Tuesday 25 April 2023

حلقة البنات خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ح1

  
 

Shape, circle

Description automatically generated

 

الخصائص المحمدية

ح-١

 

خصائص النبي الكريم

 

وذلك أن معرفة ما يتعلق به واجب علينا، وأن نعرف له حقه، وأن نعرف منزلته وقدره، ومن معرفة منزلته وقدره ﷺ أن نعرف خصائصه ﷺ.

وذلك كله داخل في إيماننا بنبينا محمد ﷺ.

فخصائصه ﷺ: ما اختصه الله بها، وفضله على سائر الأنبياء والخلق.

اعتناء العلماء بخصائص النبي

والخصائص النبوية موضوع قد اعتنى به العلماء من أهميته، فتناولوه بحثاً وتأليفاً، وذكروا ما انفرد به ﷺ عن إخوانه الأنبياء والمرسلين، كما ذكروا ما انفرد به عن سائر أمته، وممن ألف في هذا: الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله -تعالى- في كتابه: "بداية السُول في تفضيل الرسول".

وكذلك الإمام ابن الملقن -رحمه الله- في كتابه: "خصائص أفضل المخلوقين".

ومنهم من أدرج الخصائص في مؤلف من المؤلفات التي كتبها، مثل الحافظ الإمام أبي نعيم الأصفهاني -رحمه الله- في كتاب: "دلائل النبوة".

والحافظ البيهقي -رحمه الله- في كتاب: "دلائل النبوة".

والحافظ القاضي عياض -رحمه الله- في كتابه: "الشفاء في التعريف بحقوق المصطفى".

وكذلك ابن الجوزي -رحمه الله- في "الوفاء لأحوال المصطفى".

وكذلك ابن كثير -رحمه الله- في كتابه: "البداية والنهاية" و "الفصول في سيرة الرسول".

وكذلك النووي -رحمه الله- في "تهذيب الأسماء واللغات".

كل هؤلاء العلماء وغيرهم قد جعلوا أبواباً في مصنفاتهم عن خصائص النبي ﷺ.

هذه الخصائص التي معرفتها تزيده ﷺ في أعيننا قدرا،ً وتجعلنا نحبه ونعرف منزلته أكثر، وتجعلنا نزداد به إيماناً، ونزداد له تبجيلاً، ونزداد له شوقاً ويقيناً ﷺ؛ لأن من واجباتنا أن نعرف أحوال نبينا ﷺ.

ومن كمال الإيمان والتصديق به: أن نعرف له من الخصائص والميزات ﷺ.

إن هذه الخصائص منها ما اختص به ﷺ في ذاته في الدنيا، ومنها ما اختص به في ذاته في الآخرة، ومنها ما اختصت به أمته في الدنيا، ومنها ما اختصت به أمته في الآخرة.

مما اختص به ﷺ في الدنيا والآخرة:

أخذ الله العهد من الأنبياء والمرسلين باتباع النبي ﷺ إذا ظهر فيهم

فمن خصائصه ﷺ وهي خاصية عجيبة: أن الله سبحانه وتعالى قد أخذ العهد والميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام: أنه إذا ظهر النبي ﷺ في عهده وبعث أنه سيؤمن به ويتبعه، ولا تمنعه نبوته من أن يتابع نبينا محمداً ﷺ.

 

وكل نبي أخذ العهد والميثاق على أمته أنه لو بعث محمد بن عبد الله فيهم أن يتابعوه عليه الصلاة والسلام، لا يتبعون نبيهم، بل يتبعون محمداً ﷺ إذا ظهر فيهم، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران٨١] من هو هذا الرسول؟

هو محمد ﷺ، قال: (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران٨١]

ميثاق مأخوذ على جميع الأنبياء وعلى جميع الأمم: أن محمداً ﷺ إذا بعث فيهم أن يتبعوه وأن يؤمنوا به وأن ينصروه.

وقال علي رضي الله عنه :"ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه ميثاقاً لأن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه"، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته، أمر كل نبي أن يأخذ الميثاق على أمته: "لأن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه".

