Friday 26 June 2015

تدبر آية من القرآن العظيم – الحزب 29– الإسراء والمعراج ،بناء المسجد الأقصى، وفرض الصلاة



 



 الحزب 29، سورة الإسراء ، بناء المسجد الأقصى، وفرض الصلاة

هذا الحزب هو كله  سورة الإسراء ، وسميت كذلك لآية واحدة في بدايتها  في حادثة الإسراء ، حيث لم تذكر في غيرها، ولم يذكر فيها شيء عن المعراج كما يعتقد بعض الناس ، وليس كذلك ، وإنما ورد ذكر المعراج في مواضع أخرى كسورة { النجم } و{ التكوير}
وكذلك في صحيح حديث رسول الله .
وقد تكاثرت الأحاديث الثابتة عن النبيﷺ في الإسراء، وذكر تفاصيل ما رأى وأنه أسري به إلى المسجد الأقصى  ومن بركته تفضيله على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه وأن الله اختصه محلا لكثير من أنبيائه وأصفيائه.
والمسجد الأقصى في  في بيت المقدس الذي بارك فيه وحوله ( أي بكثرة الأشجار والأنهار والخصب الدائم ).
ثم عُرج به من هناك إلى السماوات حتى وصل إلى ما فوق السموات العلى ورأى الجنة والنار، والأنبياء على مراتبهم وفرض عليه الصلوات خمسين، ثم ما زال يراجع ربه بإشارة موسى الكليم حتى صارت خمسا بالفعل، وخمسين بالأجر والثواب، وحاز من المفاخر تلك الليلة هو وأمته ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل‏.‏
المسجد الأقصى ثاني أقدم مسجد بني في الأرض:

الثابت في الحديث الشريف أنَّ المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض، فعن أبي ذر الغفاري، رضي الله تعالى عنه، قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال:" المسجد الحرام" ، قال: قلت ثم أي؟ قال:" المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال:"أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصله، فان الفضل فيه." ( رواه البخاري).
والمقصود من الحديث الإشارة إلى أول بناء المسجدين .
وقد قيل : بناهما جميعا آدم عليه السلام ، اختط حدود المسجد الأقصى بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام، بأمر من الله تعالى، وذكر بعض الفقهاء أن الملائكة هم أول من بنوا المسجد الأقصى.
وقيل : بنى آدم المسجد الحرام ، وبنى بعض أبنائه المسجد الأقصى ، فكان بين البناءين أربعون سنة ، ثم بعد ذلك جدد بناء المسجد الحرام إبراهيم عليه السلام ، وجدد بناء المسجد الأقصى سليمان عليه السلام .

أنبياء رمموا المسجد الأقصى : 
وكما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى المبارك. فقد عمره ورممه سيدنا إبراهيم عليه السلام ، ثم تولى المهمة أبناؤه إسحاق ويعقوب عليهم السلام من بعده، كما جدد سيدنا سليمان عليه السلام بناءه وتذكر بعض الروايات أن داوود بدأ بناؤه وأكمله سليمان عليهما السلام.

عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: "  لمَّا فرغَ سُلَيْمانُ بنُ داودَ من بناءِ بيتِ المقدِسِ سألَ اللَّهَ ثلاثًا:  حُكْمًا يصادفُ حُكْمَهُ،  وملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِهِ ، وألَّا يأتيَ هذا المسجدَ أحدٌ لا يريدُ إلَّا الصَّلاةَ فيهِ إلَّا خرجَ من ذنوبِهِ كيومِ ولدتْهُ أمُّهُ"  فقالَ النَّبيُّ : "أمَّا اثنتانِ فقد أُعْطيَهُما وأرجو أن يَكونَ قد أُعْطيَ الثَّالثةَ"(صحيح ابن ماجه، ورواه النسائي وأحمد) نسال الله تعالى أن يكتب لنا صلاة متجددة في المسجد الأقصى، تغفر لنا بها الذنوب، اللهم آمين .
 
المسجد الأقصى قديم :

لابد من التذكير بحقيقة كون كثير من معالم المسجد الأقصى المبارك، خاصة الجدار والأبواب موغلة في القدم، فأول بانٍ للمسجد الأقصى المبارك هو آدم عليه السلام على الأرجح، والحديث الشريف ينص على أنه وضع بعد المسجد الحرام بـ"أربعين سنة". ومنذ ذلك الحين، تتابعت يد العمران على الأقصى قديما وحديثا، قبل وبعد الفتح الإسلامي للقدس. وعليه، فوجود أحجار تعود للفترة الرومانية في جدار الأقصى لا يعني أنه معبد روماني أو يهودي، إذ هو بيت لعبادة الله منذ أسس لأول مرة. فضلا عن ذلك، فإن العثور على آثار تعود للفترة اليبوسية (3000 ق.م) في أسواره تدل بشكل قاطع على أن الأقصى كان قائما حتى قبل بعثة إبراهيم (1900 ق.م) وموسى وعيسى عليهم السلام.
أما المعالم الحالية للمسجد الأقصى مثل المسجد العمري وقبة الصخرة وغيرها فهي من بناء المسلمين بعد الفتح الإسلامي.

