Monday, 6 March 2017

الأمثال في القرآن –المثل الرابع عشر- سورة الأعراف – مثل المتقهقر عن الحق بعد أن عرفه



  
 






مثل المتقهقر عن الحق بعد أن عرفه وتلبسه:

مثل اليوم تصوير عجيب لمن عرف الله، وسكن في قلبه أياته فوعيها،  ثم أزله الشيطان فأبعده وأضله عن طريقه،  إنسان يؤتيه الله العلم ، فيتلبسه تلبس الثوب يكسوه به، أو حتى كأنه جلده ولحمه ، ثم لا يدعه الشيطان على حاله حتى ينخلع من لباس التقوى والصلاح ، ويسلخه عنه سلخ الجلد ، كيف هذا ؟؟؟ 


سوف نتحدث هنا في مثل عظيم في آية عدَّها المفسرون أشدّ آية على العلماء، فيها وعيد شديد لبعض أهل العلم الذين علموا من العلم ما يرفعهم الدرجات العلا، ثم نكسوا على رؤوسهم، فسقطوا في أسفل الأسفلين.
قال تعالى:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَ‌فَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْ‌ضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُ‌كْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُ‌ونَ ﴿الأعراف 175-176﴾

فيمن ضرب هذا المثل:

ورد في قصة هذه الآيات كثير من الروايات دخل فيها الكثير من الإسرائيليات ، فنعرض عنها ونذكر ما اشتهر وهو مقبول عند العلماء.
من لغة هذه الآيات الكريمة يظهر أنها نزلت في إنسان كان عالمًا بدين الله تعالى وتوحيده، ثم خرج منه إلى الكفر والضلال، وظاهر الموصول المفرد ( الَّذِي ) يشير إلى أن صاحب الصلة واحد معيّن، وأن مضمون الصلة حال من أحواله التي عرف بها. وإذا الله تعالى في هذه الآية الكريمة قد أبهم اسمه، واقتصر على الإشارة إلى إجمال قصته، فإنها مع ذلك ظاهرة في أنه نبأ واقع، لا مجرد تمثيل؛ كما ذهب إليه بعضهم.

وفي تحديد من أنزل فيه المثل أقوال ثلاثة ، أولها: أنها في أمية بن الصلت الثقفي:

ففي حديث شعبة عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو في قولِه : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ . . ) الآيةَ قال : " هوَ صاحبُكم أميَّةُ بنُ أبي الصَّلْتِ ." والحديث صحيح إليه، وهو القول الأولى، فإن أمية بن أبي الصلت كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ولكنه لم ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول الله وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة ومع هذا اجتمع بالنبي ،  ولم يتبعه وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبحه الله، وهذا القول أقرب الأقوال إلى الحقيقة، بأن يكون صاحب هذا النبأ ممّن كان للعرب إلمام بمجمل خبره؛ كأمية بن أبي الصلت الثقفي؛ وذلك أن أمية كان- فيما روي عنه- ممن أراد اتباع دين غير الشرك طالبًا دين الحق، ونظر في التوراة والإنجيل، فلم يرَ النجاة في اليهودية، ولا النصرانية، وتزهَّد وتوخَّى الحنيفية دينَ إبراهيم عليه السلام وأخبر أن الله يبعث نبيًّا في العرب، فطمع أن يكونَه هو ذلك النبي، ورفض عبادة الأصنام، وحرم الخمر، وذكر في شعره أخبارًا من قصص التوراة، ويروى أنه كانت له إلهامات ومكاشفات وكان يقول:
كل دين يوم القيامة عند اللَّه إلا دين الحنيفيةُ زُورُ
فلما بعث محمد ، أسف أن لم يكن هو الرسول المبعوث في العرب. وقد اتفق أن خرج إلى البحرين قبل البعثة، وأقام هنالك ثمان سنين، ثم رجع إلى مكة، فوجد البعثة، وتردد في الإسلام، ثم خرج إلى الشام، ورجع بعد وقعة بدر، فلم يؤمن بالنبي حسدًا، ورثى من قُتل من المشركين يومَ بدر، وخرج إلى الطائف بلاد قومه فمات كافرًا.
وقد قال فيه النبي ” كاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم “. وهو الذي قال فيه النبي : ” آمن شعره وكفر قلبه “. يريد أن شعره كشعر المؤمنين، وذلك أنه يوحد الله في شعره، ويذكر دلائل توحيده من خلق السموات والأرض، وأحوال الآخرة، والجنة والنار، والثواب والعقاب، واسم الله وأسماء الأنبياء، وروي عن أمية أنه قال لما مرِض مَرض موته:” أنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد “.

