Tuesday 24 May 2022

تفسير سورة البقرة ح14 من هو عدو اليهود من الملائكة وكيف يتمنون على ال...

   
 

تفسير سورة البقرة- ح 14  افتراءات جسام من بني إسرائيل ، أدعوها ولم يتمكنوا من  تحقيقها.

مواضيع هذا الجزء:

-الرد على اليهود في مسألتين، افتروها على الله ، ولم يقدروا على إثباتهما:

1- أن الجنة والنعيم المقيم في الآخرة خالصة لهم من دون العباد أجمعين، فتحداهم ربهم بالمباهلة .

2- وجاهروا بالكره لسيد الملائكة، والرسول بين الله والرسل من البشر، وهو جبريل عليه السلام. فماذا كان رد الله عليهم؟

- فضح ربنا لهم على لأقوالهم في سيدنا سليمان عليه السلام، وتقرير أنه ملك نبي، وليس بساحر، بل هم من يتبعون السحرة.

التفسير:

قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ( ٩٦)

قال محمد بن إسحاق:حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس:يقول الله لنبيه ﷺ: ( قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)  في تفسيرها قولين:

أولهما:  يقصد فيها المباهلة: أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب. فأبوا ذلك على رسول الله ﷺ ( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أي:بِعِلْمِهِم بما عندهم من العلم بك، والكفر بذلك، ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات.وقال الضحاك، عن ابن عباس: ( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) فسلوا الموت.

وقال عبد الرزاق، عن عكرمة، قوله: ( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) قال ابن عباس:لو تمنى اليهود الموت لماتوا.

عن سعيد بن جبير- عن ابن عباس، قال:لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس.

وقال ابن جرير في تفسيره: وبلغنا أن رسول الله ﷺ قال: « لَو أنَّ اليَهودَ تمنَّوا الموتَ لماتوا ، ولرأَوا مقاعدَهُم منَ النَّارِ ولَو خرجَ الَّذينَ يباهِلونَ رسولَ اللَّهِ ﷺ لرجَعوا لا يجدونَ أَهْلًا ولا مالًا» .( أخرجه النسائي في السنن الكبرى ، وصححه أحمد شاكر)

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا الحسن بن أحمد قال: عن الحسن، قال: قول الله ما كانوا ليتمنوه بما قدمت أيديهم. قلت: أرأيتك لو أنهم أحبوا الموت حين قيل لهم: تمنوا، أتراهم كانوا ميتين؟ قال:لا والله ما كانوا ليموتوا ولو تمنوا الموت، وما كانوا ليتمنوه، وقد قال الله ما سمعت: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)

وهذا غريب عن الحسن. ثم هذا الذي فسر به ابن عباس الآية هو المتعين، وهو الدعاء على أي الفريقين أكذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة، ونقله ابن جرير عن قتادة، وأبي العالية، والربيع بن أنس، رحمهم الله.

ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ*قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ( الجمعة٦- ٨ ) فهم عليهم -لعائن الله- لما زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى، دعوا إلى المباهلة والدعاء على أكذب الطائفتين منهم، أو من المسلمين. فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد أنهم ظالمون؛ لأنهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك، فلما تأخروا علم كذبهم. وهذا كما دعا رسول الله ﷺوفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة، وعتوّهم وعنادهم إلى المباهلة، فقال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ( آل عمران٦١ ) فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض: والله لئن باهلتم هذا النبيّ لا يبقى منكم عين تطرف. فعند ذلك جنحوا للسلم وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فضربها عليهم. وبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه، أمينًا. ومثل هذا المعنى أو قريب منه قوله تعالى لنبيه ﷺ أن يقول للمشركين: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) (مريم٧٥ )، أي:من كان في الضلالة منا أو منكم، فزاده الله مما هو فيه ومَدّ له، واستدرجه، كما سيأتي تقريره في موضعه، إن شاء الله .

