Saturday 19 August 2017

تفسير وربط للآيات- وبيان المتشابهات -سورة الصف ج 2 – عيسى عليه السلام مبشراً بخاتم الأنبياء أحمد ﷺ

  


 




سورة الصف ج 2 – عيسى عليه السلام مبشراً بخاتم الأنبياء أحمد


وقوله جل وعلا: ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) يعني:التوراة قد بَشَّرَت بي، وأنا مصداقُ ما أخبرت عنه، وأنا مُبَشّر بمن بعدي، وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي أحمد، فعيسى عليه السلام وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشرًا بمحمد، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده ولا نبوة.
قوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أي واذكر لهم هذه القصة أيضا، وقال: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ولم يقل عيسى عليه السلام « يا قوم » كما قال موسى؛ لأنه لا نسب له فيهم فيكونون قومه، لأن الشخص ينسب لقوم أبيه ، ولا أب له، وهو وإن كان نسب أمه في بني إسرائيل، وعيسى عليه السلام خاطب بني إسرائيل لأنه مبعوث لهم، قال: ( إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ) أي جئتكم بالإنجيل ( مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) لأن في التوراة بشرت بعيسى عليه السلام، وفيها صفته، وقال عيسى عليه السلام :أني لم آتكم بشيء يخالف التوراة فتنفروا عني،ولكني لكم ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ ) ( مُصَدِّقًا)، ( وَمُبَشِّرًا ) نصب على الحال؛ والعامل فيها معنى الإرسال، ( يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) و ( أَحْمَدُ ) من أسماء نبينا ﷺ. قال ابن عباس: ما بعث اللّه نبياً إلا أخذ عليه العهد، لئن بعث محمد وهو حي ليتبعنه، وأخذ عليه أن يأخذ على أُمّته لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه، كما قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران ٨١)

الفرق بين معنى اسمي نبينا أحمد ومحمد :

أحمد : وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل؛ فتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل. فمعنى ( أَحْمَدُ ) أي أحمد الحامدين لربه، والأنبياء صلوات الله عليهم كلهم حامدون الله، ونبينا أحمدهم، أي أكثرهم حمدا.
وأما محمد:  فمنقول من صفة أيضا، وهي في معنى محمود؛ ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة. كما أن المكرم من الكرم مرة بعد مرة. وكذلك الممدح ونحو ذلك، فاسم محمد مطابق لمعناه.
 والله سبحانه سماه قبل أن يسمي به نفسه، فهذا علم من أعلام نبوته، إذ كان اسمه صادقا عليه؛ فهو محمود في الدنيا لما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ.

لمَ ذكر اسم نبينا في التوراة و الإنجيل ( أَحْمَدُ) وليس محمد؟
لم يكن نبينا محمدا حتى كان من قبل أحمد، ذلك انه حمد ربه حمداً، حتى صار أفضل الحامدين، فنبأه وشرفه بالرسالة الخاتمة، فصار يحمد على صفاته وأفعاله، حمداً متكرراً فهو محمود في الأرض وفي السماء؛ فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقال: ( اسْمُهُ أَحْمَدُ ). وذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه: تلك أمة أحمد، فقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد.( الحديث ضعيف جدا – أو موضوع)
 فبأحمد ذكره ربه قبل أن يذكره بمحمد، لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل، وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته. وروي عنه أنه قال: ( اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبدة الأوثان واسمي في الإنجيل أحمد واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض ) ( منكر – موضوع)  وفي الصحيح عن المطعم بن الجبير: " لي خمسةُ أسماءٍ : أنا محمَّدٌ ، وأحمدً ، وأنا الماحي الَّذي يمحو اللهُ بي الكفرَ ، وأنا الحاشرُ الَّذي يُحشَرُ النَّاسُ على قدمي ، وأنا العاقِبُ" لفظ البخاري

فضائل سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم المذكورة في الكتب السابقة:

