Thursday 12 April 2018

الأمثال في القرآن- المثل الحادي والعشرون- سورة النحل- لا يستوى سيد منفق مع عبد لا حيلة له ولا مال



 





الأمثال في القرآن – المثل الحادي والعشرون- سورة النحل- هل يستوى السيد المنفق السخي، مع عبد لا حيلة له ولا مال
الحمد لله على نعمة الظاهرة والباطنة


مثلنا اليوم يضربه الله تعالى لمن عبد غيره من دونه وهو سبحانه الخالق الرازق المنعم.
 وهذه الآية تنتظم مع ما قبلها من الآيات في هذه السورة من ذكر نعم الله على العباد كلهم مسلمهم وكافرهم ، وبالرغم من ذلك فإنهم قد عبدوا الأصنام التي لا تملك ولا ترزق، تمتعوا بنعم الله، أكلوا من رزقه وعبدوا غيره .
قال تعالى :ـ
﴿ ضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ‌ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّ‌زَقْنَاهُ مِنَّا رِ‌زْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّ‌ا وَجَهْرً‌ا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّـهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُ‌هُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾( النحل 75)

تفسير الآية :
فقوله تعالى :ـ (ضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا) أي بيَّن شبها؛ ثم ذكر ذلك فقال ( عَبْدًا مَّمْلُوكًا)  أي هل يستوي عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء مع رجل حر قد رزق رزقا حسنا ، كذلك أنا وهذه الأصنام. فالذي هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا من أمر نفسه، وإنما هو مسخر بإرادة سيده، فلا ملكية له ولا يرزق . والطرف الآخر هو سيد غني منفق سرا وجهرا في قوله تعالى ( وَمَن رَّ‌زَقْنَاهُ مِنَّا رِ‌زْقًا حَسَنًا).  ثم يأتي للمفاضلة ، فيقول عز وجل (  هَلْ يَسْتَوُونَ ..)  أي لا يستوون.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله (هذان هما طَرَفا المثَل المضروب لَنَا.. ويترك لنا السياق القرآني الحكْم بينهما.. وكأن الحق سبحانه يقول: أنا أرتضي حكمكم أنتم: هل يستوون؟
والحق سبحانه لا يترك لنا الجواب، إلا إذا كان الجواب سيأتي على وَفْق ما يريد.. ولا جوابَ يُعقل لهذا السؤال إلا أن نقولَ: لا يستوون.. وكأن الحق سبحانه جعلنا ننطق نحن بهذا الحكم.)
فالسؤال سؤال تقريري ،( هَلْ يَسْتَوُونَ)  والجواب واحد ملزم لا محيد عنه، موافق لمراد الله تعالى ، ليس له ثاني : لا ! لا يستوون . ، وفيه بيان  لقبح فعل من عبد غير الله الرازق المنعم المتفضل  ، عبد ما لا ينفع ولا يضره  من دون الخالق الرازق .

وقد ضرب الله هذا المثل لعبدة الأصنام، الذين أكلوا رزق الله وعبدوا غيره، فمثَّل الحق سبحانه الأصنامَ بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، فهو لا يملك شيئا ، ولذلك فإنه لا يقدر أن يعطي.
أما الذي يعطي وينفق كيف يشاء فهو المالك الغني ، تعالى الله عن المثل هو رب الأرباب سبحانه.
وقوله تعالى :ـ ( الْحَمْدُ لِلَّـهِ ) أي هو مستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه؛ إذ لا نعمة للأصنام عليهم من يد ولا معروف فتحمد عليه، إنما الحمد الكامل لله؛ لأنه المنعم الخالق. وقوله :ـ( بَلْ أَكْثَرُ‌هُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أي أن أكثر المشركين لا يعلمو  أن الحمد لي (سبحانه)، وجميع النعمة مني.

تفسير آخر للمثل :ـ قاله الطبري ، وابن كثير ولم يرجحه
وَشَبَّهَ الله لَكُمْ شَبَهًا أَيّهَا النَّاس لِلْكَافِرِ مِنْ عَبِيده ، وَالْمُؤْمِن بِهِ مِنْهُمْ . فَأَمَّا مَثَل الْكَافِر : فَإِنَّهُ لَا يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه، وَلَا يَأْتِي خَيْرًا ، وَلَا يُنْفِق فِي شَيْء مِنْ سَبِيل اللَّه مَاله لِغَلَبَةِ خِذْلَان اللَّه عَلَيْهِ ، كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء فَيُنْفِقهُ . وَأَمَّا الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه وَيُنْفِق فِي سَبِيله مَاله كَالْحُرِّ الَّذِي آتَاهُ اللَّه مَالًا فَهُوَ يُنْفِق مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ، يَقُول : بِعِلْمٍ مِنْ النَّاس وَغَيْر عِلْم . ( هَلْ يَسْتَوُونَ )  يَقُول هَلْ يَسْتَوِي الْعَبْد الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ ،وَهَذَا الْحُرّ الَّذِي قَدْ رَزَقَهُ اللَّه رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِق كَمَا وَصَفَ ؟ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِر الْعَامِل بِمَعَاصِي اللَّه الْمُخَالِف أَمْره وَالْمُؤْمِن الْعَامِل بِطَاععة ربه ، لأن الكافر لا ينتفع في الآخرة بشيء من عمله ولو عمل فإن الكفر محبط لعمله. ويظهر لي والله أعلم أن هذا التفسير يحتمل أيضا ، ويقويه قوله تعالى في المثل ( ومن رزقناه منا رزقا حسنا)، فهو سبحانه وتعالى ينأى بنفسه عن المثل ، ويقول أنه هو رازق المنفق.   
فائدة :
في الآية قوله تعالى : ( هَلْ يَسْتَوُونَ... ) [النحل: 75]
وسياق الحديث في الآية عن مُثّنى، وكان القياس أن يقول: هل يستويان، فلماذا عدل عن المثنى إلى الجمع؟

- لم يقل يستويان لمكان (من)  لأنه اسم مبهم يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، فحتى يشمل الكلام الجميع جاء في السؤال التقريري بقوله :( هَلْ يَسْتَوُونَ... )
  وقيل في تفسيرها أيضا : أن قوله :ـ( عَبْدًا مَّمْلُوكًا) ، وقوله :ـ (وَمَن رَّ‌زَقْنَاهُ)  يراد بهما جنس العبيد ، وجنس من رزق ، إذن: ليس في اختلاف الضمير هنا ما يتعارض وبلاغة القرآن الكريم، بل هي دِقّة أداء؛ لأن المتكلّم هو الحق سبحانه وتعالى.
-    في الآية حثٌ على الإنفاق: والتفسير الثاني للمثل يتوافق مع قول رسول الله ( الصدقة برهان ) ، فهي برهان على الإيمان، لا يؤدي الواجب منها  والمندوب إلا من وقر الإيمان في قلبه ، فصدقت ذلك جوارحه، ومد يده سخية مبسوطة بالعطاء.

وقال رسول الله يحث على الصدقات، ويجعل الحسد فيها محمودا مستحبًا: " لا حسد إلا في اثنتيْنِ : رجلٌ آتاه اللهُ مالًا ، فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحقِّ ، وآخرُ آتاه اللهُ حكمةً ، فهو يَقضي بها ويُعلِّمُها" ( البخاري) ، فجعل من لا يملك ما يتصدق به ، يغبط من يملك ويرجو أن يُعطي مثل ما أُعطي الغني ، لا لشيء إلا ليتصدق.


سبحانك يا ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه

 

No comments:

Post a Comment