Monday 7 October 2019

علوم القرآن - الفرق بين كلمتي لفحة، ونفحة في اللغة ومدلولهما في القرآن الكريم

 


 



علوم القرآن - الفرق بين معاني الكلمتين: لفحة، ونفحة

وردت في القرآن الكريم كلمتي لفحة، ونفحة في مواضع سنشير إليهما، ونبين من معاجم اللغة، ومن تفسير مفسري القرآن الفرق بين الكلمتين، ولماذا استعار المولى عز وجل إحداهما في مكان الأخرى، ومدى بلاغة العبارة فيما استخدمت له.
وأبدأ بذكر ما ورد في المعاجم من معاني للكلمتين وفيم تستخدم كل منهما:
معاني كلمة لفحة في كلام العرب:
في المعجم الوسيط
لفحه النارُ أو السّموم ـَ لَفْحاً، ولَفَحاناً: أصابت وجهه وأحرقته.
ويقال: لفحته السّموم: قابلت وجهه. فهي لافحة.
( جمع ) لوافح. وهي لافح ولَفُوح أيضاً. ولفح فلاناً بالسيف لَفْحاً: ضربه به ضربة خفيفة.( اللَّفْح ): الحرّ.
( اللُّفّاح ): نبت عشبيّ معمّر سامّ طبّيّ، من الفصيلة الباذنجانية، ويسمى البَيروح، ينبت برّيًّا في بعض أنحاء الشام.

في لسان العرب
لَفَحَتْه النارُ تَلْفَحُه لَفْحاً ولَفَحاناً أَصابت وجهه، إِلاَّ أَن النَّفْحَ أَعظم تأْثيراً منه وكذلك لَفَحَتْ وجهه وقال الأَزهري لَفَحَتْه النارُ إِذا أَصابت أَعلى جسده فأَحرقته الجوهري لَفَحَتْه النارُ والسَّمُومُ بحرِّها أَحرقته.
في مختار الصحاح
ل ف ح : لَفَحَتْهُ النار والسُموم بحرها، أي أحرقته .
 قال الأصمعي: ما كان من الرياح له لَفْحٌ فهو حَرٌّ، وما كان من الرياح نفح فهو برد
ولَفَحْتُهُ بالسيف لَفْحَةً، إذا ضربته به ضربةً خفيفة. واللُفَّاحُ هذا الذي يُشَمُّ، وهو شبيهٌ بالباذنجان إذا اصفرَّ.

ورود كلمتي (لفحة، ونفحة) في القرآن

وردت كلمة لفحة( تلفح):  في القرآن في آية  سورة المؤمنون، قال تعالى: { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } ﴿المؤمنون١٠٤﴾
قال ابن كثير في تفسير الآية: عن أبي هريرة عن النبي قال: (إنَّ جهنمَ لما سيق إليها أهلُها ؛ تلقَّتهم [ بعنق ] ؛ فلفحتْهم لفحةً، فلم تدعْ لحمًا على عظم إلا ألقتْه على العرقوبِ .) (أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة- وضعفة الألباني مرفوعا). وهذا المعني وفي هذا الموضع يتماشي مع ما ورد من معنى الكلمة في اللغة.

ووردت كلمة ( نفحة ): في سورة الأنبياء: قال تعالى: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (الأنبياء 46)
قال الطبري في تفسيرها : يَعْنِي بِالنَّفْحَةِ النَّصِيب وَالْحَظّ،  مِنْ قَوْلهمْ : نَفَحَ فُلَان لِفُلَانٍ مِنْ عَطَائِهِ : إِذَا أَعْطَاهُ قَسْمًا أَوْ نَصِيبًا مِنْ الْمَال، فعلى هذا التفسير يفيد أن النفحة تفيد الجزء اليسير مما هو مستحب، كالعطاء من المال وغيره.
وفي تفسير القرطبي قال عن ابن كيسان : قليل وأدنى شيء؛ مأخوذة من نفح المسك.
قال :  وعمرة من سروات النساء ** تنفح بالمسك أردانها
قال ابن جريج: نصيب؛ كما يقال : نفح فلان لفلان من عطائه، إذا أعطاه نصيبا من المال.
قال الشاعر: لما أتيتك أرجو فضل نائلكم ** نفحتني نفحة طابت لها العرب
 أي طابت لها النفس. والنفحة في اللغة الدفعة اليسيرة، وهي ريح باردة مستحب؛ فالمعنى ولئن مسهم أقل قدر من العذاب، ولو لفحة يسيرة وقصيرة ما هي إلا ثوان {لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أي متعدين فيعترفون حين لا ينفعهم الاعتراف، بالرغم أن ما أُذيقوه هو بالنسبة لما هو أت عليهم كأنه ريح لطيفة.

ما هي البلاغة في ورود كلمة نفحة في آية الأنبياء في مكان لفحة التي هي تؤدي المعنى:

نقول هذا والله أعلم بمراده أنها من باب التقريع الزائد، والاستهزاء بأهل النار، كقوله تعالى في سورة آل عمران آية 22: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
فالبشارة تكون بالخير، والنذارة بالشر، ولترهيب العصاة فإنه لا بشارة لهم إلا بالشر، فإنهم أذا سمعوا كلمة بشارة توقعوا الخير، ولكن ما يأتيهم وخير ما يبشرون به هو العذاب لكفرهم، أعاذنا الله من ذلك.
وفي سورة الأنبياء؛ استخدم نفس الأسلوب حيث يصف ما يصيب الكفار من العذاب أول ما يبدأ بهم بالقليل، ويسميها ربنا بالنسبة لما هو آت؛ إنما هي نفحة من العذاب، أي كأنها ريح لطيفة بالنسبة لما هو آت، وهو القليل القليل من العذاب، وبالرغم من ذلك عندما مستهم صاروا يدعون بالويل والثبور على أنفسهم. فقال لهم أن هذه ما هي إلا نفحة (وهي  في الأصل الريح الباردة المستحبة) إنما هي كذلك بالنسبة لما سيصيرون إليه. فليس لهم بعد ذلك خير ولا القليل منه، إلا الويل الخسران.
سبحان الله تعالى، وما أعظم كلام ربنا، وما أجمل تدبره، والبحث في دقائق الفاظه، ولن نستوعبها.

اللهم علمنا من القرآن العظيم ما جهلنا، وذكرنا منه ما نُسِّينا
اللهم بشرنا منك برضوان ونعيم لا يزول في جنات النعيم، واجعلنا في الدنيا أهلًا لذلك

No comments:

Post a Comment