Thursday 5 January 2017

الدعاء في القرآن الكريم - المقدمة 1- الدعاء أنواعه ، آدابه وأوقات استجابة الدعاء

 



 




الدعاء في  القرآن الكريم- المقدمة 1– الدعاء أنواعه، آدابه ، أوقات استجابة الدعاء.

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ,وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ,صلى الله عليه , وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد فهذه سلسلة جديدة هي سلسلة الدعاء من القرآن الكريم ،تهتم بالأدعية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ,الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، جمعتها وشرحتها لتكون سلاحاً لي ولمن قرأها من المسلمين والمسلمات أن نلجأ بها إلى ربنا خاشعين خاضعين راغبين نتوسل إليه سبحانه بكلامه ليكون أحرى لنا بالإجابة، فأدعية القرآن موجزة بليغة شاملة كاملة موفيه لكل مطلب، وبين الله لنا أنه يستجيبها، فحري بنا أن نتعلمها.
وقبل أن ابدأ بذكر أدعية القرآن ، تعالوا معي نتعرف على المقصود بالدعاء ، وأنواعه، وآدابه ،  والأوقات المفضله للدعاء.

معنى الدعاء شرعًا:

هو استدعاءُ العبدِ عنايةَ ربِّه عزَّ وجلَّ ، واستمدادُه منه المعونةَ ( دعاء مسالة )  وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى،( التذلل لله والتمجيده وتحميده )، والتبرُّؤ من حول العبد وقوّته، إلى حوله تعالى وقوته وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه،  وهو معنى الرغبة إلى الله .
الدعاء هو العبادة: ففي سنن الترمذي من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي قال: ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، {قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}) ( حسن صحيح،  وفي رواية عند الترمذي:  " الدعاء مخ العبادة" )
قال العلامة القرطبي رحمه الله في تفسيره( فسُمِّيَ الدعاء عبادة؛ ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]  أي دعائي. فأمر تعالى بالدعاء وحض عليه وسمّاه عبادة) ،وفي الحث على الدعاء الله ورجاؤه ورد في الحديث  عن سليمان الفارسي ، قال " إنَّ ربَّكم تبارَكَ وتعالى حيِيٌّ كريمٌ، يستحيي من عبدِهِ إذا رفعَ يديهِ إليهِ، أن يردَّهُما صِفرًا" ( صحيح أبي داود- صححه الألباني )
 وحقيقة العبادة هي طاعة الله وإظهار التذلل والافتقار له، ومن هنا يظهر بوضوح اتفاقها مع حقيقة الدعاء.

ورد في معاني الدعاء في القرآن الكريم عدة وجوه منها:

1-  العبادة، كما في قوله تعالى: ( وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)  (الكهف:28]
 وقوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) (الأعراف:194)

2-  الطلب والسؤال من الله سبحانه: كما في قوله تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)  (البقرة:186)
 وقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر:60)

3-  الاستعانة والإستغاثة: كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ * بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام:40، 41]
 وقوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ} [البقرة:23] .

4-  توحيد الله وتمجيده والثناء عليه:  كما في قوله تعالى: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ} [الإسراء:110] .
5- التسمية: ودعاء شخص ، اي ذكره باسمه ، أو تسميته،  كما في قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63]، أي لا تسمو رسول الله باسمه كما تسموا بعضكم بعضا، ولا تنادوه به مجردا، كما لم يدعه الله في القرآن باسمه أبدا ، فما قال يا محمد ، وأيضا قوله تعالى عن نفسه: {قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ} [الإسراء:110]، قال ابن القيم: والمعنى: أيا ما تسمّوا الله في ثنائكم ودعائكم وسؤالكم" – انظر بدائع الفوائد.