القول الثاني: أن الله يتحداهم فقط بأن يتمنى احدهم الموت:فقال: ( قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أي:إن كنتم صادقين في دعواكم، فتمنوا الآن الموت. ولم يتعرض هؤلاء للمباهلة كما قرره طائفة من المتكلمين وغيرهم، ومال إليه ابن جرير بعد ما قارب القول الأول؛ فإنه قال: القول في تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وهذه الآية مما احتج الله به لنبيه ﷺعلى اليهود الذين كانوا بين ظهراني مُهَاجَره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم؛ وذلك أن الله تعالى أمر نبيه ﷺ إلى قضية عادلة بينه وبينهم، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف، كما أمره أن يدعو الفريق الآخر من النصارى إذا خالفوه في عيسى ابن مريم، عليه السلام، وجادلوه فيه، إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة. فقال لفريق من اليهود: إن كنتم محقين فتمنوا الموت، فإن ذلك غير ضار بكم إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنـزلة من الله، بل أعطيكم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها، والفوز بجوار الله في جناته إن كان الأمر كما تزعمون:من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا. وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم فامتنعت اليهود من الإجابة إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت، فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها، كما امتنع فريق من النصارى.

فهذا الكلام منه أوله حسن، وأما آخره فيه نظر؛ وذلك أنه لا تظهر الحجة عليهم على هذا التأويل، إذ يقال:إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنوا الموت فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت، وكم من صالح لا يتمنى الموت، بل يود أن يعمر ليزداد خيرًا وترتفع درجته في الجنة، كما جاء في الحديث: « خيرُكُم مَن طالَ عُمرُهُ ، وحسُنَ عملُهُ » ( عمدة التفسير – صححة أحمد شاكر) ، وقد وجاء في الصحيح النهي عن تمني الموت، وفي بعض ألفاظه: « لا يتمنين أحدُكم الموتَ لضرٌ نـزل به إما مُحسنًا فلعلَه أن يزداد، وإما مُسيئًا فلعله أن يُسْتعتب» . ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا: فها أنتم تعتقدون - أيها المسلمون- أنكم أصحاب الجنة، وأنتم لا تتمنون في حال الصحة الموت؛ فكيف تلزمونا بما لا نُلزمكم؟

وهذا كله إنما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى، فأما على تفسير ابن عباس فلا يلزم عليه شيء من ذلك، بل قيل لهم كلام نَصَف: إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس، وأنكم أبناء الله وأحبّاؤه، وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم  من أهل النار، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة. فلما تيقَّنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة لما يعلمون من كذبهم وافترائهم وكتمانهم الحق من صفة الرسول ﷺ ونعته، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحققونه. فعلم كل أحد باطلهم، وخزيهم، وضلالهم وعنادهم - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.

المباهلة باللغة:

بتهلَ/ ابتهلَ إلى يَبتَهِل، ابتهالاً، فهو مُبتهِل، والمفعول مُبتهَل إليه • ابتهل القومُ/ ابتهلوا إلى الله

 1- تضرّعوا واجتهدوا في الدّعاء وأخلصوا لله عزّ وجلّ "{ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}".

 2- اجتمعوا فتداعَوا فاستمطروا لعنة الله على الظَّالم منهم "{ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}".

[وسميت هذه المباهلة تمنيًا؛ لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل المناظر له ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له فيها بيان حقه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت؛ لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت]

ولهذا قال تعالى: ( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) :أي: لتجدنهم  أحرص الخلق على طول عُمْر، لما يعلمون من مآلهم السيئ وعاقبتهم عند الله الخاسرة؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فهم يودون لو تأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم. وما يحذرون واقع بهم لا محالة، حتى وهم أحرص الناس من المشركين الذين لا كتاب لهم. وهذا من باب عطف الخاص على العام.

وقال الحسن البصري: ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) قال:المنافق أحرص الناس على حياة، وهو أحرص على الحياة من المشرك (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) أي:أحد اليهود كما يدل عليه نظم السياق.

( لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) قال الأعمش بسنده عن ابن عباس: (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) قال:هو كقول الفارسي: « زه هزارسال » يقول:عشرة آلاف سنة.

