Friday 13 May 2022

تفسير سورة البقرة-ح13 يقتلون الانبياء بغير حق

  

تفسير سورة البقرة-ح ١٣- استكبر بنو إسرائيل وتعدوا على الأنبياء والرسل، فكذبوا منهم وفريقا كانوا يقتلون

محور مواضيح الجزء:

- يعدد الله مخالفات ، ومعاندات بني إسرائيل على ربهم.

- ويظهر لنا ربنا في هذا الموضع من السورة  حقيقة ما عليه هؤلاء القوم، إنهم لا يرعون  حرمة ولا يبالون بنبي مرسل سبقت من ربهم البشارة به، ولا يلزمون نمط أو أمر.

- بنو إسرائيل هم قتلة الأنبياء، تجرأوا على نبي الله عيسى عليه السلام يريدون قتله ، فأعمى الله أبصارهم .

- هم قوم ملعونين، كفروا بما كانوا ينتظرون، وكانوا بتوعدون العرب بأنه آت وأنهم سيكونون معه يقتلونهم.

- هم قوم مغضوب عليهم إلى يوم الدين ، ليس ظلما من ربنا العدل، ولكن لأنهم ما زالوا على ما كان عليه آباءهم.

التفسير:

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ) ( ٨٧ )

ينعت، تبارك وتعالى، بني إسرائيل بالعتو والعناد والمخالفة، والاستكبار على الأنبياء، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم، فذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب - وهو التوراة- فحرفوها وبدلوها، وخالفوا أوامرها وأولوها. وأرسل الرسل والنبيين من بعده الذين يحكمون بشريعته، كما قال تعالى: (إِنَّا أَنْـزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ...) ( المائدة٤٤) ، ولهذا قال: ( وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ) أي: أتبعنا موسى برسل من بعده، أي: أردفنا. والكل قريب، كما قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) ( المؤمنون٤٤).

 حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام، ولهذا أعطاه الله من البينات، وهي: المعجزات. قال ابن عباس: من إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، وإبرائه الأسقام، وإخباره بالغيوب، وتأييده بروح القدس، وهو جبريل عليه السلام - ما يدلهم على صدقه فيما جاءهم به. فاشتد تكذيب بني إسرائيل له وحَسَدهم وعنادهم لمخالفة التوراة في البعض، كما قال تعالى إخبارًا عن عيسى: (وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (آل عمران ٥٥).

 فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء عليهم السلام أسوأ المعاملة، ففريقًا يكذبونه. وفريقًا يقتلونه، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم وبإلزامهم بأحكام التوراة التي قد تصرفوا في مخالفتها، فلهذا كان يشق ذلك عليهم، فيكذبونهم، وربما قتلوا بعضهم؛ ولهذا قال تعالى: ( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ)

والدليل على أن روح القدس هو جبريل، كما نص عليه ابن مسعود في تفسير هذه الآية، وتابعه على ذلك كثير، وقال قتادة مع قوله تعالى: (نَـزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ *  بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) [ الشعراء:١٩٣- ١٩٥)،  ما قال البخاري:وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة: إنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ، وضعَ لحسَّانَ بنِ ثابتٍ منبرًا في المسجدِ ، فَكانَ يُنافِحُ عن رسولِ اللَّهِ ﷺ، فقالَ رسولُ اللَّهِﷺ: " اللَّهمَّ أيِّد حسَّانَ بروحِ القُدسِ كما نافحَ عن نبيِّكَ "  (وهذا من البخاري تعليق، وعند مسلم والترمذي في الصحيح)