وانوع الدعاء كما جاء في الكتاب والسنة ومراتبه هي:

تستعمل كلمة "الدعاء" للدلالة على معنيين اثنين :
1- دعاء المسألة:  وهو طلب ما ينفع ، أو طلب دفع ما يضر ، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة ، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة .
كالدعاء بالمغفرة والرحمة ، والهداية والتوفيق ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا ، وحسنة في الآخرة ... إلخ .
2- دعاء العبادة :  والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى ، بأي نوع من أنواع العبادات ، القلبية أو البدنية أو المالية ، كالخوف من الله ومحبة رجائه والتوكل عليه ، والصلاة والصيام والحج ، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر،.... إلخ .
فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى .انظر : "القول المفيد" ، "تصحيح الدعاء"
والغالب أن كلمة (الدعاء) الواردة في آيات القرآن الكريم يراد بها المعنيان معاً ؛ لأنهما متلازمان ، فكل سائل يسأل الله بلسانه فهو عابد له ، فإن الدعاء عبادة ، وكل عابد يصلي لله أو يصوم أو يحج فهو يفعل ذلك يرد من الله تعالى الثواب والفوز بالجنة والنجاة من العقاب .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء ، والنهي عن دعاء غير الله ، والثناء على الداعين ، يتناول دعاء المسألة ، ودعاء العبادة" أهـ.
وقد يكون أحد نوعي الدعاء أظهر قصدا من النوع الآخر في بعض الآيات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - في قول الله عزّ وجلّ : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ( الأعراف 55-56 )
" هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعَيِ الدُّعاء: دعاء العبادة ، ودعاء المسألة.
وعلى هذا فقوله : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ) يتناول نوعي الدُّعاء،  وبكل منهما فُسِّرت الآية . قيل : أُعطيه إذا سألني ، وقيل : أُثيبه إذا عبدني ، والقولان متلازمان . [ من موقع الإسلام سؤال وجواب]
بعض آداب الدعاء وأسباب الإجابة :

1-الإخلاص لله . لا يسأل إلا الله وحده :
وهو مطلب لا بد منه في كل أعمال القلب والجوارح ، وهو السبب الأول لتقبل العمل والإعتقاد.فلا يدعو الله إلا مخلصا له الدين ، راغبا إليه راهبا منه، ليس يعتقد لأحد غيره سبحانه وتعالى السلطان على أن يجيبه إلى مطلبه ولو ملك من الدنيا ما ملك ، يجزم بذلك حتى ولو اجتاج أن يطلب العون الدنيوي من عباده، فالله يسخر من يشاء لقضاء حوائج من أراد ، فلله الأمر من قبل ومن بعد.

3-يستحب للداعي أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه

 وسيأتي في تفسير دعاء سورة الفاتحة،  ثم بالصلاة على النبي ويختم بذلك ، ثم يدعو بما شاء ، لما روى أبو داود ، والترمذي،عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمع رسول الله رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي فقال رسول الله : " عجل هذا "ثم دعاه فقال له أو لغيره : "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي ، ثم يدعو بعد بما شاء ". والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود (1314).
وعَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : "أَفْضَل الذِّكْر : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ : الْحَمْدُ للهِ". (الترمذي – حديث حسن)
وأن يدعو الله بأحب الأسماء إليه ، - عن بريدة، أن رسول الله سمع رجلا يقول: " اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لاإله إلا أنت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال: «لقد سألت الله بالإسم الأعْظَم الذي إذا سُئِلَ بِه أَعطى وإذا دُعي بِه أَجاب» ( رواه أبو داود والترمذي وحسنه.)