وقال مجاهد: ( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) قال:حببت إليهم الخطيئة طول العمر.

وقال محمد بن إسحاق، عن ابن عباس: ( وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ) أي:ما هو بمنجيه من العذاب. وذلك أن المشرك لا يرجو بعثًا بعد الموت، فهو يحب طول الحياة وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع بما عنده من العلم.

وقال العوفي، عن ابن عباس: ( وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ) قال:هم الذين عادوا جبريل. وقال أبو العالية وابن عمر فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه منه.

وليس ذلك بمزحزحه من العذاب لو عمر، كما عمر إبليس لم ينفعه إذ كان كافرًا.

( وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) أي:خبير بما يعمل عباده من خير وشر، وسيجازي كل عامل بعمله.

قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿٩٧﴾‏ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴿٩٨﴾‏

قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله:أجمع أهل العلم بالتأويل جميعًا على أن هذه الآية نـزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك. فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جَرَت بينَهم وبين رسول الله ﷺ في أمر نبوته.

ذكر من قال ذلك

عن ابن عباس أنه قال:حضرت عصابة من اليهود رسول الله ﷺ، فقالوا:يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن، لا يعلمهن إلا نبي، فقال رسول الله ﷺ: « سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئًا فعرفتموه لتتابِعُنِّي على الإسلام » . فقالوا:ذلك لك. فقال رسول الله ﷺ: « سلوني عما شئتم » .

 فقالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن: أخبرنا أيّ الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنـزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ووليه من الملائكة؟ فقال رسول الله ﷺ: « عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنِّي؟» فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق.

 فقال: « نشدتكم بالذي أنـزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضًا شديدًا فطال سقمه منه، فنذر لله نذرًا لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها؟ » . فقالوا: اللهم نعم.

فقال رسول الله ﷺ: « اللهم اشهد عليهم. وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنـزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟ » . قالوا: اللهم نعم. قال: « اللهم اشهد » .

 قال: « وأنشدكم بالله الذي أنـزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟» . قالوا: اللهم نعم. قال: « اللهم اشهد » .

قالوا:أنت الآن، فحدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نجامعك أو نفارقك. قال: « فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيًا قط إلا وهو وليُّه » . قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليّك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: «فما مَنَعكم أن تصدقوه؟» قالوا: إنه عدونا.  فأنـزل الله عز وجل: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) إلى قوله:( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ﴿١٠٢﴾،،  فعندها باؤوا بغضب على غضب .

وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن شهر بن حوشب، فذكره مرسلا وزاد فيه: قالوا: فأخبرنا عن الروح قال: « أنشدكم بالله وبآياته عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه جبريل، وهو الذي يأتيني؟ » قالوا:  نعم، ولكنه لنا عدو، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء، فلولا ذلك اتبعناك . فأنـزل الله فيهم: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) إلى قوله: (..كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) ﴿١٠١﴾‏

وقال الإمام أحمد:...عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى رسول الله ﷺ  فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك. فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال:( فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) ﴿٦٦يوسف﴾‏ قال: «هاتوا». قالوا: أخبرنا عن علامة النبي. قال: «تنام عيناه ولا ينام قلبه» . قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل؟ قال: « يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت »

 قالوا: أخبرنا ما حرّم إسرائيل على نفسه. قال: « كان يشتكي عِرْق النَّساء، فلم يجد شيئًا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا » - قال أحمد:قال بعضهم: يعني الإبل، فحرم لحومها - قالوا: صدقت.

 قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال « ملك من ملائكة الله، عز وجل، موكل بالسحاب بيديه- أو في يده- مِخْراق من نار يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله عز وجل » . قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمعه؟ قال: « صوته » .

 قالوا: صدقت. إنما بقيت واحدة وهي التي نتابعك إن أخبرتنا إنه ليس من نبي إلا وله مَلَك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: « جبريل عليه السلام » ، قالوا: جبريل ذاك الذي ينـزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينـزل بالرحمة والنبات والقطر لكان

 فأنـزل الله عز وجل: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) إلي آخر الآية.

