Sunday 8 April 2018

تفسير وربط للآيات وبيان للمتشابهات- سورة القلم ج3- أقوال المفسرين في قوله تعالى( يوم يكشف عن ساق )





تفسير سورة القلم ج3-  افنجعل المسلمين كالمجرمين – أقوال العلماء في قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ }:


قوله تعالى { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } أي:  إن للمتقين في الآخرة جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص، لا يشوبه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا.
وكان صناديد قريش يرون وفور حظهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها؛  فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المؤمنين قالوا : إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا، وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا، وأقصى أمرهم أن يساوونا. فقال الله تعالى: { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} أي كالكفار. وقال ابن عباس وغيره : قالت كفار مكة : إنا نعطى في الآخرة خيرا مما تعطون؛ فنزلت { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} ، ثم وبخهم فقال:  { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج؛ كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم أن لكم من الخير ما للمسلمين. { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } أي لكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصي. { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } تختارون وتشتهون.

فائدة لغوية:

والمعنى : أن لكم بالفتح ولكنه كسر لدخول اللام الجارة؛ تقول علمت أنك عاقل بالفتح، وعلمت إنك لعاقل بالكسر

قيل : تم الكلام عند قوله { تَدْرُسُونَ } ثم ابتدأ فقال { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } أي إن لكم في هذا الكتاب إذا ما تخيرون؛ أي ليس لكم ذلك. والكناية في { فيه} الأولى والثانية راجعة إلى الكتاب. قوله تعالى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } أي عهود ومواثيق. { عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } مؤكدة. والبالغة المؤكدة بالله تعالى – بالحلف بالله تعالى-. أي أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة. { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } أي أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون،  وقيل : تم الكلام عند قوله { إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ثم قال { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ إذا؛ أي ليس الأمر كذلك.
قوله تعالى { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ } أي سل يا محمد هؤلاء المتقولين على الله : أيهم كفيل بما تقدم ذكره، أي قل لهم من هو المتضمن المتكفل بهذا! وهو أن لهم من الخير ما للمسلمين. والزعيم : الكفيل والضمين؛ قال ابن عباس: الزعيم هنا القائم بالحجة والدعوى. وقال الحسن : الزعيم الرسول.
{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ } أي: ألهمزه والميم صلة. { شُرَكَاءُ} أي شهداء. { فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ } يشهدون على ما زعموا. { إِن كَانُوا صَادِقِينَ } في دعواهم. وقيل : أي فليأتوا بشركائهم إن أمكنهم؛ فهو أمر معناه التعجيز.
لما ذكر تعالى أن للمتقين عند ربهم جنات النعيم، بيَّن متى ذلك كائن وواقع ، فقال تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ } يعني يوم القيامة، وما يكون فيه من الأهوال، والبلاء والامتحان والأمور العظام.

أقوال المفسرين في قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ }:

وقال ابن عباس: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة وبأس، وعن ابن مسعود { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر: شالت الحرب عن ساق ( رواه عنهما ابن جرير رحمه اللّه) وقال ابن جرير عن مجاهد: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: شدة الأمر وجده، وقال ابن عباس قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة، وقال العوفي، عن ابن عباس قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يقول: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة.
قَدْ قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس ( يَوْم يُكْشَف عَنْ سَاق ) قَالَ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَوْم كَرْب وَشِدَّة رَوَاهُ اِبْن جَرِير .
وأورد ابن كثير في تفسيره أقوالُا عن الصحابة والتابعين كلها ترجع إلى:  شِدَّة الْأَمْر ، وأنها هِيَ أَشَدّ سَاعَة تَكُون فِي يَوْم الْقِيَامَة، أو  هُوَ:  الْأَمْر الشَّدِيد الْفَظِيع مِنْ الْهَوْل يَوْم الْقِيَامَة .
وقال القرطبي في أحكامه: الروايات التي وردت في تأويل الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما تدل على أن معنى ( الساق ) في الآية هو الشدة والبأس، وإذا عرف السبب بطل العجب إذ أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأ ( يَوْم تَكْشِف عَنْ سَاق) أي القيامة تكشف عن شدتها وبأسها ، قال القرطبي (وَقَرَأَ " اِبْن عَبَّاس " يَوْم تَكْشِف عَنْ سَاق " بِتَاءِ مُسَمَّى الْفَاعِل ; أَيْ تَكْشِف الشِّدَّة أَوْ الْقِيَامَة . عَنْ سَاقهَا قال القرطبي (وَقَرَأَ " اِبْن عَبَّاس " يَوْم تَكْشِف عَنْ سَاق " بِتَاءِ مُسَمَّى الْفَاعِل ; أَيْ تَكْشِف الشِّدَّة أَوْ الْقِيَامَة . عَنْ سَاقهَا كَقَوْلِهِمْ : شَمَّرَتْ الْحَرْب عَنْ سَاقهَا .

