Friday, 26 December 2014

تفسير مبسط وربط للآيات وبيان المتشابهات في سورة الزخرف ج 1





 سورة الزخرف ج 1

التعريف بسورة الزخرف
 
-سميت في المصاحف العتيقة والحديثة ،وسماها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه سورة (حم الزخرف) ،وسبب التسمية أن كلمة {وَزُخْرُفًا} (35) وقعت فيها ولم تقع في غيرها من سور القرآن فعرفوها بهذه الكلمة.
-. وتسمى سورة الزخرف مع بقية الحواميم: بديباج القرآن؛ وذلك لأنها لا تتضمن أحكاماً، وهي سورة مسوقة لبيان حقارة الدنيا وتفاهتها.
-مجموع فواصل آياتها (ملن)
-وهي مكية باتفاق، وقد روى عن قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن آية {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (الزخرف: 45) نزلت بالمسجد الأقصى فإذا صح لم يكن منافيا لهذا لأن المراد بالمكي ما أنزل قبل الهجرة،وفي الإتقان أنها نزلت بالسماء وقيل: بالمدينة.
-وهي بترتيب النزول السور الثانية والستين ، نزلت بعد سورة فصلت وقبل سورة الدخان.
-وعدد آياتها تسعا وثمانين، وعدها أهل الشام ثمانيا وثمانين.
أهداف وموضوعات السورة:

أعظم ما اشتملت عليه هذه السورة من الأغراض:
-التحدي بإعجاز القرآن لأنه آية صدق الرسول فيما جاء به والتنويه به عدة مرات وأنه أوحى الله به لتذكيرهم وتكرير تذكيرهم وإن أعرضوا كما أعرض من قبلهم عن رسلهم.
-ومن أهم أغراض السورة، التعجيب من حالهم إذ جمعوا بين الاعتراف بأن الله خالقهم والمنعم عليهم وخالق المخلوقات كلها.وبين اتخاذهم آلهة يعبدونها شركاء لله.
-وكذلك العجب منهم إذ وجعلوا الملائكة بنات لله،  مع اعتقادهم أن البنات أحط قدرا من الذكور فجمعوا بذلك بين الإشراك والتنقيص للخالق.
-وإبطال عبادة كل ما دون الله على تفاوت درجات المعبودين في الشرف، كان يكون المعبود نبي الله عيسى عليه السلام، فإلجميع سواء في عدم استحقاقه للألوهية ولبنوة الله تعالى.
-وذكَّرهم بأحوال الأمم السابقين مع رسلهم، وأنذرهم بمثل عواقبهم، وحذرهم من الاغترار بإمهال الله وخص بالذكر رسالة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.
-وخص إبراهيم بأنه جعل كلمة التوحيد باقية في جمع من عقبه وتوعد المشركين وأنذرهم بعذاب الآخرة بعد البعث الذي كان إنكارهم وقوعه من مغذيات كفرهم وإعراضهم لاعتقادهم أنهم في مأمن بعد الموت.
-وتخلل في خلال السياق من الحجج والأمثال والقوارع والترغيب والترهيب، مع دحض شبه المعاندين بأفانين الإقناع بانحطاط ملة كفرهم وعسف معوج سلوكهم.
-وأدمج في خلال ذلك ما في دلائل الوحدانية بما امتنَّ عليهم من النعم على الدنيوية ، والإنذار والتبشير. وإِثبات إِلهيّة الحقّ في السماءِ والأَرض، وأَمر الرّسول بالإِعراض عن مكافأَة الكفَّار في قوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ}
-وقد جرت آيات هذه السورة على أسلوب نسبة الكلام إلى الله تعالى عدا ما قامت القرينة على الإسناد إلى غيره. اهـ.
التفسير :