وثانيها : أنها في بلعام بن باعُور. أو بلعَم بن باعوراء-:

عن ابن عباس قال:  هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعام وكان يعلم اسم الله الأكبر، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره من علماء السلف: كان مجاب الدعوة ولا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه.
وروي أنه كان معاصراً لموسى عليه السلام ،  وقال آخرون أنه كان بعده على عهد يوشع بن نون الذي حارب الجبارين ببني إسرائيل بعد تيه الأربعين سنة على أثر رفض بني إسرائيل الدخول إلى الأرض المقدسة.
وكذلك روي في التفسير أن الآيات التي أُعطيها أنه كان [ اسم الله العظيم ] الذي يدعو به فيجاب،  ثم اختلفت تفصيلات النبأ بعد ذلك اختلافات شتى.
منها ما قاله السدِّي :لما انقضت الأربعون سنة التي قال الله فيها: (  قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ)( المائدة 26)،  بُعث يوشع بن نون نبياً، فدعا بني إسرائيل فأخبرهم أنه نبي وأن الله أمره أن يقاتل الجبارين فبايعوه وصدقوه، وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له بلعام كان عالماً يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر،  لعنه الله ـ وأتى الجبارين وقال لهم: لا ترهبوا بني إسرائيل فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون وكان عنده ما شاء من الدنيا، غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء فكان ينكح أتاناً له، وإن النبي أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام أو قال الشام قال: فرعب الناس منه رعباً شديداً فأتوا بلعام فقالوا: ادع الله على هذا الرجل وجيشه.
 قال: فأخذ يدعو عليهم ، فإذا دعا عليهم جرى على لسانه الدعاء على قومه،  وإذا أراد أن يدعو أن يُفتح لقومه،  دعا أن يفتح لموسى وجيشه أو نحواً من ذلك إن شاء الله،  قال: فقالوا ما نراك تدعو إلا علينا،  قال: ما يجري على لساني إلا هكذا ولو دعوت عليه أيضاً ما استجيب لي،  وهو الذي قال الله تعالى: ( فَانسَلَخَ مِنْهَا ) تعبير في غاية الجودة ، وهو يدل دلالة على أنه لم ينحرف انحرافاً بسيطاً، وإنما ارتدّ تماماً وكأنه كان مرتدياً ثوباً ثم سلخ هذا الثوب كما ينسلخ جلد الحية عنها فهي تسلخه كله لا تترك منه شيئاً ، وقوله تعالى: ( فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ) أي فأدركه واستطاع أن يجعله من أتباعه فقد استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ولهذا قال: ( فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) أي من الهالكين الحائرين البائرين.
 وقد ورد في معنى هذه الاَية حديث رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حيث قال أن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه حدثه قال: قال رسول الله " إنَّ ممَّا أتخوَّفُ عليكم رجلٌ قرأ القرآنَ ، حتَّى إذا رُؤِيَتْ بهجتُه عليه وكان ردءَ الإسلامِ اعترَّه إلى ما شاء اللهُ، انسلخ منه ، ونبذه وراءَ ظهرِه ، وسعَى على جارِه بالسَّيفِ ، ورماه بالشِّركِ . قال : قلتُ : يا نبيَّ اللهِ ، أيُّهما أوْلَى بالشِّركِ : المرمِيُّ أو الرَّامي ؟ قال : بل الرَّامي" ( إسناده جيد ، ورواه أحمد شاكر وصححه  - وحسنه الألباني -)
والتحقيق في القصة - كما قال ابن عاشور- أن بلعام بن باعُور، أو بلعَم بن باعوراء ، كان من صالحي أهل مَدْيَن وعرَّافيهم في زمن مرور بني إسرائيل على أرض ( مُؤاب )؛ ولكنه لم يتغير عن حال الصلاح، وذلك مذكور في سفر العدد من التوراة ، فلا ينبغي الإلتفات إلى هذا القول لاضطرابه واختلاطه.

