Thursday 21 October 2021

تفسير للآيات وبيان المتشابهات -سورة البينة طلب أهل الكتاب البينة للنبي المنتظر ولما بعث جحدوه

    

سورة البينة – طلبوا وانتظروا البينة رسول اللهﷺ والقرآن المبين ثم جحدوهما

 

التعريف بالسورة

تُسَمَّى ‏‏ ‏سُورَةُ ‏القِيَامَةِ ‏‏ ‏‏، ‏‏ ‏وَسُورَةُ ‏لَمْ ‏يَكُنْ ‏‏ ، ‏‏ ‏وَسُورَةُ ‏البَيِّنَةِ ‏‏

- هي سورة مدنية- من المفصل – الجزء الثلاثون- الربع السابع- عدد آياتها 8 آيات- ترتيبها بالمصحف الثامنة والتسعون - نزلت بعد سورة الطلاق - بدأت باسلوب جملة خبرية فيها نفي  {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }.

 

محور مواضيع السورة :

 

يدور موضوع السورة حول أهل الكتاب وموقفهم من نبوة محمد ﷺ، ومما جاء به من القرآن الكريم، كانوا يعلمون بأنه سيبعث رسول خاتم للأنبياء، وانتظروه لأنهم مأمورون باتباعة، ولما جاءهم ما انتظروا أنكروه، وعادوه.

وفي سياق الكلام عن أهل الكتاب تؤكد السورة على أهمية التوحيد واخلاص العبودية لله وحده، وثواب فاعله.

ما ورد من الحديث في هذه السورة:

روى البخاري ؛ عن أنس بن مالك قال: أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قالَ لِأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: "إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أُقْرِئَكَ القُرْآنَ قالَ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قالَ: نَعَمْ قالَ: وقدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العَالَمِينَ؟ قالَ: نَعَمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ."، ما أغلاها من مكرمة منحتها يا أبي بن كعب.

نبذة عن أبي بن كعب:

هو أُبي بن كعب بن قيس، من الخزرج،  له كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي ﷺ، وأبو الطفيل؛ كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل وكان عمر يسميه سيد المسلمين باتقانه للقرآن.
أبي بن كعب صحابي شهد بيعة العقبة الثانية، وشهد له رسول الله ﷺ بالعلم، قال ﷺ:
اقْرَؤُوا القُرْآنَ مِن أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، فَبَدَأَ به، وَمِنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَمِنْ سَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمِنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وفي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، عن أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَدَّمَ مُعَاذًا، قَبْلَ أُبَيٍّ. وفي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ، أُبَيٌّ، قَبْلَ مُعَاذٍ.. (صحيح مسلم)، وقد جاء في الحديث: "أقرؤكم أُبي"

 

كان أّبي بن كعب من فقهاء الصحابة، وكان من كُتَّاب الوحي بين يدي رسول الله ﷺ، ومن اعتبر من أفضل قرّاء القرآن، وهو أحد الإثنا عشر الذين بايعوا الرسول ﷺ في بيعة العقبة الثانية. وقد روي أن أُبي بن كعب قال: سألني رسول الله فقال:

 

« يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ} [البقرة٢٥٥]. قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: "واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ. »( مسلم).

وقد أسند إليه النبي مهمة تعليم الوفود القرآن وتفقيهها في الدين وكان النبي إذا غاب عن المدينة يستخلفه لإمامة المسلمين في الصلاة ، وقد قال عنه عمر بن الخطاب: "سيد المسلمين أبي بن كعب".

 

تفسير السورة:

قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} ،  أما أهل الكتاب فهم:اليهود والنصارى، والمشركون:عَبَدةُ الأوثان والنيران، من العرب ومن العجم. وقال مجاهد وقتادة:لم يكونوا ( مُنْفَكِّينَ ) يعني:منتهين حتى يتبين لهم الحق.

{حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} أي:هذا القرآن؛ ولهذا قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } ثم فسر البينة بقوله: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} يعني:محمدًا ﷺ، وما يتلوه من القرآن العظيم، الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى، في صحف مطهرة كقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ }( عبس ١٣ – ١٦)، قال قتادة: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً } يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء.

 

وقوله: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } قال ابن جرير: أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة: عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ؛ لأنها من عند الله عز وجل،  أخبارها صادقة، وأوامرها عادلة،  تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، فإذا جاءتهم هذه البينة، فحينئذ يتبين طالب الحق ممن ليس له مقصد في طلبه، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.

وقوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}  كقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (آل عمران ١٠٥) يعني بذلك: أهل الكتب المنـزلة على الأمم قبلنا، بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا اختلافًا كثيرًا، كما جاء في الحديث المروي من طرق: « تَفرَّقَتِ اليهودُ على إِحدَى وسبعينَ فِرقةً أو اثْنتيْنِ وسَبعينَ فِرقةً ، والنَّصارى مِثلُ ذلكَ ، وتَفتَرِقُ أُمتِي على ثلاثٍ وسبعينَ فِرقةً ، كلها في النار إلا واحدة » . قالوا:من هم يا رسول الله؟ قال: « ما أنا عليه وأصحابي » .(صحيح الترمذي)

وفي رواية عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال ﷺ: « افترَقتِ اليَهودُ على إِحدى وسَبعين فِرقةً ، فواحِدةٌ في الجنَّةِ ، وسَبعونَ في النَّارِ ، وافتَرقَت النَّصارَى على اثنَتين وسَبعين فِرقةً ، فإحدَى وسَبعونَ في النَّارِ وواحِدةً في الجنَّةِ ، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِه ، لتَفترقَنَّ أُمَّتِي على ثلاثٍ وسَبعين فرقةً ؛ فواحِدةٌ في الجنَّةِ ، واثنَتان وسَبعونَ في النَّارِ» (صحيح -في صحيح الجامع- للألباني)

وقوله: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء ٢٥) ؛ ولهذا قال: {حُنَفَاءَ}  أي: مُتَحنفين – مبتعدين-عن الشرك إلى التوحيد. كقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ( النحل٣٦ )

معنى الحنفية باللغة:

تعني الحنيفية في اللغة:  "الميل" ، واصطلاحاً : المَيلُ عن الحق بالعبرية والآرامية،  أو المَيلُ إلى الحق بالعربية.

ورد ذكر الجذر الثلاثي (ح-ن-ف) في القرآن في اثني عشرة آية، نلاحظ أن في معظمهم يكون هنالك ربط مع النبي إبراهيم الذي وصفه القرآن ب الحنيف.

حنيفا: أي مَائِلاً عَنِ البَاطِل إِلَى الدِّينِ الحَقِّ، مُتَشبِّثاً بِالدِّينِ وَمُتَمسِّكاً بِه ، قال تعالى: {فَأقِمْ وَجْهَكَ للدِّينِ حَنِيفاً} (الروم٣٠) ، وفي معجم المعاني الجامع: اخْتَارَ الدِّينَ الحَنِيفَ: الإسْلاَمَ، أَي اخْتَارَ كُلَّ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ وَصَحِيحٌ لاَ عِوَجَ فِيهِ، يؤيد هذه المعنى ما تعارف عليه أن الحُنَفَاءُ: كانوا فَرِيقًا مِنَ العَرَبِ قَبْلَ مَجِيءِ الإِسْلامِ كَانُوا يُنْكِرُونَ الوَثَنِيَّةَ، وَكَانُوا عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فسموا حنفاء، ومنه من كان على الدين المستقيم الصحيح فهو حنيفا.

وقوله تعالى: {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} وأمروا تصديقا لإخلاصهم الله بالعبادة والإيمان ، أن يمتثلوا لأوامره وفرائضه، وبدأ بعمود الإسلام وهي الصلاة، التي  هي أشرف عبادات البدن، وورد في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" أَحَبُّ شيءٍ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ : الصلاةُ لوقتِها ، ومَن ترك الصلاةَ فلا دِينَ له ، والصلاةُ عِمَادُ الدِّينِ." ( ضعفه الألباني)

  {وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ } وهي الإحسان إلى الفقراء والمحتاجين. {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي:الملة القائمة العادلة، أو: الأمة المستقيمة المعتدلة. وخص الصلاة والزكاة بالذكر،  مع أنهما داخلان في قوله {لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين.

وقد استدل كثير من الأئمة، كالزهري والشافعي، بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان؛

ولهذا قال: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴿٦﴾‏ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴿٧﴾‏}

 

يخبر تعالى عن مآل الفجار، من كفرة أهل الكتاب، والمشركين المخالفين لكتب الله المنـزلة وأنبياء الله المرسلة:أنهم يوم القيامة ( فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ) أي:ماكثين، لا يحولون عنها ولا يزولون ( أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) أي:شر الخليقة التي برأها الله وذرأها.

ثم أخبر تعالى عن حال الأبرار - الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بأبدانهم- بأنهم خير البرية.

وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء، على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة؛ لقوله: ( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )

{جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

ثم قال: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي: يوم القيامة، {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي:بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ.

{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم، كما جاء في الحديث القدسي الذي يرويه أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ: "إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالَى يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ؟ فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ، وأَيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا." ( البخاري) ،  {وَرَضُوا عَنْهُ} فيما منحهم من الفضل العميم، وربنا سبحانه وتعالى يسترضي عباده الصالحين، كما جاء في الحديث السابق، يسألهم : "هلْ رَضِيتُمْ؟" أي مقام هذا ، وأي نعيم؛ جعلنا الله من أهله.

وقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي:هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حق تقواه، وعبده كأنه يراه، وقد علم أنه إن لم يره فإنه يراه.

عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال:  قال رسول الله ﷺ: «ألَا أخبرُكم بِخيرِ النَّاسِ منزلًا ؟ قالُوا : بلَى يا رسولَ اللهِ ! قالَ : رجُلٌ أخذَ برأسِ فرسِه في سبيلِ اللهِ حتَّى يموتَ أو يُقتَلُ . ألا أخبرُكم بالَّذي يلِيهِ ؟ . قلنَا : بلَى يا رسولَ اللهِ ! قالَ : امرؤٌ معتزلٌ في شِعبٍ يُقيمُ الصَّلاةَ ، ويُؤتِيَ الزكاةَ ، ويعتزِلُ شُرورَ النَّاسِ. ألَا أخبرُكم بشرِّ النَّاسِ ؟ . قلنَا : بلَى يا رسولَ اللهِ ! قالَ : الَّذي يُسأَلُ باللهِ ولا يُعطِي» .( صحيح الترغيب والترهيب)

مقام الخشية من الله تعالى:

الخشية من الله تعالى مقام من أعلى المقامات وصفة من أسمى وأعلى الصفات، وهي شرط من شروط الإيمان قال تعالى : { فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (سورة التوبة ١٣)

والخشية خلق وصف به عباده المتقين وأوليائه المحسنين: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (سورة الأنفال ٢). قال الإمام الطبري  رحمه الله في التفسير: (ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله، ويترك إتباع ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه، والانقياد لحكمه، ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع لذكره، خوفًا منه، وفَرَقًا من عقابه) .

قال تعالى : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } (سورة الزمر٢٣)

وعَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهما: " أَنَّ النَّبِيَّﷺ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَ : وَاللهِ ، يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو ، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ"  ( رواه البخاري مرسلا)

ولقد عاب الله تعالى على بني إسرائيل ووبخهم وقرعهم على قساوة قلوبهم وعدم خشيتهم له سبحانه فقال لهم : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...} (سورة البقرة ٧٤)

والخشية

الخشية تألم القلب لتوقع مكروه مستقبلا، يكون تارة بكثرة الجناية من العبد ، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته ومنه خشية الأنبياء .

وبعضهم قيّد الخشية بما كان في حق الله ، والخوف في حق الآدميين ، قال تعالى : {لَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } (سورة الأحزاب ٣٩)، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } ( سورة الرعد٢١)‏، فخص الله نفسه بالخشية، والخوف أدني منه بالمرتبة بيوم الحساب، ولذلك قيل الخشية أخص من الخوف،  وهي من أعمال القلوب؛ أي من العبادات القلبية، وهي حقٌّ لله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يُشرك معه فيها غيره. وبعبارة مختصرة هي التقوى ومخالفة الهوى.

وقد كان مما ورد عن  النبي ﷺ أنه كان يسأل الله تعالى خشيته:  فعَن عمار بن ياسر لما سئل عن دعاء دعاه في الصلاة،  قَالَ : "فَإِنِّي قَدْ دَعَوْت اللهَ بِدُعَاءٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي،  وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك كَلِمَةَ الإِخْلاَصِ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى، وَالْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ ،  وَخَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ , وَأَسْأَلُك الرِّضَا بِالْقَدَرِ , وَأَسْأَلُك نَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ , وَقُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ , وَلَذَّةَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ , وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِك , وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِك , وَأَعُوذُ بِك مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ , وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ , اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ." (أخرجه ا لنَّسائي)

وورد بلف؟: " اللَّهُمَّ بعلمِك الغيبَ وقدرتِك علَى الخلقِ أحييني ماكانت الحياةُ خيرًا لي وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي اللَّهمَّ أنِّي أسألُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ ، وأسألُك كلمةَ الحقِّ في الغضبِ والرِّضى وأسألُك القصدَ في الغِنى والفَقرِ وأسألُك نَعيمًا لا ينفدُ وقرَّةَ عينٍ لا تنقطعُ وأسألُك الرِّضى بعدَ القضاءِ وأسألك بَردَ العَيشِ بعدَ الموتِ وأسألُك لذَّةَ النَّظرِ إلى وجهِك الكريمِ والشَّوقَ إلى لقائِك في غيرِ ضرَّاءَ مضرَّةٍ ولا فتنةٍ مضلَّةٍ اللَّهمَّ: زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ واجعَلنا هداةً مُهْتدينَ" ( صححه الأرناؤوط – من شرح الطحاوية)

 

تم بفضل الله ومنته

No comments:

Post a Comment