وفي الصحيحين عن أبي هريرة: مرَّ عمرُ بحسَّانَ بنِ ثابتٍ، وَهوَ ينشدُ في المسجدِ ، فلحَظَ إليهِ فقالَ: قَد أنشدتُ وفيهِ مَن هوَ خيرٌ منكَ، ثمَّ التفتَ إلى أبي هُرَيْرةَ فقالَ: أسمعتَ رسولَ اللَّهِ ﷺيقولُ : " أجب عنِّي ، اللَّهمَّ أيِّدهُ بِروحِ القدُسِ ؟ قالَ: اللَّهمَّ نعَم " وفي بعض الروايات:أن رسول الله ﷺقال لحسان: "أهجهم - أو:هاجهم- وجبريل معك" .[ الشرح: أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه مرَّ على حسَّانَ بنِ ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه ذاتَ مَرَّةٍ وهو يَقولُ الشِّعرَ في المَسجِدِ، فنَظَرَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه إليه، وكأنَّه أنكَرَ هذا الفِعلَ، فأخبَرَه حَسَّانُ بنُ ثابِتٍ أنَّه كان يُنشِدُ الشِّعرَ في المَسجِدِ بحُضورِ مَن هو خَيرٌ مِن عمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، يَقصِدُ النَّبيَّ ﷺ

وفي شعر حسان قوله:

وجــبريل رســول اللــه ينـادي وروح القــدس ليس بــه خفــاء  

وقال محمد بن إسحاق: عن شهر بن حوشب الأشعري:أن نفرًا من اليهود سألوا رسول الله ﷺ فقالوا: أخبرنا عن الروح. فقال: « أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه جبريل؟ وهو الذي يأتيني؟ » قالوا:نعم .

وفي صحيح ابن حبان أظنه عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: « إن روح القدس نفخ في روعي:إن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ».

أقوال أخر:

قال ابن أبي حاتم: عن ابن عباس: ( بِرُوحِ الْقُدُسِ ) الروح هو حفظة على الملائكة.

قال السدي: القدس: البركة. وقال العوفي، عن ابن عباس: الْقُدُسِ : هو الطهر. والقُدّوس: هو الرب تبارك وتعالى

وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن البصري أنهما قالا:  القدس: هو الله تعالى، ومن روحه: جبريل، فعلى هذا يكون القول الأول.

وقال ابن جرير: قال:قال ابن زيد في قوله تعالى: (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) قال: أيد الله عيسى بالإنجيل روحًا كما جعل القرآن روحًا، كلاهما روح من الله، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا )[ الشورى٥٢] .

ثم قال ابن جرير: وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قولُ من قال:الروح في هذا الموضع جبريل، لأن الله، عز وجل، أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ ) الآية  (لمائدة١١٠). فذكر أنه أيده به، فلو كان الروح الذي أيده به هو الإنجيل، لكان قوله: ( إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) ( وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ ) تكرير قول لا معنى له، والله أعز أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به.

قلت:ومن الدليل على أنه جبريل ما تقدم في أول السياق؛ ولله الحمد .

وقال الزمخشري ( بِرُوحِ الْقُدُسِ ) بالروح المقدسة، كما يقول:حاتم الجود ورجل صدق ووصفها بالقدس كما قال: ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) فوصفه بالاختصاص والتقريب تكرمة، وقيل:لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث، وقيل:بجبريل، وقيل:بالإنجيل، كما قال في القرآن: رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [ الشورى:52 ] وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره، وتضمن كلامه قولا آخر وهو أن المراد روح عيسى نفسه المقدسة المطهرة.

وقال الزمخشري في قوله: ( فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ) إنما لم يقل: وفريقًا قتلتم؛ لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل - أيضًا- لأنهم حاولوا قتل النبي ﷺ بالسم والسحر، وقد قال، عليه السلام، في مرض موته: « ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري » ، وهذا الحديث في صحيح البخاري وغيره .

(وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ)

قال محمد بن إسحاق:حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) أي:في أكنة.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أي:لا تفقه.

وقال العوفي، عن ابن عباس: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) : هي القلوب المطبوع عليها.

وقال مجاهد: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) عليها غشاوة.

وقال عكرمة:عليها طابع.:أي لا تفقه. وقال السدي:يقولون:عليها غلاف، وهو الغطاء.

