Sunday 3 October 2021

تفسيرللآيات ، ويبان المتشابهات- سورة العلق علم الإنسان ما لم يعلم

  
  

التعريف بالسورة

- سورة مكية – من المفصل – الجزء ٣٠ – عدد آياتها  ١٩ آية – تسمى سورة ( ‏اقْرَأْ) – ترتيبها في المصحف السادسة والتسعون- وهي أول ما نزل من القرآن الكريم ، نزلت على الرسولﷺ في غار حراءٍ في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان بعد أربعين سنة من عام الفيل (الموافق ٥٧٠-٥٧١ بعد الميلاد).

– بدأت بفعل أمر ( ‏اقْرَأْ)

والسور التي استفتحت بفعل الأمر هي: سورة الجن: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ)   العلق: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) – الكافرون (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) – الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) – الفلق (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) – الناس (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)

محور مواضيع السورة :

موضوعها الرئيسي هو بدء الوحي على نبينا محمد ﷺ، وتكليفه بحمل الرسالة، ودعوة الناس إلى الدخول في الإسلام، وترك عبادة الأوثان.

-وبدأ ربنا في هذه السورة بأهم ما على الإنسان عمله، وهو القراءة والفهم والتعلم، وأن تعلم القرآن هو  محور حياة الإنسان وهو غذاؤه.

-ثم تبين السورة أن الطغيان في الأمور كلها- وهو تجاوز الحق والعدل- هي صفة الإنسان عامة، وأنه مجبول على التمرد على الأوامر ول كانت من عند خالقه.

- وتنتهي السورة بسرد مثال على صفات الأشقياء المستكبرين، ما كان من أبي جهل ـ وتجاوزه لحدوده في منع النبي الكريم محمد ﷺ عن الصلاة، وتعاظمه بقومه على الله تعالى، فتوعده الله بأن ينال جزاءه.

-وتختم بحث النبي ﷺ وأمته من بعد ذلك على الإكثار من السجود، الذي يعنى الإكثار من الصلاة، التي هي صلة بين العبد وربه، وبين أن العبد في السجود يكون في أكثر مواضع الصلاة تقربا إلى الله تعالى.

 

سبب نزول السورة :

-أول أسباب النزول أنها بداية للوحي على محمد ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين.

- أما  قوله تعالى : {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ }  إلى آخر السورة فقد نزلت في أبي جهل . عن ابن عباس قال كان النبي ﷺ يصلي فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا فانصرف اليه النبي فزجره ، فقال أبو جهل: والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني،  فأنزل الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ }

-قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله تبارك وتعالى

 التفسير :

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾‏ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾‏ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾‏ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾‏ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾‏

في صحيحين – واللفظ للبخاري- عن عائشة قالت: أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ ﷺمِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ؛ فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكانَ يَأْتي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وهو التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ- ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهو في غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ، فَقالَ: اقْرَأْ، فَقالَ له النَّبيُّ ﷺ: فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق ١- ٥). فَرَجَعَ بهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حتَّى دَخَلَ علَى خَدِيجَةَ، فَقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فَقالَ: يا خَدِيجَةُ، ما لي؟ وأَخْبَرَهَا الخَبَرَ، وقالَ: قدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فَقالَتْ له: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ، وهو ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ؛ أخُو أبِيهَا، وكانَ امْرَأً تَنَصَّرَ في الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإنْجِيلِ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ، وكانَ شَيْخًا كَبِيرًا قدْ عَمِيَ، فَقالَتْ له خَدِيجَةُ: أيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فَقالَ ورَقَةُ: ابْنَ أخِي، مَاذَا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ النَّبيُّﷺ ما رَأَى، فَقالَ ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي أُنْزِلَ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقالَ ورَقَةُ: نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ. وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حتَّى حَزِنَ النَّبيُّﷺ -فِيما بَلَغَنَا- حُزْنًا غَدَا منه مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِن رُؤُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ، فَكُلَّما أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ منه نَفْسَهُ، تَبَدَّى له جِبْرِيلُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ رَسولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذلكَ جَأْشُهُ، وتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عليه فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذلكَ، فَإِذَا أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى له جِبْرِيلُ فَقالَ له مِثْلَ ذلكَ.

