Sunday 8 April 2018

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات - سورة القلم ج4 -العين حق والإيمان بالقدر واجب

 

 




تفسير سورة القلم – ج4- العين حق- والإيمان بالقدر واجب

قال تعالى: { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ } يعني القرآن، وهذا تهديد شديد أي دعني وإياه أنا أعلم كيف أستدرجه ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال تعالى: { سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}  أي: وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن ذلك من اللّه كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال تعالى: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ } ( المؤمنون55-56)، ولهذا قال ههنا: { وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي أُؤخرهم وأمدهم، وذلك من كيدي ومكري بهم، ولهذا قال تعالى: { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي عظيم لمن خالف أمري، وكذب رسلي، واجترأ على معصيتي، وهذا تسلية للنبي أي فأنا أجازيهم وأنتقم منهم.
وفي الصحيحين عن رسول اللّه أنه قال: "  إن اللهَ ليُملي للظالمِ ، حتى إذا أخذه لم يفلتْهُ . قال : ثم قرأ : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} ( أخرجه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً).
قوله تعالى { وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ} أي أمهلهم وأطيل لهم المدة. وقيل { وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ} أي لا أعاجلهم بالموت؛ والمعنى واحد.

استدراج الله للعصاة:

قال سفيان الثوري: نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر.
وقال الحسن: كم مستدرج بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالستر عليه.
وقال أبو روق: أي كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار.
وقال ابن عباس: سنمكر بهم. وقيل: هو أن نأخذهم قليلا ولا نباغتهم.

وفي اللغة :

والاستدراج : ترك المعاجلة. وأصله النقل من حال إلى حال كالتدرج. ومنه قيل درجة؛ وهي منزلة بعد منزلة.
واستدرج فلان فلانا؛ أي استخرج ما عنده قليلا.
ويقال : درجه إلى كذا واستدرجه بمعنى؛ أي أدناه منه على التدريج فتدرج هو.
( وَأُمْلِي لَهُمْ ) : الملاوة : المدة من الدهر.
وأملى الله له:  أي أطال له. والملوان : الليل والنهار.

 { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي إن عذابي لقوي شديد فلا يفوتني أحد.
وقوله تعالى: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ }  المعنى أنك يا محمد تدعوهم إلى اللّه عزَّ وجلَّ بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند اللّه تعالى، وهم يكذبون بما جئتهم به، بمجرد الجهل والكفر والعناد.فالمعنى:  ( غُرْم  ) أم تلتمس منهم ثوابا ، أو أجرًا على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله؟ فهم من غرامة ذلك مثقلون،  لما يشق عليهم من بذل المال؛ أي ليس عليهم كلفة، بل يستولون بمتابعتك على خزائن الأرض ويصلون إلى جنات النعيم.
قوله تعالى: { أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } أي علم ما غاب عنهم. { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } عن ابن عباس: الغيب هنا اللوح المحفوظ فهم يكتبون مما فيه يخاصمونك به، ويكتبون أنهم أفضل منكم، وأنهم لا يعاقبون. وقيل: { فَهُمْ يَكْتُبُونَ }  يحكمون لأنفسهم بما يريدون.