وقال البخاري:قوله: ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ) قال عكرمة:جبر، وميك، وإسراف:عبد. وإيل:الله. حدثنا عبد الله بن مُنير سَمِع عبد الله بن بكر حدثنا حُمَيد، عن أنس بن مالك، قال:سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي:ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: « أخبرني بِهن جبريل آنفًا » . قال:جبريل؟ قال: « نعم » . قال:ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ) « أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نـزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة [ ماء الرجل ] نـزعت » . قال:أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهُت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي ﷺ: « أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ » قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. قال: « أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام » . فقالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فقال :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا. فانتقصوه.

قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.

عن ابن جرير، عن الحسين بن يزيد الطحان، عن إسحاق بن منصور، عن قيس، عن عاصم، عن عكرمة، أنه قال:إن جبريل اسمه عبد الله وميكائيل:عبيد الله. إيل:الله.

ومن الناس من يقول: « إيل » عبارة عن عبد، والكلمة الأخرى هي اسم الله؛ لأن كلمة « إيل » لا تتغير في الجميع، فوزانه: عبد الله، عبد الرحمن، عبد الملك، عبد القدوس، عبد السلام، عبد الكافي، عبد الجليل. فعبد موجودة في هذا كله، واختلفت الأسماء المضاف إليها، وكذلك جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ونحو ذلك، وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف، والله أعلم.

ثم قال ابن جرير:وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب وبينهم في أمر النبي ﷺ.

ذكر من قال ذلك:

عن الشعبي، قال:نـزل عمر الروحاء، فرأى رجالا يبتدرون أحجارًا يصلون إليها، فقال:ما بال هؤلاء؟ قالوا:يزعمون أن رسول الله ﷺ صلى هاهنا. قال: فكفر ذلك. وقال: إنما رسول الله ﷺ أدركته الصلاة بواد صلاها ثم ارتحل، فتركه. ثم أنشأ يحدثهم، فقال:كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدق التوراة؟ فبينما أنا عندهم ذات يوم، قالوا:يا ابن الخطاب، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك. قلت:ولم ذلك؟ قالوا:إنك تغشانا وتأتينا. فقلت:إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان. قال: ومر رسول الله ﷺ فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به، قال:فقلت لهم عند ذلك:نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه:أتعلمون أنه رسول الله؟ قال:فسكتوا. فقال لهم عالمهم وكبيرهم: إنه قد غَلَّظ عليكم فأجيبوه. فقالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت. قال: أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله، قال:قلت: ويحكم فأنَّي هلكتم؟! قالوا إنا لم نهلك  قال:كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ثم ولا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لنا عدوا من الملائكة وسِلْمًا من الملائكة، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة. قال:قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل. قال: وفيم عاديتم جبريل، وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل مَلَك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا.

قال:قلت:وما منـزلتهما من ربهما عز وجل؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. قال: فو الله الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما وما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. ثم قمت فاتبعت النبي ﷺ فلحقته وهو خارج من خَوْخة لبني فلان، فقال: « يا ابن الخطاب، ألا أقرئك آيات نـزلن قبل؟» فقرأ عليّ: ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) حتى قرأ هذه الآيات. قال:قلت: بأبي وأمي يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر .

وأما تفسير الآية فقوله تعالى: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) أي: من عادى جبريل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نـزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك، فهو رسول من رسل الله مَلَكي عليه وعلى سائر إخوانه من الملائكة السلام، ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل، كما أن من آمن برسول فإنه يلزمه الإيمان بجميع الرسل، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل، كما قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (النساء١٣٥- ١٥١)، فحكم عليهم بالكفر المحقّق، إذْ آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم وكذلك من عادى جبريل فإنه عدو لله؛  لأن جبريل لا ينـزل بالأمر من تلقاء نفسه، وإنما ينـزل بأمر ربه كما قال: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)  (مريم٦٤) وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:١٩٢- ١٩٤)

 وقد روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة، قال:قال رسول اللهﷺ: « مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ» . ولهذا غضب الله لجبريل على من عاداه، فقال: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) أي: مِنَ الكتب المتقدمة (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي: القرآن هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة، وليس ذلك إلا للمؤمنين. كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ )( فصلت٤٤)

ثم قال تعالى: ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ) يقول تعالى:من عاداني وملائكتي ورسلي - ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر، كما قال تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ) (الحج ٧٥)

( وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ) وهذا من باب عطف الخاص على العام، فإنهما دخلا في الملائكة، والقصد من الإفراد في هذه الآية هو التمييز والتشريف لهما عليما الصلاة والسلام ، ثم ذكر عموم الرسل، ثم خصصا بالذكر؛ لأن السياق في الانتصار لجبريل وهو السفير بين الله وأنبيائه، وقرن معه ميكائيل في اللفظ؛ لأن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم وميكائيل وليهم، فأعلمهم أنه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضًا؛ لأنه- اي ميكائيل أيضًا- ينـزل على الأنبياء بعض الأحيان، كما قُرن برسول اللهﷺ في ابتداء الأمر، ولكن جبريل أكثر، وهي وظيفته، وميكائيل موكل بالقطر والنبات، هذاك بالهدى وهذا بالرزق.

 كما أن إسرافيل موكل بالصور للنفخ للبعث يوم القيامة؛ ولهذا جاء في الصحيح:أن رسول الله ﷺ كان إذا قام من الليل يقول « اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم » . وقد تقدم ما حكاه البخاري، ورواه ابن جرير عن عكرمة أنه قال:جبر، وميك، وإسراف:عُبَيد. وإيل:الله.

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سِنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال:إنما قوله: « جبريل » كقوله: « عبد الله » و « عبد الرحمن » . وقيل جبر:عبد. وإيل:الله.

ميزات ومهمات جبريل عليه السلام
وجبريل -عليه الصلاة والسلام- لم تقتصر مهمته مع النبيﷺ بإنزال الوحي فقط، بل تعداه إلى أمور كثيرة

1 فهو الذي كان يُرقي النبيﷺ إذا مرض، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛  "أنَّ جَبرائيلَ، أتى النَّبيَّ ﷺ فقالَ: يا مُحمَّدُ اشتَكَيتَ ؟ قالَ: نعَم، قالَ: بسمِ اللَّهِ أرقيكَ، مِن كلِّ شيءٍ يؤذيكَ، مِن شرِّ كلِّ نفسٍ أو عَينٍ، أو حاسِدٍ اللَّهُ يَشفيكَ، بِسمِ اللَّهِ أَرقيكَ" ( صحيح ابن ماجة)، وهذا من عناية جبريل وولاته للنبيﷺ

2- وفي معركة بدر خرج النبيﷺ في بضعةِ عشر رجلا مع ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، وكانت راية بدر أعظم راية عبر التأريخ الإنساني، فكان تحت تلك الراية سادة المهاجرين والأنصار مع أعظم الخلق محمدﷺ، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام مع تلك الراية خواص الملائكة وساداتهم.. يقول كعب بن مالك رضي الله عنه مفتخرا

وفي يوم بدر حينَ تُمحى ووجههم *** جبريل تحت لوائنا ومحمد

وحارب جبريل مع الملائكةوساندوا المؤمنين في غزوات منها في يوم بدر، ويوم حنين.

3- وكان جبريل عليه السلام يجيب إذا سؤل النبي  عما لا يعلمة، وفي الحديث أن اليهود سألوا رسول الله أسئلة كثير، منها ما ورد:" قالوا: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة، قال: زيادة كبد الحوت، قال: فما غدواؤكم على إثرها، قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين تسمى سلسبيلا، قال: صدقت.. إلى أن قال ﷺ في آخر الحديث..: والله ما كنت أعلمها أخبرني بها جبريل لساعته"

 فكانﷺ يسأل جبريل عما أشكل عليه، فسأل ﷺ عن أحب الأماكن إلى الله، فقال المساجد، فسأل عن أبغضها فلم يعلم، فسأل جبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرها أنها الأسواق... والمقصود من هذا أن جبريل كان له دور المعلم.