قال رسول الله : " إنِّي عندَ اللهِ مكتوبٌ خاتمُ النَّبييِّنَ، وإنَّ آدمَ لمنجَدلٌ في طينتِه، وسأخبرُكم بأوَّلِ أمري : دَعوةُ إبراهيمَ ، وبِشارةُ عيسَى ، ورؤيا أمِّي الَّتي رأَت - حين وضعَتني - وقد خرج لها نورٌ أضاءَت لها منه قصورُ الشَّامِ  " ( تخريج مشكاة المصابيح  عن العرباض بن سارية– صححه الألباني)
عن عطاء بن يسار يقول: لقِيتُ عبدَ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العَاصِ رضِيَ اللهُ عنهمَا : قلتُ : أخبِرنِي عن صفةِ رسولِ اللهِ في التورَاةِ ، قالَ : أَجَلْ ، واللهِ إنَّهُ لموصوفٌ في التورَاةِ ببعضِ صِفَتِهِ في القرآنِ : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) ، وحِرْزًا للأُمِّيِّينَ ، أنتَ عَبْدِي ورَسُولِي ، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ ، ليسَ بِفَظٍّ ولا غَلِيظٍ ، ولا سَخَّابٍ في الأسْوَاقِ ، ولا يَدْفَعُ بالسَّيئَةِ السَّيِّئَةَ ، ولكنْ يعفُو ويغْفِرُ ، ولنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حتى يقِيمَ بهِ المِلَّةَ العوجَاءَ، بأنْ يقولوا : لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويفْتَحُ بهَا أعْيُنًا عُمْيًا، وآذَانًا صُمًا ، وقُلُوبًا غُلْفًا "( رواه البخاري)

شرح صفاته في الحديث:   ( من موقع الدرر السنية الإلكتروني)

( شاهدًا ) لأُمَّتِك المؤمنين بتَصديقِهم، وعلى الكافِرينَ بتَكذِيبِهم، وَ(ومُبَشِّرًا) للمُؤمنينَ و(ونَذيرًا) للكافِرينَ، أو مُبَشِّرًا للمُطيعِينَ بالجَنَّةِ ونَذيرًا للعُصاةِ بالنَّارِ، أو شاهدًا للرُّسلِ قبلَه بالبَلاغِ، «وحِرزًا» أي: حِصنًا، «للأُمِّيينَ» للعَرَبِ يَتحصَّنونَ به مِن الشَّيطانِ أو مِن سَطْوَةِ العَجَمِ وتَغَلُّبِهم، وسُمُّوا أُمِّيِّينَ؛ لأنَّ أَغلَبَهم لا يَقرؤونَ ولا يَكتُبونَ، «أنت عَبدِي ورَسولي سَمَّيتُك المُتوكِّلَ» أي: المُتوَكِّلَ على اللهِ؛ لقَناعتِه باليَسيرِ مِنَ الرِّزقِ، واعتِمادِه على اللهِ في النَّصرِ والصَّبرِ على انتظارِ الفَرجِ، والأخذِ بمَحاسنِ الأَخلاقِ واليَقينِ بتَمامِ وَعْدِ اللهِ، فَتَوَكَّلَ عليه فسَمَّاه المُتوكِّلَ، «ليس بِفَظٍّ» أي: ليس بسَيِّئِ الخُلُقِ جافيًا، «ولا غَليظٍ» أي: قَاسي القَلبِ.
«ولا سَخَّابٍ في الأسواقِ» أي: لا يَرفَعُ صَوتَه على النَّاسِ لسُوءِ خُلُقِه، ولا يُكثِرُ الصِّياحَ عليهم، بل يُلينُ جانِبَه لهم ويَرفُقُ بهم، «ولا يَدفَعُ بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ولكن يَعفو ويَغفِرُ»، وذلك ما لم تُنتْهَكْ حُرماتُ اللهِ تعالى، «ولن يَقبِضَه اللهُ حتَّى يُقيمَ به المِلَّةَ العَوجَاءَ» أي: مِلَّةَ إبراهيمَ، فإنَّها قدِ اعوَجَّت في أيَّامِ الفَترَةِ، فزِيدَ فيها ونُقِصَ منها، وغُيِّرَت عن استِقامَتِها وأُمِيلَت بَعدَ قَوامِها، وما زالت كذلك حتَّى قامَ الرَّسولُ فأقامَها «بأنْ يَقولوا: لَا إلَه إلَّا اللهُ، ويَفتَحُ بها» أي: بكَلِمَةِ التَّوحيدِ، «أَعيُنًا عُميًا وآذانًا صُمًّا وقُلوبًا غُلْفًا» أي: إنَّ النَّبيَّ يَهدي به اللهُ الأعيُنَ العُمْيَ والآذانَ الصُّمَّ والقُلوبَ الغُلْفَ، وهي الَّتي عليها غِشاوَةٌ.