ولذلك لما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي ﷺ، فغضب، وقال:  أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ ( التهوك: الوقوع في الأمر بغير روية، وهو التحير أيضاً،) "أمُتهوِّكون فيها يا ابنَ الخطابِ والذي نفسِي بيدِه لقد جئتكم بها بيضاءَ نقيةً، لا تسألوهم عن شيءٍ فيُخبِروكم بحقٍّ فتكذبوا به أو بباطلٍ فتصدقوا به والذي نفسِي بيدِه لو أن موسَى كان فيكم حيًّا ما وسعه إلا أن تبِعَني" [رواه الإمام أحمد، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح].

فإذاً، محمد ﷺ لو وجد في أي عصر لكانت طاعته مقدمة، والإيمان به مقدماً، ومتابعته مقدمة.

رسالته عامة لجميع البشر:

ومن خصائصه ﷺ: أن رسالته عامة لجميع البشر، فقد كان الأنبياء والرسل يبعثون إلى أقوامهم خاصة، كل نبي إلى قومه خاصة؛ كما قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ ) [نوح ١ (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ) [الأعراف ٦٥]، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً [الأعراف ٧٣( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [الأعراف ٨٠ (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً) [الأعراف ٨٥].

وأما النبي ﷺ فقد قال الله تعالى في شأنه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (سبأ ٢٨ (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (الأعراف ١٥٨).

فإذاً، لو قال يهودي أو نصراني في هذا الزمان: ليس محمد بنبينا، نبينا موسى، نقول: نبيك محمد رغماً عنك، نبيك محمد ﷺ الذي يجب عليك أن تؤمن به: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان ١(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء١٠٧).

قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: ومن خصائصه ﷺ: أن الله تعالى أرسل كل نبي إلى قومه خاصة وأرسل نبينا محمداً ﷺ إلى الجن والإنس، ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته، ولنبينا ﷺ ثواب التبليغ إلى كل من أرسل إليه.

فالنبي ﷺ له أجر كل الإنس الذين اتبعوه، وله أجر كل الجن الذين اتبعوه إلى قيام الساعة، ولذلك فهو أكثر الأنبياء أجراً، ولا يوجد لواحد من الأنبياء أتباع مثل أتباع نبينا ﷺ، فهو أكثر الأنبياء أتباعاً على الإطلاق.

والدليل على أن اليهود والنصارى في زماننا هذا مخاطبون بالإيمان بالنبي ﷺ واتباعه، وأن من لم يؤمن بنبينا من اليهود والنصارى وغيرهم من الهندوس والسيخ والمجوس وسائر الكفرة أنه في النار، قوله ﷺ:  (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ.) (رواه مسلم).

 والمقصود بالأمة أمة الدعوة، واليهود والنصارى داخلون في أمة الدعوة، لا أمة الإجابة الذين استجابوا له ﷺ، فقوله: والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة  وهي أمة الدعوة يعني: الذين أرسل إليهم، كل العالم "..يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ."

وقال ﷺ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً." (مسلم البخاري).

وفي رواية: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي، كانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى كُلِّ أحْمَرَ وأَسْوَدَ" (رواه مسلم).

حتى الجن: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) [الأحقاف٢٩] ينذرونهم عذاب الله، ويخوفونهم ما سمعوا.

فإذاً، الرسل من الإنس والجن منهم دعاة إلى قومهم، والرسل من الإنس، والجني يمكن أن يسمع الإنسي، وأن يسمع كلام النبي ﷺ، بخلاف الإنسي فإنه ربما لا يتمكن من سماع الجني لو كان الرسول من الجن؛ ولذلك كان الرسل من الإنس، والجن منهم دعاة ومنذرون، فهؤلاء الجن الذين سمعوا القرآن يتلى منه ﷺ: (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ)  (الأحقاف٢٩).

