Friday 22 October 2021

تفسير للآيات وبيان المتشابها- سورة الزلزلة فيها آية هي الجامعة الفاذة

    

سورة الزلزلة

سبب التسمية :

سُميت ‏‏ ‏سُورَةُ ‏الزَّلْزَلَةِ ‏‏ ‏‏؛ ‏لافْتِتَاحِهَا ‏بِهَا

التعريف بالسورة :

1- سورة مدنية، نزلت بعد سورة النساء التي نزلت في الفترة الواقعة بين صلح الحديبية وغزوة تبوك، وقبل سورة الحديد، وقيل مكية قالها ابن كثير، وكثير من المعاصرين يستدلون بأن آياتها تشبه القرآن المكي، أنها بنايتها على العقيدة– من المفصل- من الجزء 30 الربع السابع- أياتها ثمان آيات- ترتيبها بالمصحف التاسعة والتسعون- بدأت بأسلوب الشرط { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}  

موضوع السورة:

أهوال يوم القيامة ومقدماته، وفيها على قصرها آيات تزلزل القلوب خوفا من آثار الذر من الذنوب، ثم هي تنشرح بها رغبا إلى الله العزيز العليم المقسط المعطي على مقدار ذرة من العمل، فتستبشر بعفو الله ومغفرته، وعدله سبحانه وتعالى.

سبب نزول السورة :

قوله تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾‏ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾‏

 قال مقاتل نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ويقول وما هذا شئ وإنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه،  وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ؛ الكذبة والغيبة والنظرة ، ويقول ليس علي من هذا شئ،  انما أوعد الله بالنار على الكبائر؛  فانزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخير فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكثر فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إلى آخرها .

فضل السورة :

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ إِنَّ رَسُولَ الَّلهِ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابـِهِ : " هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا فُلاَن ؟ " قَالَ : لاَ وَالَّلهِ يَا رَسُولَ الَّلهِ ، وَلاَ عِنْدِي مَا أَتـَزَوَّجُ بـِهِ قَالَ : " أَلَيْسَ مَعَكَ { قُلْ هُوَ الَّلهُ أَحَدٌ }؟" قَالَ : بَلَى ، قَالَ : " ثُلُثُ القُرآنِ " ، قَالَ : " أَلَيْسَ مَعَكَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الَّلهِ وَالفَتْحُ} ؟ " قَالَ : بَلَى ، قَالَ : " رُبـْعُ القُرآنِ " ، قَالَ ، " أَلَيْسَ مَعَكَ {قُلْ يَأَيـُّهَا الكَافِرُونَ} ؟ " قَالَ : بَلَى ، قَالَ : " رُبـْعُ القُرآنِ " ، قَالَ : " أَلَيْسَ مَعَك "{ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا }؟ " قَالَ : بَلَى ، قَالَ : " رُبـْعُ القُرآنِ ، تـزوج " ( أخرجه الترمذي- ضعيف ) .

التفسير :

قال ابن عباس: { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا} أي:تحركت من أسفلها. وهذا يوم القيامة، عند النفخة الأخيرة في الصور، {وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا } يعني:ألقت ما فيها من الموتى. قاله غير واحد من السلف. وهذه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[ الحج:1 ] وكقوله: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ* وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}[الانشقاق٣- ٤]  

والأثقال هي كل ما فيها من الإنس والجن والأثمان من الذهب والفضة والمعادن، والجن والإنس يسميان الثقلين، فالجن ثَقَل، أو ثُقْل ، والإنس ثقل، لذلك سموا الثقلين، وتخرج المعادن لينظر الناس فيم كانوا يتسابقون.

كرر كلمة الأرْضُ مرتين، لأهمية الحدثين، الزلزلة والإخبار، فتفكروا في الأرض حين ممشاكم فيها، وكل عمل تعملوه عليها.