عودة للتفسير:

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ) قيل عيسى. وقيل: محمد وهو أولى، قال ابن جريج، ( فَلَمَّا جَاءَهُم ) أحمد أي المبشر به في الأعصار المتقادمة المنوه بذكره في القرون السالفة، لما ظهر أمره وجاء بالبينات قال الكفرة والمخالفون ( قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ )، قرأ الكسائي وحمزة « ساحر » نعتا للرجل.
يقول تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ ) أي:لا أحد أظلم ممن يفتري الكذب على الله ويجعل له أندادا وشركاء، وهو يدعى إلى التوحيد والإخلاص؛ هذا تعجب ممن كفر بعيسى ومحمد بعد المعجزات التي ظهرت لهما. وقرأ طلحة بن مصرف (وَهُوَ يُدْعَى) بفتح الياء والدال وشدها وكسر العين ( يَدَّعِي )، أي ينتسب. ويدَّعي وينتسب سواء ( وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) أي من كان في حكمه أنه يختم له بالضلالة .


لمسات بيانية في قوله تعالى:   (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ)

قوله تعالى( الْكَذِبَ) بالتعريف بالألف واللام وسائر المواضع في القرآن: )افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا( نكرا غير معرفة بالألف والام .
قال د. السامرائي: التعريف في النحو هو ما دلّ على شيء معيّن ( إزالة الإشتراك عن الشيء) أما التنكير فهو عام، في الآيات القرآنية التي وردت كلمة (الكذب) فيها بالتعريف هي آيات خاصة بأمر معين،  أما التي وردت فيها كلمة (كذب) بالتنكير فهي تتعلق بأمر عام.
 مثال في استخدام كلمة (الكذب) بالتعريف في القرآن قوله تعالى في سورة آل عمران (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(94)) الكذب هنا متعلق بالمسألة في الآية- وهي تحريم بعض الطعام على بني إسرائيل، فالكذب المقصود ليس أي كذب، بل هو خاص بهذه الكذبة التي كذبها بنو إسرائيل على سيدنا يعقوب عليه السلام.
 أما في قوله تعالى في سورة الكهف (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً )( 15) ليس هناك أمر خاص، ولا يشير لكذبة معينة،  وإنما هو أمر عام، في أي كذب، لذا جاءت كلمة (كذب) بالتنكير.
والسبب في المعنى: أن المراد بآية الصف: كذب خاص وهي تكذيب النصاري واليهود بمحمد بعد أن وصف لهم ، وبُشر به في التوراة والإنجيل، وجعلهم البينات التي جاء بها النبي سحرا.
والمراد في بقية المواضع: أي كذب كان، وعرفة بالعطف عليه فقال: ( أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ) (أَوْ قال أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ) وشبه ذلك. اهـ.


عودة للتفسير:

ثم قال: ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ) أي:يحاولون أن يَرُدّوا الحق بالباطل، ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس بفيه، وكما أن هذا مستحيل كذلك ذاك مستحيل ؛ ولهذا قال: ( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)

متشابه:

قوله تعالى في هذه السورة : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ )، وفي سورة ( براءة ) قوله: ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ( التوبة 32)

في اللغة:

الإطفاء هو الإخماد، يستعملان في النار، ويستعملان فيما يجري مجراها من الضياء والظهور،  ويفترق الإطفاء والإخماد من وجه؛ وهو أن الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والإخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل؛ فيقال: أطفأت السراج؛ ولا يقال أخمدت السراج.
وفي  قوله: (  نُورَ اللَّهِ ) في تأويلها خمسة أقاويل: أحدها: أنه القرآن؛ يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول؛ قاله ابن عباس وابن زيد. والثاني: إنه الإسلام؛ يريدون دفعه بالكلام؛ قاله السُّدي.
الثالث: أنه محمد ؛ يريدون هلاكه بالأراجيف؛ قاله الضحاك.
الرابع: حجج الله ودلائله؛ يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم.
الخامس: أنه مثل مضروب؛ أي من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلا ممتنعا فكذلك من أراد إبطال الحق.