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة: ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) هو كقوله: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ) (فصلت٥).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: ( غُلْفٌ ) قال:يقول:قلبي في غلاف فلا يَخْلُص إليه ما تقول، قرأ : (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ)

وهذا هو الذي رجحه ابن جرير، واستشهد مما روي من حديث عن حذيفة، قال:( القلوب أربعة :

-  قلب أجرد، فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن

- و قلب أغلف مَغْضُوب عليه، وذاك قلب الكافر.

-وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر، وأبصر ثم عمي.

- وقلب تمده مادتان : مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما   (إغاثة اللهفان)

 

القلب سر عجيب من أسرار الخلق الإلهي في الإنسان، وقد جعله الله معدنا للخير أو للشر، حسب المواد والتغذية المودعة فيه ، فبصلاحه واستنارته يحيا المرء، وبفساده وظلمته، يموت المرء، وينتهي به المطاف إلى حياة بالية مريرة ،..!

ومن هنا كانت العبادات والأذكار الروحية خير غذاء تغيثه وتحفظه...! (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ) ( الرعد٢٨) . ومن عجائبه أنه يتأثر بما حوله وما يحويه من المعارف والعادات والكلمات والقربات،وهذا جل خطير، وقد يحمل صفات سيده ، فيقوده بحسب حلوها وحبورها، أو سوئها وقبحها، والله المستعان وقال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (الشعراء٨٩)

وقال ابن أبي حاتم: عن قتادة، عن الحسن في قوله: ( قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) قال: لم تختن.

هذا القول يرجع معناه إلى ما تقدم من عدم طهارة قلوبهم، وأنها بعيدة من الخير.

قول آخر: عن ابن عباس في قوله: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) قال قالوا: قلوبنا مملوءة علمًا لا تحتاج إلى علم محمد، ولا غيره.

وقال عطية العوفي: ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ) أي:أوعية للعلم.

وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار فيما حكاه ابن جرير: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلُفٌ)  بضم اللام، أي:جمع غلاف، أي: أوعية، بمعنى أنهم ادعوا أن قلوبهم مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر. كما كانوا يَمُنُّون بعلم التوراة. ولهذا قال تعالى: ( بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَّا يُؤْمِنُونَ ) ، أي:ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها، كما قال في سورة النساء: (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ) (النساء ١٥٥) .

وقد اختلفوا في معنى قوله: ( فَقَلِيلا مَّا يُؤْمِنُونَ ) وقوله: ( فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ) ، فقال بعضهم: فقليل من يؤمن منهم [ واختاره فخر الدين الرازي وحكاه عن قتادة والأصم وأبي مسلم الأصبهاني ]

وقيل: فقليل إيمانهم. بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب، ولكنه إيمان لا ينفعهم، لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد ﷺ

وقال بعضهم: إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء، وإنما قال: ( فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ ) وهم بالجميع كافرون، كما تقول العرب: قلما رأيت مثل هذا قط. تريد:ما رأيت مثل هذا قط.

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( ٨٩ )

يقول تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ ) يعني اليهود ( كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) وهو:القرآن الذي أنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم ( مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ) يعني:من التوراة، وقوله: ( وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) أي:وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون:إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم، كما قال محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمَر عن قتادة الأنصاري، عن أشياخ منهم قال:قالوا:فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار- وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم، نـزلت هذه القصة يعني: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) قالوا كنا قد علوناهم دهرًا في الجاهلية، ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب، فكانوا يقولون:إن نبيًا من [ الأنبياء ] يبعث الآن نتبعه، قد أظل زمانه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما بعث الله رسوله من قريش [ واتبعناه ] كفروا به. يقول الله تعالى: ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ البقرة ٨٩]

وقال الضحاك، عن ابن عباس، في قوله ( وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال يستظهرون يقولون: نحن نعين محمدًا عليهم، وليسوا كذلك، يكذبون.

وعن ابن عباس:أن يَهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله ﷺ قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن مَعْرُور، أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ﷺونحن أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفُونه لنا بصفته.