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه ، وفيه أن قول: -فِيما بَلَغَنَا- حُزْنًا غَدَا منه مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِن رُؤُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ، فَكُلَّما أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ منه نَفْسَهُ، تَبَدَّى له جِبْرِيلُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ رَسولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذلكَ جَأْشُهُ، وتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عليه فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذلكَ )

أن هذا القول، قال عنه البخاري ؛ فيما بلغنا ، وهذا البلاغ عن الزهري رحمه الله ، وليس من قول عائشة رضي الله عنها،ولا هو نص الحديث، ولكنه مداخلة من الزهري، ليس لها أصل، وهذا ما يقول به شراح الحديث ، وهو الأولى .

وهذه الآيات الخمس الأولى الكريمات المباركات؛  هي أول شيء [ يعلم ] من القرآن هذه الآيات، وهُنَّ أول رحمة رَحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم.

فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلا للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور.

وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة، وأن من كَرَمه تعالى أن عَلّم الإنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم، فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلا للناس تنوب مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور،وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة، والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان، فالعلم والتعلم هو مراحل؛ ذهني ولفظي ورسمي

 والرسمي يستلزمهما من غير عكس، فلهذا قال: {‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * لَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وفي الأثر قوله ﷺ: قيدوا العلم بالكتابة . وفيه أيضا: "من عملَ بما علمَ ورَّثَهُ اللَّهُ عِلمَ ما لم يعلَم ." ( ضعيف )

 

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴿٦﴾‏ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴿٧﴾‏ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ﴿٨﴾‏

يخبر تعالى عن الإنسان أنه منَّ عليهم بالغنى وسعة الرزق، ولكن الإنسان - لجهله وظلمه- إذا رأى نفسه غنيًا، طغى وبغى وتجبر عن الهدى، ونسي أن إلى ربه الرجعى، ولم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال أنه يترك الهدى بنفسه، ويدعو [ غيره ] إلى تركه، فالإنسان ذو فرح وأشر وبطر وطغيان، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله.

ثم تَهدده وتوعده ووعظه فقال: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} أي:إلى الله المصير والمرجع، وسيحاسبك على مالك:من أين جمعته؟ وفيم صرفته؟

قال ابن أبي حاتم:حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو عُمَيس، عن عون قال:قال عبد الله: منهومانِ لا يشبعانِ طالبُ العلمِ وطالبُ الدنيا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان. قال ثم قرأ عبد الله: ( إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) وقال عن الآخر: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (فاطر ٢٨).

ثم قال تعالى: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} نـزلت في أبي جهل، لعنه الله، توعد النبي ﷺ على الصلاة عند البيت، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} أي: فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله، {أو أَمَرَ بِالتَّقْوَى} بقوله، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته؛ ولهذا قال: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}  أي: أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء.

ثم قال تعالى متوعدًا ومتهددًا: {كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} أي:لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد ( لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ) أي:لنَسمَنَّها سوادا يوم القيامة.

ثم قال: { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} يعني:ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في فعَالها.

لماذا خص الله تعالى الناصية بصفة  أنها : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} ؟)

ما قال الشيخ عبد المجيد الزنداني في الأمر  في كتاب "وغدا عصر الإيمان" يصف كيف وقف حائراً أمام كلمة صغيرة في سورة العلق لمدة عشر سنوات.. فحسب قوله:

كنت أقرأ دائما قول الله تعالى : { كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ *نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } - والناصية هي مقدمة الرأس - فكنت أسأل نفسي وأقول يا رب اكشف لي هذا المعنى! لماذا قلت ناصية كاذبة خاطئة؟

