Monday 25 October 2021

تفسير للآيات وبيان المتشابهات- سورة القارعة - خير الناس من يعمل للعيشة الراضية الخالدة

   
   

 ‏ ‏سُميت ‏بالقَارِعَةِ ‏‏‏‏؛ ‏لأنهَا ‏تَقْرَعُ ‏القُلُوبَ ‏وَالأَسْمَاعَ ‏بِهَوْلـِهـَا.

 

التعريف بالسورة :

-مكية-من المفصل- ياتها ١١ - ترتيبها بالمصحف الأولى بعد المائة  -  نزلت بعد سورة قريش . - بدأت بأحد أسماء يوم القيامة " القارعة * ما القارعة "-  لم يذكر فيها لفظ الجلالة - الجزء (30) ـ الحزب ( 60) ـ الربع ( 8)

محور مواضيع السورة :

يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ القِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا، وَالآخِرَةِ وَشَدَائِدِهَا ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ وَأَهْوَالٍ عِظَامٍ ؛ كَخُرُوجِ النَّاسِ مِنَ القُبُورِ ، وَانْتِشَارِهِمْ في ذَلِكَ اليَوْمِ الرَّهِيبِ كَالفَرَاشِ المُتَطَايِرِ ، المُنْتَشِرِ هُنَا وَهُنَاكَ ، يَجِيئُونَ وَيَذْهَبُونَ عَلَى غَيْرِ نِظَامٍ مِنْ شِدَّةِ حِيرَتـِهِمْ وَفَزَعِهِمْ

 

التفسير

( الْقَارِعَةُ ) من أسماء يوم القيامة، كالحاقة، والطامة، والصاخة، والغاشية، وغير ذلك.

ثم قال معظمًا أمرها ومهولا لشأنها: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} ؟ ثم فسر ذلك بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} أي:في انتشارهم وتفرقهم، وذهابهم ومجيئهم، من حيرتهم مما هم فيه، كأنهم فراش مبثوث وقال تعالى في الآية الأخرى: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} ( القمر ٧)

لم يرد ذكر الفراش في القرآن الكريم إلا في موضع واحد، وذلك في سورة القارعة، حيث قال الله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} (القارعة ٤)

وقد جاء ذكره على سبيل التشبيه لحركة الناس عند البعث يوم القيامة، حيث يخرجون من قبورهم كالفراش المبثوث أي المنتشر، إشارة إلى كثرتهم وضعفهم واضطرابهم، وذلك لموج بعضهم في بعض، وركوب بعضهم بعضاً؛ لشدة أهوال ذلك اليوم.

أما  قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتِشِرٌ}( القمر ٧). فالحركة تختلف.

جراد منتشر

تشبيه الناس عند البعث بالفراش المبثوث، وتشبيههم بالجراد المنتشر.

والفرق بين الجراد والفراش: الفراش يسير متخبطا لا وجهة له.

بينما الجراد يسير ضمن أسراب متتابعة تعرف وجهتها.

ولذلك قال بعض المفسرين: إن الوصف في الآيتين لموقفين مختلفين يوم القيامة: أحدهما عند الخروج من القبور، يخرج الناس فزعين لا يهتدون أين يتوجهون، فيدخل بعضهم في بعض، فهم حينئذ كالفراش المبثوث بعضه في بعض، والثاني عند سماع المنادي فيستجيبون له ويقصدونه، فصاروا كالجراد المنتشر.

والفراش معروف في تفرُّشه وخفته وانتشاره، وبه يضرب المثل في الطيش والهوج، يقال: أطيش من فراشة، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول اللهﷺ: « مَثَلِي ومَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوْقَدَ نارًا، فَجَعَلَ الجَنادِبُ والْفَراشُ يَقَعْنَ فيها، وهو يَذُبُّهُنَّ عَنْها، وأنا آخِذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِن يَدِي."

وأقول: إذا تمعنا في سياق الآيتين بدون بتر أول آية سورة القمر، نجد قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ }( القمر ٧)، بينما هنا قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ* َيوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} ( القارعة ٣-٤)

ففي سورة القمر حدد الزمان يخرجون من القبور كأنهم جراد منتشر، فهذا خروجهم إلى أرض المحشر، أسراب مرتبة قاصدين مكان معين معلوم، أما في القارعة ، فالوصف كما في بعض التفاسير بعد الحساب يتمايز الناس؛ كل له وجهة ، فمسيرهم عندئذ { كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}، وفي الحالتين التشبيه بالغ الدقة، ولكن توصيف الوقت هو ما أراه أنسب. والله أولى وأعلم

وقوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} يعني:قد صارت كأنها الصوف المنفوش، الذي قد شَرَع في الذهاب والتمزق.

قال مجاهد، والضحاك، والسدي: {الْعِهْنِ} الصوف، وهذا حال الجبال في المراحل الأخيرة يوم القيامة قبل أن ينسفها ربها نسفا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا *فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا } (طه  -١٠٥- ١٠٧)

ثم أخبر تعالى عما يئول إليه عمل العاملين، وما يصيرون إليه من الكرامة أو الإهانة، بحسب أعمالهم، فقال: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } أي:رجحت حسناته على سيئاته، {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) يعني:في الجنة. {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ}  أي:رجحت سيئاته على حسناته.

وقوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ }  قيل: معناه: فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم. وعَبَّر عنه بأمه- يعني دماغه- روي نحو هذا عن ابن عباس، وعكرمة، وأبي صالح، وقتادة - قال قتادة:يهوي في النار على رأسه وكذا قال أبو صالح: يهوون في النار على رءوسهم.

وقيل:معناه: { فَأُمُّهُ } التي يرجع إليها، ويصير في المعاد إليها {هَاوِيَةٌ } وهي اسم من أسماء النار.

قال ابن جرير:وإنما قيل: للهاوية أمه؛  لأنه لا مأوى له غيرها .

وقال ابن زيد:الهاوية:النار، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها، وقرأ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} {آل عمران  ١٥١)

قال ابن أبي حاتم:وروي عن قتادة أنه قال:هي النار، وهي مأواهم. ولهذا قال تعالى مفسرا للهاوية: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ )

عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهﷺ: "إنَّ المؤمنَ إذا قُبِضَ أتتْه ملائكةُ الرحمةِ بحريرةٍ بيضاءَ ، فيقولون اخرُجي إلى رَوْحِ اللهِ ، فتخرج كأطيبِ ريحِ المسكِ حتى إنه ليناولَه بعضُهم بعضًا ، فيشمّونه ، حتى يأتون به بابَ السماءِ ، فيقولون : ما هذه الريحُ الطَّيِبةُ التي جاءت من الأرض ؟ ولا يأتون سماءً إلا قالوا مثلَ ذلك ، حتى يأتون به أرواحَ المؤمنين، فلَهُم أشدُّ فرحًا من أهل الغائبِ بغائبِهم، فيقولون: ما فعل فلان، فيقولون : دَعوه حتى يستريحَ ، فإنه كان في غمِّ الدنيا فيقول : قد مات، أما أتاكم ؟ فيقولون : ذُهِبَ به إلى أمِّه الهاويةِ . وأما الكافرُ ، فتأتيه ملائكةُ العذابِ بمِسحٍ ، فيقولون : اخرُجي إلى غضبِ اللهِ ، فتخرج كأنتنِ ريحِ جيفةٍ ، فيُذْهَبَ به إلى بابِ الأرضِ » (صحيح الترغيب والترهيب)

وقوله: ( نَارٌ حَامِيَةٌ ) أي:حارة شديدة الحر، قوية اللهيب والسعير.

قال أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:أن النبي ﷺ قال: « نارُكُمْ هذِه الَّتي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا، مِن حَرِّ جَهَنَّمَ قالوا: واللَّهِ إنْ كانَتْ لَكافِيَةً، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فإنَّها فُضِّلَتْ عليها بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّها مِثْلُ حَرِّها. وفي رواية : كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّها. »  ( رواه مسلم، ورواه البخاري بلفظ يشبهه).

وقال الإمام أحمد أيضًا:  عن أبي هُرَيرة، عن النبيﷺ: « إِنَّ نارَكُمْ هذه جُزْءٌ من سبعينَ جُزْءًا من نارِ جهنمَ ، وضُرِبَتْ بِالبَحْرِ مَرَّتَيْنِ ، ولَوْلا ذلكَ ما جعلَ اللهُ فيها مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ » .

(وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجوه من هذا الوجه، وقد رواه مسلم في صحيحه )

وقد قال الإمام أحمد: عن سُهَيل عن أبيه، عن أبي هُريرة، عن النبي ﷺقال: « هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم » . (تفرد به أيضا من هذا الوجه، وهو على شرط مسلم أيضا.)

وروى أبو مصعب، عن مالك، ولم يرفعه. وروى الترمذي وابن ماجه، عن عباس الدَّوريّ، عن أبي هُرَيرة قال: قال رسول الله ﷺ: « أُوقد على النارِ ألفَ سنة حتى احمرَّتْ، ثم أُوقدَ عليها ألفَ سنةٍ حتى ابيضَّتْ، ثم أُوقدَ عليها ألفَ سنةٍ حتى اسودَّتْ ؛ فهي سوداءُ مُظلِمةٌ»  (ضعيف)

وقد روي هذا من حديث أنس وعمر بن الخطاب .

وجاء في الحديث: عند الإمام أحمد؛ عن النعمان بن بشير- عن النبي ﷺ أنه قال: « إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذابًا مَن له نَعْلانِ وشِراكانِ مِن نارٍ، يَغْلِي منهما دِماغُهُ كما يَغْلِ المِرْجَلُ، ما يَرَى أنَّ أحَدًا أشَدُّ منه عَذابًا وإنَّه لأَهْوَنُهُمْ عَذابًا » .( مسلم)

وثبت في الصحيحين؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: « اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ » .

وفي الصحيحين ، عن عبد الله بن عمر، وعن أبي هريرة رضي الله عنهم: « إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فأبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ.»

 

آخر تفسير سورة « القارعة » فلله الحمد والمنة والفضل   


 


No comments:

Post a Comment