 فقال سَلام بن مِشْكم أخو بني النضير:ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم ،  فأنـزل الله في ذلك من قولهم: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ )

وقال العوفي، عن ابن عباس: ( وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) يقول:يستنصرون بخروج محمد ﷺ على مشركي العرب - يعني بذلك أهل الكتاب- فلما بعث محمد ﷺ ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه.

وقال أبو العالية:كانت اليهود تستنصر بمحمد ﷺ على مشركي العرب، يقولون:اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبًا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم. فلما بعث الله محمدًا ﷺ، ورأوا أنه من غيرهم، كفروا به حسدًا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول اللهﷺ فقال الله: ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ )

وقال قتادة: ( وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال:كانوا يقولون: إنه سيأتي نبي. (فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ )

وقال مجاهد: ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) قال:هم اليهود.

وقال الإمام أحمد:بسنده  عن سلمة بن سلامة بن وقش، وكان من أهل بدر قال:كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل قال:فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث رسول الله ﷺ بيسير، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل. قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيهم سنًّا على بردة مضطجعًا فيها بفناءٍ أصلي. فذكر البعث والقيامة والحسنات والميزان والجنة والنار. قال ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون بعثًا كائنًا بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، يجزون فيها بأعمالهم؟ فقال: نعم، والذي يحلف به، لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غدًا. قالوا له:ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن. قالوا:ومتى نراه؟ قال: فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنًّا، فقال:إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة:فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله ﷺ وهو بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا.

فقلنا:ويلك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا؟ قال:بلى وليس به. تفرد به أحمد .

وحكى القرطبي وغيره عن ابن عباس، رضي الله عنهما: أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان، فدعا اليهود عند ذلك، فقالوا: اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان، إلا نصرتنا عليهم. قال: فنصروا عليهم. قال: وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم. قال الله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا) أي من الحق وصفة محمد ﷺ « كَفَرُوا به » فلعنة الله على الكافرين.

(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (٩٠)

قال مجاهد: ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) يهودُ شَرَوُا الحقَّ بالباطل، وكتمانَ مَا جاءَ به مُحَمَّد ﷺبأن يبينوه.

وقال السدي: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) يقول:باعوا به أنفسهم، يعني:بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به [وعدلوا إليه من الكفر بما أنـزل الله على محمد ﷺ إلى تصديقه ومؤازرته ونصرته] .

وإنما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية ( أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) ولا حسد أعظم من هذا.

وعن ابن عباس: ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنـزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) أي: إن الله جعله من غيرهم (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) قال ابن عباس: فالغضب على الغضب، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم، وغضب بكفرهم بهذا النبيﷺ الذي أحدث الله إليهم.

قلت: ومعنى (بَاءُوا) استوجبوا، واستحقوا، واستقروا بغضب على غضب. وقال أبو العالية: غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى عليه السلام، ثم غضب عليهم بكفرهم بمحمد ﷺ، وبالقرآن .

قال السدي:أما الغضب الأول فهو حين غضب عليهم في العِجْل، وأما الغضب الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد ﷺ وعن ابن عباس مثله.

وقوله: ( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) لما كان كفرهم سببه البغي والحسد، ومنشأ ذلك التكبر، قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (غافر ٦٠) ،  أي: صاغرين حقيرين ذليلين راغمين  

وقد قال الإمام أحمد: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺقال: " يحشرُ المتَكبِّرونَ يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صورِ النَّاسِ يعلوهم كلُّ شيءٍ من الصَّغارِ ، حتَّى يدخلوا سجنًا في جَهنَّمَ يقالُ لَهُ : بولُسُ تعلوهم نارُ الأنيارِ ويسقونَ من طينةِ الخبالِ عصارةُ أَهلِ النَّارِ "  (صحيح الترمذي)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١ ) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) ( ٩٢ )