وثالثها: أنه كان من المعاصرين لبعثة الرسول وهو أبو عامر الفاسق:

أبو عامر الفاسق ، واسمه عبد عمرو ابن صيفي ، وكان يسمى الراهب ، فسماه رسول الله الفاسق، وكان رأس الأوس في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام ، جاهر رسول الله بالعدواة ، فخرج من المدينة ، وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله ويحضهم على قتاله ، ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه  ومالوا معه ، في غزوة أحد كان أول من بارز من المشركين ، وحفر حفراً للايقاع بجيش المسلمين،  ورأى قومه بينهم فناداهم وتعرف إليهم ، فقالوا له : لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق ، فقال : لقد أصاب قومي بعدي شر ، ثم قاتل المسلمين قتلاً شديداً ، وكان شعار المسلمين يومئذٍ ، "أَمِت".
وقيل أن الحفرة التي سقط فيها رسول الله يوم أحد كانت مما حفر أبو عامر قبل بدأ القتال يكيد بها للمسلمين.
ومن المفارقات أن ابنه حنظلة بن أبي عامر، من صحابة رسول اللّه ، استشهد في هذه الغزوة – أحد – وغسلته الملائكة من الجنابة، حيث سارع إلى تلبية النداء للحرب وكان ذلك صبيحة عرسه ، وعُرف باسم غِسّيل الملائكة.

تفسير الآيات:

إن القصص المفتتحة بقوله تعالى:( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ ) أن يقصد منها وعظ المشركين بصاحب القصة بقرينة قوله تعالى بعد ذلك: ( ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ).
ويحصل من ذلك- أيضًا- تعليم مثل قوله تعالى:( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ) (يونس:71)، وقوله تعالى:( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ )(الشعراء:69)، وقوله تعالى:( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ )(المائدة:27)، وغيره كثير.
والمراد بقوله تعالى ( آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا ): علمناه حجج التوحيد، وفهمناه أدلته، حتى صار عالماً بها، والإيتاء هنا مستعار للإطْلاَع وتيسير العلم.
وقوله تعالى: ( فَانْسَلَخَ مِنْهَا ). الانسلاخ من الشيء عبارة عن البراءة منه، والانفصال والبعد عنه؛ كالانسلاخ من الثياب والجلد. ويقال لكل من نبذ شيئًا، وكفر به، وفارقه بالكلية: انسلخ منه.
وحقيقة الانسلاخ هي خروج جسد الحيوان من جلده، حينما يُسلخ عنه جلده. يقال: انسلخت الحية من جلدها، إذا خرجت منه، واستعير في الآية للانفصال المعنوي، وهو ترك التلبس بالشيء، أو عدم العمل به.
وقوله تعالى: ( فَانْسَلَخَ مِنْهَا ) يدل على أنه كان فيها، ثم خرج منها. والتعبير عن ذلك بالانسلاخ، المنبىء عن اتصال المحيط بالمحاط خلقة، وعن عدم الملاقاة بينهما أبدًا، للإيذان بكمال بعده عن الآيات بعد أن كان كما يظر بينهما تمام الاتصال.
وقيل: معنى الانسلاخ عن الآيات: الإقلاع عن العمل بما تقتضيه؛ وذلك أن الآيات أعلمته بفساد دين الجاهلية ومع ذلك فقد انسلخ منها؛ كما ينسلخ الإنسان، أو الحيوان من جلده، فخرج بذلك من محبة الله إلى معصيته، ومن رحمة الله إلى سخطه، ونزع منه العلم، الذي كان يعلمه.
وفي الجامع الكبير للسيوطي:عن الحسن البصري، عن النبي : " العلمُ علمانِ علمٌ في القلبِ فذلك العلمُ النافعُ وعلمُ على اللسانِ فذلكَ حجةُ اللهِ على ابنِ آدمَ " ( مرسل إلى الحسن البصري بإسناد صحيح)، هذا مثل علم هذا الإنسان وأشباهه، نعوذ بالله منه، ونسأله التوفيق.
وتأمل كيف قال تعالى: ( فَانْسَلَخَ مِنْهَا ) ولم يقل:( فسلخناه )؛ بل أضاف الانسلاخ إليه، وعبَّر عن براءته منها بلفظة الانسلاخ، الدالة على تخليه عنها بالكلية، وهذا شأن الكافر. وأما المؤمن، ولو عصى الله تبارك وتعالى ما عصاه، فإنه لا ينسلخ من الإيمان بالكلية.
وقوله تعالى: ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُ‌كْهُ يَلْهَث)
قيل معناه فصار مثل مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه إلى الإيمان وعدم الدعاء كالكلب في لهيثه في حالتيه إن حملت عليه ( حملت عليه: أي حملته من المهام ، فلا يحمل بالأحمال على الكلاب )، وإن تركته هو يلهث في الحالين،  فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه كما قال تعالى: ( سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) ، وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ من الهدى فهو كثير الوجيب
 وقوله تعالى: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ).
يقول تعالى لنبيه محمد : حدثهم بهذه القصص ،لعلهم يتفكروا بعاقبة من استخدم علمه ، وعقله في غير طاعة ربه، واستغل نعمة الله عليه بالعقل بالفتنة والضلال،  وقيل: هذا مثل لكفار مكة وذلك أنهم كانوا يتمنون هاديا يهديهم ويدعوهم إلى طاعة الله, فلما جاءهم نبي لا يشكّون في صدقه كذّبوه فلم يهتدوا ، ولهذا قال عنهم ( لعلهم يتفكرون) أي فيحذروا أن يكونوا مثله، فإن الله قدأعطاهم علماً ، وجعل بأيديهم صفة محمد يعرفونها .
وقوله ( ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا) يقول تعالى ساء مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب ، فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه واتبع هواه صار شبيهاً بالكلب وبئس المثل مثله ، وقوله ( وأنفسهم كانوا يظلمون) أي ما ظلمهم الله ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى، إلى الركون إلى دار البلى، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.

