Sunday 17 October 2021

تفسير للآيات وبيان المتشابهات -سورة القدر- ليلة بألف شهر

 
  

 

التعريف بالسورة :

سُميت ‏‏ ‏سُورَةُ ‏القَدْرِ ‏‏ ؛ ‏لِتِكْرَارِ ‏ذِكْرِ ‏لَيْلَةِ ‏القَدْرِ ‏فِيهَا ‏‏، ‏وَعِظَمِ ‏شَرَفِهَا.

- سورة مكية  - من المفصل – عدد آياتها خمس آيات – نزلت بعد سورة  عبس- ترتيبها بالمصحف السابعة والتسعون – بدأت بالتوكيد { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }

والسور التي بدأت بأداة التوكيد"إنا" أربعة؛ هي:

 

    - سورة الفتح : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً

   - وسورة نوح : إنا أرسلنا نوح إلى قومه

   - وسورة القدر : إنا أنزلناه فى ليلة القدر

    -وسورة الكوثر : إنا أعطيناك الكوثر….

محور مواضيع السورة:

-يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ بَدْءِ نُزُولِ القُرآنِ العَظِيمِ،  وَعَنْ فَضْلِ لَيْلَةِ القَدْرِ عَلَى سَائِرِ الأَيـَّامِ وَالشُّهُورِ ، لمَا فِيهَا مِنَ الأَنْوَارِ وَالتَّجَلِّيَاتِ القُدْسِيـَّةِ ، وَالنَّفَحَاتِ الرَّبـَّانِيـَّةِ ، الَّتِي يُفِيضُهَا البَارِي جَلَّ وَعَلاَ عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ ؛ تَكْرِيمَاً لِنُزُولِ القُرآنِ المُبِينِ، كَمَا تَحَدَّثَتْ عَنْ نُزُولِ المَلاَئـِكَةِ الأَبْرَارِ حَتَّى طُلُوعِ الفَجْرِ فَيَا لَهَا مِنْ لَيْلَةٍ عَظِيمَةِ القَدْرِ ، هِيَ خَيْرٌ عِنْدَ الَّلهِ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ

 

سبب نزول السورة :

 

أخرج ابن أبي حاتم والواحدي عن مجاهد : أن رسول الله ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *‏ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *‏ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ‏} التي لبس ذلك الرجل السلاح فيها في سبيل الله. 

تفسير السورة:

يخبر الله تعالى أنه أنـزل القرآن ليلة القدر، وهي الليلة المباركة التي قال الله، عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} ( الدخان ٣ ) وهي ليلة القدر، وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } (البقرة:185 )

قال ابن عباس وغيره: أنـزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العِزّة من السماء الدنيا، ثم نـزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ

ثم قال تعالى مُعَظِّما لشأن ليلة القدر، التي اختصها بإنـزال القرآن العظيم فيها، فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }

ما ورد في سبب تسمتيها بليلة القدر:

قالوا:

-القَدْر من العظمة؛ فهي ليلة عظيمة.

- القَدْر من الضيق؛ فهي ليلة تُصبح فيها الأرض ضيّقة؛ لكثرة ما فيها من الملائكة، قال رسول الله ﷺ: "إنَّ الملائِكةَ تلْكَ الليلةَ في الأرْضِ أكثَرُ من عدَدِ الحَصَى".( ضعيف)

-القَدْر ليلة تُقدَّر فيها الأشياء؛ إذ يُطلع الله فيها الملائكة على تقديره لأمور السنة، قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.( الدخان ٤)

- القَدْر ليلةٌ نزل فيها الكتاب صاحب القَدْر، مع ملك ذي قَدْر، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}. (الشعراء)

-القَدْر ليلة عظيمة من حيث الشرف والقدر؛ لأنّ الله تعالى أنزل فيها القُرآن، لقوله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}

-القَدْر والشرف الذي يكون للعامل فيها؛  فالطائع والعابد في هذه الليلة يصبح ذا قَدْر وشرف.  

-القَدْر في العبادة؛ أي أنّ العبادة فيها لها قَدْر عظيم

ولذلك تُسمّى أيضاً بليلة الأقدار،وتُسمّى أيضاً بالليلة المُباركة؛ لأنّ الله يُنزل فيها البركات على عباده، وقِيل لكثرة ما يُؤدّي المسلمون فيها من العبادات.

