Saturday 27 June 2015

أدعية عظيمة - اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ




  




قال ابن عمر قلما كان رسول الله ﷺ يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه،وفي رواية كان رسول الله ﷺ يختم بهن مجلسه وهذا الدعاء لم يترك أمر من خيري الدنيا والآخر إلاَّ تضمنه: قال: " اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّاتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا " سنن الترمذي ومستدرك الإمام الحاكم بسند صحيح ،وهذا لفظ الترمذي وقال حسن غريب، وصححه الألباني.

فمعنى هذا الدعاء الجليل: 

قول الداعي: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ"  اقسم بمعنى قدر، والخشية هي الخوف المقرون بالعلم، لقول الله تبارك وتعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}( فاطر28) فهذا سؤال لله تعالى أن يرزق العبد خشيته والخوف منه، فإن من رزقه الله الخوف منه، وخشيته امتنع عن فعل المعاصي، لأن الإنسان كلما خشي الله عز وجل منعته خشيته من الله أن ينتهك محارم الله، ولهذا قال: " مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ " ، ومن حرم الخشية والخوف من الله تجاسر على ارتكاب المعاصي.
 وقوله: " وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ " أي: واقسم لنا من طاعتك ما تبلغنا به جنتك، فإن الجنة طريقها طاعة الله عز وجل، فإذا وفق العبد لخشية الله واجتناب محارمه والقيام بطاعته نجا من النار بخوفه ودخل الجنة بطاعته، وينبغي للعبد أن يداوم على طلب العون منه تعالى علىالتزام طاعته ويتقبلها منه ويثيبه عليها الجنة.
وقوله: " وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَاواليقين هو أعلى درجات الإيمان، لأنه إيمان لا شك معه ولا تردد، بل هو أن تتيقن ما غاب عنك مما أخبرك الله به  كما تشاهد ما حضر بين يديك، فإذا كان عند الإنسان يقين تام بما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب،  فيما يتعلق بالله عز وجل أو بأسمائه أو صفاته أو اليوم الآخر أو غير ذلك وصار ما أخبر الله به من الغيب عنده بمنزلة المشاهد، فهذا هو كمال اليقين، وقوله: " مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا " لأن الدنيا فيها مصائب كثيرة، لكن هذه المصائب إذا كان عند الإنسان يقين أنه يكفر بها من سيئاته ويرفع بها من درجاته إذا صبر واحتسب الأجر من الله هانت عليه المصائب وسهلت عليه المحن مهما عظمت،  سواء كانت في بدنه أو في أهله أو في ماله ما دام عنده اليقين التام، فإنها تهون عليه المصائب، واليقين بأن الله تعالى هو الذي قضى هذا وقدره وأنه إنما قدره لحكمته البالغة فإنه يرضى ويسلم لحكم الله وتهون عليه مصيبته.
وقوله: " اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّاتِنَا مَا أَحْيَيْتَنا" أي: نسأل الله تعالى أن يمتعنا بهذه الحواس السمع والبصر والقوة، وأن تظل هذه الحواس والقوى سليمة لا يصاب الإنسان بآفة فيها ما دام حيا، لأن الإنسان إذا متع بهذه الحواس حصل على خير كثير، وإذا افتقد هذه الحواس فاته خير كثير، لكن لا يلام عليه إذا كان لا يقدر عليها .
وقوله: " وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا " : يعني اجعل تمتعنا بهذه الأمور السمع والبصر والقوة الوارث منا يعني اجعله يمتد إلى آخر حياتنا حتى يبقى بعدنا ويكون كالوارث لنا وهو كناية عن استمرار هذه القوات إلى الموت، وقيل يرث هذه القوى منك ذريتك ، فيمتد بهم العمر مع التمتع بقواهم حتى مماتهم.
قوله: " وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ": أي وفقنا للأخذ بثأرنا ممن ظلمنا، دون أن نتعدَّى فنأخذ بالثأر من غير الظالم.
قوله: " وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ": تعميم بعد تخصيص أي اكتب لنا الظفر والفوز على من تعدَّى علينا بغير حق. 
 قوله: " وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ": أي لا تُصيبنا بما ينقص ديننا ويذُهبه من اعتقاد سيئ، أو تقصير في الطاعات، أو فعل المحرمات، أو كتسليط الكفار، والمنافقين، والظلمة على أهل الدين والإيمان؛ لأن مصيبة الدين هي أعظم المصائب، التي لا تنجبر ولا يُعوِّض عنها، خلاف مصائب الدنيا.
قوله:" وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ": أي لا تجعل أكبر قصدنا وتعلقنا، وحزننا لأجل الدنيا؛ فإن من كان أكبر همه الدنيا كان في معزل عن الآخرة، بل اجعله مصروفاً في عمل الآخرة، وفي هذا دليل على أن القليل من الهمّ لابُدَّ منه في الدنيا ويُرخص فيه.
قوله:" وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا ": أي لا تجعل أكثر علمنا وتفكيرنا في أحوال الدنيا كالكافرين، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}( الروم 8)
وقوله: " وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا" أي لا يقهرنا من أعدائنا من يتجبر فينا ولا يرحمنا.

ولفظ رواية الحاكم عن ابن عمر أنه : لم يكن يجلس مجلسا كان عنده احد أو لم يكن إلا قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ،وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، اللهم ارزقني من طاعتك ما تحول بيني وبين معصيتك، وارزقني من خشيتك ما تبلغني به رحمتك، وارزقني اليقين ما تهون به علي مصائب الدنيا وبارك لي في سمعي وبصري واجعلهما الوارث مني اللهم وخذ بثأري ممن ظلمني وانصرني على من عاداني ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي اللهم ولا تسلط علي من لا يرحمني"  فسئل عنهن ابن عمر فقال كان رسول الله ﷺ يختم بهن مجلسه.







No comments:

Post a Comment