وجبريل نزل بعد ليلة الإسراء والمعراج نزل يعلم رسول اللهﷺ الصلاة ومواقيتها.

وفي جبريل وميكائيل لغات وقراءات:

 وفي قراءات:  اسم جبريل: جبرائيل ، واسم ميكال : ميكائيل.

 

وقوله تعالى: ( فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ) فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل: فإنه عدو للكافرين. قال: ( فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ )

وإنما أظهر الاسم هاهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره، وإعلامهم أن من عادى أولياء الله فقد عادى الله، ومن عادى الله فإن الله عدو له، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة، كما تقدم الحديث: « من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب » . وفي الحديث الآخر: « إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب » . وفي الحديث الصحيح: « وَمَن كنتُ خَصْمَه خَصَمْتُه » .

وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴿٩٩﴾‏ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠٠﴾‏ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٠١﴾‏

قال الإمام بن جرير في قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) أي:أنـزلنا إليك يا محمد علامات واضحات  دلالات على نبوتك.

-ومن تلك الآيات هي ما حواه كتاب الله من خفايا علوم اليهود، ومكنونات سرائر أخبارهم، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارُهم وعلماؤهم، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم، التي كانت في التوراة. فأطلع الله في كتابه الذي أنـزله إلى نبيه محمد ﷺ؛ فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف نفسه، ولم يَدْعُه إلى هلاكها الحسد والبغي، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة تصديقُ من أتى بمثل ما جاء به محمد ﷺ

-من الآيات البينات التي وَصَفَ، من غير تعلُّم تعلَّمه من بَشَريٍّ ولا أخذ شيئًا منه عن آدمي. كما قال الضحاك، عن ابن عباس: ( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية، وبين ذلك، وأنت عندهم أمي لا تقرأ كتابًا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول الله:في ذلك لهم عبرة وبيان، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون.

وقال محمد بن إسحاق: عن ابن عباس، قال:قال ابن صُوريا الفطْيُوني لرسول اللهﷺ: يا محمد، ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنـزل الله عليك من آية بينة فنتبعك. فأنـزل الله في ذلك من قوله: (وَلَقَدْ أَنْزّلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ )

وقال مالك بن الصيف - حين بُعث رسولُ اللهﷺ وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد إليهم في محمد ﷺ والله ما عَهِد إلينا في محمد ﷺ ولا أخذ  له علينا ميثاقًا. فأنـزل الله: ( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ )

وقال الحسن البصري في قوله: ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) قال:نَعَم، ليس في الأرض عَهْدٌ يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم، وينقضون غدًا.

وقال السدي:لا يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: ( نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي:نقضه فريق منهم.

وقال ابن جرير:أصل النبذ:الطرح والإلقاء، ومنه سمي اللقيط: منبوذًا، ومنه سمي النبيذ، وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء. قال أبو الأسود الدؤلي:

