Tuesday 24 May 2022

السيرة النبوية الشريفة غزوة بني قريظة-وافق حكم سعد بن معاذ حكم الله- فاهتز عرش الرحمن لموته

   
 

غزوة بني قريظة

ورجع رسول الله ﷺ من الخندق ونزع السلاح والثياب، وبينما هو يغتسل في بيت أم سلمة جاءه جبريل عليه السلام وأمره بالنهوض إلى بني قريظة ، وقال : إني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، ثم سار في موكبه من الملائكة

أما رسول الله ﷺ فأعلن في الناس: "من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة." واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب، وقدمه في جماعة  إليهم ، فلما رأوه سبوا الرسول ﷺ وقالوا قبيحاً، وبادر المسلمون في الخروج، وأدركت بعضهم العصر في الطريق فمنهم من صلى ، ومنهم من أخر حتى وصل إلى بني قريظة ، وخرج رسول الله ﷺ  في موكب المهاجرين والأنصار حتى نزل على بئر من آبارهم اسمها: " أنا " .

وألقى الله في قلوبهم الرعب، فتحصنوا في حصونهم، ولم يجترءوا على القتال، وحاصرهم المسلمون بشدة ، فلما طال عليهم الحصار أرادوا أن يستشيروا بعض حلفائهم من المسلمين، فطلبوا من رسول  الله ﷺ  أن يرسل إليهم أبا لبابة ليستشروه، فأرسله، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم ، وقالوا : أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه، يريد أنه الذبح، ثم تنبه أنه بإشارته هذه خان الله ورسوله ، فمضى على وجهه حتى أتى المسجد النبوي ، وربط نفسه بسارية من سواريه ، وحلف أن لا يحله إلا رسول الله ﷺ  بيده ، فلما بلغ رسول الله ﷺ خبره قال : أما إنه لو جاءني لا ستغفرت له . أما إذا فعل ما فعل فنتركه حتى يقضي الله فيه .

ومع طول الحصار انهارت معنويات بني قريظة، حتى نزلوا بعد خمس وعشرين ليلة على حكم رسول الله ﷺ، فاعتقل الرجال، وجعل النساء والذراري بمعزل عنهم في ناحية، وطلب حلفاؤهم الأوس أن يحسن إليهم، كما فعل ببني قينقاع حلفاء الخزرج ، فقال: ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى . قال : فذاك إلى سعد بن معاذ . قالوا : قد رضينا .

وكان سعد في المدينة للجرح الذي أصابه أثناء غزوة الخندق ، فجاءوا به راكباً على حمار ، فلما قرب من رسول الله ﷺ قال : قوموا إلى سيدكم ، فقالوا إليه، وأحاطوا به من جانبيه ، يقولون : يا سعد ! أحسن في مواليك ، وهو ساكت لا يجيب ، فلما أكثروا عليه قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم . فلما سمعوا ذلك رجع بعضهم إلى المدينة ونعى إليهم القوم .

ولما نزل سعد ، وأخبر بنزول قريظة على حكمه ، حكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال ، فقال رسول الله ﷺ : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات . وقد كان هذا الحكم أيضاً طبقاً لشريعة اليهود ، بل أرف ق وأرحم من حكم شريعتهم

وعلى إثر هذا القضاء الذي قضى به سعد بن معاذ أتى ببني قريظة إلى المدينة ، فحبسوا في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة ، ثم ذهب بهم إلى هذه الخنادق أرسالاً أرسالاً ، وضربت أعناقهم فيها ، وكانوا أربعمائة ، وقيل : ما بين الستمائة إلى السبعمائة .

وقتل معهم حيى بن أخطب سيد بني النضير ، وكان من زعماء اليهود العشرين الذين حرضوا قريشاً وغطفان على غزوة الأحزاب ، ثم كان قد جاء إلى قريظة ، وأغراهم على نقض العهد ، حتى غدروا بالمسلمين في أحرج ساعة من حياتهم ، وكانوا قد اشترطوا عليه أن يكون معهم ، يصيبه ما يصيبهم ، فكان معهم في حصونهم أثناء الحصار والاستسلام حتى القتل .

وقد أسلم نفر من بني قريظة قبل النزول فلم يتعرض لهم ، واستوهب بعضهم فتركوا وأسلموا . وقتلت امرأة من نسائهم ، لأنها كانت قد طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته، وجمع السلاح والأموال فكانت ألفاً وخمسمائة سيف ، وثلاثمائة درع ، وألفى رمح ، وخمسمائة ترس وحجفة ، وأثاثاً كثيراً ، وآنية وجمالاً وشياهاً ، فخمس كل ذلك مع النخل والسبي ، فأعطى للراجل سهماً وللفارس ثلاثة أسهم ، سهماً لنفسه وسهمين لفرسه .

وأرسلت السبايا إلى نجد فابتيع بها السلاح ، واصطفى النبي -e- منها ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خناقة ، فيقال : إنه تسرى بها ، ويقال: أعتقها وتزوجها، فتوفيت بعد حجة الوداع.

ولما تم أمر قريظة أجيبت دعوة سعد بن معاذ ، وكان في خيمة في المسجد النبوي ، ليعوده النبي ﷺ من قريب ، فمرت عليه شاة فانتقض جرحه ، وانفجر من لبته ، فسال الدم الغزير حتى توفي لأجله، وحملت جنازته الملائكة مع المسلمين ، واهتز لموته عرش الرحمن .

ومضى على أبي لبابة ست ليال تأتيه امرأته فتحله للصلاة ، ثم يعود فيربط نفسه بالجذع ، ثم نزلت توبته في بيت أم سلمة ﷺ فبشرته بها ، فثار الناس ليطلقوه فأبى حتى يطلقه رسول الله ﷺ ففعل حين مر به لصلاة الصبح .

 

 

No comments:

Post a Comment