Wednesday 7 September 2016

الليال العشر -الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى ؛ والمعينة على الطاعة













الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى والمعينة على الطاعة
  
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - عن محبته سبحانه وتعالى:

( المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، فهي النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ).
وليس الشأن أن تحب الله تعالى، فأنت في كل نَفَس وفي كل حركة وسكون في نومك ويقظتك مغمور بنعم الله تعالى : ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) ( النحل: 53)، فالمؤمنون يحبون ربهم تبارك وتعالى: ( وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ )  ( البقرة:165) ولكن الشأن أن يحبك الله تعالى كما قال تبارك وتعالى عن بعض عباده:( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) ( المائدة:54)، فكيف يمكن أن يترقى العبد من درجة المحب إلى المحبوب؟
وما هي الأسباب التي تعينه على الوصول إلى هذه الرتية العالية
لقد أجاب على ذلك الأئمة ومنهم الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وذكر لذلك أسبابا منها:
السبب الأول: قراءة القرآن بتدبر وتفهم لمعانيه ، وما أريد به :
و ينبغي حين تقرأ القرآن أن تستشعر أن الله تعالى يكلمك ويخاطبك ، فتلاوة القرآن هي في حقيقتها مناجاة بين العبد وربه، قال الإمام النووي رحمه الله: ( أول ما يجب على القارىء، أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى ).
فيتدبر العبد كلام الله تعالى وإذا وفق لفهم معانيه حمد الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، قال ابن الجوزي رحمه الله: ( ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصاله معاني كلامه إلى أفهامهم وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، بتدبر كلامه ).
كما قال الحسن بن على رضي الله عنهما: ( إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار ).
ولهذا فإن رجلاً من أصحاب النبي ﷺ استجلب محبة الله بتلاوة سورة واحدة وتدبرها ومحبتها، هي سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن جل وعلا،  فظل يرددها في صلاتة، فلما سُئل عن ذلك قال: ( لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها ) فقال النبي ﷺ : "أخبروه أن الله يحبه "  (البخاري).
السبب الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض:
فإنها من أعظم أسباب الفوز بمحبة الرب جل وعلا.
قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالى" من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشىء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، ...الحديث "(البخاري).
وقد بين هذا الحديث صنفين من الناجين الفائزين.
الصنف الأول: المحب لله : وهو مؤد لفرائض الله، وقافٌ عند حدوده.
الصنف الثاني: المحبوب من الله : وهو الذي يتقرب إلى الله بعد الفرائض بالنوافل. وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن هذا السبب موصل إلى درجة المحبوبية بعد المحبة ، بمعنى أنه يصير بهذا محبوبا لله تعالى.
وقد ذكر العلامة ابن رجب رحمه الله أن أولياء الله المقربين قسمان، فقال عن القسم الثاني: (من تقرب إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهم أهل درجة السابقين المقربين، لأنهم تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، والإنكفاف عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله .
والنوافل التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى هي الزيادة المشروعة من جنس أنواع الفرائض كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة
السبب الثالث: دوام ذكر الله تعالى على كل حال
بالسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.
قال رسول الله ﷺ:"  إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه "(صحيح ابن ماجه للألباني).
وقال الله تعالى: ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )(البقرة:152).
وقال رسول الله ﷺ :  " قد سبق المُفردون "قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال : " الذاكرون الله كثيراً والذاكرات "(مسلم)