وهذه آية في كتاب الله تتعلق بالموضوع، فيها بشارة وبيان ميزة للنبي ﷺ، قال الله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) (الفرقان ٥١) فهذه الآية فيها منة من الله على النبي ﷺ، يقول له: لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً، لكن مننا عليك وبعثناك لكل القرى نذيراً وبشيراً، فصار تابعوك من كل القرى، المؤمنون لك مثل أجرهم، وأنت رسول إليهم جميعاً، فلم نبعث بعدك ولا معك رسلاً إلى الأقوام الآخرين وإلى غير العرب، بل بعثناك للجميع:  (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) (الفرقان ٥١)  فهذا وجه التمنن، أنه لو بعث في كل قرية نذيراً لما حصل لرسوله ﷺ إلا أجر إنذاره لأهل قريته مكة، أو للعرب، لكنه بعثه للجميع.

وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: "إن الله فضل محمداً ﷺ على الأنبياء وعلى أهل السماء"، فقالوا: يا ابن عباس بم فضله على أهل السماء؟ قال: إن الله قال لأهل السماء:  (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)  [الأنبياء٢٩].

وقال الله لمحمد ﷺ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)  [الفتح  ١-٢] قالوا: يا ابن عباس فما فضله على الأنبياء؟

قال: قال الله سبحانه وتعالى:  (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ) (إبراهيم٤).

وقال اللهلمحمد ﷺ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ ٢٨] فأرسله إلى الجن والإنس.

ختم الله به الأنبياء والمرسلين

من خصائصه ﷺ: أن الله ختم به الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده، فهو آخر نبي، وأكمل به الدين، وأنه ﷺ خاتم الرسل، فمن ادعى الرسالة بعده فهو كذاب أفاك دجال:  (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (الأحزاب٤٠)

فإذا جاء غلام أحمد القادياني وقال: أنا نبي، وإذا جاء بهاء الله، زعيم البهائية وقال: أنا نبي، وإذا جاء أي واحد دجال كذاب في هذا الزمان أو في غيره وقال: أنا نبي، فنقول: أنت كذاب؛ لأن الله قال: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب٤٠)، فليس بعده نبي.

وعن أبي هريرةررضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:" إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتِمُ النَّبيِّينَ." (رواه البخاري).

ولذلك يوم القيامة لما يفزع الناس إلى الأنبياء،( فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ ولَا يَحْتَمِلُونَ، فيَقولُ النَّاسُ: ألَا تَرَوْنَ ما قدْ بَلَغَكُمْ، ألَا تَنْظُرُونَ مَن يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: علَيْكُم بآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السَّلَامُ فيَقولونَ له: أنْتَ أبو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ، ألَا تَرَى إلى ما قدْ بَلَغَنَا)؟ .... حتى يقول: (اذْهَبُوا إلى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فيَقولونَ: يا عِيسَى أنْتَ رَسولُ اللَّهِ، وكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ منه، وكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ فيَقولُ عِيسَى: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، ولَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلى غيرِي اذْهَبُوا إلى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فيَقولونَ: يا مُحَمَّدُ أنْتَ رَسولُ اللَّهِ وخَاتِمُ الأنْبِيَاءِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ، فأنْطَلِقُ فَآتي تَحْتَ العَرْشِ، فأقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِن مَحَامِدِهِ وحُسْنِ الثَّنَاءِ عليه شيئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ علَى أحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ فأرْفَعُ رَأْسِي، فأقُولُ: أُمَّتي يا رَبِّ، أُمَّتي يا رَبِّ، أُمَّتي يا رَبِّ، فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ أدْخِلْ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسَابَ عليهم مِنَ البَابِ الأيْمَنِ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ، وهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيما سِوَى ذلكَ مِنَ الأبْوَابِ، ثُمَّ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ ما بيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِن مَصَارِيعِ الجَنَّةِ، كما بيْنَ مَكَّةَ وحِمْيَرَ - أوْ كما بيْنَ مَكَّةَ وبُصْرَى

-وكذلك قال ﷺ: "فُضِّلْتُ علَى الأنْبِياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ طَهُورًا ومَسْجِدًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخَلْقِ كافَّةً، وخُتِمَ بيَ النَّبِيُّونَ." (رواه مسلم).

