Monday 23 April 2018

الأمثال في القرآن – المثل الثالث والعشرون- سورة النحل- أد شكر نعم لله عليه ، ولا تجحدها وتتبطر عليها فيذهبها مانحها




 




الأمثال في القرآن - سورة النحل-
أد شكر نعم لله عليك ، ولا تجحدها وتتبطر عليها فيذهبها مانحها


ما زلنا في سورة النحل " سورة النعم "، نتتبع أمثالها  العظيمة، ذات العبر لمن اعتبر ، ومثل اليوم لمن وعاه عبرة يعتبر بها حال بلاد المسلمين في هذا الزمان، ليعرف لم آل بهم المآل إلى هذا الحال ؟ بأي ذنب تبدلت نعم الله عليهم إلى محق وخراب، إنها سنة الله في خلقه ، ولا مبدل لسنته ،فهل من متعظ ؟  ولا حول ولا قوة إلا بالله

قال تعالى :ـ

( وَضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْ‌يَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِ‌زْقُهَا رَ‌غَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَ‌تْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ﴿ النحل 112﴾
تفسير الآية:

(الْقَرْ‌يَةَ ) اسم للبلد التي يكون بها قِرىً لمن يمرُّ بها، أي: بلد استقرار،  وهي اسم للمكان فإذا حُدِّث عنها يراد المكين( الساكن ) فيها، كما في قوله تعالى:
(وَاسْأَلِ الْقَرْ‌يَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ‌ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ )( يوسف ٨٢ )
فالمراد: اسأل أهل القرية؛ لأن القرية كمكان لا تُسأل.. هكذا قال علماء التفسير، على اعتبار أن في الآية مجازاً مرسلاً علاقته المحلية.
وقوله تعالى: ( كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً ) آمنةً: أي في مَأْمَن من الإغارة عليها من خارجها، والأمن من أعظم نِعَم الله تعالى على البلاد والعباد.
وقوله: (  مُّطْمَئِنَّةً )   أي: لديها مُقوِّمات الحياة، فلا تحتاج إلى غيرها، فالحياة فيها مُستقرَّة مريحة، والإنسان لا يطمئن إلا في المكان الذي يجد فيه كل مقومات الحياة، فالأمن والطمأنينة هما سِرُّ سعادة الحياة واستقرارها، وحينما امتنَّ الله تعالى على قريش قال:
 (  لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ  )  

فطالما شبعت البطن، وأمنتْ النفس استقرت بالإنسان الحياة.
والرسول يعطينا صورة مُثْلى للحياة الدنيا، فيقول: ( من أصبح معافًى في بدنِهِ آمِنًا في سِربهِ عنده قوتُ يومِهِ فكأنَّما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرِها) ( تخريج مشكاة المصابيح- حديث حسن)
وأهل هذه القرية بعد أن تمَّتْ لهم النعمة واكتملتْ لديهم وسائل الحياة الكريمة الآمنة الهانئة، فماذا كان منهم؟ هل استقبلوها بشكر الله؟ هل استخدموا نعمة عليهم في طاعته ومَرْضاته؟ لا.. بل:( فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ.. )
أي: جحدت بهذه النعم، واستعملتها في مصادمة منهج الله وشريعته، فكانت النتيجة:(  فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )، وكان رسول الله دعا على مشركي قريش وقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف".( رواه البخاري عن أبي هريرة )، وقوله: اللَّهمَّ اشْدُد "وَطْأَتَك"، أي: عُقوبَتَك عَلى كُفَّارِ قُرَيْش أولاد مُضَرَ، القَبيلة المَشْهورة الَّتي مِنها جَميعُ بُطونِ قُرَيْش وغَيرهم، اللَّهمَّ اجْعَلْها، أي: عُقوبتَك سِنينَ مُجدِبة كَسِنيِّ يُوسُفَ، فَيَكونُ المَعنى هُنا هو الدُّعاء عليهم بالقَحْطِ العَظيمِ، فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام، ووجه إليهم رسول الله طعاما ففرق فيهم.، وهذا جزاء من كفر النعم، وبطرها فلم يشكرها.

