Sunday 24 October 2021

تفسير للآيات وبيان المتشابهات- سورة العاديات إن الأنسان لكنود جاحد نعمه

  
  

سورة العاديات- إن الإنسان لربه لكنود

 

 

التعريف بالسورة

السورة مكية - من المفصل- من الجزء ٣٠ -الجزب ٦٠-الربع الأخير- عدد آياتها ١١ آية – نزلت بعد سورة العصر – ترتيبها بالمصحف المائة – بدأت بأسلوب القسم.{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}

سبب نزول السورة :

 

أخرج البزار وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : بعث رسول الله خيلا ولبس شهرا لا يأتيه من خبر فنزلت {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}. 

محور مواضيع السورة:
في ظاهرها هي أربع مواضيع، تبدأ السورة بقسم مع رسم الصورة للقسم، فهو ليس قسم بثابت، بل قسم بمتحرك، فتبدأ كذلك {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا } فالقسم متوصف بأربع صفات، وكلها في حالة الإغارة والحرب، وهذا القسم على أن الإنسان جحود لفضل الله عليه، ولكن ما دام المآل إلى الله فكيف له أن يجحد؟

 

التفسير:

يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فَعَدت وضَبَحت، وهو:الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو. {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} يعني: اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار. وقوة ضرب أرجلها الأرض تكاد تشعل نارا وشرارا ولهيبا من احتكاك الحوافر بالأرض الصلبة .

 

{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} يعني: الإغارة وقت الصباح، كما كان رسول الله ﷺ يغير صباحًا ويتسمّع أذانا، فإن سمع وإلا أغار.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَاناً أَمْسَكَ، وَإِلاَّ أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ: "عَلَى الْفِطْرَةِ" ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ: "خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ" فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزىً. (رواه مسلم ورواه البخاري دون قصة الرجل)

وقوله تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}  يعني: غبارًا في المكان- معترك الخيول.

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}  أي: توسطن ذلك المكان كُلُّهن جمع.

قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج، عن عبد الله: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}  قال:الإبل.

تأملات في أقسام سورة العاديات:

 تبيّنّ أنّ الله تعالى لم يقسم هذه المرّة بشيٍ واحدٍ فحسب، بل أقسم بمشهدٍ متكاملٍ وصوّر بقسمه هذا أحداثًا واقعةً حيث قال: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}، فقد أقسم سبحانه بالخيل التي تعدو بسرعةٍ بحيث يمكن سماع صوت أنفاسها، ثم أقسم بحركتها وقوّتها وإغارتها في المعارك وذلك بأن ذكر فاء العطف التي أتت بمحلّ عطفٍ على القسم، ثم أقسم بما تقوم به تلك الخيول أثناء المعارك، وكان هذا القسم العظيم إشارةً من الله تعالى إلى عِظم ما يليه.

إن مجيء سورة مكية – في فترة لم يكن فيها ثمة جهاد – وبهذا النسق ، يقسم الله فيها على مثل هذه الأمور ، مع الإشارة لمكانتها في الغلبة والسيطرة و إخضاع العدو وقهره مع المرونة وخفة الحركة والمناورة الذكية، لهو خير دليل على اهتمام القرآن واعتنائه بالتسابق للتسلح وحيازة العدة للقتال، وابتكار كل ما هو جديد وفعال في ميادين الحرب، ومضاعفة الجهود وتكريسها للأخذ بسنن النصر والتمكين والقوة ، والأخذ بزمام المبادرة في الإعداد وإرهاب الخصم ، والتصدي لأهل الظلم والعدوان والبغي .

 

وقال علي: هي الإبل. وقال ابن عباس:هي الخيل. فبلغ عليا قولُ ابن عباس، فقال:ما كانت لنا خيل يوم بدر. قال ابن عباس:إنما كان ذلك في سرية بعثت.

قال ابن أبي حاتم وابن جرير:بسنده  عن ابن عباس حدثه، قال: بينا أنا في الحِجْر جالسا، جاءني رجل فسألني عن: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} فقلت له:الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم.

