Thursday 14 January 2016

تدبر آيات من القرآن العظيم - الحزب 33 - سورة الأنبياء




  


تدبر آيات من الحزب 33 - سورة الأنبياء

سميت السورة بهذا الإسم لما ذكر فيها من أخبار بعض الأنبياء 
وفيها كثير من الفوائد نذكر منها :
- روى البخاري في صحيحه  عن ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي " بَنِى إِسْرَائِيلَ " و " الْكَهْفِ " وَ " مَرْيَمَ " وَ " طَهَ " وَ " الأَنْبِيَاءِ " : ( إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي ) .
وقوله : ( من العتاق الأول ) أي : من قديم ما نزل .
وقوله:
( وهن من تلادى ) أي : من قديم ما قنيت وحفظت من القرآن ، ذلك أن هذه السور نزلت بمكة ، ويقصد أنهن محفوظات عنده هكذا في مصحفه الذي كتبه هو في عهد النبي
بهذا الترتيب .
ويستدل العلماء بهذا الأثر عن ابن مسعود على أن ترتيب السور في مصحف عثمان رضي الله عنه ترتيب توقيفي ، اي أنه  هكذا كان على زمن النبي
، وان النبي هو الذي رتب سوره بهذا الترتيب بأمر من ربه ،  وليس مستجد من فعل الصحابة ،  كما يدّعي البعض.
- ويستهل الله تعالى السورة بذكر حقيقة أن الساعة لا شك قريبة، ولكن الناس عنها غافلون، قلوبهم عنها لاهية، بالتافه عن الجليل، والفاني عن الخالد، وبالحقير من الأمور عن عظائمها ، بالرغم من انه تعالى أرسل الرسل إلى الناس  يخبروهم وينذرونهم ويخوفونهم ، ويبشرونهم ويرغبونهم.
- أية في السورة فيها حقيقتين علميتين كبيرتين عليهما مدار الكون والحياة ، وهي قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ‌ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ كَانَتَا رَ‌تْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}
تشير هذه الآية الكريمة إلى حقيقتين، من حقائق هذا الكون، تدلان على ألوهيته سبحانه ووحدانيته سبحانه، وأنه لا مبدع، ولا خالق سواه :
الأولى تتعلق بوحدة الكون.
والثانية تتعلق بسر الحياة في هذا الكون الفسيح.
والكلام موجها لهل الكتاب خاصة وللكفار عامة؛ الذين كفروا بوجوده سبحانه، وبقدرته، وسرِّ صُنعه ولهذا أنكر الله تعالى عليهم كفرهم بآياته في أول الآية بقوله:{ أولم ير الذين كفروا }، ثم وبخهم على ذلك، في آخرها بقوله:{ أفلا يؤمنون } فجاء آخر الآية مطابقًا لأولها. أي: أفلا يكفيهم ذلك دليلاً على الإيمان!!  وهذا وإن كان تفسير لغوي للتقرير ، إلا أن الحقيقة التاريخية تجعله معجزا أكثر، فقوله : :{ أولم ير الذين كفروا }، فهمنا منه بعد اكتشاف هذه الحقائق العلمية أن من سيرى ويكتشفها هو من الكفار – ومنهم كفرة أهل الكتاب- ، وفي نهاية الآية يدعوهم تعالى للإيمان إذا تجلى لهم صدق القرآن ومطابقته للحقائق العلمية التي ما كان لمحمد أن يعرفها في ذلك الزمان.
أما الحقيقة الأولى:  فيشير إليها الشقُّ الأول من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى{ أَوَلَمْ يَرَ‌ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضَ كَانَتَا رَ‌تْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } أي: أولم يرَ هؤلاء أن السموات والأرض، كانتا منضمتين إلى بعضهما، ملتحمتين، أو ملتصقتين، لا فضاء بينهما، ففصلناهما عن بعضهما أي: كانتا كرة واحدة، ثم انفصلتا بإرادة الله وقدرته!
وقد جاء العلم الحديث مؤيِّدًا لما أخبر الله تعالى به، حين أثبت بالأدلة العلمية القاطعة، أن الكون كله كان شيئاً واحداً متصلاً من غاز، ثم انقسم إلى سدائم، وعالمنا الشمسي كان نتيجة لتلك الانقسامات، والسدائم جمع سديم، يراد به السحب، ويطلق فلكيًّا على مجموعة هائلة من النجوم.
ومما يؤيد هذا القول: أن العلماء اكتشفوا بالتحليل الطيفي لإشعاعات الشمس؛ على أن العناصر الكيميائية التي في الشمس وهي نجم من نجوم السماءهي نفس العناصر المكونة لكتلة الأرض ،فمن كشفهم على نوعها وعن مقدارها، وجدوا أن العناصر التي في الشمس هي عينها في الأرض، والشمس نجم، يتمثل فيه سائر النجوم، والنجوم هي الكون، وهذا يعني: أن العناصر، التي بُنِيَ فيها الكون على اختلافها هي عناصر واحدة، هذا من جهة.