3- الجزم في الدعاء واليقين بالإجابة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي قال : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه " ( المستدرك على الصحيحين ، صحيح الترمذي ؛ قال الألباني عنه:حديث حسن )

4- الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال :

 في الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : ( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ : يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي "
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله " في هذا الحديث أدب من آداب الدعاء ، وهو أنه يلازم الطلب – ويلح فيه-  ولا ييأس من الإجابة ؛ لما في ذلك من الانقياد ، والاستسلام ، وإظهار الافتقار " أهـ
والإلحاح في الدعاء مما يحبه الله ويرضاه ، وليس فيه اعتراض على القدر ، بل هو إصرار على بلوغ المراد ضمن الأسباب المشروعة ، والدعاء أحد هذه الأسباب ، فهو من قضاء الله وقدره ، وهو علامة العبودية ، وأمارة الإيمان .
قال ابن القيم في (الجواب الكافي) : " ومن أنفع الأدوية : الإلحاح في الدعاء " انتهى
وفي سنن الترمذي أيضاً من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله : " ما على الأرضِ مسلمٌ يدعو اللهَ بدعوةٍ إلَّا آتاهُ اللهُ إيَّاها ، أوْ صرفَ عنه منَ السوءِ مثلَها ، ما لم يدعُ بإثمٍ ، أوْ قطيعَةِ رحِمٍ ، ما لم يَعْجَلْ ، يقولُ : قد دعوتُ ودعوتُ ، فلم يُسْتَجَب لي"  ( صحيح الجامع ْ – قال الألباني: حسن صحيح.)
ومن الإلحاح في الدعاء أن يدعو الله ثلاثا : فعن ابن مسعود رضي الله عنه ؛ في حديث دعائه الملأ من قريش قال : وَكَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ، وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا -قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش  ثَلَاث مَرَّات." ( البخاري )

5- حضور القلب في الدعاء :

لحديث رسول الله السابق : " واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه "
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: في أسباب عدم حصول أثر الدعاء قال: وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء،  فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً فإن السهم يخرج منه خروجاَ ضعيفاً، ، وقال :  ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته- أي الدعاء-" أهـ

6- الدعاء في الرخاء والشدة :

عن أبي هريرة  رضي الله عنه  قال رسول الله : " مَن سرَّه أن يستجيبَ الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء " ( رواه الترمذي والحاكم، قال الحاكم: صحيح، وقال الألباني عنه؛ حسن في صحيح الجامع )
فمن سره وأرضاه وأحب أن يستجاب له في الشدائد فعليه بدعاء ربه في كل الأحوال ، ونبه رسول الله على حالة الرخاء خاصة،  لأنها حالة غفلة وفرح بالنعم،  فالدعاء في الرخاء من شِيمَة المؤمن الشاكر الحازم ، فهو مثل من يَرِيشَ السهمَ قبل الرَّمْي، ويلتجئ إلى الله قبل الاضطرار، بخلاف الكافر الشقي، والمؤمن الغبي؛ قال تعالى: ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا ) (الزمر 8)
فتعيَّن على مَن يريد النجاة من ورطات الشدائد والغموم ألا يَغْفُلَ بقلبه ولسانه عن التوجُّه إلى الحق سبحانه بالحمد والابتهال إليه والثناء عليه في الرخاء، وفي كل حال.

7-  بدء المرء بالدعاء لنفسه وللغير:

من هديه كان يبدأ بالدعاء لنفسه :عَنْ أَبِي أَيُّوبَ: " أَنّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا دَعَا بَدَأَ بنفْسِهِ ".( رواه الطبراني – وصححه الألباني في صحيح الجامع)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ ، وَقَالَ : رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى ، لَوْ صَبَرَ لَرَأَى مِنْ صَاحِبِهِ الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ :"إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِي عُذْرًا".(  متفق عليه )
ومن هديه أيضًا كان يبدأ بالدعاء لغيره :
عن عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَسَمَ النَّبِيُّ  قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: " يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" . ( البخاري)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ " ( البخاري )
ومن المستحب الدعاء لعموم المسلمين والمؤمنين :
لقوله تعالى لرسوله : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )(  محمد 19)
وقوله تعالى عن نوح عليه السلام : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (نوح 28) ، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ  ) ( إبراهيم : 41) ( متفق عليه )
وقوله تعالى عن المؤمنين : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ( الحشر 10)