يقول تعالى: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } فاصبر يامحمد على أذى قومك لك وتكذيبهم، أي لقضاء ربك. والحكم هنا القضاء،  وقيل: فأصبر على ما حكم به عليك ربك من تبليغ الرسالة. فإن اللّه سيحكم لك ويجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة،
{وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } يعنيي لا تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة. وقال قتادة: إن الله تعالى يعزي نبيه ﷺ ،  ويأمره بالصبر ولا يعجل كما عجل صاحب الحوت؛  ذا النون وهو يونس بن متى عليه السلام حين ذهب مغاضباً على قومه، فكان من أمره ما كان من ركوبه في البحر، والتقام الحوت له، وشرود الحوت به في البحار، وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير،وقد قصل في قصته في الأنبياء ، قال تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ﴿الأنبياء87﴾ } ، قال اللّه تعالى: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }( الأنبياء 88) وقال تعالى: { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ،( الصافات 143-144) وقال ههنا: { إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } قال ابن عباس ومجاهد: وهو مغموم، أي مملوء غما. وقيل: كربا.  
قال الماوردي: والفرق بينهما أن الغم في القلب، والكرب في الأنفاس. وقيل: مكظوم محبوس. والكظم الحبس؛ ومنه قولهم: فلان كظم غيظه، أي حبس غضبه.
قوله تعالى: { لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ }
واختلف في معنى { نِعْمَةٌ } ، قال ابن جبير.  عبادته إلتي سلفت.
قال ابن زيد: نداؤه { أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }[ الأنبياء87 ] ، وهذا قريب ، فإنه من يمن الله عليه ويهديه ويريد أن يفرج همه يلهمه الدعاء في الكرب، فيستجيب له ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( إني لا أحمل هم الإجابة و لكن هم الدعاء، فإذا أتممت الدعاء – علمت أن الإجابة معه).
وقيل: نعمة الله عليه إخراجه من بطن الحوت؛ قال ابن بحر. وقيل: أي رحمة من ربه؛ فرحمه وتاب عليه.
قوله عز وجل: { لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } أي لنبذ مذموما ، ولكنه نبذ سقيما غير مذموم. ومعنى { مذموم }  مبعد من كل خير.
والعراء: الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر يستر.
وقيل: ولولا فضل الله عليه لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، ثم نبذ بعراء القيامة مذموما. يدل عليه قوله تعالى: { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الصافات: 143 ] . « فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ » أي اصطفاه واختاره. « فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ » قال ابن عباس: رد الله إليه الوحي، وشفعه في نفسه وفي قومه، وقبل توبته، وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون.
وفي الحديث أنه لما قال { لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } خرجت الكلمة تحنّ حول العرش، فقالت الملائكة: يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة، فقال اللّه تبارك وتعالى: أما تعرفون هذا؟ قالوا: لا، قال: هذا يونس، قالوا: يا رب عبدك الذي لا يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة، قال: نعم، قالوا: أفلا ترحم ما كان يعمله في الرخاء فتنجيه من البلاء، فأمر اللّه الحوت فألقاه بالعراء، ولهذا قال تعالى: { فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } ، وقد قال رسول اللّه : (لا ينبغي لأحَدٍ أن يقولَ : أنا خَيرٌ من يونُسَ بنِ مَتَّى عليهِ السَّلامُ) ( أخرجه الشيخان وأحمد عن أبي هريرة).

وقوله تعالى: { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } قال ابن عباس ومجاهد { ليزلقونك} لينفذونك { بأبصارهم} أي يحسدونك لبغضهم إياك، لولا وقاية اللّه لك وحمايته إياك منهم،  وقال ابن زيد: ليمسونك. مس الجن،  وقال الحسن وابن كيسان: ليقتلونك. وهذا كما يقال: صرعني بطرفه، وقتلني بعينه.  والمعنى الجامع: يصيبونك بالعين. والله أعلم.

في اللغة:

الزلق : بفتحتين زلل الرِجل من ملاسة الأرض من طين عليها أو دهن ، ومثله قوله تعالى: ( فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ) ﴿الكهف 40﴾  
ولما كان الزلق يفضي إلى السقوط غالبا أطلق الزلق وما يشتق منه على السقوط والاندحاض على وجه الكناية، ومنه قوله هنا ( لَيُزْلِقُونَكَ ) أي يسقطونك ويصرعونك ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد { ليزهقونك} أي ليهلكونك. وهذه قراءة على التفسير، من زهقت نفسه وأزهقها.
.
 وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر اللّه عزَّ وجلَّ:

قال رسول اللّه : (إنَّ العَينَ حقٌّ) "أخرجاه في الصحيحين"
وروى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس، عن النبي قال: (العينُ حقٌّ . ولو كان شيٌء سابقُ القدرِ سبقتْهُ العينُ وإذا استغسلتم فاغسلوا) "أخرجه مسلم".
وقوله :« ولو كان شيٌء سابقُ القدرِ سبقتْهُ العينُ »، أي: لَغَلَبَتْه العَيْنُ، والمعنى: لو أَمْكَنَ أن يَسبِقَ القَدَرَ شيءٌ، فيُؤثِّرَ في إفناءِ شيءٍ وزَوالِه قبلَ أوانِه المقدَّرِ له؛ لكان هذا الشيءُ الَّذِي يَسبِق القَدَرَ هو العَيْنَ، وحاصِلُه: أنَّ المرءَ لا يُصيبُه إلَّا ما قُدِّر له، وأنَّ العَيْنَ لا تَسبِق القَدَرَ، ولكنَّها مِن القَدَرِ؛ فالحديثُ جرَى مَجْرَى المبالَغَةِ في إثباتِ العَيْنِ، لا أنَّه يُمكِن أنْ يَرُدَّ القَدَرَ شيءٌ.