والحديث هنا عن فرض الصلاة من هناك ؛ فما الحكمة من ذلك ؟
والحكمة في كون الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي فرضت في السموات ليلة المعراج هي في عدة أمور

 لما عرج بالرسولفي تلك الليلة رأي تعبّد الملائكة
وأن منهم القائم فلا يقعد ، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد، فجمع الله تعالي له ولأمته تلك العبادات كلها في ركعة واحدة من صلاة يصليها العبد المسلم بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص.
وفيه اشارة إلي عظم شأن هذه العبادة دون غيرها من العبادات كان فرضها من الله تعالي مباشرة إلي النبي دون واسطة جبريل عليه السلام.

وفي فرض الصلاة من الرب مباشرة إلى عبده عليه الصلاة والسلام تنبيه على فضلها أولا، ثم  فضل الطهارة فيها ، والتشديد عليها ، وانها من شروط أدائها ، لأن الصلاة مناجاة العبد لربه ، وأن الرب سبحانه وتعالى مقبل على عبده ، ينصب وجهه لعبده كما جاء في الحديث الصحيح :" وإنَّ اللَّهَ أمرَكُم بالصَّلاةِ فإذا صلَّيتم فلا تلتَفِتوا ، فإنَّ اللَّهَ يَنصِبُ وجهَه لوجهِ عَبدِه في صلاتِه ما لَم يلتَفِتْ " (صحيح دلائل النبوة )

فإذا كان كذلك هي الصلاة، مناجاة بين العبد وربه، فكيف يكون حال من يناجي ربه وخالقة ؟

والله تعالى يسمع من عبده ويجيبه، كما صح عن النبي ﷺ قال: قالَ اللهُ تعالى : قسمتُ الصَّلاةَ بيني وبينَ عبدي نصفينِ ، ولعبدي ما سألَ ، فإذا قالَ العبدُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، قالَ اللهُ تعالى : حمدني عبدي . وإذا قالَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } . قالَ اللهُ تعالى : أثنى عليَّ عبدي . وإذا قالَ { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } . قالَ : مجَّدني عبدي ( وقالَ مرَّةً: فوَّضَ إليَّ عبدي )  فإذا قالَ : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . قالَ : هذا بيني وبينَ عبدي ولعبدي ما سألَ . فإذا قالَ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } . قالَ : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .( مسلم )  

كيف كان فرض الصلاة في السموات العلى ؟ هل سمع  محمد ﷺكلام ربه يفرض عليه وعلى أمته الصلاة ؟ هل رأى ربه رؤيا العين ؟

فرض الله تعالى الصلاة من فوق  سبع سموات ، ولكن كيف كان الوحي ؟

إن كلام الله - عز وجل - ثلاثة أنواع كما قال سبحانه في أخر سورة الشورى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } [الشورى:51 ]
النوع الأول: أن يكون وحياً { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا } وهذا يدخل فيه النفخ بالروع ، ويدخل فيه الإلهام ، ويدخل فيه المنام ، ويدخل فيه أشياء كثيرة.
النوع الثاني: أن يكون من وراء حجاب { أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } وهو ما كُلِّم به موسى عليه السلام ، وهو ما كلم الله تعالى به النبي محمد ﷺ في المعراج فكان من وراء حجاب.
وهناك كان فرض الصلاة ، وعلى هذه الحال الفريدة في الوحي فرضت الصلاة ، فيالفضل الصلاة، ويا لعظم أهميتها يا أمة الإسلام كيف تؤدونها ؟ وعلى أي حال نكون فيها ، وربكم قد عظمها  وبين لكم عظمتها عنده كل هذا التعظيم .