ووأيد هذا الإكتشاف أيضا تحليلهم للنيازك وهي من الأجرام السماوية الملموسة الوحيدة لأهل الأرض،وهي قد حصل عليها العلماء من الفضاء الخارجي، فقد لاحظ العلماء أن أكثر العناصر شيوعاً في الأرض هي العناصر الشائعة في النيازك الحجرية، وهذا يؤكد ويثبت قوله تعالى أن الكون بما في المساء والأرض كانتا كتلة واحدة ، ثم انقصلتا عن بعضهما.
وأما الحقيقة الثانية- وهي سرُّ الحياة- فقد أشار إليها الشق الثاني من الآية الكريمة؛ وهو قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} أي: أوجدنا من الماء كل شيء حيٍّ، وكوَّناه بقدرتنا، وإنما قال تعالى:{ وجعلنا }، ولم يقل: خلقنا ؛ لأن( جعل ) لفظ عام في الأفعال، ولمَّا كان قوله تعالى:{ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } مرادًا به عموم المخلوقات، ناسب التعبير عنه بفعل يدلُّ على العموم.كما أن الجعل يأتي بعد الخلق.
وفي سورة النور:{ والله خلق كل دابة من ماء } ( النور:45
بقي أن تعلم أن قوله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ  } من أبلغ ما جاء في القرآن الكريم، في تقرير هذه الحقيقة، التي أدرك العلماء أخيرًا سرّها، فمعظم العمليات الكيماوية اللازمة للحياة والنمو، تحتاج إلى الماء؛ وهو العنصر الأساسي لاستمرار الحياة لجميع الكائنات والنباتات، والماء يغطي نحو ثلاثة أرباع سطح الأرض، وله درجة ذوبان مرتفعة، ويبقى سائلاً فترة طويلة من الزمن، وله حرارة تصعيد بالغة الارتفاع ، وهو بذلك يساعد على بقاء درجة الحرارة فوق سطح الأرض عند معدل ثابت، ويصونها من التقلبات العنيفة، ولولا كل ذلك لتضاءلت صلاحية الأرض للحياة إلى حد كبير.فسبحان الخالق المبدع { ألا يَعْلمُ مَن خَلَقَ } سبحانك بلى.
وللماء خواص أخرى، تدل على أن مبدع الكون، قد صمَّمه بما يحقق صالح مخلوقاته، فالماء هو المادة الوحيدة، التي تقل كثافتها، ويزيد حجمها عندما تتجمد، ولهذه الخاصية أهميتها الكبيرة بالنسبة لحياة الأحياء المائية؛ إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عندما يشتد البرد، وهو بطبيعة الحال الطبقة العليا، التي تتفاعل مع برودة الجو، وبهذا الشكل فإن الجليد يطفو على سطح المياه، ويكوِّن الثلج طبقة عازلة، تحفظ الماء الذي تحتها في درجة حرارة فوق درجة التجمد. وغير ذلك من الخواص التي لا يتسع المجال لذكرها
- وفي السورة تأكيد على أن رسل الله إلى خلقه ما كانوا إلا رجالاً قوله: { وَمَا أَرْ‌سَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِ‌جَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ } وهذا تأكيد للنوع؛  أن رسل الله رجال، فلم يقل الله تعالى بشرا، أو أُناساً،  فيعم الإناث والذكور، ولكنه خصص بأنهم رجال، وبذلك يخرج احتمال ان تكون أم موسى، أو أم عيسى من الأنبياء، أو الرسل بالرغم من أن الله تعالى قال أنه أوحى إلى أم موسى حيث قال تعالى:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْ‌ضِعِيهِ }( القصص7) ورأت أم عيسى جبريل عليه السلام، كما قال تعالى في سورة مريم:{ فَأَرْ‌سَلْنَا إِلَيْهَا رُ‌وحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرً‌ا سَوِيًّا} ( 17 )  وكلمته خائفة منه ولا تعلم من هو: { قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّ‌حْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا }،  وسمعت منه، وهو يقول لها مطمئنا لها وموضحا سبب وجوده عندها:{ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَ‌سُولُ رَ‌بِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا }،  فالوحي إلى أم موسى إلهام، وهو خطاب يلقى