Monday 14 October 2019

أنبياء الله ؛ تعرَّف عليهم - ج5- نبي الله صالح عليه السلام

 


 



الترتيب الزمنى لأنبياء الله وسيرهم- ج5–-  صالح علية السلام
نسَبُ نبي الله صالح عليه السلام وقبيلته ثمود:

قيل في نسبه عليه السلام إنه صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك، وهو ثاني الأنبياء العرب، وقد أرسله الله تعالى إلى ثمود وهم قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عاثر بن إرم بن سام بن نوح ، وهم من العرب الذين كانوا يسكنون الحِجر الذي هو بين الحجاز والأردن، وقد مر به رسول الله وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين، وما زالت ءاثارهم باقية هناك تعرف باسم “مدائن صالح”.
ثمود قوم صالح
يرجع زمن وجود قوم ثمود إلى أكثر من 3500 سنة قبل بعثة الرسول الأمين محمد ، لإن صالح عليه السلام بُعثَ بعد نوح وهود عليهما السلام،  وقبل إبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام، قال تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا)(الفرقان: 38.) ، وقالَ شعيب عليه السلام لقومه كما يخبرنا الله عز وجل: (يَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ)، هود: 89. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين إبراهيم وموسى سبعمائة سنة، وبين موسى وعيسى ألف وخمسمائة سنة، وبين عيسى ونبينا ستمائة سنة).
إشتهرَ قوم ثمود أو قوم صالح عليه السلام بمهنة فريدة من نوعها، وهي نحت الجبال، ويُعدَّ قوم ثمود أول من نحت الجبال والصور والرخام، فبنوا من المدائن ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، ومن الدور والمنازل ألفي ألف وسبعمائة ألف كلها من الحجارة ، كما قالَ في تفسير الإمام القرطبي رحمه الله، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) ( الفجر: 6-9.) والصورة فوق هي لبعض مساكنهم.
موقع مدائن صالح:
مدائن صالح هي تلك المدن التي قد سكنها قوم نبي الله صالح عليه السلام في القدم وهو قوم ثمود، ووفقا للكتب التاريخية والأثرية فإن موقع مدائن صالح هو الجزء الشمالي للمملكة العربية السعودية والتي تتبع إداريا مدينة المدينة المنورة بالمملكة، وقد عرفت تلك المنطقة في القدم تحت مسمى الحجر وتقع تلك المدائن اليوم على بعد 22 كيلومتر شمال شرق مدينة العلا، كما يحدها من الجنوب مدينة البتراء التي تقع جنوب المملكة الأردنية الهاشمية وموقع تلك المدينة يعد من المواقع الاستراتيجية.
وتحتل مدائن صالح موقعاً استراتيجياً على الطريق الذي يربط جنوب الجزيرة العربية ببلاد الرافدين وبلاد الشام ، ومصر ، وترجع شهرة هذا المكان بسبب وجوده على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام ، ويرجع اسم الحجر لديار ثمود بوادي القرى بالمدينة المنورة وتبوك ، وقد تم ذكر الحجر في القرآن على أنها مكان قوم ثمود الذين استجابوا لدعوة نبي الله صالح، ثم بعدها ارتدوا عن دينهم وعقروا الناقة ، فأهلكهم الله بالصيحة ، وهي من أهم حواضر الأنباط بعد عاصمتهم البتراء في الأردن، وتحتوي على أكبر مستوطنة جنوبية لمملكة الأنباط بعد البتراء وتفصلها عنها مسافة 500 كم ، ويقال أن حضارة الحجر استمرت حتى القرن الرابع الميلادي .
نبي الله صالح عليه السلام يدعوهم لعبادة الله وحده:
أرسل الله عز وجل نبيه صالحاً عليه السلام إلى قبيلة ثمود؛ وكان من أشرفهم نسبًا وأصفاهم عقلاً وأوسعهم حلمًا، وقد أقر قومه له بذلك، قال تعالى: { {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}( سورة هود 62)، أي إننا عهدناك ثاقب الفكر، سديد الرأي، ولكنه لما دعاهم إلى عبادة الله وحده سبحانه وتعالى. ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [النمل: 45]  كذّبوه واستهزؤوا به وبدينِه الذي جاء به، واستكبروا أن يتركوا دين آبائهم ويتبعون رجلاً مثلهم، ولتعجيز نبي الله صالح عليه السلام واستهزاءً به طلبوا منه أن يأتيهم بآية تدل على صدقه، قالوا له: ﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 153، 154].
وهم الذين اقترحوا عليه أن يخرج لهم ناقة عُشَراء: أي أنها ناقة حامل في شهرها العاشر، أي متم، من صخرة صماء عينوها بأنفسهم، وقبل أن يستجيب لهم نبي الله صالح عليه السلام، أخذ عليهم العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم ليؤمِنن به وليتبعُنه، وبما أنهم كانوا يستبعدون جداً أن يتمكن من إجابتهم لطلبهم، لعدم إيمنهم أنه مؤيد من الخالق البارئ، فقد أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، فلَزِم صالح -عليه السّلام- مُصَلّاه، وأخذ يدعو ربَّه أن يُجيب طلبَهم؛ كي يُثبِت لهم صدق ما جاءهم به، فاستجاب الله لنبيِّه، وأمر تلك الصّخرة التي أشاروا إليها أن تَنفَطِر وتُخرِج ناقةً عظيمةً عَشراءَ، وقد أتت النّاقة كما طلب قوم ثمود من صالح، {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ هَـٰذِهِ نَاقَةُ اللَّـهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّـهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ﴿٧٣ الأعراف﴾، أخرج لهم الناقة من الصخر كما طلبوا، واشترط عليهم أن لا يمسوها بسوء هي ولا وليدها، وأن يتركوها ترعي في الحقول، وأن يدعوا لها بئر المدينة تشرب منه يوما لها وحدها ، وليس لهم منه شيء، ويشربون هم منه يوما، كما قال جل جلاله: ﴿ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ﴾ [القمر: 28]، وقال الله تعالى: ﴿ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الشعراء: 155].
فلمّا رأوها وتأكّدوا من أنّها وفق الصّفات التي طلبوها، آمنَ بصالح فريقٌ منهم، واستمرّ أكثرهم على الكفر، بل زادوا عُتُوّاً وضلالاً وعِناداً، كان على رأس الذين آمنوا جندع بن عَمرو بن محلاة، وكان من وُجَهاء القوم وساداتهم.
فأقامت الناقة وفصيلها ( أي ابنها ) بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة، تشرب ماء البئر ويومًا، وتدعه لهم يوماً، وقيل: كانت تلك النّاقة تشرب ماء البئر جميعَه إذا وردت الماء.  وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها، فيملؤون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم، وبالرغم من ذلك لم يرضوا بهذه القسمة، بل تعدوا على معجزة الله تكبراً ، وحقداً أن يظهر صدق نبي لله صالح عليه السلام، ولم يُعجِبهم ذلك، فاجتمعوا فيما بينهم، واتّفقوا أن يذبحوها في اللّيل؛ ليستريحوا منها ويبقى لهم ماؤُهم، وقد تآمر على قتلها بل وقتل نبي الله صالح أيضًا تسعة منهم، والذي تولّى قتلها منهم رئيسُهم قدار بن سالف بن جندع، فعاقبهم الله جميعًا على فعلتِهم بإهلاكهم بالرغم من أن الفاعل واحد منهم، إلا إنهم جميعًأ كانوا حريصين على قتلها ، قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} ( الأعراف 48-49)، وسما الله القاتل: أشقاها، أو هو أشقى أهل القبيلة.
قال الله تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 11 - 14].
قال الشيخ السعدي في تفسير الآيات:
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ﴾ أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله.
﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ أي: أشقى القبيلة، وهو قدار بن سالف، لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم. ﴿ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ صالح عليه السلام محذرًا: ﴿ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾ أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا.
﴿ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ ﴾ أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبًا. ﴿ فَسَوَّاهَا ﴾ عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة من قتل ومن تمالأ على القتل، أو سكت راضيًابه، أهلكهم الله جميعًا:  (و انْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ( الأعراف 51-52)، ﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ أي: تبعتها، وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه؟.
  ونجي صالح عليه السلام والمؤمنون: {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)( الأعراف 48-53.)

صالح عليه السلام بعد هلاك قومه:
أما صالح والجماعة الذين اتبعوه فقد توجهوا إلى مسجد صالح عليه السلام، فانجاهم الله جميعاً من الصيحة التي قضت على المستكبرين الكافرين من ثمود، وماكان من نبي الله صالح عليه السلام، إلاّ أن رحل من الأرض التي حلَّ عليها غضب الله مصطحباً معه جماعته، وتوجهوا شمالاً باتجاه فلسطين، وحطوا رحالهم في مدينة الرملة- وهو الأرجح.
ويذكر أن نبي الله صالحاً عليه السلام حجَّ بيت الله ملبيّاً وقد مرَّ بوادي عسفان، الذي مرَّ فيه قبله النبي هود عليه السلام.
ويروى أنه عليه السلام ترك بلاد فلسطين ماراً بأرض الشام قاصداً إلى مكة المكرمة، فوصلها، وظلَّ فيها يعبد الله حتى وافاه الأجل.
ويقال: إنه ذهب إلى حضرموت من أرض اليمن إذ إنَّ أصله من هناك، وتوفي فيها عن عمر يناهز الثامنة والخمسين، وفيها دفن. ولكن ليس من اتفاق بين المؤرخين على لمدة التي عاشها نبي الله صالح عليه السلام،  أما مكن دفنه فعلى الأغلب أنه في مدينة الرملة بفلسطين. والله أعلم.
وقال المسعودي في مروج الذهب عن مكان وفاته:
"ورممهم باقية، وآثارهم بادية في طريق من ورد الشام، وحجر ثمود في الجنوب الشرقي في أرض مدين، وهي مصاقبة لخليج العقبة".
نهى رسول الله عن دخول ديار الأقوام المعذبين:
ولابد من من الإشارة إلى أن هذه الأماكن غير مستحب دخولها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال، قال رسول الله : (لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم)، رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم)، رواه البخاري. قالَ الإمام النووي رحمه الله في شرح النووي على مسلم: - فقوله: (قال لأصحاب الحجر): أي قال في شأنهم، وكان في غزوة تبوك، و قوله: ( أن يصيبكم ) : أي خشية أن يصيبكم ما أصابهم، وفيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين، ومواضع العذاب، ومثله الإسراع في وادي محسر لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك، فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء، والاعتبار بهم وبمصارعهم، وأن يستعيذ بالله من ذلك-.

No comments:

Post a Comment