أمر رسول الله بالرقية من العين:

وقد ردت بذلك الأحاديث المروية، روى أبو داود عن أنَس قال، قال رسول اللّه : (لا رُقْيةَ إلَّا من عينٍ ، أوْ حُمَّةٍ ، أوْ دَمٍ) "رواه أبو داود".
وروى ابن ماجة، عن بريدة بن الحصيب قال، قال رسول اللّه : (لا رقية إلا من عين أو حمة) "أخرجه ابن ماجة ورواه البخاري.
حديث أسماء بنت عميس: قال الإمام أحمد، عن عبيد بن رفاعة الزرقي قال: أنَّ أسماءَ بنتَ عُمَيسٍ جاءتِ النبيَّ فقالتْ يا رسولَ اللهِ إنَّ العينَ تسرعُ إلى بني جعفرَ فَأَسْتَرْقِي لهم فقال النبيُّ استرقي لهم فلو كان شيءٌ يسبقُ القدرَ لَسبقتْه العينُ) ""أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح"".
روى ابن ماجة، عن عائشة رضي اللّه عنها : " أن رسول اللّه أمرها أن تسترقي من العين " (أخرجه الشيخان وابن ماجة)

رقية رسول الله

وعن ابن عباس قال: كان رسول اللّه يعوّذ الحسن والحسين يقول: ( أُعيذُكما بكلماتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ ومِن كلِّ عينٍ لامَّةٍ ) ثمَّ يقولُ : ( كان إبراهيمُ صلواتُ اللهِ عليه يُعوِّذُ به ابنَيْهِ إسماعيلَ وإسحاقَ) ويقول: (هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام) "أخرجه البخاري وأهل السنن".
وروى الإمام أحمد، عن جابر بن عبد اللّه: "  أن رسول اللّه اشتكى،  وأنَّ جبريلَ ، أتَى النَّبيَّ فقال : يا محمَّدُ اشتكَيْتَ ؟ قال : نعم . قال : باسمِ اللهِ أَرقِيك من كلِّ شيءٍ يُؤذِيك من شرِّ كلِّ نفسٍ وعينٍ حاسدةٍ ، باسمِ اللهِ أَرقِيك ، واللهُ يَشفِيك ""أخرجه البخاري".
ومن السنة أن يغتسل المَعين بماء وضوء العائن:
وقال أبو داود عن عائشة قالت: "  كانَ يؤمرُ العائنُ فيتوضَّأُ ثمَّ يغسلُ منْهُ المَعينُ"، (رواه أبو داود وأحمد).
 حديث سهل ابن حنيف: قال الإمام أحمد، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدّثه: أن رسول اللّه خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن الأحنف، وكان رجلاً أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة( أي كأن جلده جلد فتاة يافعة )، فلبط سهل ( أي فوقع لاحراك فيه من الإعياء)، فأتى رسول اللّه فقيل له: يا رسول اللّه هل لك في سهل؟ واللّه ما يرفع رأسه ولا يفيق، قال: (هل تَتَّهِمونَ لَه أحدًا؟ قالوا: نَتَّهِمُ عامِرَ بنَ رَبيعةَ، قال: فَدعا رَسولُ اللهِ عامرًا، فتَغلَّظَ عليهِ، وَقال: عَلامَ يَقتُلُ أَحدُكم أَخاه؟! أَلا بَرَّكتَ!( أي قلت : تبارك الله )  اغتَسِل لَه" ، فغَسَلَ لَه عامِرٌ وَجهَه ويَديهِ، ومِرفَقَيه ورُكبَتَيه، وأَطرافَ رِجليْه، ودَاخِلةَ إِزارِه في قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَليه، فَراحَ معَ النَّاسِ لَيسَ به بَأسٌ.) (أخرجه الإمام أحمد ورواه ابن ماجة بنحوه).
تنبيه:
وليس لِأَحَدٍ أنْ يُنكِرَ الخَوَاصَّ المُودَعَةَ في أمثالِ ذلك، من اغتسال المعيون بماء وضوء العائن، ولا أن يستهزأ ، ويَستبعِدَها مِن قُدرَةِ الله وحِكْمتِه، لا سِيَّما وقد شَهِد بها وأمَرَ بها.
العين من قدر الله :
عن عبد اللّه بن عمرو قال، قال رسول اللّه : " لا عدوى ولا صفرَ ولا هامةَ ". فقال أعرابيٌّ : يا رسولَ اللهِ . فما بالُ الإبلِ تكون في الرملِ كأنها الظباءُ ، فيجيءُ البعيرُ الأجربُ فيدخلُ فيها فيجربُها كلَها ؟ قال : " فمن أعدى الأولَ ؟ " ( رواه مسلم)
لا "عَدْوَى" نَفْي لما كانوا يَعتَقِدونه مِن مُجاوزَة العِلَّة من صاحِبِها إلى غَيرِه، "ولا صَفَر " الشَّهر المَعروفُ، كانوا يَتشاءَمون به ولا "هامَّة" هو طائِر، وقيلَ: هو البومةُ، قالوا: إذا سَقَطَت على دارِ أحدِهم وَقَعَت فيها مُصيبةٌ.
 وفي روايةٍ من حديث عبد الله بن عمرو قال:  : إنَّ رسولَ اللهِ قال : " لا عدوى ولا طيرةَ ولا صفرَ ولا هامةَ " (تفرد به الإمام أحمد).
في الحديثِ: إثباتُ القَدَرِ، وهو حقٌّ بالنُّصوصِ وإجماعِ أهلِ السُّنَّةِ، ومعناه: أنَّ الأشياءَ كلَّها بقَدَرِ الله تعالى، ولا تَقَعُ إلَّا بِحَسَبِ ما قدَّره الله تعالى، وسَبَق به عِلْمُه؛ فلا يَقَعُ ضَرَرُ العَيْنِ ولا غيرُه مِن الخيرِ والشرِّ إلَّا بقَدَرِ الله تعالى.
ولا تعارض بين الأحاديث  السابقة التي تنفي وقوع الأمراض إلا بالقدر ، وبين الحديث الذي رواه أبو هريرة أيضا عن رسول لله قال: " لا يُورَدنَّ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ " ( رواه البخاري) ، فإن الأحاديث السابقة من باب الإعتقاد بأن ما يصيب المرء إلا ما هو مكتوب له في القدر ، وهذا الحديث من باب الأخذ بالأسباب، ثم وإن وقع المحذور ، فالرضى بقضاء الله هو الواجب.
 فالمبالغة بالخوف من العين، ورد كل ابتلاء يقع على المرء من هم وغم وفقد للمال أو النفس أو المرض إلى العين ، إنما هو من وسوسة الشيطان ليحزن المؤمن ، فلا يبالي له، وليتوكل على الله، وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطؤه، وما خطأه لم يكن ليصيبه إلا بإذن لله . فعلى الإنسان المؤمن أن يحصن نفسه وماله وولده بلرقى الشرعية كما كان يفعل رسول الله ، ومنها الأذكر اليومية، ثم يتوكل على الله.