فانفتل عني فذهب إلى علي، رضي الله عنه، وهو عند سقاية زمزم فسأله عن {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}، فقال:سألت عنها أحدًا قبلي؟ قال:نعم، سألت ابن عباس فقال:الخيل حين تغير في سبيل الله. قال: اذهب فادعه لي. فلما وقف على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك، والله لئن كان أولَ غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلا فَرَسان: فرس للزبير وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحًا؟ إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى.

قال ابن عباس:فنـزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه .

وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال:قال علي:إنما {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} من عرفة إلى المزدلفة، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران. وجمع المفسرين على التفسير الأول، وهو أصح.

وقال ابن جُرَيْج عن عطاء سمعت ابن عباس يصف الضبح: أح أح.

وقال أكثر هؤلاء في قوله: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} يعني:بحوافرها. وقيل:أسعَرْنَ الحرب بين رُكبانهن. قاله قتادة. وقيل:هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل.

وقيل:المراد بذلك:نيران القبائل.

وقال من فسرها بالإبل: هو إيقاد النار بالمزدلفة.

وقال ابن جرير:والصواب الأول؛  أنها الخيل حين تقدح بحوافرها.

وقوله {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة:يعني إغارة الخيل صبحًا في سبيل الله.

وقال من فسرها بالإبل:هو الدفع صبحا من المزدلفة إلى منى.

وقالوا كلهم في قوله: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا } هو:المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار، إما في حج أو غزو.

وقوله: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} قال العَوفى، عن ابن عباس: يعني جَمَع الكفار من العدو.

ويحتمل أن يكون:فوسطن بذلك المكان جَميعُهُن، ويكون {جَمْعًا} منصوبا على الحال المؤكدة.

وقد روى أبو بكر البزار هاهنا حديثًا [ غريبًا جدًا ] فقال:حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا حفص بن جُمَيع، حدثنا سِمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعث رسول الله ﷺ خيلا فأشهرت شهرًا لا يأتيه منها خبر، فنـزلت: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} ضبحت بأرجلها، {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارًا، {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} صبَّحت القوم بغارة، {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} أثارت بحوافرها التراب، {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} قال:صبحت القوم جميعا .(لا يصح)

وقوله: {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} هذا هو المقسم عليه، بمعنى:أنه لنعم ربه لجحود كفور.

قال ابن عباس، وغيرهه من الصحابة والتابعين: الكنود: الكفور. قال الحسن: هو الذي يعد المصائب، وينسى نعم ربه.

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال:قال رسول الله ﷺ: {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} قال: « الَّذي يَنزلُ وحدَهُ، ويَمنعُ رِفدَهُ ، ويجلِدُ عبدَهُ » (رواه ابن أبي حاتم، من طريق جعفر بن الزبير - وهو متروك- فهذا إسناد ضعيف. وقد رواه ابن جرير أيضا من حديث حريز بن عثمان، عن حمزة بن هانئ، عن أبي أمامة موقوفا .

وقوله: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} قال قتادة وسفيان الثوري: وإن الله على ذلك لشهيد. ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان، قاله محمد بن كعب القرظي، فيكون تقديره: وإن الإنسان على كونه كنودا لشهيد، أي:بلسان حاله، أي:ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } ( التوبة١٧)

وقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي:وإنه لحب الخير - وهو:المال- لشديد. وفيه مذهبان:

أحدهما: أن المعنى:وإنه لشديد المحبة للمال.

والثاني: وإنه لحريص بخيل؛ من محبة المال. وكلاهما صحيح.

ثم قال تعالى مُزَهِّدا في الدنيا، ومُرَغِّبًا في الآخرة، ومنبهًا على ما هو كائن بعد هذه الحال، وما يستقبله الإنسان من الأهوال: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ }  أي:أخرج ما فيها من الأموات .

وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ( 10 ) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ( 11 )

{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ } قال ابن عباس وغيره: يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم، { إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ } أي: لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون، مجازيهم عليه أوفر الجزاء، ولا يظلم مثقال ذرة.

 

آخر [ تفسير ] سورة « والعاديات » ولله الحمد والمنة، وحسبنا الله


No comments:

Post a Comment