يقول: وتفكرت فيها وبقيت أكثر من عشر سنوات وأنا في حيرة أرجع إلى كتب التفسير فأجد المفسرين يقولون: المراد ليست ناصية كاذبة وإنما المراد معنى مجازي وليس حقيقيا؛ فالناصية هي مقدمة الرأس لذلك أطلق عليها صفة الكذب (في حين أن) المقصود صاحبها وأنها ليست مصدر الكذب... واستمرت لدي الحيرة إلى أن يسر الله لي بحثا عن الناصية قدمه عالم كندي (وكان ذلك في مؤتمر طبي عقد في القاهرة) قال فيه: منذ خمسين سنة فقط تأكد لنا أن المخ الذي تحت الجبهة مباشرة "الناصية" هو الجزء المسؤول عن الكذب والخطأ وأنه مصدر اتخاذ القرارات. فلو قطع هذا الجزء من المخ الذي يقع تحت العظمة مباشرة فإن صاحبه لا تكون له إرادة مستقلة ولا يستطيع أن يختار... ولأنها مكان الاختيار قال الله: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} أي نأخذه ونحرقه بجريرته... وبعد أن تقدم العلم أشواطا وجدوا أن هذا الجزء من الناصية في الحيوانات ضعيف وصغير (بحيث يجب قيادتها وتوجيهها) وإلى هذا يشير المولى سبحانه وتعالى: {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (هود ٥٦).. وجاء في الحديث الشريف: " اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك.". (سنده لا يصح) لحكمة إلهية شرع الله أن تسجد هذه الناصية وأن تطأطىء له.

(انتهى كلامه)!

( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ) أي:قومه وعشيرته، أي:ليدعهم يستنصر بهم، ( سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) وهم ملائكة العذاب، حتى يعلم من يغلبُ:أحزبُنا أو حزبه.

روى البخاري: عن ابن عباس: قالَ أبو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ لَأَطَأنَّ علَى عُنُقِهِ، فَبَلَغَ النبيَّﷺ فَقالَ: "لو فَعَلَهُ لَأَخَذَتْهُ المَلَائِكَةُ".

وروى أحمد، والترمذي وابن جرير - وهذا لفظه- من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانَ النَّبيُّ ﷺ يصلِّي فجاءَ أبو جهلٍ فقالَ : ألَم أنهَكَ عن هذا، ألَم أنهَكَ عن هذا، ألَم أنهَكَ عن هذا ؟ فانصرفَ النَّبيُّ ﷺ، فزَبرَهُ فقالَ أبو جهلٍ: إنَّكَ لتعلَمُ ما بهِ نادٍ أكثرُ منِّي، فأنزلَ اللَّهُ تباركَ وتعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قالَ ابنُ عبَّاسٍ: "واللَّهِ لَو دعا ناديَهُ لأخذَتهُ زبانيةُ اللَّهِ" .

وفي رواية : قال ابن عباس:لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته " (وقال الترمذي :حسن صحيح.)

وقال الإمام أحمد أيضًا:حدثنا إسماعيل بن زيد أبو يزيد، حدثنا فُرَات، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:قال أبو جهل:لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه. قال:فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أن اليهود تَمَنَّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يُبَاهلون رسول الله ﷺ لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا " .

 

وقال ابن جرير أيضا:حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن الوليد بن العيزار، عن ابن عباس قال:قال أبو جهل:لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه. فأنـزل الله، عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} حتى بلغ هذه الآية: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}  فجاء النبي ﷺ فصلى فقيل:ما يمنعك؟ قال:قد اسودّ ما بيني وبينه من الكتائب. قال ابن عباس: والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه .

وقال ابن جرير: عن أبي هُرَيرة قال:قال أبو جهل:هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال:فقال:واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفِّرن وجهه في التراب، فأتى رسول اللهﷺ وهو يُصَلي ليطأ على رقبته، قال: فما فَجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال:فقيل له:ما لك؟ فقال:إن بيني وبينه خَنْدقا من نار وهَولا وأجنحة. قال:فقال رسول الله: « لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا » . قال: وأنـزل الله : ( كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى ) إلى آخر السورة. (وقد رواه أحمد بن حنبل، ومسلم، والنسائي)

وقوله: {كَلا لا تُطِعْهُ } يعني:يا محمد، لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها، وصلِّ حيث شئت ولا تباله؛ فإن الله حافظك وناصرك، وهو يعصمك من الناس، {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } كما ثبت في الصحيح  عند مسلم، من طريق عبد الله بن وهب، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: "أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ."