الثالث: أن يرسل رسولاً:{ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } سبحانهن وهو جبريل عليه السلام ملك الرسالة لكل الأنبياء.وهذه هي الحالة التي نزل بها كل القرآن الكريم على محمد ﷺ.
فرص الصلاة في المعراج:
عن ابن عباس في ذكره حديث معراج النبي إلى السموات السبع، قال النبي :" ثم عرجَ بى حتّى ظهرتْ بمستَوى أسمعُ فيه صريفَ الأقلامِ ، ففرضَ اللهُ عز وجل على أمّتي خمسينَ صلاة ، فرجعتُ بذلكَ حتّى مررتُ على موسى ، فقال موسى : ماذا فرضَ ربكَ على أمّتكَ ؟ قلت : فرضَ عليهِم خمسينَ صلاةً . قال لى موسى : فراجعْ ربكَ ، إن أمّتكَ لا تُطيقُ ذلكَ ، فراجعتُ ربى ، فوضعَ شطرها ، فرجعتُ إلى موسى فأخبرتهَ ، فقال : راجعْ ربكَ فإن أمتكَ لا تطيقُ ذلكَ ، فراجعتُ ربى ، فقال : هُنّ خمسٌ ، وهُنّ خمسونَ لا يُبَدّلُ القوْلُ لَدَىّ ، فرجعتُ إلى موسى ، فقال : راجعْ ربكَ ، قلتُ : قد استحييتُ من رَبّى . ثم انطلقَ بى حتى انتهى إلى سدرةِ المُنْتهى ، ونبْقُها مثلُ قِلالِ هَجَرَ ، وورقُها كآذانِ الفيلةِ ، تكادُ الورقةُ تغطّى هذِه الأمهِ ، فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هيَ ؟ ثم أدخلتُ الجنةَ فإذا فيها جنابِذُ اللؤلؤِ ، وإذا ترابها المسكُ"( صحيح الجامع للألباني )  اللهم اجعلنا من أهلها

هل رأى رسول الله ﷺ ربه ؟

أنه رآه بعين قلبه ولم يره بعين رأسه ، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون ، وهو قول عائشة رضي الله عنها ، وعن مسروق قال: كنتُ متَّكئاً عند عائشةَ فقالت: يا أبا عائشة، ثلاثٌ مَنْ تَكلَّمَ بِواحدةٍ منهنَّ فقد أعظم على الله الفِرْية، قلتُ: ما هنَّ؟ قالت: مَن زَعَم أنَّ محمَّدا ﷺ رأى ربه فقد أعظم على الله الفِرية، قال: وكنت متكئا فجَلَسْتُ، فقلتُ: يا أم المؤمنين أنظِريني ولا تعجليني، ألم يقُلِ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ}[ التكوير 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم 13]! فقالت: أنا أوَّل هذه الأُمَّةِ سأل عن ذلك رسول الله ﷺ ، فقال: "إنَّما هو جبريل لم أرَهُ على صورته التي خُلِق عليها غَيْرَ هاتين المرَّتين، رَأَيْتُه منهبطاً من السماء سادّاً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض"، فقالت: أَوَلَمْ تسمع أنَّ الله يقول: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}؟ [الأنعام: 103] أولم تسمع أن الله يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}؟ [الشورى51].
ونبينا بشر، ما كان لبشر أن يكلم الله إلا من وراء حجاب ؛ ولهذا لما سأل موسى الرؤيا في الدنيا قال :{ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ} ( الأعراف 143)
وفي رواية عند مسلم: سألتُ عائشةَ: هل رأى محمَّد ﷺ ربه؟ فقالتْ "سبحان الله! لقد قفَّ شعري لما قُلْتَ"، وساق الحديث بقصَّتِه.
وفي رواية، قال مسروق لعائشة: فأينَ قولُه: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}، قالتْ: إنَّما ذاك جِبريل ﷺ كان يأتيه في صورة الرجال وإنَّه أتاه في هذه المرَّة في صورته التي هي صورته، فَسَدَّ أُفُقَ السماء.
وعن أبي هريرة معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] قال: رأى جبريل. رواها جميعاً مسلمٌ في صحيحه.
 
ومِمَّا يؤكّد عدمَ رؤية النبي ﷺ ّربَّه بعينيه ليلة الإسراء حديثُ أبي موسى؛ أن رسول الله ﷺ قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهار وعَمَلُ النَّهارِ قبل عَمَلِ اللَّيْلِ، حجابه النور -وفي رواية أبي بكر: النَّار- لو كَشَفَهُ لأحرقتْ سُبُحاتُ وجْهِه ما انتهى إليه بصرُه من خَلْقِه".
ولأن الرؤية ، رؤية الله نعيم ادخره الله تعالى لأهل الجنة ، وليس لأهل الدنيا والنبي ﷺ في ذلك من أهل الدنيا فهي نعيم خاص بأهل الجنة .
فالثابت أنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يرَ ربه تعالى ببصره في ليلة المعراج، وإنما رآه بفؤاده، ولم ير بعينيْهِ إلا النور، وهو قول أكثر أهل السنة.
وقد رُوِيَ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ رأى ربَّه، ولكنَّ هذه الروايات المُطْلَقَةَ رُوِيَتْ مقيَّدةً بِرُؤْيَةِ القَلْبِ؛ فقد روى مسلمٌ عنِ ابن عباس قال: "رآهُ بفُؤَادِه مرَّتَيْنِ".

ربنا اجعنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ، ربنا وتقبل دعاء ، اللهم أعنا على ذكرك في أحب الساعات إليك ، نسألك فيها فتعطينا ، ونستغفرك فتغفر لنا

No comments:

Post a Comment