في قلب المؤمن يخاطب به الملك روحه ، كما في الحديث المشهور عنه : " إنَّ للملك لَمَّة بقلب ابن آدم ، وللشيطان لمَّة ، فلمَّةُ الملك: إيعاد بالخير، وتصديق بالوعد، ولمَّة الشيطان أيعاد بالشر وتكذيب بالوعد" ( سنن الترمذي – حسن غريب وهو مشهور)، وخطاب جبريل إلى أم عيسى وهو على صورة رجل جائز وهو يقع لغير الأنبياء وقد رآى الصحابة جبريل بصورة بشرية، كما جاء في حديث جبريل المشهور الذي رواه عمر بن الخطاب رضى الله عنه في الإسلام والإيمان والإحسان، حيث جاء جبريل للنبي وهوو بين صحابته،فجلس عنده وهم يرونه ويسمعون أسئلته،  وقد ورد في السيرة أن الملائكة كانت تخاطب الصحابي عمران بن الحصين بالسلام، فلما اكتوى تركت خطابه ، فلما ترك الكي عاد إليه خطاب الملك.
وأنبياء الله من بني البشر، ليسوا من الملائكة ، ولا من جنس متميز، بل بشر يأكلون الطعام، وما هم بخالدين، اصطفاهم عز وجل من بين خلقه، وطهرهم وأخلصهم وعصمهم عن الخطأ والزلل، وأرسلهم إلى أقوامهم  ليهدوهم إلى ربهم.
- وتتميز هذه السورة أن بين فيها تبارك وتعالى رحمته وفضله على أنبيائه، ورعايته لهم ، وعنايته بهم، ومن ثم بعباده الصالحين والناس عامة:{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ‌ مِنَ الرَّ‌حْمَـٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ‌ رَ‌بِّهِم مُّعْرِ‌ضُونَ } أي من يحفظكم ويحرسكم أيها البشر في منامكم وفي يقظتكم؟ من غير الخالق سبحانه وهذا استفهام تقريري يريد سبحانه أن يعترف له خلقه بأنه هو، القائم على كل نفس وعلى الكون بالحفظ والرعاية، فمن نعمته على خلقه كلاءته لهم وحراسته وحفظه بالليل والنهار بعينه التي لا تنام، ولكن البشر يعلمون ومع هذا يعرضون عن الحق لاهون .
-فحفظ الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام  وقد رُمي في وسط النار، فكان أمره للنار:( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم )، فتأمل دقة التعبير فلو قال رب النار للنار كوني بردا ، لقتلت إبراهيم من شدة بردها، بل قال بردا بمقدار ما تكوني سلام عليه، يحتملك بل وينعم فيك .
وتتوالى الحوادث مع إبراهيم ، فيذكر لنا الله تعالى هجرته من مكان ولادته في بابل ، إلى الأرض المباركة،  بلاد الشام وأكنافه، بلاد بيت المقدس ، وهو وابن أخيه لوط  عليهما السلام
ويتم ربه عليه نعمته بأن يستجيب دعاءه فقد سأل الله الولد،  فيهب له إسحاق عليه السلام ، والكريم يعطيه زيادة ( نافلة ) ولد الولد يولد في حياته وينبأ .
- وتتوالى قصص بهذه السورة بأدعية الأنبياء – وهذه من مميزات هذه السورة – واستجابة الله لها:    
قال تعالى : { وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْ‌بِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْ‌نَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَ‌قْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }
نجّا الله نوحا من كربه إذ بقي تسعمئة وخمسين عاما يدعو قومه فلا يستجيبون ، بل ويستهزئون به ، فأي كرب !!
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83-84]
انتبه:(فاستجبنا له) !
واقرأ معي وتفكر وابشر، فإن فرج الله قريب من كل من عرف الباب فطرقه ، والح في الطرق ، فلا بد ان يسمع جواب يرضيه ، فلا ييأسن سائل يقول دعوت فلم أر إجابة ، نقول له أرايت إن كنت ترعي نبتة ترجو منها الثمر ، أرأيت أن أبطأ عليك الثمر فلم يظهر ، فتركت سقيها ورعايتها ،إن فعلت ذلك أترجو الثمر ؟ بل واظب على السقايه فلا بد أن ترى ما يسرك ، أبشر يا صاحب الغم والكرب بيسر المطلوب للفرج ، اسمع قول القادر على كل شيء:
{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ‌ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }
نادي يونس عليه السلام ربه في ظلمات ثلاث ظلمة الليل، وظلمة قاع البحر، وظلمة بطن الحوت، نداء خفيا بعيدا عن السمعة والرؤية، فكان نداءه أوله تهليل، وأوسطه تسبيح، وآخره اعتراف بالذنب ، فجاءه الفرج مسرعا، والعبرة للمسلمين في كل زمان ومكان من رب العباد الكريم المجيب قوله: (وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) بهذا الدعاء وأمثاله ننجي المؤمنين، فلم تقتصر على ذكر استجابة الله لدعائه، لكنها عممت هذه الإجابة على كل المؤمنين، وروي ابن عباس عن النبي قال: " لقد كان دعاء أخى يونس عجبا أوله تهليل وأوسطه تسبيح وآخره إقرار بالذنب { لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }(الأنبياء 87 ) ما دعا بها مهموم ولا مغموم ولا مكروب ولا مديون فى يوم ثلاث مرات إلا استجيب له"  (الديلمى)، ومن رحته ربنا وكرمه أن علَّم عباده هذا الدعاء، ووعد أنهم إذا دعوه جل وعلا بإخلاص الأنبياء وخضوعهم وخشوعهم ويقينهم وعدهم بالإجابة، فالمولي حيي لا يرد يدي عبده خائبتين، بل يستجيب الدعاء بخير منه ،وهذا هو تمام التبيان الذي انتهت به السورة ، وبعد سرد أدعية الأنبياء بيَّن تعالى سبب آخر لاستجابته الدعاء،حيث قال عن أولئك الأنبياء:(إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء 90].
فسارع بالخيرات، وادع ربَّك وأنت بين الرجاء والخوف، وبين الرغبة والرهبة، وكن خاشعاً لله في دعاءك وفي جميع حالك، يستجيب الله لك الدعاء.
- وملاحظة أخيرة على أدعية الأنبياء الواردة في السورة وهي :
باستقراء أدعية الأنبياء تلاحظ أن الله تعالى وحّد الفاظ أدعيتهم، إشارة إلى  وحدة رسالتهم وتكامل دعواتهم. إقرأ قوله تعالى { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ} ( 92)،  فأمة الأنبياء أمة واحدة، وكل نبي كان يبني بها جزءً، ليأتي خاتم الأنبياء والمرسلين ويكمل بناء الدين، وهذا ما يؤكده لنا نبينا  حيث قال:
"مثلي ومثل الأنبياء، كمثل رجل بنى داراً فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة." وبعد ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين." ﷺ.( روه البخاري)
ولذلك ركزت السورة أن كل نبي بعث إلى قومه خاصة، أما عند ذكر سيدنا محمد فقد قالت: { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ} (107). أي للناس كافة، لا بل لعوالم أخرى كالجن.
- وفي الختام فلأن السورة بدأت بخطورة مرض الغفلة، كانت آياتها في الختام شديدة، تهز القلوب لتوقظها من غفلتها. تقول اعلموا أن المرد والمرجع إلى الله، في يوم شديد وصعب { يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء كَطَىّ ٱلسّجِلّ لِلْكُتُبِ}  (104)، تخيل هول هذا اليوم، تخيل صوت السماء وهي تنطوي كما يطوي أحدنا كتابه... وانظر إلى التأكيد الرباني { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ}
فمن سار على الطريق الذي رسمه رب الخلق، فهو الوارث للنعيم المقيم في الآخرة، وهذا ما بشر الله به أتباع الرسل منذ الأزل ،فقال بعد الآيات الشديدة في وصف القيامة قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ} (105).
فهذا نداء يستهيب بكم ؛ أن يا أيها الناس لترثوا الأرض وتستخلفوا عليها كونوا عباد الله الصالحون،  بعدها توضح أكثر { إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغاً لّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ}  (106)، فها قد بلغت الرسالة وعرفت الطريق  للإستخلاف على الأرض، إنما هي عبادة رب العالمين على طريقة الرسل، وحسب أرشادهم.

اللهم لك الحمد بالإسلام ، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن ، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة ، اللهم لك الحمد في السراء ولك الحمد في الضراء ولك الحمد على كل حال ، اللهم لك الحمد أن صيرت محمدا رحمة للعالمين، ولنا نبيا مرشدا هاديا بإذن ربه إلى صراط مستقيم

No comments:

Post a Comment