قال ﷺ:  "إنَّ الرسالةَ والنبوَّةَ قد انقطعتْ فلا رسولَ بعدي ولا نبيَّ قال فشَقَّ ذلكَ على الناسِ فقال لكن المُبَشِّرَاتِ قالوا يا رسولَ اللهِ وما المُبَشِّرَاتُ قال رُؤيا المسلمِ وهي جزءٌ من أجزاءِ النبوَّةِ" [رواه أحمد، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم" يعني: بقي المبشرات، وهي جزء من أجزاء النبوة.

وهذا يدل على أن الرؤيا الصالحة الباقية التي قد يكون فيها إنذار من شيء خطير أو تبشير ببشرى لمؤمن يراها أو ترى له حق، حيث أن النبوة فيها وحي وإخبار عن الغيب، واشتركت الرؤيا مع النبوة في مسألة الإشعار بشيء قد يحدث في المستقبل، ولذلك كانت الرؤيا جزءاً من النبوة، وإلا فهناك فرق كبير بين الرؤيا والنبوة لا شك في هذا، ولكن لماذا كانت الرؤيا جزءاً من النبوة؟ ما هو وجه الاشتراك بين الرؤيا والنبوة؟

في النبوة إخبار عن المغيبات والأشياء المستقبلية، وكذلك البشارات والإنذارات، وقد يكون في بعض الرؤى الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له إنذار من شيء سيحدث، أو بشارة لشخص،

والنبي ﷺ من أسمائه التي أخبر عنها، قال: وأنا العاقب ، والعاقب فسره، قال: إنَّ لي أسْماءً، أنا مُحَمَّدٌ، وأنا أحْمَدُ، وأنا الماحِي الذي يَمْحُو اللَّهُ بيَ الكُفْرَ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحْشَرُ النَّاسُ علَى قَدَمَيَّ، وأنا العاقِبُ الذي ليسَ بَعْدَهُ أحَدٌ، وقدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَؤُوفًا رَحِيمًا. [رواه مسلم]، فليس بعده نبي.

وقال ﷺ:" كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وسَيَكونُ خُلَفاءُ فَيَكْثُرُونَ. قالوا: فَما تَأْمُرُنا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ، أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فإنَّ اللَّهَ سائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعاهُمْ." [رواه البخاري ومسلم].

كانت تَسُوسُهُمُ الأنبياءُ، أي: يَتولَّون أُمورَهم، كما تَفعَلُ الأمراءُ والوُلاةُ بالرَّعيَّةِ، والسِّياسةُ: القيامُ على الشَّيءِ بما يُصلِحُه، وكانت تَتعاقَبُ عليهم الأنبياءُ؛ فكلَّما مات نَبيٌّ أرسَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ نبيًّا آخَرَ يَخلُفُ النَّبيَّ السَّابقَ في القيامِ عليهم وتَولِّي شُؤونِهم.

أمَّا هذه الأُمَّةُ فإنَّ نَبيَّها محمَّدًا خاتِمُ الأنبياءِ، لا نَبيَّ بعْدَه، ومضَى قدَرُ اللهِ أنْ يَتولَّى الخلفاءُ رِعايةَ هذه الأُمَّةِ، والقيامَ على إصلاحِها بعْدَه ، وبيَّنَ أنَّ الخُلفاءَ مِن بعْدِه سيَكْثُرون، وهذا مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه ؛ فقدْ كثُرَ الخُلفاءُ بعْدَه ، وتَوالى على الأُمَّةِ المصْلِحون منهم والمسِيئون، وكَثُروا في زَمانٍ واحدٍ، وتَنازَعوا وتَقاتَلوا. فسَأَلَ الصَّحابةُ رَسولَ اللهِ : «فَما تَأْمُرُنا؟» أي: إذا وَقَعَ التَّشاجرُ والتَّنازُعُ بيْنهم، فما تَأمُرُنا أنْ نَفعَلَ؟ فوجَّهَهم إلى الوفاءِ ببَيعةِ الخليفةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ، فكلَّما انقَضَت وِلايةُ خَليفةٍ، وأعقَبَه آخَرُ، وبايَعَه النَّاسُ؛ وجَبَ الوفاءُ ببَيعتِه كما كان الحالُ مع سابقِه، وإذا بُويِعَ لخَليفةٍ آخَرُ في وُجودِ الأوَّلِ، فبَيعةُ الأوَّلِ صَحيحةٌ يَجِبُ الوفاءُ بها، وبَيعةُ الثَّاني باطلةٌ يَحرُمُ الوفاءُ بها.