يقول تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ) أي:لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب (آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) [ أي ] :على محمد ﷺ وصدقوه واتبعوه ( قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ) أي:يكفينا الإيمان بما أنـزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك، ( وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ ) يعنى:بما بعده (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ ) أي:وهم يعلمون أن ما أنـزل على محمد ﷺ الحق ( مُصَدِّقًا ) منصوب على الحال، أي في حال تصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل، فالحجة قائمة عليهم بذلك، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) ( البقرة١٤٦) ثم قال تعالى: ( [ قُلْ ] فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) أي:إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنـزل إليكم، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاؤوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها، وأنتم تعلمون صدقهم؟ قتلتموهم بغيًا [ وحسدًا ] وعنادًا واستكبارًا على رسل الله، فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء، والآراء والتشهي كما قال تعالى: ( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) ( البقرة ٨٧ ).

وقال السدي:في هذه الآية يعيرهم الله تعالى: ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )

وقال أبو جعفر بن جرير:قل يا محمد ليهود بني إسرائيل - [ الذين ] إذا قلت لهم: آمنوا بما أنـزل الله قالوا: ( نُؤْمِنُ بِمَا أُنـزلَ عَلَيْنَا ) ، أي قل لهم: لم تقتلون - إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنـزل الله عليكم- أنبياءه وقد حرم الله في الكتاب الذي أنـزل عليكم قتلهم، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم، وذلك من الله تكذيب لهم في قولهم: ( نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ) وتعيير لهم.

( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ) أي: بالآيات الواضحات والدلائل القاطعة على أنه رسول الله، وأنه لا إله إلا الله. والبينات هي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، وفَلْق البحر، وتظليلهم بالغمام، والمن والسلوى، والحجر، وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها ( ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) أي: معبودًا من دون الله في زمان موسى وآياته. وقوله ( مِنْ بَعْدِهِ ) أي:من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة الله كما قال تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ) (الأعراف١٤٨) ، ( وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) أي: وأنتم ظالمون في هذا الصنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل، وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى: (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (الأعراف ١٤٩).

 

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ( ٩٣ )

يعدد، تبارك وتعالى، عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق وعتوهم وإعراضهم عنه، حتى رفع الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه؛ ولهذا قال: (قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وقد تقدم تفسير ذلك.

( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) قال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة: ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ [ بِكُفْرِهِمْ ] ) قال:أشربوا [ في قلوبهم ] حبه، حتى خلص ذلك إلى قلوبهم.

وقال الإمام أحمد:حدثنا عصام بن خالد، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن خالد بن محمد الثقفي، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي ﷺ قال: " حُبُّك الشيء يُعْمِي ويُصم ".( ضعفه الألأباني – أبي داوود)

وقال ابن أبي حاتم: بسنده عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب، قال:عمد موسى إلى العجل، فوضع عليه المبارد، فبرده بها، وهو على شاطئ نهر، فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب .

وقال سعيد بن جبير: ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) قال:لما أحرق العجل بُرِدَ ثم نسف، فحسوا الماء حتى عادت وجوههم كالزعفران.

المقصود من هذا السياق، أنه ظهر النقير على شفاههم ووجوههم، والمذكور هاهنا: أنهم أشربوا في قلوبهم حب العجل، يعني: في حال عبادتهم له، ثم أنشد قول النابغة في زوجته عثمة:

تغلغــل حـب عثمـة فـي فـؤادي فباديــه مــع الخــافي يســير، تغلغــل حــيث لـم يبلـغ شـراب ولا حــزن ولــم يبلــغ سـرور، أكــاد إذا ذكــرت العهــد منهـا أطــير لــو أن إنســانا يطــير

وقوله: ( قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) أي: بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه، من كفركم بآيات الله ومخالفتكم الأنبياء، ثم اعتمادكم في كفركم بمحمد ﷺ وهذا أكبر ذنوبكم، وأشد الأمور عليكم- إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى الناس أجمعين، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة، من نقضكم المواثيق، وكفركم بآيات الله، وعبادتكم العجل؟!

  

No comments:

Post a Comment