يقول تعالى: { حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ } أي البِّين الواضح الجلي، المنزل بلغة أهل العرب التي هي أفصح اللغات، ونعت الكتاب بالمبين لأن الله بين فيه أحكامه وفرائضه، ولهذا قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ } أي سميناه ووصفناه،  وأنزلناه جملة إلى السماء الدنيا،ولا يجب أن يلتبس قوله تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا }بالخلق ، وبأن القرآن مخلوق، فهذا ما لا يصح ولا ينبغي على القرآن الذي هو كلام الله أن يوصف بأنه مخلوق ، بل قوله جعلنا كما فسرها المفسرون على الإنزال.
 وقوله: { قُرْ‌آنًا عَرَ‌بِيًّا } أي بلغة العرب، فصيحاً واضحاً، لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه؛ وقال مقاتل : لأن لسان أهل السماء عربي، { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي تفهمونه وتتدبرونه، وتفهمون أحكامه ومعانيه. وليس معنى هذا أن يكون خاصا للعرب دون العجم، ولكن بمعنى لعلكم تتفكرون في فضل الله عليكم؛ فعلى هذا يكون خطابا عاما للعرب والعجم. كما قال عزَّ وجلَّ: { بلسان عربي مبين} وقوله تعالى: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } بيّن شرفه في الملأ الأعلى، ليشّرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض، فقال تعالى ، وإن القرآن { فِي أُمِّ الْكِتَابِ } أي اللوح المحفوظ { لَدَيْنَا }  أي عندنا { لَعَلِيٌّ } أي ذو مكانة عظيمة، وشرف وفضل { حَكِيمٌ } أي محكم بريء من اللبس والزيغ، وهكذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال تبارك وتعالى: { إِنَّهُ لَقُرْ‌آنٌ كَرِ‌يمٌ *فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ *لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُ‌ونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّ‌بِّ الْعَالَمِينَ }( الواقعة 77-80)  وقال تعالى: { فِي صُحُفٍ مُّكَرَّ‌مَةٍ * مَّرْ‌فُوعَةٍ مُّطَهَّرَ‌ةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَ‌ةٍ *  كِرَ‌امٍ بَرَ‌رَ‌ةٍ } ( عبس 13-16)،  فالملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى، وأهل الأرض بذلك أولى وأحرى، لأنه نزل عليهم، وخطابه متوجه إليهم، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم، وقوله عزَّ وجلّ :{ أَفَنَضْرِ‌بُ عَنكُمُ الذِّكْرَ‌ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِ‌فِينَ } ؟ اختلف المفسرون في معناها فقيل معناها: أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم، ولم تفعلوا ما أمرتم به ،وقال قتادة: واللهِ لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذا الأمة لهلكوا، ولكن اللهَ تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم، ودعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء اللهُ من ذلك، وقول قتادة لطيف المعنى جداً، وحاصله أنه يقول في معناه: إنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإلى الذكر الحكيم وهو القرآن وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل أمر ليهتدي به من قدّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته، ثم قال جلَّ وعلا مسلياً لنبيّه في تكذيب من كذبه من قومه وَكَمْ أَرْ‌سَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ }    أي في شِيَع الأولين: {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي يكذبونه ويسخرون به،كما يستهزيء قومك بك،يعزي نبيه ويسليه { فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا }  أي فأهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا أشد بطشاً من هؤلاء المكذبين لك يا محمد، وقوله جلَّ جلاله { وَمَضَىٰ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ } قال مجاهد: سنتهم، أو عقوبتهم، وعبرتهم: أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم، فخبرهم بأنهم أهلكوا على كفرهم؛ والمثل : هو الوصف والخبر، كقوله تعالى: { فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين} ،
يقول تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ} ولئن سألت يا محمد، هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره { مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ }  أي ليعترفون بأن الخالق لذلك هو الله وحده، { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} ، والعزيز هو الغالب الذي لا يغلب ، فهم اعترفوا لله تعالى بالعزة والغلبة والعلم ،وهم مع هذا يعبدون معه غيره، من الأصنام والأنداد، ثم قال تعالى: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْ‌ضَ مَهْدًا } مهداً: أي فراشاً قراراً ثابتة، تسيرون عليها وتقومون وتنامون، مع أنها مخلوقة على تيار الماء، لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد، { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا } أي طرقاً بين الجبال والأودية { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي في سيركم من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر،
{ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ‌ } بقدر: أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم، وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم، وذلك تصديقا لقوله تعالى : { نَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‌} ( القمر 49 )
وقوله تعالى: { فَأَنشَرْ‌نَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا } أي أي أنشرنا وأحيينا بهذا الماء أرضاً ميتة، فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ثم نَّبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها فقال: { كَذَٰلِكَ تُخْرَ‌جُونَ  ثم قال عزَّ وجلَّ: { وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا } أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف، من نبات وزروع وثمار وغير ذلك، ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها، وأصنافها، { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ }  أي السفن { وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْ‌كَبُونَ } أي ذللها لكم وسخَّرها ويسّرها، لركوبكم على ظهورها،والمقصود بالأنعام هنا ليس كلها من البقر والغنم والماعز ، بل هي الإبل فقط وهو الصحيح لقوله : بينما رجل راكب بقرة إذ قالت له لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث،  فقال النبي : (آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر). ولهذا قال جلَّ وعلا { لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِ‌هِ } أي لتستووا متمكنين مرتفقين على ظهوره جنس الأنعام { ثُمَّ تَذْكُرُ‌وا نِعْمَةَ رَ‌بِّكُمْ } أي فيما سخر لكم { إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ‌ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِ‌نِينَ }  أي مطيقين،ولا مماثلين للخالق بالقدرة والقوة لمثل هذا، ولولا تسخير الله  لنا هذا ما قدرنا عليه.
في اللغة :
وفي أصل الكلمة  قولان : أحدهما : أنه مأخوذ من الإقران؛ يقال : أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق. وأقرنت كذا إذا أطقته وحكمته؛ كأنه جعله في قرن - وهو الحبل - فأوثقه به وشده. والثاني : أنه مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير؛ يقال : قرنت كذا بكذا إذا ربطته به وجعلته قرينه
 { وإنا إلى ربنا لمنقلبون} أي لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي.
ذكر ركوب الدابة أو غيرها من المركوبات:

مما وردت به السنة: ذكر د ركوب الدابة حديث علي بن أبي طالب : عن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً رضي الله عنه أتى بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم اللهِ ، فلما استوى عليها قال: الحمد للهِ { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ‌ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِ‌نِينَ* وَإِنَّا إِلَىٰ رَ‌بِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ، ثم حمد اللهَ تعالى ثلاثاً وكبّر ثلاثاً، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي، فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال رضي اللّه عنه: رأيت رسول اللهِ فعل مثل ما فعلت، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا رسول الله ؟ فقال : (يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري) "أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح". حديث عبد اللهِ بن عمر : روى الإمام أحمد، عن عبد اللهِ  بن عمر رضي اللّه عنهما قال: إن النبي كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثاً ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين . وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، ثم يقول: (اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا السفر، واطوِ لنا البعد، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم أصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا). وكان صلى اللّه عليه وسلم إذا رجع إلى أهله قال: (آيبون تائبون إن شاء اللّه، عابدون لربنا حامدون). "أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والإمام أحمد"  


يتبع  في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى

1 comment: