Wednesday 18 April 2018

الأمثال في القرآن – المثل الثاني والعشرون- سورة النحل- لا يستوي أبكم لا يقدر على شيء مع من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم

 


 



الأمثال في القرآن – لا يستوي أبكم  لا يقدر على شيء
مع من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم


قال تعالى :ـ( وَضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّ‌جُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ‌ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ‌ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ‌ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ )﴿ النحل 76 ﴾

التفسير:ـ من تفسير ابن كثير
اولا: في سبب النزول :ـ

وقال ابن جرير الطبري :ـ ( وَضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا رَّ‌جُلَيْنِ ) نزلت في رجل من قريش وعبده قال :هو عثمان بن عفان، قال: والأبكم الذي أينما يوجهه لا يأت بخير قال: هو مولى لعثمان بن عفان، كان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤونة، وكان الآخر يكره الإسلام ويأباه، وينهاه عن الصدقة والمعروف، فنزلت فيهما
وقيل أن الأبكم هو أبو جهل لعنه الله، واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة. والذي يأمر بالعدل: هو عمار بن ياسر العنسي ، وكان أبو جهل يعذبه على الإسلام، ويعذّب أُمه سمية، وكانت مولاة لأبي جهل، وقد طعنها بالرمح في قبلها فماتت، فهي أول شهيدة في الإسلام

ثانياً:ـ تفسير الآية – المثل :ـ

قوله تعالى:( رَّ‌جُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ‌ عَلَىٰ شَيْءٍ ) الأبكم : هو العيي الذي لا يحسن الكلام، وقيل مقطوع اللسان، وقوله تعالى : (لَا يَقْدِرُ‌ عَلَىٰ شَيْءٍ ) زاد على بكمه أنه لا يعي ولا يعقل، فهو إلى العجز التام اقرب، فلا مقال له ولا فعال، وهو مع هذا ( كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ)  أي عيال وكلفة على مولاه (أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ)  أي يبعثه (لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ‌ ) أي أينما يرسله صاحبه لا يأت بخير، لأنه لا يعرف ولا يفهم ما يقال له ولا يُفْهَم عنه ، ولا ينجح مسعاه (هَلْ يَسْتَوِي) من هذه صفاته ( هُوَ وَمَن يَأْمُرُ‌ بِالْعَدْلِ)   أي بالقسط فمقاله حق وفعاله مستقيمة ( وَهُوَ عَلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ )، وصف سبحانه وتعالى الثاني بصفات الكمال ، ومناقضة لما عليه الرجل الأول ، فإن الآمر بالعدل يجب أن يكون موصوفا بالنطق وإلا لم يكن آمرا ،  ويجب أن يكون قادرا ؛ لأن الأمر لا يحصل إلا مع كونه قادرا ، ويجب أن يكون عالما حتى يمكنه التمييز بين العدل وبين الجور ، فثبت أن وصفه بأنه يأمر بالعدل يتضمن وصفه بكونه قادرا عالما ، وكونه آمرا يناقض كون الأول أبكم ، وكونه قادرا يناقض وصف الأول بأنه لا يقدر على شيء ، وبأنه كل على مولاه ، وكونه عالما يناقض وصف الأول بأنه لا يأتي بخير .
ثم قال : ( وَهُوَ عَلَىٰ صِرَ‌اطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) معناه : كونه عادلا مبرأ عن الجور والعبث .
ما المراد بهذا المثل؟   فيه أقوال كما في المثل المتقدم 
 :
فالقول الأول : قال مجاهد : كل هذا مثل إله الخلق وما يدعى من دونه من الباطل . وأما الأبكم فمثل الصنم ؛ لأنه لا ينطق البتة، وكذلك لا يقدر على شيء، وأيضا كل على عابديه ؛ لأنه لا ينفق عليهم وهم ينفقون عليه، وأيضا إلى أي مهمة توجه الصنم لم يأت بخير . وأما الذي يأمر بالعدل فهو الله سبحانه وتعالى .
والقول الثاني : ما ورد في أسباب النزول، أن المقصود هو عبد لعثمان بن عفان ، كان ذلك العبد يكره الإسلام ، وما كان فيه خير ، ومولاه وهو عثمان بن عفان كان يأمر بالعدل ، وكان على الدين القويم والصراط المستقيم .وهذا لم يثبت في أسباب النزول.  فلا يؤخذ به.
وقيل هو رسول الله يأمر بالعدل وهو على الصراط المستقيم، وابي بن خلف هو الأبكم ، وهذا مثل سابقه جائز ولم يثبت به قول.
والقول الثالث : أن المقصود منه كل عبد موصوف بهذه الصفات المذمومة، وكل حر موصوف بتلك الصفات الحميدة ، وهذا القول أولى من القول الأول ؛ لأن وصفه تعالى إياهما بكونهما رجلين يمنع من حمل ذلك على الوثن ، وكذلك بالبكم وبالكل ، والتوجه في جهات المنافع، وكذلك وصف الآخر بأنه على صراط مستقيم يمنع من حمله على الله تعالى ، وأيضا فالمقصود تشبيه صورة بصورة في أمر من الأمور ، وذلك التشبيه لا يتم إلا عند كون أحد الصورتين مغايرة للأخرى . وهو الأرجح عندي ، والله أعلم.

الفوائد :

 منهج القرآن فريد سديد في توجيه الناس إلى الاستمرار على الحق والإستقامة عليه ، وله أساليبه المتعددة، وكلها مهذبة للنفس البشرية، ومقومة لها نحو الصلاح، وموصلة لها ذروة التمام والكمال.
ومن تلك  الأساليب القرآنية: لفت الأنظار بذكر الموازنة بين الضدين، واثبات عدم المساواة بينهما ليأخذ بالقلوب نحو اختيار النافع والصالح، وترك ما سواه، لأن الإنسان مهما بلغ في العلم، وواصل في العمل، توقعه نفسه الأمارة بالسوء في السوء، وتجعله يحوم بين الخير والشر، وبين الاستقامة والانحراف، وبين الإتباع والابتداع، وبين الانصياع للحق والانجراف مع الشيطان، وقد يتخبط بين هذا وذاك، فيأتي الله تعالى بالمثل ليقرره ويريه الفرق  بنفسه،  فيعلم أن طريق الحق أقوم وأحسن، ولذلك فقد  أورد الله تعالى استفهاما تقريريا في الآية السابقة، وفي هذه الآية أيضا، بعد أن حكي ربنا الحالين قال عز من قائل: ( هل يستوون ؟) يا أصحاب العقول، هل يستوى هذا وذاك؟، ولا يعقل ولا يتخيل  بعد هذا أن  شخصا ذو لب يرى أن الكَلَّ الأبكم العيال على غيره،  خير من الذي يأمر بالعدل وهو على طريق الحق والصواب، ثم لك أن تختار أي الطريقين تريد لنفسك .
ولهذا ارجح أن المقصود بالمثل هو المؤمن والكافر  أو المنافق ،أو يحتمل أيضا إرادة المسلم المنجرف في المعاصي، فالحق تعالى بين لعبادة خطأ وسخف من اختار أن يكون مثل هذا العبد المملوك الضعيف الكَل الذي لا يستفاد منه بشيء، فلا هو بالمنفق، ولا هو بالآمر بالمعروف أو الدال على الخير، والله أعلم بمراده سبحانه وتعالى .

الفرق بين المثلين في سورة النحل :
المثل الأول في الإنفاق، {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا  هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ} (75) ، والثاني في التوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ( 76)  فتكامل الصورة لأولي الألباب .
والحمد لله

No comments:

Post a Comment