ولما جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت عليَّ فأنبئني منها بشيءٍ أتشبثُ به قال: "لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ"( صحيح سنن ابن ماجة للألبني)
السبب الرابع: إيثار ما يحبه سبحانه على ما تحبه عند غلبات الهوى والتسليم إلى محابه وإن صعب المرتقى
يقول ابن القيم : ( إيثار رضى الله عز وجل على غيره، ولو أغضب الخلق، وهي درجة الإيثار وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وأعلاها لأولى العزم منهم، وأعلاها لنبينا محمد ﷺ).
وهذا كله لا يكون إلا لثلاثة:  قهر هوى النفس ، ومخالفة الهوى ، ومجاهدة الشيطان وأولياءه
السبب الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته.
ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله بأسمائه وأفعاله، أحبه لا محالة.
فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان، وأتلف شجرة الإحسان فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان.
وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: " إن للهِ تسعةً وتسعين اسمًا ، مائةً إلا واحدًا ، مَن أحصاها دخلَ الجنةَ "(البخاري).
فالمحبة هي ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته واعتقاد جماله وكماله وجلاله، والاعتراف بإحسانه وإنعامه .
السادس : مشاهدة بر الله وإحسانه وآلائه في الكون وفي النفس، ونعمه تعالى الظاهرة والباطنة، فما تفكر عبد في آيات الله في الكون من حوله ، وفي نفسه والمخلوقات من حوله إلا عظم ربه في نفسه ، ولهج اللسان بعد ذلك بالتكبير والتهليل ، وخشع القلب وتذلل لخالقة بالدعاء والعبادة يتقرب فيها ليصل لمحبوبه.
السابع: وهو من أعجبها، وهو من نتائج السبب السادس ، وهو انكسار القلب بين يدي الله تعالى في كل أحواله ؛ إذا تمرغ بنعمة أنكسر قلبه للمنعم ، وفي الشدة  تطلع لربه لعفوه ورضوانه.
الثامن: الخلوة بالله تعالى في وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة آياته   والوقوف بالقلب والجوارح والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
التاسع: مجالسة الصالحين والصادقين؛ وهذا السبب من أكثر الأسباب تأثيراً ، وذلك لأن الإنسان سريع التأثر بمن حوله ، فإن صاحب الأخيار وجالسهم والتقت من أطايب كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، يورث في القلب حب تقليدهم والعمل بعملهم حتى تصبح حالته وأعماله، وعلى العكس من ذلك فإن مصاحبة الأشقياء ،
لا بد أن تؤثر فيه ولو بالتدريج ، ولا بد لطبعه أن يسرق من طبعهم ، فيقسو قلبه ويغلط ، ويعتاد على هذه المنكرات .
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله تعالى ؛ من الملاهي، والإنشغال فيما لا ينفع ، وأفظع منها المعاصي، وقد يقع العبد بالمعصية، فكل البشر خطائون، ولكن أن يقع بها وهو مستهين بها ، مستقل لها، لا يعبأ أن يواجه الله بها، ويمضى بعد فعلها كأنها لم تكن لا ندم ولا توبة .... ، فكل فذلك مما يحيط القلب بالران ويغلفه ، بل وينكسه، فلا يعبأ من بعدها أمع الله بات يناجي،  أو مع الشيطان قام يعربد وينادي، أعاذنا الله من هذا الحال. فكثرة الوقوع في المعاصي والمنكرات تجعلها شيئاً مألوفاً ، وتمهد المعصية ولو كانت صغير لأختها حتى تتابع المعاصي ويهون أمرها ولا يدرك صاحبها خطرها، وتتسرب واحدة وراء الأخرى إلى قلبه، حتى لايبالي بها ، ولا يقدر على مفارقتها ويطلب ما هو أكثر منها ، فيضعف في قلبه تعظيم الله وتعظيم حرماته ،  ولهذا يقول النبي ﷺ: " إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى تعلوا قلبه ، فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ( المطففين14) [ رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني ]

اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك..
اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب
وما (منعت) عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب.
اللهم اجعل حبك أحب إلي من الماء البارد على الظمأ ومن نفسي التي بين جنبي
اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك ورسلك وأنبيائك وعبادك الصالحين
اللهم أحيي قلبي بحبك واجعلني لك كما تحب
اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله وأرضيك بجهدي كله
اللهم اجعل حبي كله لك وسعيي كله في مرضاتك

No comments:

Post a Comment