وفيه أيضا رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه تخالف تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذه الآية . قَالَ : " يُنَادِي مُنَادٍ يَوْم الْقِيَامَة : أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ ،  ثُمَّ صَوَّرَكُمْ , ثُمَّ رَزَقَكُمْ ،  ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْره أَنْ يُوَلِّي كُلّ عَبْد مِنْكُمْ مَا تَوَلَّى، فَيَقُولُونَ : بَلَى ،  قَالَ : فَيُمَثَّل لِكُلِّ قَوْم آلِهَتهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا ،  فَيَتَّبِعُونَهَا حَتَّى تُورِدهُمْ النَّار ، وَيَبْقَى أَهْل الدَّعْوَة ،  فَيَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَاذَا تَنْتَظِرُونَ ، ذَهَبَ النَّاس ؟ فَيَقُولُونَ : نَنْتَظِر أَنْ يُنَادَى بِنَا ،  فَيَجِيء إِلَيْهِمْ فِي صُورَة،  قَالَ : فَذُكِرَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّه ، فَيَكْشِف عَمَّا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكْشِف قَالَ : فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا إِلَّا الْمُنَافِقِينَ ، فَإِنَّهُ يَصِير فَقَار أَصْلَابهمْ عَظْمًا وَاحِدًا مِثْل صَيَاصِي الْبَقَر ، فَيُقَال لَهُمْ : ارْفَعُوا رُءُوسكُمْ إِلَى نُوركُمْ " ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّة فِيهَا طُول .
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي يقول: " يَكشِفُ ربُّنا عن ساقِه، فيَسجُدُ له كلُّ مؤمِنٍ ومؤمنةٍ، ويَبقى كلُّ مَن كان يَسجُدُ في الدُّنيا رياءً وسُمعةً، فيَذهَبُ لِيَسجُدَ، فيَعودُ ظهرُه طبَقًا واحِدًا. "  ( أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق وألفاظ، واللفظ للبخاري، وهو حديث مشهور).
فالقرطبي يخالف قول ابن عباس أن الساق هي الشدة، ويعذره في هذ التأويل – أنه قرأها " يَوْم تَكْشِف عَنْ سَاق " بِتَاءِ مُسَمَّى الْفَاعِل ; أَيْ تَكْشِف الشِّدَّة أَوْ الْقِيَامَة . عَنْ سَاقهَا- ويميل إلى القول بمنطوق الحديث الصحيح  الصريح بانه تعالى  يكشف يوم القيامة عن ساقة (" يَكشِفُ ربُّنا عن ساقِه، فيَسجُدُ له كلُّ مؤمِنٍ ومؤمنةٍ)
ويؤيد هذا القول قول ابن القيم التالي:

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"  في تأويل هذه الآية:

"الصحابة متنازعون في تفسير الآية؛ هل المراد الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد بها أنَّ الرب تعالى يكشف عن ساقه؟
ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أنَّ ذلك صفة الله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكراً، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: "فيكشف الرب عن ساقه، فيخرون له سُجَّداً"، ومن حمل الآية على ذلك؛ قال: قولـه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} مطابق لقولـه : "فيكشف عن ساقه، فيخرون له سجداً" وتنكيره للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة؛ جلت عظمتها، وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه.
وقالوا: وحمل الآية على الشِّدَّة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كُشِفَتِ الشِّدَّة عن القوم، لا كُشِف عنها، كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا كشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}، وقال: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ}؛ فالعذاب و الشِّدَّة هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشِّدَّة".