والنبي ﷺ رحمة مهداة إلى العالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء١٠٧)، وهو ﷺ بالمؤمنين رؤوف رحيم.قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة ١٢٨)‏

النبي أمنة لأصحابه

من خصائصه ﷺ: أنه أمان لأصحابه، أكرمه الله تعالى، وأكرم أصحابه بأن جعل وجوده بينهم أماناً لهم من العذاب، بخلاف الأمم السابقة، فقوم نوح عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم هود عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم صالح عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم شعيب عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا.

أما نبينا محمد ﷺ من خصائصه: أن وجوده ﷺ في أمته وأمان لهم من الفناء والعذاب، فلا يأتي عذاب عام فيهلكهم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (الأنفال٣٣) مع أنهم يستحقون العذاب، فهم كفرة مشركون، كفار قريش متجبرون طغاة، ومع ذلك قال:  (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال٣٣)

وكذلك فإنه ﷺ رفع رأسه مرة إلى السماء بعدما صلى بالقوم المغرب، جلس وسألهم ما الذي أجلسهم؟ قال:  ما زلتم هاهنا   قالوا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء -ينتظرون الصلاة بعد الصلاة رباط في سبيل الله- قال: أحسنتم أو أصبتم ، فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، وهذا في غير الصلاة، فقال: (فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ، وَكانَ كَثِيرًا ممَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلى السَّمَاءِ، فَقالَ: النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ.) أي من البدع (فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون  من التفرق وانفتاح باب البدعة-)  (رواه مسلم)

وقصته مع ملك الجبال تؤكد هذا: فقد أوذي رسول الله في الطائف، فأرسل الله جبريل ومعه ملك الجبال، قال جبريل: لقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟، إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)، فقال رسول الله : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) ( البخاري ) صلى الله عليه وسلم ، أمنة لأهله.

أقسم الله به ولم يقسم بنبي غيره:

من خصائصه ﷺ: أن الله أقسم به ولم يقسم بنبي غيره، فقال سبحانه: ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر٧٢)،  فأقسم الله بحياة النبي ﷺ، ومعنى:  لَعَمْرُكَ)  قسم بحياته ﷺ، يقسم بعمره وحياته وبقائه. يدل على شرف حياته وعزتها، ونفاستها ومنزلتها عند الله تعالى

والله أقسم بحياة النبيﷺ، والله يقسم بما يشاء من خلقه، ولكن المخلوقين لا يجوز أن يقسموا  إلا بالخالق، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.

خاطب الله الأنبياء بأسمائهم ولم يخاطبه عليه الصلاة والسلام باسمه

 

ثم لاحظ أيضاً من الخصائص النبوية: أن الله -تعالى- خاطب الأنبياء بأسمائهم، ولم يخاطب نبينا ﷺ باسمه، يناديهم بأسمائهم، فقال: (يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (البقرة٣٥(قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا)  (هود ٤٨(قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) (الأعراف١٤٤)، وقال: (يا إبراهيم * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ) (الصافات ١٠٥)، وقال: ( يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ)  (المائدة ١١٠)  في آيات كثيرة.

 

وأما نبينا ﷺ فلم يناده ربه ولا مرة: يا محمد، لكنه ناداه وخاطبه بالنبوة والرسالة، فقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ ) (المائدة ٤١)، وقال: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال٦٤) ، فزيادة في التشريف والتكريم له خاطبه بالنبوة والرسالة، وبقية الأنبياء خاطبهم بأسمائهم.

ذكر اسم النبي في القرآن:

فالله تعالى خاطب نبيه بمقام الرسالة، وخاطبه بمقام النبوة، ولما ذكر اسمه في القرآن قرنه بالنبوة أو الرسالة، قال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) [الفتح٢٩(وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) (محمد ٢)، وقال عنه:  (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ ) (آل عمران ١٤٤)، وقال عن عيسى عليه السلام: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ ) (الصف ٦)، ‏ فهو ليس نداءً وخطاباً، وإنما لما ذكر اسمه قرنه بالنبوة والرسالة.