نظــرتُ إلــى عنوانــه فنبذْتُـه كنبـذك نَعْـلا أخْـلقَتْ من نعَالكا

قلت:فالقوم ذمهم الله بنبذهم العهود التي تقدم اللهُ إليهم في التمسك بها والقيام بحقها. ولهذا أعقبهم ذلك التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، الذي في كتبهم نعتُه وصفتُه وأخبارُه، وقد أمروا فيها باتباعه ومؤازرته ومناصرته، كما قال: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ الآية..)  (الأعراف١٥٧)، وقال هاهنا: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) أي: اطَّرَحَ طائفة منهم كتاب الله الذي بأيديهم، مما فيه البشارة بمحمد ﷺ وراء ظهورهم، أي:تركوها، كأنهم لا يعلمون ما فيها، وأقبلوا على تعلم السحر واتباعه. ولهذا أرادوا كيْدًا برسول الله ﷺ وسَحَروه في مُشْط ومُشَاقة وجُفّ طَلْعَة ذَكر، تحت راعوثة بئر ذي أروان. وكان الذي تولى ذلك منهم رجل، يقال له:لبيد بن الأعصم، لعنه الله، فأطلع الله على ذلك رسوله ﷺ ، وشفاه منه وأنقذه، كما ثبت ذلك مبسوطًا في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، كما سيأتي بيانه قال السدي: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ) قال:لما جاءهم محمد ﷺ عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت، فلم يوافق القرآن، فذلك قوله: ( كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ )

وقال قتادة في قوله: ( كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) قال:إن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم نبذوا علمهم، وكتموه وجحدوا به.

(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ .....) ﴿١٠٢﴾‏

وقال العوفي في تفسيره، عن ابن عباس في قوله تعالى: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ) وكان حين ذهب مُلْكُ سليمان ارتد فِئَامٌ من الجن والإنس واتبعوا الشهوات، فلما رجع اللهُ إلى سليمان ملكَه، وقام الناس على الدين كما كان أوان سليمان، ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه، وتوفي سليمان عليه السلام، حدثان ذلك، فظهر الإنس والجن على الكتب بعد وفاة سليمان، وقالوا: هذا كتاب من الله نـزل على سليمان وأخفاه عنا فأخذوا به فجعلوه دينًا. فأنـزل الله: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) واتبعوا الشهوات،  أي: التي كانت تتلو الشياطين وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله

وقال ابن أبي حاتم:،،،، عن ابن عباس، قال:كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم «الأعظم » ، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجه الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحرًا وكفرًا، وقالوا:هذا الذي كان سليمان يعمل بها . قال:فأكفره جُهَّالُ الناس وسبّوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه، حتى أنـزل الله على محمد ﷺ: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) .

وقال ابن جرير:...... عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال- لم يصحح هذا الحديث أهل الحديث، ولا التفسير- : كان سليمان، عليه السلام، إذا أراد أن يدخل الخلاء، أو يأتي شيئًا من نسائه، أعطى الجرادة - وهي امرأة- خاتمه. فلما أراد الله أن يبتلي سليمان، عليه السلام، بالذي ابتلاه به، أعطى الجرادة ذات يوم خاتَمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها: هاتي خاتمي فقالت:كذبت، لست سليمان. قال:فعرف سليمان أنه بلاء ابتلي به. قال: فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبًا فيها سحر وكفر. ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها وقرؤوها على الناس، وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب. قال:فبرئ الناس من سليمان، عليه السلام، وأكفروه حتى بعث الله محمدًا ﷺوأنـزل عليه: ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا )

وقال السدي في قوله تعالى: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) أي:على عهد سليمان. قال:كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، فيستمعون من كلام الملائكة مما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم. فتحدِّث الكهنة الناسَ فيجدونه كما قالوا. حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم. وأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناسُ ذلك الحديثَ في الكتب، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب. فبُعث سليمانُ في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق. ثم دفنها تحت كرسيه. ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق. وقال:لا أسمع أحدًا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه. فلما مات سليمان، عليه السلام، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف من بعد ذلك خَلْف تمثل شيطان في صورة إنسان، ثم أتى نفرًا من بني إسرائيل، فقال لهم:هل أدلكم على كنـز لا تأكلونه أبدًا؟ قالوا: نعم. قال:فاحفروا تحت الكرسي. وذهب معهم وأراهم المكان، وقام ناحية، فقالوا له:فَادْنُ. قال لا ولكنني هاهنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني. فحفروا فوجدوا تلك الكتب. فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر. ثم طار وذهب. وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا. واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب، فلما جاء محمد ﷺ خاصموه بها ؛ فذلك حين يقول الله تعالى: ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا )

 

    

No comments:

Post a Comment