فوائد الآيات:  

1-وفي قوله تعالى ( نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا ) أخبر سبحانه أنه علمه إنما حصل له من إيتاء الله تعالى له، إشارة إلى أن ما آتاك الله من العلم هو محض فضل من الله سبحانه وتعالى ، وقال تعالى:( آَتَيْنَاهُ )، ولم يقل:( أعطيناه )، لما في الإيتاء من سرعة الإعطاء، وسهولته؛ كما في قوله تعالى: ( وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ )(البقرة251)، وهي تحذير لكل من آتاه الله شيئاً من العلم أن لا يكون حجة عليه،  وأن لا ينقلب على عقبيه بعد أن يبين الله له الحق ويعرف الحق.
2- إنه مثل لكل من آتاه الله من علم الله ، فلم ينتفع بهذا العلم في نفسه ولا نفع به مجتمعه، ولم يستقم على طريق الإيمان، وانسلخ من نعمة الله ، ليصبح تابعاً ذليلاً للشيطان . ولينتهي إلى المسخ في مرتبة الحيوان !
إن هذا المثل للعلم الذي لا يعصم صاحبه أن تثقل به شهواته ورغباته فيخلد إلى الأرض لاينطلق من ثقلتها وجاذبيتها ، وأن يتبع هواه فيتبعه الشيطان ويقوده من خطام هذاالهوى إلى السفلى.
3-ودلت الآية لمن تدبرها على ألا يغتر أحد بعمله ولا بعلمه ; إذ لا يدري بما يختم له،  ودلت أيضا على منع التقليد لعالم إلا بحجة يبينها،  لأن الله تعالى أخبر أنه أعطى هذا العالم في وقته آياته فانسلخ منها،  فوجب أن يُخاف مثل هذا على غيره،  وألا يقبل منه إلا بحجة .
4-العلم الذي لا يعصم صاحبه من اتباع الهوى ، ولا يجعل المنهج القرآني تقوية له ونورا لإصلاح نفسه وحياته ومن حوله ، علم لا خير فيه، ليس العلم مطلوب لذاته ، وإنما العلم مطلوب للعمل، وتزكية النفس ، ولكن العلم لترسيخ عقيدة قوية دافعة متحركة لتحقيق مدلولها في ضمير العالم تحصنه من الرذيلة ، وتحيي موات القلوب ، وتنير ظلام العقول.
5- وقال تعالى: ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) ، فأخبر سبحانه أن الرفعة عنده ليست بمجرد العلم؛ وإنما هي باتباع الحق وإيثاره وقصد مرضاة الله تعالى: فان هذا الإنسان كان من أعلم أهل زمانه، ولم يرفعه الله بعلمه، فالرفعة بالعلم قدر زائد على مجرد تعلمه.
والرافع هو الله تعالى، يرفع عبده، إذا شاء، بما آتاه من العلم، وإن لم يرفعه الله، فهو موضوع لا يرفع أحد به رأسًا.

اللهم اعصمنا ،وثبت أقدامنا ، وأفرغ علينا صبراً , وتوفنا مسلمين



No comments:

Post a Comment