فائدة:

- من رأى شيئًا يعجبه من نفسه، وماله وولده وكل ما يخصه فليقل : ما شاء الله ! لا قوة إلا بالله .
لقوله تعالى : ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّـهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ) ( الكهف 39)
- ومن رأى شيئًا يعجبه من غيره ، في جسده أو ماله أو ولده أو علمه ...  ، فلقل : تبارك الله ! كما في الحديث السابق.
في سبب نزول الآية:
قال ابو الحسن علي بن أحمد بن محمد  الواحدي،في( أسباب النزول ):
قوله تعالى: { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ....} الآية51.
نزلت حين أراد الكفار أن يَعينُوا رسولَ الله فيُصيبوه بالعَيْن، فنظر إليه قوم من قريش فقالوا: ما رأينا مثله ولا مِثل حُجَجِه.
وكانت العَيْنُ في بني أسد حتى إنْ كانت الناقة السمينة والبقرةُ السمينة تمرُّ بأحدهم فيُعايِنُها ثم يقول: يا جاريةُ خذي المِكْتَل والدرهم فأْتينا بلحم من لحم هذه، فما تَبرَحْ حتى تقع بالموت، فَتُنْحَر.
وقال الكلبي:
كان رجل [من العرب] يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة، ثم يرفعُ جانبَ خبائه فتمرُّ به النَّعَمُ، فيقول: ما رُعِيَ اليومَ إبلٌ ولا غنمٌ أحسنُ من هذه، فما تذهبُ إلا قريباً حتى يسقط منها طائفةٌ وعِدَّة. فسال الكفارُ هذا الرجل أن يصيبَ رسول الله بالعين ويفعل به مثل ذلك، فعصم الله تعالى نبيه، وأنزل هذه الآية.

عودة للتفسير:

وقوله تعالى: { لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } أي يزدرونه بأعينهم، ويؤذونه بألسنتهم، ويقولون { إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } أي لمجيئه بالقرآن، قال اللّه تعالى: { مَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } .
تم بحمد الله وفضله ومنته تفسير سورة القلم
أسأل الله السداد والقبول

No comments:

Post a Comment