 

ما ورد في سبب نزولها- وفضلها:

وقال ابن أبي حاتم:بسنده عن مجاهد:أن النبيﷺ ذكر رجلا من بني إسرائيل لَبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال:فَعَجب المسلمون من ذلك، قال:فأنـزل الله عز وجل: ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر .

وقال ابن جرير: عن مجاهد قال:كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنـزل الله هذه الآية: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل .

وقال ابن أبي حاتم: عن علي بن عروة قال:ذكر رسول الله ﷺ يوما أربعة من بني إسرائيل، عبدوا الله ثمانين عامًا، لم يَعْصوه طرفة عين: فذكر أيوب، وزكريا، وحزْقيل بن العجوز، ويوشع بن نون ، قال:فعجب أصحاب رسول الله ﷺ من ذلك، فأتاه جبريل فقال:يا محمد، عَجِبَتْ أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة، لم يَعْصُوه طرفة عين؛ فقد أنـزل الله خيرًا من ذلك. فقرأ عليه: { إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك. قال: فَسُرَّ بذلك رسول الله ﷺوالناس معه .

 

وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر - وليس فيها ليلة القدر- هو اختيارُ ابن جرير. وهو الصواب لا ما عداه، وهو كقوله ﷺ: « رِباطُ ليلة في سبيل الله خَيْر من ألف ليلة فيما سواه من المنازل » . رواه أحمد.

 وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة، ونية صالحة: « من غسَّلَ يومَ الجمعةِ واغتسلَ ، وبَكَّرَ وابتَكرَ ، ومشى ولم يرْكب ، ودنا منَ الإمامِ ، فاستمعَ ولم يلغُ ، كانَ لَهُ بِكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ، أجرُ صيامِها وقيامِها.» ( صحيح ابي داوود) إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك.

 

ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تَقَدَّم من ذنبه» .

 

وقوله: { تَنـزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } أي:يكثر تَنـزلُ الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحِلَق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له.

وأما الروح فقيل:المراد به هاهنا جبريل، عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام. كما قال تعالى عنه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ‏} (الشعراء ١٩٣-١٩٤)

وقوله: ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) قال مجاهد: سلام هي من كل أمر. وعن الأعمش، عن مجاهد في قوله: (سَلامٌ هِيَ ) قال:هي سالمة، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو يعمل فيها أذى.

 

وقال قتادة وغيره: تقضى فيها الأمور، وتقدر الآجال والأرزاق، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان ٤)‏

وقوله: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال سعيد بن منصور عن الشعبي في قوله تعالى: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }  قال:تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد، حتى يطلع الفجر.

وروى البيهقي في كتابه « فضائل الأوقات » عن عليٍّ أثرًا غريبًا في نـزول الملائكة، ومرورهم على المصلين ليلة القدر، وحصول البركة للمصلين.

وروى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار أثرًا غريبًا عجيبًا مطولا جدًا، في تنـزل الملائكة من سدرة المنتهى صحبة جبريل، عليه السلام، إلى الأرض، ودعائهم للمؤمنين والمؤمنات .

وقال قتادة وابن زيد في قوله: {سَلامٌ هِيَ } يعني هي خير كلها، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر. ويؤيد هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد:

ما ورد في تحديدها، وفضلها:

عن عبادة بن الصامت:أن رسول الله ﷺقال: « ليلة القدر في العشر البواقي، من قامهن ابتغاء حسبتهن، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر:تسع أو سبع، أو خامسة، أو ثالثة، أو آخر ليلة » (مسلم)، وقالﷺ : «هي في العَشْرِ الأواخِرِ، هي في تِسْعٍ يَمْضِينَ، أوْ في سَبْعٍ يَبْقَيْنَ يَعْنِي لَيْلَةَ القَدْرِ. » ( البخاري)

 وقال رسول اللهﷺ: « ومن أماراتِها أنَّها ليلةٌ بلجةٌ صافيةٌ ساكنةٌ ، لا حارَّةٌ ولا باردةٌ ، كأنَّ فيها قمرًا ، وأنَّ الشَّمسَ تطلُعُ في صبيحتِها مستويةٌ لا شُعاعَ لها » (شعب الإيمان للبيهقي- إسناده حسن-ضعيف)

 

اختلف العلماء:هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة، أو هي من خصائص هذه الأمة؟

على قولين:

قال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري:حدثنا مالك:أنه بلغه: أن رسول الله ﷺأُري أعمار الناس قبله - أو:ما شاء الله من ذلك- فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر وقد أسند من وجه آخر.

 وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقد نقله صاحب « العُدّة » أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء، فالله أعلم. وحكى الخطابي عليه الإجماع ، ونقله الرافعي جازمًا به عن المذهب.

والذي دل عليه الحديث التالي أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا.

قال أحمد بن حنبل:حدثنا يحيى بن سعيد، بسنده قال حدثني مَرْثَد قال:سألت أبا ذر قلت:كيف سألت رسول الله ﷺ عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها، قلت:يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر، أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: « بل هي في رمضان » . قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قبضوا رفعت؟ أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: « بل هي إلى يوم القيامة ». قلت: في أي رمضان هي؟ قال: « التمسوها في العشر الأول، والعشر الأواخر » . ثم حَدّثَ رسولُ الله ﷺ وحَدّث، ثم اهتبلت غفلته قلت: في أي العشرين هي؟ قال: « ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها » . ثم حدّث رسول الله ﷺ، ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله، أقسمت عليك بحقي عليك لَمَا أخبرتني في أي العشر هي؟ فغضب علي غضبًا لم يغضب مثله منذ صحبته، وقال: « التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها » .

 

ففيه دلالة على ما ذكرناه، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة - بعد النبي ﷺ- لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية، على ما فهموه من الحديث الذي سنورده بعدُ من قوله، عليه السلام: « فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم » ؛ لأن المراد رفعُ عِلْم وقتها عينًا. وفيه دلالة على أنها ليلة القدر يختص وقوعها بشهر رمضان من بين سائر الشهور..

وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا فقال: « باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان »  عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عمر قال:سُئِل رسول الله ﷺ وأنا أسمع عن ليلة القدر، فقال: « هي في كل رمضان » .وهذا إسناد رجاله ثقات – وقيل موقوف.

في ما ورد في تحديد وقوعها وهل هي باقية:

وقيل:ليلة إحدى وعشرين؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال:اعتكف رسولُ الله ﷺ في العشر الأوَل من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. ثم قام النبي ﷺ خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: « من كان اعتكف معي فليرجع، فإني رأيت ليلة القدر، وإني أنسيتها، وإنها في العشر الأواخر وفي وِتْر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء » . وكان سقف المسجد جريدًا من النخل، وما نَرى في السماء شيئًا، فجاءت قَزَعَة فَمُطرنا، فصلى بنا النبي ﷺ حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله ﷺ تصديق رؤياه. وفي لفظ: « في صبح إحدى وعشرين » أخرجاه في الصحيحين .

وقيل:ليلة ثلاث وعشرين؛ لحديث عبد الله بن أنيس في « صحيح مسلم » وهو قريب السياق من رواية أبي سعيد، فالله أعلم.

وقد رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن زِرّ، عن أبي، وفيه:فقال:والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني- والله إني لأعلم أي ليلة القدر هي التي أمرنا رسول اللهﷺ بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها .

 

وعن عبادة بن الصامت:أنه سأل رسول الله ﷺ عن ليلة القدر، فقال رسول الله ﷺ: « في رمضان، فالتمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتْر إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، - أو تسع وعشرين - أو في آخر ليلة » .

وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن عُمر: أنَّ رِجَالًا مِن أصْحَابِ النبيِّ ﷺ، أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ في المَنَامِ في السَّبْعِ الأوَاخِرِ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: «أرَى رُؤْيَاكُمْ قدْ تَوَاطَأَتْ في السَّبْعِ الأوَاخِرِ، فمَن كانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبْعِ الأوَاخِرِ» ( رواه البخاري)

وعن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ قال: « تَحَرَّوْا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان » ولفظه للبخاري.

ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل، وأنها معينة من الشهر، بما رواه البخاري في صحيحه، عن عبادة بن الصامت قال:  خَرَجَ النبيُّ ﷺ َ لِيُخْبِرَنَا بلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ:  «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ وعَسَى أنْ يَكونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا في التَّاسِعَةِ، والسَّابِعَةِ، والخَامِسَةِ»

وجه الدلالة منه:أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذا لو كانت تنتقل لما علموا تَعيُّنها إلا ذلك العام فقط، اللهم إلا أن يقال:إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط.

وقوله: « فتلاحى فلان وفلان فرفعت » :فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، وكما جاء في الحديث عن ثوبان: « إنَّ الرجلَ لَيُحرمُ الرِّزقَ بالذِّنبِ يُصيبُه » (ضعيف الترغيب والترهيب- الألباني)

وقوله: « وعسى أن يكون خيرًا لكم » يعني: عدم تعيينها لكم، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طُلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة، بخلاف ما إذا علموا عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط. وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر. ولهذا كان رسول الله ﷺيعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، عز وجل. ثم اعتكف أزواجهُ من بعده. أخرجاه من حديث عائشة .

حدثنا سُرَيج، بسنده عن عائشة قالت:كان رسول الله ﷺ إذا بقي عشر من رمضان شَدَّ مئزره، واعتزل نساءه. انفرد به أحمد .

في صفتها، وما يدعى به فيها:

والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: « اللهم، إنك عَفُوٌّ تُحِبُ العَفوَ، فاعْفُ عَنِّي » ؛ لما رواه الإمام أحمد

 

وعن عائشة قالت: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: « قولي:اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني »  .

 

وذكر كعب أنه من قال في ليلة القدر: «......فلا تزال الملائكة هكذا حتى يطلع الفجر. فأول من يصعد جبريل حتى يكون في وجه الأفق الأعلى من الشمس، فيبسط جناحيه - وله جناحان أخضران، لا ينشرهما إلا في تلك الساعة- فتصير الشمس لا شعاع لها، ثم يدعو مَلَكًا فيصعد، فيجتمع نور الملائكة ونور جناحي جبريل، فلا تزال الشمس يومها ذلك متحيرة، فيقيم جبريل ومن معه بين الأرض وبين السماء الدنيا يومهم ذلك، في دعاء ورحمة واستغفار للمؤمنين والمؤمنات، ولمن صام رمضان احتسابًا، ودعاء لمن حَدث نفسه إن عاش إلى قابل صام رمضان لله. فإذا أمسوا دخلوا السماء الدنيا، فيجلسون حلقًا حلقا ، فتجتمع إليهم ملائكة سماء الدنيا، فيسألونهم عن رجل رجل، وعن امرأة امرأة فيحدثونهم حتى يقولوا:ماذا فعل فلان؟ وكيف وجدتموه العامَ؟ فيقولون:وجدنا فلانا عام أول في هذه الليلة متعبدًا ووجدناه العام مبتدعًا، ووجدنا فلانا مبتدعًا ووجدناه العام عابدًا قال:فيكفون عن الاستغفار لذلك، ويقبلون على الاستغفار لهذا، ويقولون:وجدنا فلانا وفلانا يذكران الله، ووجدنا فلانًا راكعًا، وفلانًا ساجدًا، ووجدناه تاليا لكتاب الله. قال: فهم كذلك يومهم وليلتهم، حتى يصعدون إلى السماء الثانية، ففي كل سماء يوم وليلة، حتى ينتهوا مكانهم من سدرة المنتهى، فتقول لهم سدرة المنتهى: يا سكاني، حدثوني عن الناس وسموهم لي. فإن لي عليكم حقًا، وإني أحبُّ من أحبَّ الله.

قال: وذكر كعبٌ أنه من صامَ رمضانَ وهو يحدثُ نفسهُ إذا أفطرَ بعدَ رمضانَ أن لا يعصي اللهَ دخلَ الجنةَ بغيرِ مسألةٍ ولا حسابٍ.( قال عنه ابن كثير أنه غريب- إشارة إالى ضعفه)

 

آخر تفسير سورة « ليلة القدر »  ولله الحمد والمنة.


No comments:

Post a Comment