سبب نزول هذه الآية :

ما حكاه عطاء عن ابن عباس: أن النبي ،أبطأ عليه الوحي أربعين يوما؛ فقال كعب بن الأشرف: يا معشر اليهود، أبشروا! فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتم أمره؛ فحزن رسول الله ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية واتصل الوحي بعدها (ضعيف، أو لم يثبت ).
 وقال تعالى بعدها: ( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)  أي بإظهاره في الآفاق. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) مجرور بالإضافة على نية الانفصال؛ كقوله تعالى: ( كل نفس ذائقة الموتِ ) [ آل عمران 185 ] وشبهه، الباقون ( مُتِمُّ نُورَهُ) لأنه فيما يستقبل؛ فعمل، (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)  من سائر الأصناف فكل أهل الكفر سواء.
ومنهم من يقول:أنـزلت في شأن القتال، يقول الرجل: قاتلت ، ولم يقاتل، ويقول: طعنت  ولم يطعن،  وضربت  ، ولم يضرب وصبرت  ، ولم يصبر.
وقال قتادة، والضحاك:نـزلت توبيخًا لقوم كانوا يقولون: « قتلنا، ضربنا، طعنا، وفعلنا »  ولم يكونوا فعلوا ذلك.

لمسات بيانية في الآية:

*ما سبب الإختلاف بين الآيتين (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) التوبة) و (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) الصف) ؟ ( د. فاضل السامرائي)
في آية سورة التوبة، الحديث عن اليهود والنصارى أنهم غيروا ما في كتبهم، وحرفوا فيها والتحريف كان في منهجهم هم فلما كان التحريف في منهجهم وهم يعلمون أنهم حرفوا كتبهم فلم يأت بالتأكيد بل قال : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِم )ْ هذا نوع من محاولة إطفاء نور الله أي دين الله،  ويأبى الله إلا أن يتم نوره بإرسال محمد ﷺ،  لكن في سورة الصف ؛ هم كذبوا بمحمد وهو مبشر به في كتبهم، فأكد على هذا التكذيب بـ لام التأكيد: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا) فيه نوع من الإصرار من قبلهم للإطفاء كأنما يريدون بفعلهم هذا أن يصلوا إلى إطفاء نور الله، إلى حجب الإسلام ففيها نوع من التأكيد. (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) وللرد عليهم إستعمل إسم الفاعل ( مُتِمُّوالإسم أثبت وآكد من الفعل فناسب هذا التأكيد، لما جاء باللام جاء بكلمة (مُتِمُّ نُورِهِ) ، وفي قراءات أخرى ( مُتِمٌ نورِهِ) بالتنوين.

الفرق في المعنى بين  متمُ نوره ، متمٌ نوره:

عندما يقول متمُ نوره : بالضم بمعنى أن الأمر وقع، ولكن قوله ( متمٌ نوره) بالتنوين تعني المستقبل، أن إتمام النور سيقع.
 بعض النحويين أراد أن يبين حاجة الفقه إلى النحو فجاء بهذه الحزورة الفقهية:

حزورة فقهية:

سأل أحدهم إذا قال لك فلان أنا:  قاتلُ زيد ، أو قال لك:  أنا قاتلٌ زيد ، فماذا تقول؟ قال في الحالين آخذ به فهو اعتراف بالقتل، قال لا إذا قال أنا قاتلُ يعترف على نفسه بالقتل،  لكن لو قال أنا قاتلٌ زيد فهذا تهديد بالقتل أنه سيفعل ذلك في المستقبل.
فإذاً ...متمُ نوره إشارة إلى وقوعه ووقوع بداياته بإرسال الرسول ﷺ.
بينما: ومتمٌ نوره ، إشارة إلى استمرار نزول الآيات على الرسول في المستقبل أي لم يتوقف الوحي، في الجمع بين القراءتين معناه أنه تعالى بدأ في إتمام نوره وهو ماضٍ في هذا الإتمام مدة حياة النبي حاضراً ومستقبلاً بإظهار آيات الكون، فجمع القراءتان أولى لأنه يعطي الصورتين ، وكلاهما صحيح، لذا نقول نحاول أن نجمع بين القراءتين.( د. النعيمي )