من أريد بهذا المثل ؟
قال أهل التفسير ،ابن عباس، ومجاهد وقتادة والزهري رحمهم اللّه.:ـ هذا مثل أريد به أهل مكة؟ فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمناً لا يخاف، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا)( القصص 57) ، وهكذا قال هاهنا: ( يَأْتِيهَا رِ‌زْقُهَا رَ‌غَدًا) ، أي هنيئاً سهلاً، (ِّمن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَ‌تْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ)  أي جحدت آلاء اللّه عليها وأعظمها بعثة محمد إليهم، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) ( إبراهيم 28) ولهذا بدلهم اللّه بحاليهم الأولين خلافهما، فقال:(  فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) أي ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليها ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وذلك أنهم استعصوا على رسول اللّه ، وأبوا إلا خلافه، فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم، فأكلوا العِلهز، والعِلْهِزُ بالكسر: طعامٌ كانوا يتَّخذونه من الدم ووبرِ البعير في سني المجاعة، وقوله: (وَٱلْخَوْفِ) وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفاً من رسول اللّه وأصحابه، حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه، وجعل كل ما لهم في دمار وسفال، حتى فتحها اللّه على رسوله وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول الذي بعثه اللّه فيهم منهم وامتن به .

الفوائد :ـ

- قوله تعالى:  ( فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ ) من الذوق، نقول: ذاق وتذوَّق الطعام إذا وضعه على لسانه وتذوَّقه. والذَّوْق لا يتجاوز حلمات اللسان. إذن: الذوْق خاصٌّ بطعْم الأشياء، لكن الله سبحانه لم يقُلْ: أذاقها طعم الجوع، بل قال:( لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ )
فجعل الجوع والخوف وكأنهما لباسٌ يلبسه الإنسان، والمتأمل في الآية يطالع دقّة التعبير القرآني، فقد يتحول الجوع والخوف إلى لباس يرتديه الجائع والخائف، كيف ذلك؟
الجوع يظهر أولاً  كإحساس في البطن، فإذا لم يجد طعاماً عوّض من المخزون في الجسم من شحوم، فإذا ما انتهتْ الشحوم تغذَّى الجسم على اللحم، ثم بدأ ينحت العظام، ومع شدة الجوع نلاحظ على البشرة شحوباً، وعلى الجلد هُزَالاً وذبولاً، ثم ينكمش ويجفّ، وبذلك يتحول الجوع إلى شكل خارجي على الجلد، وكأنه لباس يرتديه الجائع،  وتستطيع أن تتعرف على الجوع ليس من بطن الجائع، ولكن من هيئته وشُحوب لونه وتغيُّر بشرته.
وكذلك الخوف وإنْ كان موضعه القلب، إلا أنه يظهر على الجسم كذلك، فإذا زاد الخوف ترتعد الفرائص، فإذا زاد الخوف يرتعش الجسم كله، فيظهر الخوف عليه كثوب يرتديه.
وهكذا جَسَّد لنا التعبير القرآني هذه الأحاسيس الداخلية، وجعلها محسوسة تراها العيون، ولكنه أدخلها تحت حاسَّة التذوق؛ لأنها أقوى الحواسّ.
وفي تشبيه الجوع والخوف باللباس ما يُوحي بشمولهما الجسم كله، كما يلفّه اللباس فليس الجوع في المعدة فقط، وليس الخوف في القلب فقط. ( تفسير الشيخ الشعراوي رحمه الله )
- في الآية تحذيرٌ من الحق سبحانه لكل مجتمع كفر بنعمة الله، واستعمل النعمة في مصادمة منهجه سبحانه، فسوف تكون عاقبته كعاقبة هؤلاء.

اللهم اهد المسلمين للعمل لما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، واجعل بلادهم بلاد أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، وغير حالهم إلى خير منه ، يهابهم عدوه ، ويأمن عندهم من والاهم
 


No comments:

Post a Comment