نهى الله المؤمنين أن يخاطبوه باسمه

ثم من أمر الأمة لتوقيره ﷺ: أن الله نهى المؤمنين أن يخاطبوه باسمه، قال سبحانه وتعالى: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) (النور٦٣ بينما بنو إسرائيل: (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (الأعراف ١٣٨  وقال الحواريون: ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ) (المائدة١١٢) لكن الصحابة لا يمكن أن ينادوا النبيﷺ باسمه، إنما يقولون: يا رسول الله! يا نبي الله!

أوتي جوامع الكلم

 

وكذلك فإنه ﷺ قد أوتي جوامع الكلم قال: (أُوتيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، وجُعِلتْ لي الأرضُ مسجِدًا وطَهورًا.).

 وجوامع الكلم هو: أن تضمن كلامه الحكم البالغة، والمعاني العظيمة في الألفاظ القليلة، والعبارات اليسيرة، ولذلك عندما يقول العلماء مثلاً: (إنما الأعمال بالنيات) (البخاري١)، وقوله:  (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (رواه الترمذي، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح) يقول: هذه ربع العلم، هذه ثلث العلم، هذه عبارات جامعة.

( اتَّقِ اللهَ حيثما كُنْتَ، وأتبِعِ السيِّئةَ الحَسَنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسَنٍ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: "حديث حسن")عبارات جامعة، فصاحة لا توازى، وبلاغة لا تبارى.

نصر بالرعب

ومن خصائصه ﷺ: أنه نصر بالرعب، وهو: الفزع والخوف يلقيه الله في قلوب أعدائه، والنبي ﷺ متجه إليهم، أو ينوي أن يتوجه إليهم، فيخافوه وهو على بعد شهر، وعلى بعد شهر يلقى الرعب في قلوبهم، فلا يملكون لأنفسهم استعداداً أو منعة منه، وإنما تنحل عزائمهم، وينفرط أمرهم، ويخافون غاية الخوف، فقال ﷺ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً." (رواه البخاري ).

أعطى الله محمدا مفاتيح خزائن الأرض

وكذلك فإنه ﷺ أعطاه الله مفاتيح خزائن الأرض، فقال ﷺ في خصائصه: " بُعِثْتُ بجَوامِعِ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وبيْنا أنا نائِمٌ أُتِيتُ بمَفاتِيحِ خَزائِنِ الأرْضِ فَوُضِعَتْ في يَدِي"، وليست كل البلدان فتحت في وقته ﷺ، لكن بعد وفاته ﷺ أكمل المشوار وأكمل الطريق وأكمل الاستيلاء على الخزائن أصحابه، ولذلك قال أبو هريرة بعدما ذكر الحديث، قال: "وقد ذهب رسول الله ﷺ وأنتم تمتثلونها" يعني: تستخرجونها (رواه البخاري)

وقال ﷺ:  "إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها، وأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ"  [رواه مسلم)، والكنز الأحمر: الذهب، والأبيض: الفضة؛ لأن أكثر مال الروم كان فضة، وأكثر مال الفرس كان ذهباً، فقال لهم: إن بلاد الفرس والروم ستسقط.

غفر الله له لمحمدما تقدم من ذنبه وما تأخر

 

وهو ﷺ الوحيد الذي أخبر بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كل الأنبياء يوم القيامة يقولون: نفسي نفسي، كل واحد يذكر ذنباً؛ آدم يذكر خطيئته، ونوح يذكر دعوته على قومه، وموسى يقول: قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، وإبراهيم يقول: كذبت ثلاث كذبات، أما النبي ﷺ فلا يقول شيئاً؛ لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (الفتح ١-٢ ).

ولم ينقل أن الله أخبر أحداً من أنبيائه بمثل ذلك، بل ظاهر قولهم في الحديث: نفسي نفسي، أنهم ليس عندهم مثلما للنبي ﷺ:  (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ) (الشرح ٢-٣).

