَ يكونُ في أوقات
معينة، فيكون قبل بعض العبادات؛ كالصَّلاة والطواف مثلاً، وهو إما بالوضوء أو
بالغسل، : قال الزمخشري: (ومن المجاز: تَطهَّر من الإثم: تنزَّه
منه، وطهَّرهُ الله، وهو طاهرُ الثياب: نزه من مدانس الأخلاق، والتوبة طهور للمذنب)
قال تعالى { فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطَّهرين
} التوبة 108
المطهَّرون : يتشديد حرف ه الهاء: وهم الذين طهرهم
الله ايتداءً ودائما ولا يصيبهم أي حدث، ولا يكون إلا ملكا من الملائكة أو روحا طاهرة،
وكذلك مثلها الصحف المطهرة
هل يجوز مس المصحف للمحدث –سواء حدثا أصغر أو اكبر؟ آراء الفقهاء:
واختلف الفقهاء في مس المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم. أن في الكتابِ الذي كتبهُ رسولُ اللهِ ﷺ وسلم لعَمْرو بن حزمٍ: " أن لا يمسّ القرآنَ إلا طاهرُ" ( وهو حديث مرسل، ولكن تلقاه بعض العلماء بالقبول)
وهو مذهب جماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي. واختلفت الرواية عن أبي حنيفة، فروي عنه أنه يمسه المحدث، وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر. وقال مالك : لا يحمله غير طاهر بملاقة ولا على وسادة. وقال أبو حنيفة : لا بأس بذلك. ولم يمنع من حمله بعلاقة أو مسه بحائل.
وقد روي عن الحكم وحماد أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا، واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي ﷺ إلى قيصر، وهو موضع ضرورة فلا حجة فيه( وفي هذا الإستنتاج نظر) وفي مس الصبيان إياه على وجهين: أحدهما المنع اعتبارا بالبالغ. والثاني الجواز، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن، لأن تعلمه حال الصغر، ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة، لأن النية لا تصح منه، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة كاملة جاز أن يحمله محدثا.
والقول الفصل :
إن جواز مس المصحف بدون طهارة له دليلان،الأول: هو بطلان استدلال
من استدل بالآية في سورة الواقعة على عدم الجواز، قال ابن عباس : (
لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : المقصود به الكتاب
الذي في السماء، وقال مرة : يعني الملائكة، وكذا ورد عن ابن مسعود حيث قال: هو
الذكر الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة.
قال قتادة : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس ، وقال أبو العالية { لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } قال : ليس أنتم . أنتم أصحاب الذنوب .
قال الإمام مالك : هذه الآية هي بمنـزلة هذه الآية التي في عبس وتولى؛ قول الله تبارك وتعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}( عبس11-16)
قال قتادة : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس ، وقال أبو العالية { لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } قال : ليس أنتم . أنتم أصحاب الذنوب .
قال الإمام مالك : هذه الآية هي بمنـزلة هذه الآية التي في عبس وتولى؛ قول الله تبارك وتعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}( عبس11-16)
ثانيها :وكذلك لأن (وقت نزول القرآن) في زمن النبي ﷺ لم يوجد كتاب مكنون- اي مصحف محفوظ كحاله اليوم ، حتى يقول أحد إنه هو الذي لا يمسه إلا المطهرون؛ بل كان كما قال الله تعالى { بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الذَّينَ أُوتُوا الْعِلْمِ}.
مسالة قراءة الجنب والحائض للقرآن :
ينبغي التفريق بين مس المصحف ، وبين قراءة القرآن ، فالكلام السابق في مس
المصحف ، وما يلي في القراءة ولو من غير المصحف.
ومما استدلوا به أيضا حديث علي رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله ﷺ توضأ ، ثم قرأ شيئا من القرآن ، ثم قال : " هكذا لمن ليس بجُـنب ، فأما الجنب فلا ولا آية " رواه الإمام أحمد ،وضعفه الألباني في الإرواء.
إذا ليس هناك حديث صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن ، سواء كان حدثا أكبر أو أصغر .
ثم إن البراءة الأصلية تقتضي عدم منع الجنب أو الحائض من مس المصحف أو من قراءة القرآن ، إذ الأصل عدم التكليف .
وهذه المسألة مما تعمّ به البلوى ،وهي الجنابة والحيض ، ومع ذلك لم يرد حديث واحد صحيح في منع الجنب أو الحائض في قراءة القرآن .
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - :
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَـقـُـل ، أو من إبطـال مـا قـد شرعـه لعباده بلا حُجـة . اهـ .وهذا كلام نفيس
ومذهب جماعة من السلف جواز قراءة الجُنب للقرآن ، إذ أن الجنابة والحيض مما تعمّ به البلوى ، ومع ذلك لم يرِد النهي عن القراءة في هذه الأحوال ، فعُلِم أنه مما عُفيَ عنه ، وبقي على أصله من عدم تأثيم قارئ القرآن في هذه الأحوال .
ومما استدلوا به أيضا حديث علي رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله ﷺ توضأ ، ثم قرأ شيئا من القرآن ، ثم قال : " هكذا لمن ليس بجُـنب ، فأما الجنب فلا ولا آية " رواه الإمام أحمد ،وضعفه الألباني في الإرواء.
إذا ليس هناك حديث صحيح صريح في منع المُحدِث من قراءة القرآن ، سواء كان حدثا أكبر أو أصغر .
ثم إن البراءة الأصلية تقتضي عدم منع الجنب أو الحائض من مس المصحف أو من قراءة القرآن ، إذ الأصل عدم التكليف .
وهذه المسألة مما تعمّ به البلوى ،وهي الجنابة والحيض ، ومع ذلك لم يرد حديث واحد صحيح في منع الجنب أو الحائض في قراءة القرآن .
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - :
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَـقـُـل ، أو من إبطـال مـا قـد شرعـه لعباده بلا حُجـة . اهـ .وهذا كلام نفيس
ومذهب جماعة من السلف جواز قراءة الجُنب للقرآن ، إذ أن الجنابة والحيض مما تعمّ به البلوى ، ومع ذلك لم يرِد النهي عن القراءة في هذه الأحوال ، فعُلِم أنه مما عُفيَ عنه ، وبقي على أصله من عدم تأثيم قارئ القرآن في هذه الأحوال .
عودة للتفسير
No comments:
Post a Comment