عودة للتفسير:

وقوله تعالى: { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي: ذليلة متواضعة؛  في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه، ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم، كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة. ونصبها على الحال. { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم ووجوههم أشد بياضا من الثلج. وتسود وجوه المنافقين والكافرين حتى ترجع أشد سوادا من القار.
{ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ } أي في الدنيا. { وَهُمْ سَالِمُونَ} معافون أصحاء، فلم يستجيبوا ، فمنعوا من السجود لعظمة الله تعالى يوم القيامة.

في الآية إشارة إلى عقوبة التخلف عن الجماعات في الصلاة:

قال إبراهيم التيمي في تفسير قوله: { وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ }: أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبونه. وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون.
وقال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقيل: بل هي في التخلف عن  أي بالتكليف موجه عليهم في الشرع؛ والمعنى متقارب. وكان الربيع بن خيثم قد فلج – أصابه الفالج- وكان يهادى أي يتكأ بين الرجلين إلى المسجد؛ فقيل: يا أبا يزيد، لو صليت في بيتك لكانت لك رخصة. فقال: من سمع حي على الفلاح فليجب ولو حبوا. وقيل لسعيد بن المسيب: إن طارقا يريد قتلك فتغيب. فقال: أبحيث لا يقدر الله علي؟ فقيل له: اجلس في بيتك. فقال: أسمع حي على الفلاح، فلا أجيب!

حكم التخلف عن الجماعات:

قال : « أثقلُ الصلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ ، وصلاةُ الفجرِ ، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوْهما ولو حَبْوًا ، ولقد هممتُ أن آمرَ بالصلاةِ فتقام ، ثم آمر رجلًا فيُصلِّي بالناس ، ثم أنطلِقُ معي برجالٍ معهم حِزَمٌ من حطبٍ ، إلى قومٍ لا يَشهدون الصلاةَ فأُحَرِّقُ عليهم بيوتَهم بالنَّارِ » .( صحيح الجمع للألباني – عن أبي هريرة رضي الله عنه)
 وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " ولقد رأيتُنا وما يتخلَّفُ عنها إلا منافقٌ ، معلومُ النفاقِ . ولقد كان الرجلُ يُؤتى به يُهادَى بينَ الرَّجُلَينِ حتى يُقامَ في الصَّفِّ ".
وهذا دليل على أن صلاة الجماعة من أجل الطاعات وأعظم القربات.

وفي حكم صلاة الجماعة قال ابن عثيمين رحمه الله:
لكن العلماء اختلفوا فيها- حكمها-  على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال:
إنها شرط لصحة الصلاة، أن من صلى في بيته بدون عذر شرعي فإن صلاته باطلة، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد.
ومنهم من قال: إنها فرض عين، وإن تركها يأثم.
ومنهم من قال: إنها فرض كفاية، فإذا قام بها البعض سقط عن الباقين.
ومنهم من قال: إنها مؤكدة وفسروها بأن تاركها يأثم.
وقال: والصواب أن صلاة الجماعة واجبة لا يجوز التخلف عنها، وأن المتخلف عنها آثم وعاص لله ولرسوله الذي قال: " صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً " ( صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه)
ولو كانت صلاة الفذ لا تصح ما كان فيها فضل، ولا يصح مع الجماعة يكتب له الأجر كاملاً إذا تخلف عن الجماعة لعذر.

اللهمَّ أعِنَّا على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك


No comments:

Post a Comment