Wednesday 23 August 2017

شرح حديث نبوي شريف:" إنَّ لله تِسعة وتسعين إسماً مئة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة" متفق عليه

 


 




شرح حديث  نبوي شريف

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ).


مسائل تؤخذ من الحديث : 


أولا: هل أسماءه سبحانه وتعالى محصور في التسع والتسعين ؟

استدل بعض العلماء (كابن حزم رحمه الله) بهذا الحديث على أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد .
وغالب أهل العلم لم يوافقوا ابن حزم على قوله هذا ، بل نقل بعضهم (كالنووي) اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد . ودليلهم على أن أسماء الله تعالى غير محصورة بهذا العدد ما رواه الإمام أحمد  عن عبد الله بن مسعود قَالَ : قَالَ رسولُ اللَّهِ : " مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا " (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (
فقوله : " أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ " دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما استأثر به في علم الغيب عنده ، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه ، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين .
وكذلك ما ورد في الحديث الصحيح : " اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ برضاكَ مِن سخَطِك وبمعافاتِك مِن عقوبتِك وأعوذُ بك منك ، لا أُحصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنَيْتَ على نفسِك" ( رواه ابن ماجة  عن  عائشة رضي الله عنها – وصححه الألباني)
فأخبر أنه لا يحصى ثناء عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصى الثناء عليه لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه.

ومثله قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"، قال: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً فَوْقَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ .
وقَالَ الخطابي وغيره: فهذا يدل على أنَّ لهُ أسماء استأثر بها ، ويدلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : " إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " أَنَّ فِي أسمائهِ تسعَةً وَتسْعين منْ أَحْصَاهَا دخل الجنَّة، كَمَا يقول القائل : إنَّ لِي ألف درهم أَعدَدتها لِلصّدقةِ وَإِن كَان ماله أَكثرَ مِن ذلكَ . وَقال الله تعالى في كتابه العزيز : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) فَأَمَرَ أَنْ ييُدعى بأسمائه الحسنى مطلقاً ، وَلَمْ يَقُلْ : لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى إلا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا اهـ .
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى ، فليس معناه : أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنّما المقصود أنَّ هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإِحصائها ، لا الإخبار بحصر الأسماء أهـ.

ثانياً: معنى من أحصاها:

واختلف العلماء في معنى قوله : من أحصاها ، فقال البخاري وغيره من المحققين : معناه حفظها ، وأن إحدى الروايتين مفسرة للأخرى . وقال الخطابي : يحتمل وجوها :
أحدها : أن يعُدها حتى يستوفيها ، بمعنى أن لا يقتصر على بعضها فيدعو الله بها كلها ، ويثني عليه بجميعها ، فيستوجب الموعود عليها من الثواب .

وثانيها : المراد بالإحصاء الإطاقة ، والمعنى : من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها ، وهو أن يعتبر معانيها ، فيلزم نفسه بمواجبها ، فإذا قال الرزاق ، وثق بالرزق ، وكذا سائر الأسماء .

ثالثها : المراد بها الإحاطة بجميع معانيها .

ورابعها: وقيل أحصاها عمل بها ، فإذا قال الحكيم ؛ سَلِّم لجميع أوامره وأقداره ، واعلم أنها جميعها على مقتضى الحكمة، وإذا قال القدوس ؛ استحضر كونه مقدسا منزها عن جميع النقائض ، واختاره أبو الوفاء بن عقيل .
وزاد ابن بطال فقال: طريق العمل بها أن ما كان يسوغ الاقتداء به كالرحيم والكريم فيمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها ، يعني فيما يقوم به ، وما كان يختص به نفسه كالجبار والعظيم ، فعلى العبد الإقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها ، وما كان فيه معنى الوعد ، يقف فيه عند الطمع والرغبة ، وما كان فيه معنى الوعيد ، يقف منه عند الخشية والرهبة ا هـ .( وهذا كلام جميل يستحق الأخذ والتفكر به)

رابعاً: ما هو الإلحاد في أسماء الله  تعالى؟


الإلحاد في أسماء الله يكون إما :
1-        بجحدها، فينكر أن لله أسماء حسنى ، وأن الله تعالى متصف بها .
2-         أو إنكار معانيها.
3-        أو بتسميته سبحانه بما لم يسم به نفسه، وهذه مسألة مهمة؛ فلا يجوز أن يُسمى الله باسم عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه، فلا يجوز تسميته بنَّاء، ولا ماكراً، ولا مستهزئاً؛ أخذاً من قوله تعالى: (والسَّماء بنيناها بأيدٍ) (الذاريات 47 )، وقوله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّـهُ ) (آل عمران٥٤) ، وقوله: (اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) (البقرة: ١٥)، ولا يجوز تسميته: زارعاً ولا ماهداً، ولا فالقاً، ولا منشئاً، ولا قابلاً، ولا شديداً، ونحو ذلك؛ أخذاً من قوله تعالى: ( أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة 64)، وقوله: ( فنعم الماهدون) (الذاريات 48)، وقوله: ( أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ) (الواقعة)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ) (الأنعام 95)، وقوله: (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ) (37)؛ لأنها لم تستعمل في هذه النصوص إلا مضافة، وفي إخبار على غير طريق التسمي، لا مطلقة، فلا يجوز استعمالها إلا على الصفة التي وردت عليها في النصوص الشرعية. فمن ثمة لم يجز أن يطلق عليه لفظ العارف لأن المعرفة قد يراد بها علم يسبقه غفلة ، وهكذا في أمثاله.
فيجب ألا يعبَّد في التسمية إلا لاسم من الأسماء التي سمى بها نفسه صريحاً في القرآن، أو سماه بها رسوله فيما ثبت عنه من الأحاديث، كأسمائه التي في آخر سورة الحشر، والمذكورة أول سورة الحديد، والمذكورة في سور أخرى من القرآن.
4-        ومن الإلحاد في أسمائه جل وعلا تسمية غيره بها، فلا يسمى أحدا الخبير ، والخلاق ...، وتوعد من خالف في ذلك بسوء العذاب. وقد سمى الله نفسه بأسماء في محكم كتابه، وفيما أوحاه إلى رسوله من السنة الثابتة.

خامساً: أسماء الله تعالى توقيفية:


قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله : القاعدة الخامسة: أسماء الله تعالى توقيفية، لا مجال للعقل فيها:
وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولا) (الإسراء36)،  وقوله: (قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(الأعراف33 )، ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص.)ا.هـ
فأسماء الله توقيفية فلا مجال للعقل فيها باشتقاقها أو إدراكها بالعقل بل هم في ذلك وقافين عند نصوص الكتاب والسنة .
ثم ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى انواع الالحاد قال :
"الثالث: أن يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له: (الأب)، وتسمية الفلاسفة إياه (العلة الفاعلة، أو القوة العظمى)، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، كما أن هذه الأسماء التي سموه بها نفسها باطلة ينزه الله تعالى عنها".أهـ

No comments:

Post a Comment