عودة للتفسير:

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) أي أرسل محمدا بالحق والرشاد، ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)  أي بالحجج. ومن الظهور الغلبة باليد في القتال؛ وليس المراد بالظهور ألا يبقى دين آخر من الأديان، بل المراد يكون أهل الإسلام عالين غالبين، ومن الإظهار ألا يبقى دين سوى الإسلام في آخر الزمان. قال مجاهد: وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلا دين الإسلام. وقال أبو هريرة: ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) بخروج عيسى. وحينئذ لا يبقى كافر إلا أسلم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : " واللهِ ! ليَنزِلَنَّ ابنُ مريمَ حَكَمًا عادلًا . فلَيَكسِرَنَّ الصليبَ . ولَيَقتُلَنَّ الخِنزيرَ . ولَيَضَعَنَّ الجِزيَةَ . ولَتُترَكَنَّ القِلاصُ فلا يُسعَى عليها،  ولَتَذْهَبَنَّ الشَّحناءُ والتَّباغُضُ والتَّحاسُدُ ، ولَيُدعَوُنَّ ( ولَيَدعُوَنَّ ) إلى المالِ فلا يَقبَلُه أحدٌ " ( صحيح مسلم)، ومعنى الحديث: أن نزولُ عيسى ابنِ مريمَ عليه السَّلام هو من علامات الساعة، فإنَّه ينزلُ آخِرَ الزَّمانِ كما أخبَرَ وقدْ أوشكَ على النُّزولِ، أي: اقتربَ، فيكونُ حَكَمًا عدلًا بَيْنَ النَّاسِ، فَيكسِرُ الصَّليبَ؛ إشارةً إلى بُطلانِ دِينِ النَّصارى وما ادَّعَوْه كذبًا عليه، ويضعُ الجزيةَ، يعني: يَحمِلُ النَّاسَ كلَّهم على الدخولِ في الإسلامِ، فلا يبقَى أحدٌ يدفعُ الجزيةَ، أو أنَّه لا يأخذُ جِزيةً؛ لِوفرةِ المال وانعدامِ الفُقراءِ، ويَفيضُ المالُ فلا يقبلُه أحدٌ حتَّى تكون السَّجدةُ خيرًا مِنَ الدُّنيا وما فيها؛ لأنَّهم حينئذٍ لا يَتقرَّبون إلى اللهِ إلَّا بالعِباداتِ لا بِالتَّصدُّقِ بالمالِ، ولَتُترَكَنَّ القِلاصُ فلا يُسعَى عليها؛  والقلاص تعني الإبل أو الفتية من الإبل، وفي هذا إشارة إلى ترك ركوب الإبل، والرغبة عنها إلى غيرها، وقوله هذا من الحديث بالغيب وبما سيكون، وهو من معجزاته ﷺ، ولقد رأينا في هذا الزمان تعطل الجمال عن حمل الأمتعة، واستخدام وسائل مواصلات الحديثة.
ثُمَّ قال أبو هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه -راوي الحديث-: اقرؤوا إنْ شِئتم: ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) (النساء: 159)
 وقيل: ( لِيُظْهِرَهُ)  أي ليطّلع محمدا على سائر الأديان؛ حتى يكون عالما بها عارفا بوجوه بطلانها، وبما حرفوا وغيروا منها. ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) أي الأديان؛ لأن الدين مصدر يعبر به عن جمع.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعل كلمة الدين ، واجعل المسلمين على من عاداهم ظاهرين، اللهم ومن أراد بالإسلام خيراً فوفقه لكل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شراً فخذه أخذ عزيز مقتدر

No comments:

Post a Comment