وقال مسلم في صحيحه:بسنده  عن أبي هُرَيرة قال:قال رسول الله ﷺ: « تَقِيءُ الأرْضُ أفْلاذَ كَبِدِها، أمْثالَ الأُسْطُوانِ مِنَ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ القاتِلُ فيَقولُ: في هذا قَتَلْتُ، ويَجِيءُ القاطِعُ فيَقولُ: في هذا قَطَعْتُ رَحِمِي، ويَجِيءُ السَّارِقُ فيَقولُ: في هذا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فلا يَأْخُذُونَ منه شيئًا. »

وقوله: {وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا } أي:استنكر أمرها بعد ما كانت قارة ساكنة ثابتة، وهو مستقر على ظهرها، أي:تقلبت الحال، فصارت متحركة مضطربة، قد جاءها من أمر الله ما قد أعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين، وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدلت الأرض غير الأرض والسماوات، وبرزوا لله الواحد القهار.

وقوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} أي: تحدث بما عمل العاملون على ظهرها، يوم القيامة ينطق الله الأرض والجمادات عما شهدوا من أعمال البشر، فتحدث عنهم، كل أخبارهم، تشهد على بنيها بما فعلوا عليها.

وفي هذه الآية التفات، من سؤال الناس، إلى قول الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}

قال الإمام أحمد:، الترمذي و النسائي، واللفظ له: عن أبي هريرة قال:قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال: أتَدرونَ ما أخبارُها؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ. قال: فإنَّ أخبارَها أنْ تَشهَدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بما عَمِلَ على ظَهرِها، تَقولُ: عَمِلَ يَومَ كذا وكذا وكذا، فهذه أخبارُها." ( قال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح غريب.- وضعفه غيره)

وفي معجم الطبراني من حديث ابن لَهِيعة:عن ربيعة الجُرَشي- :أن رسول الله ﷺ قال: " تَحَفَّظُوا من الأرضِ، فإنها أُمُّكُمْ ، وإنه ليس من أحدٍ عامِلٍ عليها خيرًا أو شَرًّا إلا وهي مُخْبِرَةٌ به " .( ضعيف الترغيب والترهيب)

وقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}  قال البخاري: أوحى لها وأوحى إليها، ووحى لها ووحى إليها: واحد وكذا قال ابن عباس: {أَوْحَىٰ لَهَا} أي: أوحى إليها.والظاهر أن هذا مُضَمَّن معنى: أذن لها. وهذه زيادة في المعني. وقال رَبَّكَ؛ ليذكر الإنسان أنَّ ربه الذي رباه على فعل الخيرات، فهو غافر له ذنبه إن استمسك بالعروة الوثقى ، وهي التوحيد.

وقال مجاهد: { أَوْحَى لَهَا} أي: أمرها. وقال القُرَظي: أمرها أن تنشق عنهم.

وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا } أي: يرجعون عن مواقف الحساب، {أَشْتَاتًا}  أي: أنواعًا وأصنافًا شتى، ما بين شقي وسعيد، مأمور به إلى الجنة، ومأمور به إلى النار. وقال السُّدِّي: {أَشْتَاتًا}  فرقا.

وقوله تعالى: { لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} أي: ليروا ثواب أعمالهم، ويجازوا بما عملوه في الدنيا، من خير وشر. ولهذا قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }

قال البخاري: عن أبي هُرَيرة:أن رسول الله ﷺ قال: « الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أجْرٌ، ولِرَجُلٍ سِتْرٌ، وعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأمَّا الذي له أجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها في سَبيلِ اللَّهِ، فأطالَ لها في مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ، وما أصابَتْ في طِيَلِها مِنَ المَرْجِ أوِ الرَّوْضَةِ كانَتْ له حَسَناتٍ، ولو أنَّها قَطَعَتْ طِيَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أوْ شَرَفَيْنِ، كانَتْ أرْواثُها حَسَناتٍ له، ولو أنَّها مَرَّتْ بنَهَرٍ فَشَرِبَتْ ولَمْ يُرِدْ أنْ يَسْقِيَها، كانَ ذلكَ له حَسَناتٍ، ورَجُلٌ رَبَطَها تَغَنِّيًا وسِتْرًا وتَعَفُّفًا، ولَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ في رِقابِها وظُهُورِها فَهي له كَذلكَ سِتْرٌ، ورَجُلٌ رَبَطَها فَخْرًا ورِياءً ونِواءً لأهْلِ الإسْلامِ فَهي وِزْرٌ ،  وَسُئِلَ النبيُّ ﷺ عَنِ الحُمُرِ فقالَ: ما أُنْزِلَ عَلَيَّ فيها إلَّا هذِه الآيَةُ الجامِعَةُ الفاذَّةُ: {فمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} » (ورواه مسلم)  