وكان رسول الله ﷺ يسجد أيضا في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }

فضائل السجود:

-أولا:  أنه أحب الأعمال إلى الله حيث يُدخل صاحبه الجنة لما ثبت في صحيح مسلم عن ثوبانَ مَولى رسول اللهﷺأن رسولَ الله قال: « عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً»

-ثانيا: من فضل السجود : مرافقة النبي ﷺ في الجنة: لما ثبت في صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: «سل» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال ﷺ: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود»

- ثالثا: أن يرفع الله به الدرجات، ويحط به السيئات: لما ثبت عنه ﷺ: « ما من عبدٍ يسجُدُ للهِ سجدَةً ، إلَّا كتبَ اللهُ له بها حسنَةً وحطَّ عنه بها سيِّئَةً ، ورفع لَهُ بها درجَةً ، فاستكْثِرُوا مِنَ السجودِ »( صحيح الجامع)،  وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:.

-رابعًا : من فضل السجود : إذا سجد بن آدم اعتزل الشيطان يبكي، لما ثبت عنه ﷺ أنه قال: «إذا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطانُ يَبْكِي، يقولُ: يا ويْلَهُ، وفي رِوايَةِ أبِي كُرَيْبٍ: يا ويْلِي، أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجُودِ فأبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ. » ( رواه مسلم)

-خامسًا : من فضل السجود : أقرب ما يكون العبد من الله إذا سجد: لما ثبت عنهﷺإنه قال: «إن أقرب ما يكون العبد من الله تعالى أن يكون ساجدًا»، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «أقرب ما يكون العبد إلى الله عز وجل إذا سجد فأكثروا الدعاء عند ذلك»

-سادسًا : من فضل السجود : من علامات المؤمنين يوم القيامة وكان ﷺ يقول: «ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق، قال: أرأيت لو دخلت صبرة فيها خيل دهم بهم وفيها فرس أغر محجل أما كنت تعرفه فيها؟ قال: بلى، قال: «فإن أمتي يومئذ غر من السجود محجلون من الوضوء»

-سابعًا : من فضل السجود : إنَّ مَن سَجَدَ لله عز وجل، فلن تأكل النار أَثَرَ سجودِه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ ﷺ: «تأكل النار من ابن آدم إلا أَثَر السجود؛ حرَّم الله على النار أن تأكل أَثَر السجود»؛ (متفق عليه).

-ثامنًا:  ما سبق من الحديث إنَّ العبد أقرب ما يكون مِن ربِّه وهو ساجد؛ قال الله عز وجل: «فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» (العلق: 17 - 19)، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبيُّﷺ: «أقربُ ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد؛ فأكثِروا فيه الدعاء»، (أخرجه مسلم).

-تاسعًا من فضل السجود: إنَّ السجود موضعُ استجابةٍ للدعاء؛ عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأمَّا الركوع، فعظِّموا فيه الرب، وأمَّا السجود، فاجتهِدوا في الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم» (أخرجه مسلم).

-عاشرًا:  إنَّ السجود من أسباب رحمة الله لعبده؛ قال الله جل جلاله: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا» (الفرقان ٦٠)، وذكر العلماء أن السجود من أسباب الرحمة؛ ولهذا قال: «اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ»  سواء السجود العام أو السجود الخاص، فإنه من أسباب الرحمة، ولهذا لم يقل: اسجدوا لله، بل قال: {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ}  (الفرقان ٦٠)، يعني: لتصلوا إلى رحمة هذا المسجود له.

آخر تفسير سورة  (اقرأ ).ولله الحمد والفضل والمنة.

 


No comments:

Post a Comment