والناس يوم القيامة يأتون النَّبيَّ فيقولون : يانبيَّ اللهِ ! أنت الذي فتح اللهُ لك ، وغفر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّرَ ، وقد ترى مانحن فيه ، فاشفَعْ لنا إلى ربِّك فيقول : أنا صاحبُكم ، فيخرج يجوسُ بين الناسِ حتى ينتهى إلى باب الجنَّةِ ، فيأخذ بحلقةٍ في البابِ من ذهبٍ ، فيقرعُ البابَ ، فيقول : من هذا ؟ فيقول : محمدٌ ، فيفتحُ له حتى يقومَ بين يدي اللهِ عزَّ وجلَّ ، فيسجد ، فينادي : ارفَعْ رأسَك ، سَلْ تُعطَه ، واشفَعْ تُشَفَّعْ ، فذلك المقامُ المحمودُ "[رواه البخاري ومسلم]، لماذا؟ لأن عيسى بن مريم لما حولهم قال لهم: "لست مناكم، ولكن اذهبوا إلى محمد، فهو عبد قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" (رواه البخاري)

كتابه معجزة باقية محفوظة

 

ومن خصائصه ﷺ وهي خصيصة مهمة جداً جداً، متعلقة بنا نحن اليوم: أن كتابه محفوظ، فقد أعطى الله كل نبي من الأنبياء من الآيات والمعجزات حجة له على قومه، وبرهاناً على صحة ما جاء به، وأنه نبي.وكانت معجزة نبينا ﷺ الكبرى هي: القرآن الكريم.

فمن خصائصه ﷺ: أن معجزته باقية.

وأما معجزات الأنبياء كلها قد تصرمت وانقرضت، وبقيت معجزة نبينا ﷺ، حتى التوراة والإنجيل تحرفت وتغيرت وتبدلت، أما كتاب هذه الأمة، قال الله فيه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]،  (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت  ٤١-٤٢) قال ﷺ: "ما مِنَ الأنْبِياءِ مِن نَبِيٍّ إلَّا قدْ أُعْطِيَ مِنَ الآياتِ ما مِثْلُهُ آمَنَ عليه البَشَرُ، وإنَّما كانَ الذي أُوتِيتُ وحْيًا أوْحَى اللَّهُ إلَيَّ، فأرْجُو أنْ أكُونَ أكْثَرَهُمْ تابِعًا يَومَ القِيامَةِ." (البخاري ومسلم] أعطي معجزات من أجل أن يؤمن البشر حتى لا يقولوا: وما أدرانا أنك نبي، أثبت لنا أنك نبي، فيقول: هذه ناقة الله لكم آية.

ويقول هود: فكيدوني جميعاً، كيدوني ولن تستطيعوا أن تفعلوا لي شيئاً.

وهذا موسى ألقى العصا وأخرج يده بيضاء.

وهذا عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويخبرهم بما يدخرون في بيوتهم، يقول: في بيتك رز، في بيتك عدس، في بيتك سكر، في بيتك كذا، يخبرهم بما يدخرون في بيوتهم.

ونبينا ﷺ له معجزات، أهم معجزة: القرآن الكريم، معجزة باقية لا تغيير ولا تبديل فيها

وهذه قصة عجيبة: قال يحيى بن أكثم: دخل يهودي على الخليفة المأمون فتكلم فأحسن الكلام، فدعاه المأمون إلى الإسلام، فأبى اليهودي، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً، فتكلم في الفقه فأحسن الكلام، فقال له المأمون: ما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك -أنا لما خرجت من عندك- قبل سنة وأحببت أن أمتحن هذه الأديان، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني -راجت واشتروها اليهود، اشتروها بسرعة- وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني -راجت ونفقت مع أنها محرفة، هو بنفسه حرفها- وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها على الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها ولم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.

قال يحيى بن أكثم: فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة في الحج، فذكرت له القصة، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله تعالى، قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله تعالى في التوراة والإنجيل: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ) (المائدة٤٤) فجعل حفظه إليهم إلى الأحبار والرهبان فضاع، وعن القرآن قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر٩) فجعل حفظه إليه، فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع.

 
 

No comments:

Post a Comment