7- عدم الدعاء على الأهل والمال والولد والنفس ، ولا بإثم ولا قطيعة رحم:

فعن جابر أن رسول الله قال: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل عطاء فيستجاب لكم».( صحيح أبي داوود )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله : " لا يزالُ يستجابُ للعبدِ ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ . ما لم يَسْتَعْجِلْ . قيل : يا رسولَ اللهِ ! ما الاستعجالُ ؟ قال يقولُ : قد دعوتُ ، وقد دعوتُ ، فلم أرَ يستجيبُ لي . فيستحسرُ عند ذلك ، ويدعْ الدعاءَ" ( مسلم )
ومعنى يدعو بإثم أي بمعصية مثل أن يسأل الله تعالى شيئا من المحرمات شرعا، أو قطيعة رحم أي يدعو الله تعالى بما فيه قطيعة من والديه وأرحامه وهو داخل في عموم الإثم المذكور قبله، ولكنه خصصه بالذكر تنبيها على عظم إثم قطيعة الرحم كما قال تعالى: فَهَلْ ( عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) ( محمد:22ـ 23 ).
فهو تخصيص بعد تعميم كما قال المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح الترمذي.
ومن أمثلة الدعاء بقطيعة الرحم أن يقول: اللهم باعد بيني وبين فلان من أبويه أو أرحامه مثلا.

8- استحباب الوضوء:

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ،عَنْ أَبِي مُوسَى: دَعَا النَّبِيُّ  بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ ،ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ ،وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ،فَقَالَ:" اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ". ( البخاري)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي . قَالَ :" إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ فَهُوَ خَيْرٌ" فَقَالَ: ادْعُهُ ،فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ " ( البخاري )

9-استحباب استقبال القبلة :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بن عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ، وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ َ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :"اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَائْتِ بِهِمْ". ( البخاري)
والدليل على ذلك أيضًا ما أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ،. . ." الحديث

10 - استحباب رفع اليدين وصفته :

عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ " ( مسند أحمد - صحيح )
والدليل أيضًا من سنة النبي الفعلية نذكر بعض منها على سبيل المثال :
جاء معنا في آداب استحباب " الطهارة " رفع يده في دعاءه لعبيد بن عامر، وأيضًا في أدب " استقبال القبلة " رفع يديه في دعاءه لدوس ، ودعاءه يوم بدر .
ورفع رسول الله يديه يوم الجمعة على المنبر للاستسقاء وفيه عن أنس رضي الله عنه : " فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ،اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ،اللَّهُمَّ أَغِثْنَا،. . . " الحديث  ( البخاري )
أما الذي ورد عن أنس رضي الله عنه في " الصحيحين " أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِن دُعَائِهِ ، إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
قيل في ما ظاهره التعارض بين الحديثين: فإما – أن يحمل حديث أنس - على نفي صفة معينة من صفات الرفع ، أي لا يبالغ في رفع يديه إلا في الاستسقاء حتى يُرى بياض إبطيه .أو أنه يُحمل على أن رسول الله كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه على المنبر يوم الجمعة إلا في الاستسقاء. والله أعلم

صفة رفع اليدين :
وعن أبي بكرة من رسول الله قال: " سَلُوْا اللهَ بِبُطُوْنِ أَكُفِّكُمْ، وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُوْرِهَا . ( رواه الطبراني – صحيح الجامع )
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ،قال : كان النبي إِذَا دَعا جَعَلَ بَاطنَ كَفِّهِ إِلَى وَجْهِهِ. ( صحيح الجامع )
وتقليب الكفين عند الدعاء ثبت عن النبي في صلاة الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء . ( نيل الأوطار للشوكاني )
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ،وَالاِبْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا. ( أخرجة في الضياء ، وصححه الألباني ) 

حرصا على عدم الإطالة .... يتبع في الجزء الثاني من المقدمة، وبالله التوفيق
 

No comments:

Post a Comment