وقال الإمام أحمد: عن صعصعة بن معاوية - عم الفرزدق- :أنه أتى النبي ﷺ فقرأ عليه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }،  قال:حسبي! لا أبالي ألا أسمع غيرها

في فضل العمل الصالح وإن قل:

في صحيح البخاري، عن عَدي مرفوعا: « اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»

 وفي صحيح مسلم: « لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ»

وفي الصحيح أيضا: « يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ.»  يعني: ظلفها: الظلف هو الحافر المشقوق الذي يوجد لدى شفعيات الأصابع،  بينما يكون الحافر لدى وتريات الأصابع، من الحيوانات التي تملك أظلفا الغنم والمعيز والبقر والإبل من الماشية

وفي الحديث في صحيح  النسائي: « ردُّوا السَّائلَ ، ولَو بظِلْفٍ مُحرَقٍ».

وفي غيره : «لا تحقِرَنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تَصُبَّ من دَلْوِكَ في إناءِ المُسْتَقِي وأن تلْقَى أخاك ببِشْرٍ حسنٍ وإن أدبرَ فلا تغتابَنَّهُ » ( ضعيف)

 

وقال الإمام أحمد:  عن عائشة، أن رسول الله ﷺ قال: « يا عائشةُ، استَتِري منَ النارِ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، فإنَّها تَسُدُّ منَ الجائعِ مَسدَّها منَ الشبْعانِ» . تفرد به أحمد . وضعفوا الزيادة.

ورُويَ عن عائشة أنها تصدقت بعنبة، وقالت:كم فيها من مثقال ذرة .

وقال أحمد: عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن النبي ﷺ كان يقول: « يا عائشةَ ! إيَّاكِ ومُحَقِّراتِ الذُّنوبِ ؛ فإنَّ لها من اللهِ طالِبًا »  .( صحيح الترغيب والترهيب)

وقال ابن جرير: عن أنس قال:كان أبو بكر يأكل مع النبي ﷺ فنـزلت هذه الآية: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } فرفع أبو بكر يده وقال:يا رسول الله، إني أُجزى بما عملتُ من مثقال ذرة من شر؟ فقال: « يا أبا بكر أرأيْتَ ما تَرَى في الدُّنيا ممَّا تَكْرَهُ فَبِمَثَاقِيلِ الشرِّ ويُدَّخَرُ لَكَ مَثَاقِيلُ الخيرِ حتى تُوَفَّاهُ يومَ القِيامَةِ » ( ضعيف) .

وقال ابن أبي حاتم: عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) وذلك لما نـزلت هذه الآية: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } ( الإنسان٨)

 كان المسلمون يرون أنهم لا يُؤجَرون على الشيء القليل الذي أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجَوْزة ونحو ذلك، فيردونه ويقولون: ما هذا بشيء. إنما نُؤجَر على ما نعطي ونحن نحبه.

وكان آخرون يَرَون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر. فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه، فإنه يوشك أن يكثر، وحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر، فنـزلت: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) يعني:وزن أصغر النمل ( خَيْرًا يَرَهُ ) يعني: في كتابه، ويَسُرُّه ذلك.

قال: عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قالَ: «قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبْتُهَا له حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وإذَا هَمَّ بسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ أَكْتُبْهَا عليه، فإنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً. »

وقال الإمام أحمد: عن عبد الله بن مسعود؛ أن رسول الله ﷺ قال: «  إيَّاكُم ومحقَّراتِ الذُّنوبِ ، فإنَّهنَّ يجتَمعنَ على الرَّجلِ حتَّى يُهْلِكْنَه وإنَّ رسولَ اللهِ ضرَبَ لهنَّ مثلًا : كمَثلِ قومٍ نزَلوا أرضَ فلاةٍ ، فحضَر صَنيعُ القَومِ ، فجعَل الرَّجلُ ينطَلقُ فيجيءُ بالعودِ ، والرَّجلُ يَجيءُ بالعودِ ، حتَّى جمعوا سَوادًا ، وأجَّجوا نارًا ، وأنضَجوا ما قذَفوا فيها »

 

(آخر تفسير سورة « إذا زلزلت »  ولله الحمد والمنة)

 

No comments:

Post a Comment